في ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر، يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البيت الأبيض بعد عام من غِلَظ الطَّبْع الناتج عن خلافات حادّة بشأن الاتفاق النووي الإيراني. ومع دخول الإدارة الأمريكية عامها الأخير، من غير المرجّح أن تعود المياه إلى مجاريها ويحدث تقدم باتجاه تطبيع كامل للعلاقة الثنائية. ومع ذلك، قد يتّخذ كل من الطرفَين خطوات تهدف إلى موازنة الروابط أو إعادة معايرتها بطريقة تتجنب صدامات مستقبلية. وتشير علامات أوّلية إلى أنّ كلا الجانبين يريدان إصلاح العلاقات. ومن خلال السماح لمفاجآت محتملة، ستواجه الزيارة المرتقبة المسائل التالية.
حصيلة الاتفاق مع إيران: اتجاه العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل
خلافاً لزيارته للولايات المتحدة في شهر آذار/مارس، لم يعد نتنياهو يسعى إلى إقناع المشرّعين الأمريكيين بالغاء «خطة العمل المشتركة الشاملة»، كما يُعرف الاتفاق النووي. وفي الأسبوع الماضي، وخلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون إلى الولايات المتحدة، أكّد هذا الأخير علناً أنّ إسرائيل تتفهّم أنّ الاتفاق سيُنفّذ. وبالإضافة إلى ذلك، بينما رفض رئيس الوزراء هذا الصيف مناقشة ترقية أمنية مع الولايات المتحدة اعتقاداً منه أنّ ذلك سيهدّد مبدأ معارضة إسرائيل للاتفاق، إلا أن نتنياهو مستعدّ الآن لمناقشة هذا الموضوع. أمّا من الزاوية الأمريكية، فخلال الفترة التي سبقت تصويت الكونغرس على «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني، سعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التودّد من المشرّعين من خلال التعهّد علناً بمتابعة محادثات الترقية الأمنية بسرعة وسلاسة.
ومن المرجح أن تتمّ تغطية مجموعتَين من القضايا والموارد والقدرات خلال زيارة نتنياهو لواشنطن. فبالنسبة إلى الموارد، فإن تمديد مذكّرة التفاهم من عام ٢٠٠٧ لعشر سنوات – وهي عبارة عن ملفّ يغطّي المساعدات الخارجية الأمريكية لإسرائيل – هو إحدى المواضيع التي سيتم التركيز عليها. وسيكون السؤال الرئيسي حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستوافق على توفير الرقم الأعلى المحدّد، وكيفية مقارنتها ذلك مع المستوى الحالي لمذكّرة التفاهم – حوالي ٣ مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية، أو ما مجموعه نحو ٣٠ مليار دولار خلال فترة أمدها عشر سنوات. وعلى نحو خاص، يبدو أنّ نتنياهو أراد أن يقوم هو نفسه بإجراء هذا النقاش مع أوباما، بدلاً من السماح ليعالون بالتعامل معه خلال زيارته.
أمّا بالنسبة إلى القدرات، فإن التقارير الإعلامية تشير إلى أنّه خلال قيام وزير الدفاع بالتحضير لزيارة رئيس الوزراء، طلب يعالون من نظيره، وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، معدّات عسكرية كسرب من طائرات “أف-١٥” وطائرات “في-٢٢ أوسبري” الدوّارة المنزلقة. ومن جهّته، شدّد أوباما في رسائله العلنية لأعضاء رئيسيين في الكونغرس الأمريكي على حجم المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل، مشيراً إلى أنّ إسرائيل ستكون أوّل بلد يحصل على مقاتلات “أف-٣٥” من الجيل الخامس في العام المقبل، وأسهب في تفسير أشكال مختلفة من المساعدة لبرنامج الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.
وعلى المستوى الرمزي، تجدر الإشارة إلى أنّ الجنرال جوزيف دانفورد الذي عُيّن مؤخراً رئيساً لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة قد قام مؤخّراً بزيارة لإسرائيل، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها خارج الولايات المتحدة بعد تعيينه في منصبه الجديد.
