المرحلة الأولى لمصانع الكراهية في المجتمع اللبناني تبدأ في مدارس حزب الله

المرحلة الأولى لمصانع الكراهية في المجتمع اللبناني تبدأ في مدارس حزب الله

يواصل حزب الله اللبناني مخططاته لتحويل لبنان إلى ثكنة عسكرية طائفية تبدأ من الأطفال في المدارس التابعة له والتي تُسهم في خلق الخصوصية الثقافية والمذهبية وتصنيعها في أذهان الطلاب، والأمر لا يقتصر فقط على ما تتضمنه المناهج أو يتم تسريبه فيها، لكن أيضا في طبيعة الأنشطة التي تقيمها هذه المدارس والثقافة التي تنشرها بين الطلبة.

بيروت – في مدارس “حزب الله”، تبدأ الحصة الدينية، فيجلس الطلاب على مقاعدهم من دون أي حركة أو كلمة، العيون جميعها تراقب حركة الباب، ثوان قليلة ويدخل الشيخ قاعة الدرس يتأهب الجميع وقوفا إلى أن يُومئ لهم بيده فيجلسون وكأنه نسخة عن “الولي الفقيه”، ثم ينادي على الطلاب جميعهم كلّ بحسب اسمه، ومن يرد اسمه على مسمعه، ما عليه إلا أن يقف ويصرخ بأعلى صوته قائلا “شهيد” بدلا من أن ينطق بكلمة.. حاضر.

وقال طالب في علوم الكمبيوتر يدعى أمير، 18 عاما، “ذات يوم عُدت من المدرسة إلى المنزل أبكي، وأخبرت والديّ أني أريد أن أموت شهيدا في الإسلام”. كان يومها يصادف الحادي عشر من نوفمبر، وهو يوم إحياء ذكرى قتلى حزب الله الشيعي الموالي لإيران.

في ذلك اليوم كان الشاب اللبناني لا يزال في روضة الأطفال في إحدى مدارس المصطفى جنوب لبنان، وهي لجمعيات تعليم دينية.

ونقلت صحيفة لكسبراس الفرنسية عن الطالب أمير قوله أن “أهم شيء هناك هو كل ما تدرسه بالإضافة للمنهج الأصلي، خاصة مفاهيم المقاومة ضد إسرائيل. كما لو أننا نتدرب تماما في مدرسة عسكرية نظامية”.

صياغة العقول
شبكتا مدارس المهدي والمصطفى معنيتان بتلقف الأطفال وهم في بداية تكون وعيهم الاجتماعي والثقافي والديني وصياغة عقولهم

لا تكاد تخلو أي قرية في المناطق التي يهيمن عليها حزب الله أي ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وسهل البقاع، من مركز تعليمي تابع لحزب الله يؤمن التدريس فيه من المرحلة الابتدائية وصولا إلى المرحلة الجامعية. ومن أبرز هذه المراكز التعليمية شبكتا مدارس المهدي والمصطفى ومعاهد أمجاد الجامعية.

وشبكتا مدارس المهدي والمصطفى اللتين أنشأهما نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله عام 1984 معنيّتان بتلقّف الأطفال وهم في بداية تكوّن وعيهم الاجتماعي والثقافي والديني وهما تعملان على صياغة عقولهم بشكل منهجي وضمن دائرة عقائدية معينة تحيلهم أناسا مختلفين عن أقرانهم، كونهم لا يملكون الأدوات المعرفية اللازمة لفهم الأشياء وتعقيداتها. ومن هنا يدخلون في منظومة الفكر الأوحد والحقيقة الكونية الواحدة والثقافة الاجتماعية الواحدة، ومن المؤكد أن الولي الفقيه الواحد والأوحد الواجب إطاعته مرضاة للخالق وانتظارا للذي سوف يأتي يوما ليُنشئ الدولة الفاضلة.وبات تعليم مفاهيم المقاومة وأسس الحرب والقتال للأطفال أمرا شائعا اليوم في مدارس حزب الله التي يفترض أنها تتبع أصلا وزارة التربية والتعليم في لبنان، وكان يجب عليها الالتزام بالمناهج المُعتمدة.

