برز اصطلاح المخزون الإستراتيجي من النفط، بعد تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا، بالإفراج عن حصة من رصيد بلاده، وبالتنسيق مع بلدان أخرى، لمواجهة سياسة تكتل “أوبك بلس”.
وتختلف هذه المخزونات عن احتياطيات الدول النفطية المنتجة، التي تكون احتياطياتها، محتفظا بها في مكامنها، دون الدخول في مرحلة الاستخراج، وهي إما احتياطيات مؤكدة، أو احتياطيات محتملة.
وفي ضوء الصراع الحالي بين كبار مستهلكي ومنتجي النفط، حول السياسة المبتغاة، لإدارة سوق النفط، نجد أنه من الضروري، تناول اصطلاح المخزون الإستراتيجي من النفط، بالشرح والإيضاح، من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية:
ماذا يعني الاحتياطي الإستراتيجي للنفط؟
الاحتياطي الإستراتيجي، يختلف من سلعة إلى أخرى، حسب أهميتها وطبيعة استهلاكها في السوق المحلية، وبخصوص النفط، فالاحتياطي الإستراتيجي، يعني احتفاظ الدولة بكميات كبيرة، تصل لتغطية احتياجات البلاد لفترة تتراوح ما بين شهر و3 أشهر.
وبشكل عام، يتوقف حجم الاحتياطي الإستراتيجي من النفط على حجم التحديات التي تتعرض لها الدول، مما يزيد من كميات الاحتياطي الإستراتيجي، وكلما كانت هناك احتمالات لمواجهة صعوبات في الإمدادات، أو انتظار تقلبات حادة في الأسعار، تؤدي إلى زيادة سعره في السوق الدولية، لجأت الدول عالية الاستهلاك، لمثل هذه الاحتياطيات.
لماذا تحتفظ الدول بالاحتياطي الإستراتيجي؟
الاحتفاظ بمخزونات من السلع الإستراتيجية، وبخاصة النفط، سلوك طبيعي في ظل حالة الصراع المستمرة، وبخاصة في واحدة من أكبر مناطق الإنتاج، وهي منطقة الشرق الأوسط، والمتابع لسوق النفط، يجد أنها شديد التأثر سلبًا وإيجابًا مع أحداث النزاع في الشرق الأوسط.
لذلك حرصت الدول الكبرى المستهلكة للنفط، على وجود قوات عسكرية لها في المنطقة، لكي تؤمن استمرار تدفق احتياجاتها من النفط، دون أن تمر بأزمات، تؤدي إلى تعثر نشاطها الاقتصادي، أو تعرضها لموجات عالية من التضخم.
متى بدأت الدول في بناء احتياطي إستراتيجي؟
بدأت الدول المستهلكة للنفط، تكوين مخزوناتها من النفط، بعد أزمة النفط الأولى عام 1974، حيث قللت الدول العربية كمياتها المصدرة للسوق الدولية، بغية التأثير على الدول الداعمة لإسرائيل، بعد حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وهو ما أدى إلى وصول برميل النفط آنذاك إلى 40 دولارا، بعد أن كان لا يتجاوز من 3 ـ 5 دولارات.
وعادة ما تميل الدول صاحبة هذه المخزونات الإستراتيجية إلى زيادتها، أو إنشاء المزيد منها في أوقات تدني الأسعار في أسواق النفط الدولية.
متى تلجأ له ومتى لجأت له الدول بالفعل تاريخيا؟
تلجأ الدول التي لديها مخزونات الاحتياطي من النفط، إلى استخدام جزء منها أو توظيف هذا المخزون لفترة زمنية معينة، في ظروف استثنائية، مثل ارتفاع الأسعار في السوق الدولية للنفط، بصورة تؤدي إلى تقلبات اقتصادية في أسواقها الداخلية، ووصول معدلات التضخم بصورة لا يمكن مواجهتها، أو ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة بصورة مفاجئة، لم يكن مخططا لها.
كما يتم اللجوء إلى استخدام مخزون احتياطي النفط، عند وجود أزمات في الإمدادات من النفط في الدول المنتجة، وبخاصة إذا ما تعطلت حقول الإنتاج لدواعي نزاع مسلح، أو عدم استقرار سياسي.
تاريخيا ومنذ عام 2000، لجأت أميركا 3 مرات لضخ جزء من مخزونها الإستراتيجي لضبط الأسعار في سوق النفط، الأولى في نهاية عهد بيل كلينتون، والثانية في عام 2011 بعهد الرئيس باراك أوباما، والثالثة بعهد جو بايدن، والذي انضم إليه عدد من كبار الدول مستهلكي النفط في العالم.