ومع ذلك، ففي الأيّام التي سبقت الزيارة، لم يركّز كل من نتنياهو ويعالون علناً على الموارد أو القدرات. وقد يكون هذا عائداً إلى أنّ السياسات تتمحور حول إدارة التوقّعات، أو قد يُعزى ذلك إلى أسباب أكثر عمقاً. وقد تكون مثل هذه الأسباب مندرجة في احتمال عدم القيام بأي إعلان عام حول رقم عالٍ في مذكّرة التفاهم ولائحة المعدّات في غياب تفاهم أمريكي – إسرائيلي أكبر حول اثنين من النقاط الساخنة الإقليمية هما إيران وسوريا. وهنا تكثر الأسئلة. ففي حين تتباعد إسرائيل والولايات المتحدة بشدّة فيما يتعلق بالاتفاق النووي، تختلف التصوّرات الشخصية حول مدى دلالة «خطة العمل المشتركة الشاملة» على روابط إقليمية أقرب بين الولايات المتحدة وإيران. وفي الواقع، إنّ سيادة أمريكية -إيرانية مشتركة في الشرق الأوسط تبدو أمراً بعيد الاحتمال، ولكن حتّى آفاق توثيق العلاقات الثنائية يثير أعصاب إسرائيل ودول الخليج العربية ويخيفها. ومع ذلك، فإنّ فهم السياق الأوسع وسبب عدم قدرة العداء الذي تحمله الولايات المتحدة وإيران لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، على مساندة مقاربة إقليمية مشتركة معنوياً هو أمر بالغ الأهمية.
وعلى صعيد الاتفاق الإيراني بشكل خاص، تفضل إسرائيل بوضوح تشكيل لجنة أمريكية -إسرائيلية مشتركة لمراقبة التنفيذ. وتشكّل الثقة مشكلة هنا، حيث أن الإدارة الأمريكية ربما تأخذ في الحسبان أنّ مثل هذا التشاور الوثيق قد يمكّن إسرائيل من التدخّل في الاتفاق وفسخه في النهاية. وكبديل لذلك، بإمكان اللجنة – التي من شأنها أن تخمّن العقوبات على الانتهاكات وتعمل على تقييم ما إذا كان يتم الحفاظ على شروط الاتفاق – أن تساعد على بناء الثقة بين البلدين. ومن المرجح أن تكون الاستشارات حول تأثير ضخّ السيولة الإيرانية لوكلاء مثل «حزب الله»، مسألة أقل حساسية. وفيما يتعلق بنشاطات إيران غير النووية المرفوضة مثل الإرهاب، ربما يريد نتنياهو معرفة مدى التزام الولايات المتحدة – على الأقل بصفة عامّة – في فرض عقوبات إضافية.
وبشأن الصراع السوري، فإن وجود استراتيجية أمريكية واضحة قد يشمل إفساح المجال [لمناقشة] القضايا بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن في غياب مثل هذه الاستراتيجية، فمن غير الواضح ما إذا كان نتنياهو سيشعر بأنّه مجبراً على التشاور بشكل أوثق مع موسكو، اللاعب الإقليمي الجديد، حول الآثار المترتبة على الحرب. ومن سخرية القدر نوعاً ما أنّ كلّاً من أوباما ونتنياهو يتّبع سياسة التدخل الأدنى عندما يتعلق الأمر بسوريا، ولكلّ منهما أسبابه الخاصّة. إن رغبتهما المشتركة في تفادي التورّط قد تمنحهما هدفاً مشتركاً. ولكن من دون تواصل واضح، ربما تفترض إسرائيل الأسوأ وتعتبر المشاورات الأمريكية في فيينا مع دول بما فيها إيران غير مناسبة، نظراً إلى أنّ الحرب تدور على عتبة [الحدود مع] إسرائيل.