وفي الأشهر الأخيرة انتشرت مقاطع فيديو قصيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي في لبنان، والتي يظهر فيها طلاب صغار يتلقون تعليمهم في مدارس خاصة يُديرها حزب الله. لكنهم يلوحون بالأعلام الإيرانية الصغيرة أو يعرضون صورة المرشد الأعلى علي خامنئي ويرددون نشيد الولاء له، من دون أي مظاهر لبنانية أو حتى علم لبنان أو النشيد الوطني.

وعبر عدد كبير من اللبنانيين عن الاستياء من هذه المظاهر المروجة للثقافة الإيرانية، إذ علقت الإعلامية ديما صادق على قائلة “هذا إجرام بحق الطفولة!”.

أما الإعلامية كريستين حبيب فقالت “من بعد هذا الفيديو، أشعر أن الكلام انتهى، البلد سلّم على طبق من ذهب لبلد آخر، لا يشبهه بشيء، بل هو العكس تماما” وتابعت حبيب “لبنان على طريق الانقراض، من هاجر نجا، والباقون هنا قسمان: قسم حامل الهوية اللبنانية لكنه غير لبناني، وقسم آخر فقد قدرته على المقاومة”.

وفي نفس السياق، نشرت صورة عن أحد الامتحانات والتي تحمل شعار “مدارس المهدي”، أسئلة موجهة إلى طلبة الصف السابع حول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي اغتيل بغارة أميركية في يناير 2020. وطُرحت في ذلك الامتحان أسئلة عن سليماني، بعد الاستماع جيدا إلى رسالة مسموعة عن “عابر الأوطان” وهذا يعني أن الامتحان أُرفق بتسجيل صوتي يشرح للتلامذة عن سليماني.

كما يعتمد حزب الله استراتيجية لتعزيز معنويات مؤيديه، بإرغام فتيات كشافة من شبكة المهدي، على ترديد أغنية لتمجيد طائرة دون طيار باسم “حسّان” حلّقت شمال إسرائيل في مهمة استطلاع عدّة دقائق في فبراير الماضي. وقال حزب الله وقتها إنها ردّا على هجمات إسرائيل وتحذيرا لها، لذا فقد سعى الحزب الشيعي لتمجيدها.

يذكر أنه بعد تلقين التلامذة عقيدة الحزب، ينخرطون في صفوف كشافة المهدي، وهي منظمة شبابية تابعة لحزب الله، مهمتها “ترجمة الأقوال والعناوين والثوابت والعقائد إلى أفعال وممارسات تنسجم مع الثقافة التي تخدم سياسات حزب الله في لبنان، وتتوافق مع مخططات إيران بالمنطقة”.

وقد أنشأ الحزب عددا ضخما من المدارس بلغ (15) مدرسة، (3) في ضاحية بيروت الجنوبية، و(8) في الجنوب، و(4) في البقاع، بالإضافة إلى واحدة في “قم” بإيران مخصصة لأبناء الجالية اللبنانية. وقد بدأت المؤسسة عملها منذ عام 1993 بثلاث مدارس. وتحتضن مدارس المهدي اليوم ما يقارب الثلاثين ألف طالب بمختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وفق الإحصاءات التي أعلنتها. وتولي الجمعية اهتماما خاصا للمتفوقين بحيث تخصص لهم منحا دراسية تصل قيمتها إلى 45 في المئة من مجمل القسط المدرسي.

