يعتبر القمح السلعة الأهم في مصر، التي يعيش نحو 30 بالمئة من شعبها حاليا تحت خط الفقر؛ وبالتالي، فإن ارتفاع سعر الخبز يعمق معاناتهم المالية، وهذا ما رصده مقال نشر مؤخرا.
وتقول الكاتبة كلار ويليو -مراسلة صحيفة “لاكروا” (la croix) الفرنسية في القاهرة- إن عمال توصيل الخبز في العاصمة المصرية يقطعون الطرقات جيئة وذهابا كل يوم، بكل نشاط وحيوية، واضعين فوق رؤوسهم ألواحا خشبية طويلة، ترص فوقها أرغفة الخبز.
وتضيف الكاتبة أن هذه الحركة اليومية، تسمح بإيصال الخبز من الأفران إلى مختلف نقاط البيع في القاهرة، حيث يتم عرضه في أكشاك، وحتى على الأرض.
وتشير الكاتبة إلى أن المصريين يعتبرون من أكبر مستهلكي الخبز في العالم، حيث إن هذه المادة الغذائية ترافق معظم الأطباق والأطعمة المنتشرة في البلاد، وهي تشكل حصة الغذاء اليومية للشريحة الأكثر فقرا.
يشار إلى أن مصر -التي لا تنتج أكثر من 40 بالمئة من احتياجاتها من القمح- تعتبر أكبر مستورد لهذه السلعة في العالم، حيث إنها تشتري 12 مليون طن سنويا مقابل 3 مليارات دولار.
وتقول الكاتبة إن محمد أشرف، الشاب البالغ من العمر 24 عاما، كان قد قضى 10 سنوات في مهنة تحضير الخبز، وهو -حاليا- يدير فرنا في وسط العاصمة، ويعتمد الطرق التقليدية في تحضير الخبز، وينتج يوميا أكثر من ألف رغيف.
هذا المشروع كان يعتبر مربحا نسبيا بالنسبة لمحمد حتى الشهر الماضي، عندما قفز سعر كيس الدقيق فجأة إلى 6 آلاف جنيه (324 يورو)، بعد أن كان 4 آلاف جنيه (216 يورو).
وفي مسعى للحد من الخسائر، قرر محمد أشرف تخفيض حجم الرغيف، وهي خطوة أثارت استياء الزبائن. إلا أنه يقول “أنا ما زلت أتعرض لخسارة نصف مداخيلي رغم هذا الإجراء، وإذا تواصل الأمر على هذا الحال، سأكون مضطرا لتغيير مهنتي”.
التجار هم المتحكمون
في أحد أسواق العاصمة، تتجول أمل بين أكشاك الفاكهة والخضروات، حاملة فوق كتفيها طفلها البالغ من العمر عامين، وهي تتذمر قائلة “لقد أصبح كل شيء غاليا وفوضويا”.
هذه السيدة، رغم ما تكسبه من عملها معينةً منزلية وما يكسبه زوجها (سائق توك توك)، لم تعد قادرة على مجابهة المصاريف. وتقول “التجار هم من يتحكمون في الأسعار. ومنذ بضعة أسابيع، صرت مضطرة للقيام بعدة جولات في السوق، من أجل العثور على بضائع بثمن مناسب، وأحيانا أعود إلى البيت خالية الوفاض”.
يشار إلى أن أمل تستفيد من منظومة الدعم، التي تسمح لها بشراء المواد الأساسية، وخاصة الخبز، بسعر زهيد جدا. وعلى غرار هذه السيدة، يستفيد من هذه المنظومة أكثر من 60 مليون مصري بدرجات متفاوتة.
وبالنسبة للأكثر فقرا، تعتبر هذه المساعدة الاجتماعية السبيل الوحيد لمواصلة العيش. ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية فإن حوالي 30 بالمئة من 100 مليون المصري باتوا يعيشون تحت خط الفقر، وكثيرون يشكون ضيق ذات اليد.
ارتفاع كلفة الإنتاج
في منطقة دلتا النيل في شمال القاهرة، تمتد الحقول الزراعية على امتداد البصر حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط. ويسهم قطاع الزراعة -الذي يعد أساسيا في الاقتصاد المصري- في إعاشة حوالي 30 بالمئة من الشعب.
ومنذ أكثر من 30 عاما، يعمل الفلاح صبحي الصاوي في مجال زراعة الذرة والأرز. ويفترض أن يكون هذا الشخص وأمثاله هم أكبر الرابحين من ارتفاع الأسعار العالمية لهذه المنتجات الغذائية. ولكن في الواقع، إن كلفة الإنتاج شهدت بدورها ارتفاعا متواصلا، حيث يقول صبحي “ربع الأسمدة التي أستخدمها مدعمة، في حين أضطر لدفع أموال كثيرة لشراء الباقي، وغالبا ما تكون الأسعار مرتفعة جدا”.
الديون في تزايد
في جامعة القاهرة، يعمل جمال صيام يوميا على متابعة تقلبات أسعار الحبوب. هذا الأستاذ في علم الاقتصاد الزراعي، يعتقد أن سياسة الدعم التي تتبعها الدولة المصرية سمحت مرة أخرى بإنقاذ الأكثر فقرا، ولكن بفاتورة باهظة. وهو يقول ساخرا “من المؤكد أن الدولة اضطرت لأخذ قروض جديدة، هذا هو اختصاصها”.
ويرى الأستاذ الجامعي أن الحكومة تبحث دائما عن نتائج فورية، من دون التفكير على المدى الطويل. وبالتأكيد، فإن الأجيال القادمة سوف تدفع ثمنا باهظا لهذه القرارات.
المصدر : لاكروا