لم يعد القادة في أوروبا يكتمون غيضهم أو غضبهم من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو أمر قد يوسع الهوة بين الإدارة الأميركية والتكتل الأوروبي، لكن مقابل ذلك هل بمقدور أوروبا الاعتماد على نفسها في السياسة الخارجية من دون بايدن، وأيضا هل بمقدور بايدن التخلي عن حاجته إلى الاتحاد الأوروبي؟
لندن- يمكن لنا أن نجمع حزمة من العلامات السيئة التي باتت تؤشر على العلاقة الأوروبية بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فالاستياء من الانسحاب الأميركي من أفغانستان لم يكن إلا فرصة للتعبير عن هواجس أوروبا في العلاقات التي تجمعها بإدارة البيت الأبيض من ثمانية أشهر.
وتبدو تصريحات الاستياء العارمة من المسؤولين الأوروبيين حيال الخذلان الذي تسبب به بايدن لحلف الناتو في أفغانستان، هي أقل بكثير مما يهدد هذه العلاقة، مع إحساس أوروبي جماعي بأن بايدن لا يرى في استراتيجيته أكثر من الشأن الداخلي الأميركي، وحاجته إلى أوروبا ستكون في استكمال السيناريوهات السياسية المعدة للتعامل مع الصين وروسيا.
برونو لومير: يجب أن تكون أوروبا قوة عظمى إلى جانب الولايات المتحدة
أنيغريت كرامب كارنباور: لا بد أن تصبح أوروبا أكثر استقلالية في السياسة الخارجية
أدوارد لويس: الأوربيون يرون استمرارية بين ترامب وبايدن
ولا يبدو أن أوروبا ستنتظر هذا الموقف، قبل أن تتفق على استقلالية تفرز سياسة الاتحاد غير الخاضعة بشكل مطلق لسياسة بايدن التي يصفها المحللون الأوروبيون بـ”الأنانية”. لكن السؤال هل بإمكانهم فعل ذلك؟
أوروبا أقوى
دعا وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير هذا الأسبوع إلى “أوروبا أقوى” قادرة على التمتع بـ”استقلالها السياسي” وتكون ذات “سيادة على الصعيد التكنولوجي” بدل الاكتفاء بلعب دور “السوق المشتركة”.
وعبر لومير عن رغبة بلاده في بذل الجهود من أجل أن تحتل أوروبا مكانتها كقوة عظمى في العالم إلى جانب الولايات المتحدة والصين، وتدافع عن مجموعة من القيم.
وتعمل الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على بوصلة استراتيجية جديدة، أي مبادئ دفاع مشترك من شأنها مساعدة التكتل الأوروبي على العمل بشكل منسق خلال الأزمات، وفي ظل 27 جيشا وحكومة، غالبا ما تعيق الحاجة لإجماع سريع في الآراء بين الدول الأعضاء.
وتتفق وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارنباور مع دعوة وزير الاقتصاد الفرنسي بقولها إن الاتحاد الأوروبي كان معتمدا على الأميركيين، طوال أزمة أفغانستان، ولا بد أن يصبح التكتل الأوروبي فاعلا بصورة أكثر استقلالية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة على ما يبدو من المسرح العالمي.
وشددت كرامب كارنباور على أن الاستقلال الأوروبي الأكبر لا يعني أن يحل محل الناتو أو الروابط الوثيقة مع الولايات المتحدة، ولكن يعني جعل الغرب أقوى بشكل عام.
إلا أن الحقيقة الواقعية بشأن أفغانستان هي أن الأوروبيين بالكاد قاوموا قرار الأميركيين بالانسحاب، لأنهم لا يستطيعون تحمل ذلك لأنهم يفتقرون إلى قدراتهم الخاصة.
بايدن يذكر بترامب
تمتلك دعوة وزيرة الدفاع الألمانية، إلى أن تصبح أوروبا أقوى من أجل جعل التحالف الغربي وبشكل عام على قدم المساواة مع الولايات المتحدة. أكثر من كونها مجرد دعوة، بقدر تحولها إلى استراتيجية يمكن وضع آليتها في المختبرات السياسية الأوروبية، وليس في مختبر الناتو المشترك مع الولايات المتحدة.
وكل الذي يحصل اليوم مع إدارة بايدن يذكرهم بدونالد ترامب. على مستوى الأسلوب، الفرق بين بايدن وترامب بالكاد يكون كبيرا. بايدن يتفاعل، فهو يمزح مع نظرائه الأوروبيين وعادة ما يقول الأشياء الصحيحة اللائقة. وذلك ما لم يفعله ترامب من قبل، هل تتذكرون كيف أزال قشرة الشعر من على بدلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في بادرة غير دبلوماسية، وهناك ما هو أشد عندما يتعلق الأمر بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
لكن أن يكون محبوبا لا يعني أن يكون حليفا جيدا وفق الكاتب إدوارد لوس في صحيفة فايننشيال تايمز. في هذا الصدد، بدأ الأوروبيون يرون استمرارية بين بايدن وترامب.
الأمر الأكثر لفتا للنظر هو أن بايدن لا يعطي لرأيهم أهمية كبيرة، حتى لو بدا أنه يستمع. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون محقا في ذلك. شكا كثير من القادة الأوروبيين بمرارة من الطريقة التي سحب بها بايدن القوات العسكرية الأميركية من أفغانستان.
لقد سبق وأن صدم بايدن أوروبا قبل صدمة أفغانستان. في مايو الماضي أعلن أنه سيطلب من منظمة التجارة العالمية تعليق براءات اختراع اللقاحات. كانت هذه الخطوة جريئة وغير متوقعة، لكنها ولدت ميتة، فاجأت الأوروبيين وقتلوها.
تصريحات الاستياء العارمة من المسؤولين الأوروبيين حيال الخذلان الذي تسبب به بايدن لحلف الناتو في أفغانستان، تبدو أقل بكثير مما يهدد هذه العلاقة
ويرى لوس أن بايدن كان يحاول إرضاء اليسار الأميركي وإعطاء الانطباع بأنه يحمل على شركات الأدوية الكبرى.
لكن السؤال الذي سيبقى ماثلا: عما إذا كان بايدن يعتقد أنه بحاجة إلى أوروبا، وفق أولوياته الثلاث المعلنة وهي كوفيد، المناخ والصين.
العرب