التعبئة التربوية

عبدالغني عماد: مصطلح التعبئة مستورد من قاموس الثورة في إيران

لإحكام قبضته على المدارس، وإخضاع المنظومة التعليمية قاطبة للعمل على تحقيق أهدافه، أنشأ الحزب “التعبئة التربوية” التي هي بمثابة الذراع الطلابية له، حيث تنتشر فروعها في مختلف الجامعات والثانويات، إلا أن الميدان الأبرز لهيمنتها يبقى في فروع الجامعة اللبنانية في الجنوب (الثقل الأكبر لحزب الله)، ومجمّع الحدث المركزي للجامعة اللبنانية قرب الضاحية الجنوبية، حيث تنظّم التعبئة أنشطة واحتفالات متنوعة كمعرض سيد الشهداء، ووقفات تضامنية في مناسبات إسلامية أو وطنية، مسيرات في حرم الجامعة، لقاءات ثقافية ومهرجانات في مناسبات متنوعة.

وتعكس أنشطة التعبئة التربوية مواقف الحزب وهي تعرّف عن أهدافها بوضوح “دعم المقاومة وتعميم ثقافتها وتجذيرها ورفدها بالكفاءات المتخصصة، والتزام القضايا الكبرى للوطن والأمة”.

وكشف الخبير في شؤون الحركات الإسلامية عبدالغني عماد في دراسته المنشورة في كتاب “الإسلاميون ومناهج التعليم في العالم العربي وتركيا وإيران” أن نشاط حزب الله التربوي منذ تأسيسه، أواسط الثمانينات، مستند على ما يعرف بـ”التعبئة التربوية”.

منى فياض: من خلال التعبئة ينشر حزب الله أيديولوجيته ومشروعه السياسي

ويرى أنه من الواضح أن مصطلح التعبئة مستورد من قاموس الثورة الإسلامية في إيران التي يقابلها باللغة الفارسية مصطلح “باسيج”، وقد تم استخدامه تواصلا مع العمل الطلابي الشبابي، حيث أنشأ الحزب “التعبئة التربوية” التي هي بمثابة الذراع الطلابية له، فانتشرت فروعها في مختلف الجامعات والثانويات، ومن ثم بدأت تهيمن على الفروع الرسمية للمدارس والثانويات وفروع الجامعة اللبنانية التابعة لوزارة التربية والتعليم في الدولة اللبنانية، والموجودة فيها بكثافة وخصوصا في المناطق والأحياء ذات الكثافة الشيعية. وهي تعرف عن أهدافها بوضوح بأنها “دعم المقاومة وتعميم ثقافتها وتجذيرها ورفدها بالكفاءات المتخصصة، والتزام القضايا الكبرى للوطن والأمة”.

وتعكس أنشطة التعبئة التربوية -كما يوضح عبدالغني- مواقف الحزب وإيقاع ديناميته السياسية وتحالفاته مع القوى الأخرى في الجامعات، إلا أن الميدان الأبرز لهيمنته يبقى فروع الجامعة اللبنانية في الجنوب، ومجمع الحدث المركزي للجامعة حيث تقيم التعبئة أنشطة واحتفالات متنوعة (معرض سيد الشهداء، يوم الشهيد، وقفات تضامنية في مناسبات إسلامية أو وطنية، مسيرات في حرم الجامعة، لقاءات ثقافية ومهرجانات في مناسبات متنوعة). أما في الجامعات الخاصة، فغالبا ما تُجرى انتخابات طلابية في أجواء تنافسية حادة مع قوى سياسية معارضة له.

من جانبها، أشارت أستاذة علم النفس والاجتماع في الجامعة اللبنانية منى فياض، إلى أنها بمثابة “غسل أدمغة” لعناصر “حزب الله” مصحوبة بأفكار عن الشهادة والمقاومة ترافقهم منذ صغرهم وحتى يلتحقوا بصفوف الحزب. كما أوضحت أن “حزب الله يتفرّد بهذا النموذج من التعبئة بين الأحزاب اللبنانية الأخرى، فهو يسلك خيار النظامين النازي والفاشي اللذين كانا سائدين في الفترة السابقة، حتى إن مادة التاريخ التي تُدرّس تبدأ من أيام سفينة نوح خلافا للمناهج الدراسية المُعتمدة”.

ولفتت إلى أن “حزب الله من خلال هذه التعبئة العسكرية وليس التربية ينشر أيديولوجيته ومشروعه السياسي”.