ما الدول التي لديها الاحتياطي الإستراتيجي الأكبر، وكم تبلغ أحجام الاحتياطي بها؟
تشير بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020، إلى أن إجمالي مخزون الاحتياطيات الإستراتيجية قد بلغ 1.8 مليار برميل في عام 2019.
وحسب بيانات تقديرية أخرى لنصيب كل دولة من هذا الاحتياطي، فإن أميركا تحتل المرتبة الأولى، بنحو 606 ملايين برميل، وتأتي بعدها الصين بنحو 345 مليون برميل، ثم اليابان بنحو 290 مليون برميل، فكوريا الجنوبية بنحو 97 مليون برميل، وتحتل الهند مرتبة أقل بين الدول الكبرى بنحو 39 مليون برميل.
ولكن يلاحظ أن البيانات الخاصة برصيد المخزون الإستراتيجي من النفط، قد تكون تقديرية، ولا تعبر عن الكميات الحقيقية، لما يعكسه الأمر من أهمية تتعلق بالأمن القومي لكل بلد.
هل تستطيع أميركا ودول أخرى التأثير على الأسعار بالضخ من الاحتياطي؟
لدى أميركا والدول الأخرى، من الأدوات، ما يمكنها من التأثير في سوق النفط، ومن بين تلك الأدوات ضخ كميات من مخزون الاحتياطيات الإستراتيجية.
ولدى أميركا على سبيل المثال ما تؤثر به عبر زيادة كميات الإنتاج، أو ضخ استثمارات جديدة في مناطق يمكنها زيادة كميات المعروض في السوق الدولية من النفط.
وعلى الرغم من تصريحات لكبار المنتجين والمستهلكين، بأن النفط يجب ألا يكون ورقة سياسية، فإن الجميع يوظفه في الإطار السياسي بامتياز، فقرار “أوبك بلس” بزيادة الإنتاج بكميات محدودة، يأتي في إطار مغازلة أميركا حول ملفات سياسية مهمة لكل من روسيا والسعودية.
هل يمكن أن يؤدي الضخ من الاحتياطي إلى نتائج عكسية؟
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت أميركا ودول أوروبية أخرى، عن استخدام جزء من احتياطياتها النفطية، من أجل تهدئة الاتجاه الصعودي في سوق النفط الدولية، وقد تضامن مع أميركا والدول الغربية، كل من الصين والهند واليابان.
إلا أن سوق النفط استمرت في موجة الارتفاع، على عكس ما توقعه البعض، لكن الأسعار يوم الجمعة 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري (2021)، هبطت بشكل كبير وبنسبة تصل إلى 5%، فوصل سعر برميل خام برنت إلى 77 دولارا، والخام الأميركي 73 دولارا، وهي أسعار أقرب لما كان عليه الوضع مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.
ولكن علينا أن نستوعب أن سوق النفط، تحكمها عوامل أخرى بخلاف العرض والطلب، فقد تعهد الرئيس الأميركي باستخدام ما لديه من أدوات أخرى لخفض سعر النفط.
ما دور وكالة الطاقة الدولية؟
منذ نشأة وكالة الطاقة الدولية عام 1974، اتخذت لنفسها هدفًا محددًا، وهو تأمين وصول النفط للدول المستهلكة دون حدوث أزمات، وأتت نشأة الوكالة بعد أزمة النفط الأولى، بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، واستخدمت الدول العربية ورقة النفط في هذه الحرب، للضغط على داعمي إسرائيل.
وللوكالة أهداف وأنشطة أخرى، كلها تتعلق بالطاقة وتوفيرها، إلا أن دورها في سوق النفط، لا يزال مؤثرا عبر اتفاق أعضائها على تقسيم النفط فيما بينهم في حالة وجود نقص، كما أن مراقبة الوكالة عبر تقاريرها، وعمل لجانها، تعطي مؤشرات مهمة لمنتجي ومستهلكي الطاقة.
لماذا ترفض مجموعة أوبك بلس الاستجابة لطلبات بايدن؟
تعتمد سياسة “أوبك بلس” على تخفيض كميات الإنتاج، بحيث يتم القضاء على ظاهرة زيادة المعروض من النفط في السوق العالمية، لكي يكون هناك توازن بين آليتي العرض والطلب، وتعبر السوق عن أسعار حقيقية.
لذلك أتى قرار “أوبك بلس” في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي بزيادة قدرها 400 ألف برميل يوميا فقط، إلى سقف الإنتاج الحالي، حتى نهاية 2021، وعدم الاستجابة لمطلب الرئيس الأميركي بايدن بزيادة حصص الإنتاج.
بينما وجهة نظر بايدن، أن ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، هو السبب في موجة التضخم التي تضرب الاقتصاد العالمي، وبخاصة في الدول الكبرى المستهلكة للطاقة وعلى رأسها أميركا، التي بلغ معدل التضخم بها 6%.
المصدر : الجزيرة