مشروع قانون لجهاز الأمن الداخلي يستفز السودانيين

مشروع قانون لجهاز الأمن الداخلي يستفز السودانيين

الخرطوم – أثار مشروع قانون جهاز الأمن الداخلي الذي جرى تسريب نصوصه إلى وسائل إعلام محلية غضبا كبيرا بين القوى السياسية في السودان، حيث تحتوي بعض مواده على مضمون يعيد شبح التصرفات القمعية لنظام الرئيس السابق عمر البشير، بما يوحي بأن هناك في السلطة الانتقالية من يريدون العودة إلى ممارسات سيئة السمعة.

وتداول نشطاء مسودة لقانون جهاز الأمن الداخلي من 69 مادة، تنص على أن يعمل الجهاز تحت القيادة العليا لمجلس السيادة، ويخضع للسلطة التنفيذية، ويمارس نشاطه تحت الإشراف المباشر لوزير الداخلية.

ولم تفلح تصريحات وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري الأحد في وقف تصاعد الانتقادات من قبل قوى مختلفة، والتي اعتبرها “بنيت على معلومات غير دقيقة”، ولم يشر الرجل بوضوح إلى تكذيب النص المتداول للقانون أو عدم صحته.

واعترف أن مشروع القانون تم إعداده بواسطة “لجنة جرى تشكيلها من ممثلين للوزارات والأجهزة ذات الصلة، ولم يتم عرضه للمناقشة على أي مستوى من المستويات الرسمية”، وهو ما زاد من المطالبة بسرعة تشكيل المجلس التشريعي.

نورالدين صلاح الدين: بعض مواد القانون أعطت سلطات واسعة لمجلس السيادة

وحظيت الإشارة الفضفاضة في القانون إلى ضابط الجهاز “من كان يعمل في الجهاز السابق”، بردود فعل حادة، فقد فهم منها كثيرون أنها تفضي لاستيعاب أشخاص انتهكوا حقوق الإنسان، ومنح حصانات واسعة، وسلطة سحب القضايا من أمام المحاكم العادية، الأمر الذي يتعارض مع الموقف المعلن بشأن “وجود جهاز أمن يختص فقط بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات التنفيذية”.

وذهبت جهات معنية بالقانون في البلاد إلى أن مشروع القانون المثير للجدل “ردة تشريعية”، حيث يمنح أفراد جهاز الأمن الداخلي “سلطة قضائية في القبض والحجز في الحراسات الخاصة، ومنح منسوبيه حصانة تتيح إنتاج ممارسات النظام السابق”.

وأكدت دوائر سودانية أن من واجبات السلطة الحالية التطهر من تركة البشير، والعمل على تحقيق شعارات الحرية والسلام والعدالة التي رفعتها الثورة، رافضة استمرار إجازة القوانين عبر سلطة الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء.

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين إن مشروع القانون أخذ طريقه للانتشار من دون أن تعلن أي من الجهات الرسمية مسؤوليتها عنه، وستواجه برفض القوى المشاركة في عملية التشريع حال جرى عرضه وفقاً للصياغة الحالية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بعض مواد القانون أعطت سلطات واسعة لمجلس السيادة، في حين أن الفكرة الأساسية للقانون تدعم تدشين جهاز أمن داخلي يتبع وزارة الداخلية ويساعدها في أداء مهامها على أن تكون سلطته تابعة لمجلس الوزراء، وأن فقدان الثقة بين المكون العسكري وقطاع كبير من المواطنين أسهم في زيادة الغضب.

ويشير متابعون إلى أن القانون وسّع سلطات الجهاز للاعتقال والتحفظ على المتهمين، وهي نفس السلطات التي كانت ممنوحة في السابق لجهاز المخابرات العامة (الأمن الوطني سابقاً) ما يشكل ردة على الحريات العامة.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم مصطفى الجميل hن ظهور مسودة القانون بهذه الكيفية ومحاولة الحكومة التبرؤ منها يعني أنها “بالون اختبار من قبل بعض الأطراف المشاركة في السلطة الانتقالية للقوى السياسية والشارع، تمهيداً لإمكانية تمريرها مع إدخال تعديلات طفيفة على المسودة الحالية”.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الرفض الواسع للمسودة بعث برسائل قوية لتلك الأطراف بأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وإصلاح الأجهزة الأمنية يتطلب تطوير أدوات عملها وليس إعادة إنتاج أدوات عملها، كما كانت في عهد البشير البائد.

مصطفى الجميل: ظهور مسودة القانون بهذه الكيفية بالون اختبار

وعزز مشروع القانون المخاوف في الشارع من وجود قيادات محسوبة على نظام البشير تتحكم في مفاصل القرارات المصيرية لتأكيد هيمنتها أو إحداث فتنة بين السلطة الانتقالية والقوى المدنية، وإتاحة الفرصة لفلول النظام السابق لتخريب العلاقة بينهما.

وكتب نائب رئيس الحركة الشعبية – شمال ياسر عرمان على حسابه الشخصي على فيسبوك، أن نسخة مشروع القانون المتداولة “كأن البشير قد كتبها من سجنه”، ودعا لمقاومتها ووأدها في مهدها.

وتوالت الانتقادات من قوى متباينة، حيث أشار التجمع الاتحادي إلى أن “القوانين تعد ويدفع بها عبر وزير العدل للمجلسين دون مشورة أو رأي من جهة لها الحق”.

وندد الحزب الشيوعي بمشروع القانون واعتبر أنه “يشكل تهديدا للحريات العامة، وللحقوق الواردة في المعايير الدولية وفي وثيقة الحقوق”.

وأرجع متابعون الجدل حول القانون إلى رغبة السلطة الانتقالية في امتصاص غضب الناس من بعض الانفلاتات الأمنية والصراعات القبلية، حيث تعود السلطة إلى إثارة قانون جهاز الأمن الداخلي وتكرار الحديث عن إجراءات لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية في مواجهة التحديات المتراكمة للإيحاء بأن الأوضاع الراهنة استثنائية وتتطلب قانونا صارما يمكنه التعاطي مع روافدها الأمنية المتشعبة.

وحرّك الجدل حول القانون ركود ملف إصلاحات الأجهزة الأمنية الذي توقف منذ محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في مارس من العام الماضي، وقد تأخذ جملة من القوانين المرتبطة بدمج الأجهزة الأمنية طريقها للنقاش في الأيام المقبلة، وعدم السماح بترك أوضاعها من دون حسم، بعد أن اجتازت السلطة الانتقالية العقبة الأكبر، وهي توقيع اتفاق السلام مع الحركات المسلحة في أكتوبر الماضي.

العرب