وقال الكاتب علي الحسيني إنه ما كان لحزب الله أن يصل إلى ما هو عليه اليوم لولا دراسات معمّقة وخطوات مدروسة أعدّتها له دولة ولاية الفقيه منذ اللحظة التي ولد فيها من رحم الثورة الإيرانية بهدف تحقيق الحلم الأكبر والأهم المتمثّل بإقامة الدويلة الخاصة على جغرافيا تُقدّر مساحتها بأكثر من نصف مساحة لبنان، بعد تحضيرات دامت لأكثر من ثلاثين عاما دفع خلالها الشعب اللبناني دما عزيزا في سبيل عدم إقامة هذه الدويلة.

من الصحيح القول إن “حزب الله” وصل اليوم إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي على الأصعدة كافة، عسكريا حيث يمتلك اليوم، ترسانة لا يُستهان بها تُمكّنه من إرسال أكثر من ثمانين ألف صاروخ باتجاه الداخل الإسرائيلي وفقا لما تروّج له قيادة الحزب بين الحين والآخر من على منبر إعلامها الخاص، وأيضا خدماتيا واجتماعيّا لما للحزب من مؤسسات تُغنيه عن الدولة تُعنى بشؤون الطبابة والاستشفاء ومساعدة الأرامل والأيتام من منح مدرسية ومواد غذائية شهرية، وصولا إلى التكفّل بدفع التعويضات لعوائل “الشهداء” من خلال مؤسسات الشهيد المعنيّة في شق منها بمعالجة جرحى الحزب، وغيرها الكثير من المؤسسات التي لا مجال لذكرها أو لحصرها.

وسلط الحسيني الضوء على الابتكارات التي توصّلت إليها الهيئة التعليمية في الحزب والتي تُدار من خلال “المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق” و”مركز الإمام الخميني الثقافي”، وهي عبارة عن مجموعة من المناهج التي أدرجها “حزب الله” أخيرا على جداول الحصص التعليمية في المدارس التابعة له، ومنها ضرورة تعلّم مادة الكيمياء ابتداء من الصف الابتدائي الخامس وتحديدا الدروس المتعلقة بالمواد القابلة للانفجار وكيفية صناعة المفرقعات من خلال دروس تطبيقية يعطيها الأساتذة إلى تلاميذ ذكور فقط وحفظ الأناشيد الثوريّة باللغتين العربية والفارسية التي تُعنى بالمقاومة فقط، مع غياب واضح للنشيد الوطني اللبناني أو “وطن النجوم” للشاعر إيليا أبوماضي، فالأهم برأي الإدارة الأم في مدارس “حزب الله”، توجيه السلام اليومي إلى أرواح “شهداء” الحزب.

كما بات يسمح للأولاد الذين لم يبلغوا سن الرشد، بالذهاب إلى ساحات القتال حيث يدعو القائد الأعلى في الحزب، من دون الأخذ برأي الأم والأب، فهذا الأمر بحسب المشايخ الذين يُعطون الدروس الدينية، لا يحتاج إلى مشورة من أحد خصوصا أنه يتعلّق بقناعة الشاب والتزامه الديني، إلى درجة أنه نُقل عن عدد كبير من طلاب مدارس “المهدي” أن أقصى طموحاتهم، باتت الانخراط ضمن كشافة “الإمام المهدي” للوصول في مرحلة لاحقة إلى رتبة مجاهد في صفوف “حزب الله”.

وقبل سنوات قليلة، شكل نعي حزب الله للطفل مشهور شمس الدين ابن الـ15 عاما مادة دسمة للسجال داخل لبنان، بعد معلومات تحدثت عن مقتله خلال مشاركته في الحرب السورية.

وزاد من حدة السجال تسريب معلومات صحافية، قالت إن الحزب استدعى طلاب الثانوية للقتال في سوريا، بالتزامن مع زيادة متسارعة في حصيلة قتلاه في المعارك الدائرة هناك.

العرب