انطلقت بعد ظهر أمس الخميس طائرة عراقية من العاصمة البيلاروسية مينسك، في أول رحلة لإعادة بعض مواطنيها إلى أربيل من بيلاروسيا، لكن الشاعر والناشط الكردي العراقي أوميد أحمد رفض العودة إلى بلاده قائلا “أريد أن أموت هنا لا أن أعود إلى العراق من فضلكم”.
ذكر ذلك تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني، قائلا إن الشاعر نشر على صفحته في فيسبوك صورته في منطقة الغابة على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، حيث كان يخيم مع لاجئين آخرين.
يدفعون لمهربي البشر
وأفادت تقارير بأن عددا من وكالات السفر في كردستان العراق تعرض رحلات شاملة للوصول إلى مينسك، حيث يدفع العراقيون آلاف الجنيهات لمهربي البشر من أجل مساعدتهم على دخول أوروبا.
وفي تغريدة يوم الأحد، قال رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إن شعبه “خُدع من قبل المتاجرين بالبشر، واستُغل من قبل شبكات في الخارج”، وإنه يعمل على ضمان رفاهية المواطنين الأكراد.
لكن بالنسبة لأوميد وآخرين، فإن الاستغلال الحقيقي يكمن في الداخل، مع تفشي البطالة والفساد والقمع السياسي مما يجعل الحياة لا تطاق، إذ قال: “في كردستان على مدى 30 عاما، حكمت البلاد مافيات سارقة وفاسقة”، في إشارة إلى عائلتي بارزاني وطالباني، اللتين تسيطران على المناطق الكردية في العراق منذ عام 1991.
سيقتلونني
ويخشى أوميد -بعد اعتقاله مرتين بسبب أنشطته السياسية- على سلامته في المنزل، قائلا: “أنا متأكد من أنني إذا عدت فإن السلطة الكردية ستقتلني، وقد تحدثت إلى العديد من الأشخاص الذين يقولون أيضا إنهم لن يعودوا، وسيبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى بلد يعاملهم كالبشر”.
وقال إنه حاول عدة مرات الخروج من بيلاروسيا، لكنه واجه معارضة قاسية على حدود الاتحاد الأوروبي، مضيفا “عندما أردنا عبور الحدود، منعتنا الشرطة وألحقت الأذى بنا، ووصلوا إلى حد ضربنا واستخدام الكلاب لإيقافنا”.
وتشير حقيقة أن الكثير من أكراد العراق على استعداد للمخاطرة والتعرّض لدرجات الحرارة المنخفضة -التي توفي فيها بالفعل 11 مهاجرا على الأقل، من بينهم طفلان- إلى مدى صعوبة الحياة في إقليم كردستان بالنسبة للكثيرين.
رغم الازدهار الاقتصادي
ولطالما صوّرت حكومة كردستان الإقليم على أنه منارة للاستقرار والتسامح مقارنة ببقية العراق. ففي حين اضطرت مناطق مثل بغداد والبصرة للتعامل مع عقود من العنف الطائفي والهجمات الإرهابية والبنية التحتية المتداعية، شهدت أربيل تدفق المستثمرين وإنشاء ناطحات السحاب، وتمتعت بقدر من السياحة.
وعلى الرغم من الاستقرار السياسي النسبي والازدهار الاقتصادي، قال شيفان فاضل الباحث الكردي العراقي في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن هناك تصورات عن انتشار الفساد وعدم المساواة والركود السياسي في المنطقة، وكان هذا هو الدافع وراء الأزمة الأخيرة.
وأضاف فاضل أن الشباب الساخطين الذين يشكلون ثلثي السكان، يتحملون العبء الأكبر ويواجهون بطالة قاسية، ويشعر كثير منهم بالاستبعاد الاجتماعي في منطقة شهدت تطورا اقتصاديا وثقافيا سريعا.
عجز المؤسسة السياسية
وفي أواخر عام 2020، اندلعت مظاهرات في أنحاء المنطقة الكردية احتجاجا على تدهور الوضع الاقتصادي، مما أدى إلى مقتل 8 أشخاص على الأقل. واشتعلت النيران في مكاتب الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وسط غضب عارم من عجز المؤسسة السياسية الراسخة عن حل مشاكلهم.
ويقول أوميد إن الكهرباء ليست جيدة، والطرق سيئة، والوضع المالي للناس سيئ في الغالب، ومعدلات الفقر مرتفعة، لكن السبب الرئيسي لسعي معظمهم للهجرة هو الدكتاتورية.
ويضيف أن أنشطته كناشط معارض جعلته هدفا، وأن قبضة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على مدى عقود كانت السبب الرئيسي لعدم عودته إلى وطنه.
لا عودة للوراء
وعلى الرغم من أن الظروف على الحدود البولندية قاسية، وأن فرص النجاح تبدو ضئيلة بسبب المقاومة الشديدة من جانب دول الاتحاد الأوروبي للسماح للمهاجرين بدخول أراضيها، فقد اختار العديد من أكراد العراق الإصرار على الوصول لدول الاتحاد بدلا من العودة لبلادهم يوم الخميس.
وقال بهادين محسن قادر، وهو كردي عراقي ناطق بالإنجليزية عرّف نفسه بأنه متحدث باسم المهاجرين -لوكالة الصحافة الفرنسية- “لا عودة إلى الوراء. قل للعراق أن يجعل الحياة أفضل، عندئذ سيعود الناس”.
وقال أوميد إنه سيواصل التقدم في أوروبا، مضيفا أن خطوته التالية هي الخروج من بيلاروسيا والوصول إلى بلد مسالم، بلد يحترم جميع سكانه، “حياتنا ليست مريحة هنا، وسبق أن تعرضنا للقتل والاعتقالات في بلدنا. آمل أن أصل إلى بلد يمكن الحياة فيه قريبا”.
المصدر : ميدل إيست آي