الخرطوم ـ لم يمنع التعتيم الذي فرضه الجيش بعد الانقلاب المواطنين السودانيين من التحدث مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي، باستخدام بطاقات وحدة تعريف المشترك الدولية والأقارب والمغتربين الأوسع لنقل المعلومات الهامة.
ومنذ استيلاء الجيش على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر، أبلغ السودانيون وخاصة المعارضين لانقلاب قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن حدوث اضطرابات في الهواتف والإنترنت، مع عدم توفر خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول تماما باستثناء فترة وجيزة في السادس والعشرين من أكتوبر.
وقالت مراقبة حرية الإنترنت “نت بلوكس” إن “الاضطرابات التي استمرت بعد الانقلاب، تتماشى مع إغلاق الإنترنت”.
ووصفت جماعات الحقوق الرقمية ما جرى بأنه محاولة متعمّدة من قبل الجيش لإبقاء المواطنين وبقية العالم دون معلومات أثناء الاستيلاء على السلطة، مستشهدة بإغلاق سابق للإنترنت عندما قُتل محتجون.
كما أدى الإغلاق إلى خنق التجارة الإلكترونية، التي كانت مصدر أمل في اقتصاد ضربته السياسة والوباء.
وقالت فيليسيا أنطونيو، وهي إحدى الناشطات في موقع “أكس ناو”، “لم يتمكن الناس في جميع أنحاء السودان من الوصول إلى أبسط الخدمات عبر الإنترنت مثل إرسال الأموال أو تلقيها، أو التواصل مع العائلة والأصدقاء، ومن المحتمل جدا أن يفوّتوا المعلومات المنقذة للحياة”.
وأضافت “ومع ذلك، لا يعرف العالم المدى الكامل لما يحدث في السودان دون الإنترنت. لذلك، لا يمكننا أن نقول إلى أي مستوى تُزهق الأرواح… وما هي انتهاكات حقوق الإنسان، وكم عدد المتظاهرين الذين قُتلوا؟”.
ولفتت إلى أن إغلاق الإنترنت يسبّب ضررا لا يمكن إصلاحه خلال أكثر الأوقات استقرارا. وأضافت أنه أثناء العنف أو الأزمات يمكن أن يساهم في الدمار.
وخرج الآلاف إلى الشوارع لمعارضة استيلاء البرهان على السلطة، مما أدى إلى مواجهات بين الجنود والمتظاهرين المناهضين للانقلاب.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يفرض فيها السودان قيودا على الإنترنت بما في ذلك الإغلاق والقيود على وسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة الاضطرابات السياسية.
وخلال الاحتجاجات في سنتي 2018 و2019، قُطع الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية لمدة 68 يوما.
وأدى إغلاق الإنترنت عبر الهاتف المحمول على نطاق واسع إلى ترك السودان بلا اتصال بالإنترنت لمدة 36 يوما اعتبارا من يونيو 2019، بعد أن نفذت قوات الأمن غارة على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص.
وتخشى جماعات حقوق الإنسان أن يكون الإغلاق المتجدد بمثابة تحذير من أن العنف ضد المتظاهرين قد يتبعه قريبا.
ودعت الأمم المتحدة وحكومات أجنبية الجيش السوداني إلى إعادة خدمات الإنترنت على الفور.
ورغم ذلك فإن المواطنين السودانيين يقاومون من أجل البقاء على اتصال، بعد أن تعلموا الدروس من الاضطرابات السابقة.
ويتضمن ذلك استخدام خدمات الجوّال على بطاقات وحدة تعريف المشترك الدولية المرسلة من الخارج، فضلا عن مهمة الدراجات النارية في نقل المعلومات من منطقة إلى أخرى. كما تنقل لجان المقاومة في الأحياء أيضا من باب إلى باب، وتقدم المشورة بشأن السلامة، وتوزع منشورات حول الاحتجاجات.
ومع سهولة الاتصال بالمكالمات الدولية مقارنة بالمكالمات المحلية للعديد من المواطنين، لعب المواطنون السودانيون الذين يعيشون في الشتات دورا حيويا أيضا.
وقال حميد خلف الله، وهو ناشط سوداني في مجال حقوق الإنسان يعيش في إيطاليا “يشعر الناس بالعزلة الشديدة. إنهم لا يعرفون ما الذي يجري وما إذا كان أحباؤهم آمنين أم لا. إنه أمر مخيف حقا. لذلك، ينقل الناس الذين يعيشون في الخارج مثلي المعلومات. حيث اتصلت بأسرتي الممتدة ثم نقلت رسائلهم إلى أقارب آخرين”.
وأضاف خلف الله أن السودانيين بالخارج يساعدون في تبادل المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا لضمان وصول أصوات الأشخاص في الوطن إلى المجتمع الدولي.
وتشير داتا ريبورتال إلى أن هناك ما يقرب من 14 مليون مستخدم للإنترنت في السودان، أي حوالي 30 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 44 مليون نسمة.
ويعتمد الكثيرون على خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول في أنشطتهم اليومية للحصول على المعلومات والدردشة، ولتحويل الأموال وكسب الدخل، من عمال الوظائف المؤقتة مثل السائقين الذين يستخدمون تطبيقات النقل إلى رواد المطبخ السحابي.
وليس لأبرار محمد علي، وهي مواطنة سودانية وعضو في شبكة الحقوق الرقمية الأفريقية، أدنى شك في أن الاضطرابات قد أثرت على قدرة الناس على كسب عيشهم.
وقالت “خلال الوباء، حوّل الكثير من الناس أعمالهم عبر الإنترنت أو بدأوا أعمال تجارة إلكترونية جديدة مثل بيع المثلجات، أو تقديم خدمات التجميل أو الحرف اليدوية على مواقع مثل فيسبوك وإنستغرام. لذلك، تأثروا بالتعتيم”.
وذكرت عبر الهاتف من لندن “كانت الإنترنت وسيلة للناس العاديين لإيجاد طريقة لكسب نوع من الدخل”.
وتقدر مجموعة الخصوصية الرقمية “توب تن.في.بي.إن” أن الإغلاق الحالي كلف البلاد حتى الآن ما يقرب من 43 مليون دولار، وهذا هو السعر الاقتصادي المدفوع فقط.
وقال سيمون ميغليانو، وهو رئيس الأبحاث في “توب تن.في.بي.إن”، “لا يمكن التقليل من الأثر الاقتصادي لإغلاق الإنترنت. حيث يؤدي إلى توقف الاقتصاد من الشركات غير القادرة على معالجة المعاملات أو التواصل إلكترونيا للمتداولين الأفراد الذين يعتمدون على منصات الإنترنت”.
العرب