عودة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى منزله لا تعني إطلاق سراحه، ولا تعني أيضا -بأي حال من الأحوال- نهاية الأزمة، بل إنها لا ترقى أصلا إلى أن تكون بادرة مصالحة، بمعنى أن الانقلابيين يرغبون في فتح مفاوضات مع المدنيين أو التظاهر بتهدئة الرأي العام الجاهز لفعل أي شيء لمواجهة الانقلاب ومن أعد له، رغم القمع العنيف.
بهذه المقدمة، افتتح موقع “أوريان 21” (Orientxxi) الفرنسي مقالا للكاتبة المستقلة غوانيل لونوار، قالت فيه إن اللواء عبد الفتاح البرهان -رئيس أركان الجيش السابق ورئيس مجلس السيادة المشرف على الانتقال الديمقراطي الذي يتصدر الانقلاب الآن- أعاد عبد الله حمدوك إلى منزله بعد إسقاطه واعتقاله ثم اقتياده إلى جهة مجهولة لرفضه تأييد الانقلاب.
وقالت الكاتبة إن البرهان اعترف بلطف -في مؤتمر صحفي- بأن حمدوك “معه في المنزل”، ليقول مواطن سوداني في الشتات إن “البرهان يعترف ببساطة باختطاف رئيس الوزراء”، وتقول سودانية بالخرطوم إن “هذا الجنرال غبي تماما.. هل يعتقد أننا سنهنئه على دعوة حمدوك لتناول العشاء؟”.
ومع أن الانقلاب لم يفاجئ أحدا بسبب التوترات العالية منذ أسابيع بين طرفي الفريق العسكري والمدني الذي كان من المفترض أن يقوم بالانتقال إلى انتخابات حرة وديمقراطية عام 2024، فإن مرحلة جديدة من الأزمة بدأت باعتصام متظاهرين مدعومين سرا من قبل الجيش أمام مقر الهيئات الانتقالية بالقصر الرئاسي، مطالبين برحيل المدنيين وتسليم السلطة للجيش القادر وحده -حسب رأيهم- على حل أزمة اقتصادية وسياسية لا مثيل لها.
وقد ضم هذا الاعتصام بعض المنشقين عن قوى الحرية والتغيير والتحالف الثوري وأعضاء من جماعتين مسلحتين في دارفور، وقعتا اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020، ويقول مراقب للمشهد السوداني إن “الجيش دفع المال للمنظمين، وإن محمد حمدان دقلو (حميدتي) -قائد قوى الدعم- جلب مؤيدين من القبائل العربية التي عمل على حشدها لنفسه على مدى العامين الماضيين”.
وردت الكاتبة أحد أسباب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى القرار المخطط له بدمج مجموعات المتمردين المختلفة والمليشيات وأجهزة المخابرات المختلفة في الجيش الوطني، لأنه لا أحد من اللاعبين المعنيين يريد ذلك، لما سيؤدي إليه من فقدان النفوذ والمناصب والإعانات، خاصة أن حميدتي يستمد قوته من مليشياته من الجنجويد السابقين، ومثله ميني مناوي في دارفور، وبالتالي فهما يقودان الآن حملة قمع ضد من يقاومون الانقلاب، كما تقول الكاتبة.
كما أن الجيش الوطني من جهته، حريص على الاحتفاظ بإمبراطوريته الاقتصادية الهائلة التي فعل كل شيء منذ بداية الفترة الانتقالية لإبطاء إعادة شركاتها إلى الدولة، وهو يدرك أنه يستطيع، ما دام يتولى رئاسة مجلس السيادة، إعاقة عمل الحكومة، وبالتالي فهو يخشى عودة المقعد إلى مدني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لأن ذلك سيغير الوضع، بما في ذلك فتح الملفات القانونية المتعلقة بتسليم الرئيس السابق عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقمع الثورة، ومجزرة فض اعتصام الخرطوم في الثالث من يونيو/حزيران 2019، وجرائم حرب النظام السابق التي ارتكبت خلال الحرب في دارفور وجبال النوبة.
وقال مسؤول سوداني كبير بالخارج إن “البرهان وحميدتي والجنرالات الآخرين متورطون في كل ذلك، وهم خائفون للغاية من أن يفتح المدعي العام هذه السجلات”، ويقول مراقب سوداني مشارك في العملية الانتقالية “لقد ارتكبنا خطأ. فالإعلان الدستوري يجعل مجلس السيادة يمثل البلاد في الخارج، ولكن دوره يبقى فخريا، غير أن الجيش انتهز الفرصة للاستيلاء على السلطة وعرقلة عمل الحكومة. علينا أن نعود إلى روح الإعلان. هذا هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة”.
لذلك، لا يبدو للكاتبة أن لدى البرهان وحميدتي النية للعودة في الوقت الحالي، لأنهما إقليميا يمكنهم التباهي بدعم دول مهمة مثل الإمارات والسعودية ومصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي الذي يراهن على الجنرالات السودانيين لزيادة زعزعة استقرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بعد فشل المفاوضات حول قضية مياه النيل.
وهناك دولة أخرى في المنطقة مؤيدة لاستيلاء الجنرالات على السودان -كما تقول الكاتبة- إنها إسرائيل، التي تريد تحريك ملف التطبيع الذي بدأه البرهان بلقائه في فبراير/شباط 2020 في أوغندا، سرا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، ولكنه توقف بعد توقيع “اتفاقات أبراهام” التي كانت شرطا أميركيا لرفع العقوبات الأميركية وسحب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، إلا أن حمدوك أوضح أن المدنيين لا يؤيدون التقارب وأنهم يتركون الأمور لما بعد الانتخابات.
وربما يكون الجنرالات قد ظنوا -كما ترى الكاتبة- أن الانقلاب يحظى برعاية جيدة بسبب قوة حلفائهم، غير أنهم يرون الآن أن التعهدات بالمساعدات المالية والقروض التي تم الحصول عليها منذ عودة البلاد إلى المجتمع الدولي بدأت تتلاشى، فالبنك الدولي والولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي يعلقون جميعهم دفع مئات الملايين من الدولارات التي وعدوا بها ويشترطون استعادة الحكومة المدنية لتقديمها، وقد لا يكون دعم روسيا والمساعدات المالية من الإمارات والسعودية كافيا لتعويض هذه الأموال، ناهيك عن خطر العزلة التي يخلقها تعليق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان من جميع هيئاته.
ومنذ يوم الاثنين -الذي أُعلن فيه الانقلاب- والسودانيون -كما تقول الكاتبة- ينظمون المقاومة رغم القمع واستخدام الذخيرة، ورغم ما تشير إليه الصور الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي من جرحى وإذلال للشباب الذين حلق رجال المليشيات شعرهم، ورغم صور النساء اللاتي تعرضن للتحرش في الشوارع.
واستنتجت الكاتبة أن مهنًا كثيرة تنضم -مع مرور الوقت- إلى الدعوة إلى العصيان المدني مما يؤدي إلى شلل البلاد، وكأننا أمام نسخة جديدة من يونيو/حزيران 2019، عندما أجبرت “مسيرة المليون” -المرفقة باحتجاجات حاشدة في جميع أنحاء البلاد- الجيش على التفاوض على حل وسط مع المدنيين، فهل تفعلها مسيرة 30 أكتوبر/تشرين الأول هذا العام؟ تتساءل الكاتبة.
المصدر : أوريان 21