وباختصار، يجب أن يتمّ الحكم على الزيارة – بشكل أقلّ من خلال الإعلان عن رقم مذكّرة تفاهم عالٍ، وبشكلٍ أكبر على مدى كونها بنّاءة، وعلى مدى إحراز تقدّم في حسن النيّة نحو إجراء حوار أمريكي إسرائيلي استراتيجي يتطرّق للتطوّرات المتقلبة بدرجة كبيرة في المنطقة. وبالتالي فإن نطاق مذكّرة التفاهم يجب أن يعكس التحدّيات الجديدة المتعلّقة بإيران وسوريا وروسيا.
تهدئة الطريق إلى واشنطن
في مجالَين مهمّين، تصرّف نتنياهو بصورة تضمن إتمام الزيارة إلى واشنطن بشكل سلس. وينطوي المجال الأوّل على إظهار تقدّم نحو [التوصل إلى اتفاق] مع شركة «نوبل إينرجي» الأمريكية من أجل وضع اللمسات الأخيرة لإنهاء صفقة غاز بحري بمليارات الدولارات تتعلق بحقل “ليفياثان” – الذي يبعد ثمانين ميلاً عن ساحل حيفا. وقد تعثرت هذه الصفقة منذ حوالي عام وأصبحت مسألة إضافية معكّرة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، نظراً إلى وجود نزاع داخل إسرائيل حول ما إذا كانت صفقة «نوبل» تنتهك قوانين منع الاحتكارات في إسرائيل. ولتسهيل الصفقة، توسّط نتنياهو في استقالة وزير الاقتصاد أرييه درعي – الذي يتزعم “حزب شاس” الأرثودوكسي المتشدّد – من منصبه، لكي يشغل نتنياهو نفسه هذا المنصب وينتقل درعي لاستلام حقيبة أخرى. وقد كان درعي متردّداً في تجاوز سلطة منع الاحتكارات، حيث يؤمن بأنّه يجب عدم إعفاء شركة «نوبل» من شارة الاحتكار. ومن جانبه، سعى نتنياهو إلى التوصل إلى حل وسط لتقاسم الأرباح، خوفاً من تداعيات عدم إتمام الصفقة مع «نوبل»، التي هدّدت بتحكيم قانوني دولي حول التأخر المستمر. وقد تركّزت المخاوف الأكبر المتعلّقة بالتأخير حول التأثير السلبي المحتمل على الاستثمار الأجنبي في المستقبل، بالإضافة إلى ترتيبات إسرائيل المفترضة بشأن الغاز مع الأردن ومصر. وبشغله منصب درعي، سيوافق نتنياهو الآن على الصفقة.
وحول المسألة الفلسطينية، فبينما احتدم النقاش حول مدى النشاط الاستيطاني خلال تولي نتنياهو رئاسة الوزارة في فترات ما بين ٢٠٠٩ و٢٠١٥، يبدو أنّ رئيس الوزراء يتفادى في الآونة الأخيرة الطموحات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، وذلك بالرغم من ترأسّه تحالفاً متشدّداً. وليس من الواضح ما إذا كان هذا الانضباط تكتيكيّاً ومؤقتاً أو مرتبطاً برغبة في تحسين العلاقات مع واشنطن أو مسعى لاستدراج حزب العمل إلى حكومته، وبالتالي توسيع تشكيلتها. وقد امتنعت إدارة أوباما نفسها عن [اتخاذ] خطوات مثيرة للجدل، معارضةً بذلك قراراً لمجلس الأمن الدولي قد يسبّب الخلاف وتحبّذه فرنسا وقد يفرض اتفاق نهائي على الإسرائيليين والفلسطنيين. كما أنّها لم تضغط من أجل اجراء تصويت في مجلس الأمن الدولي حول المستوطنات. وبدلاً من ذلك، وبمساعدة الدول الأخرى في “اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط” (الاتحاد الأوروبي وروسيا)، تزعّمت مسعىً قد يوسّع السلطة المدنية (غير الأمنية) للفلسطينيين وقدرة وصولهم إلى جزء من الضفّة الغربية على الأقل، الذي هو تحت سلطة إسرائيل التامّة (منطقة “سي”)، الأمر الذي يُعتبر مسعى أكثر سخاءً من مبادرات السلام الأمريكية الماضية.
2016 والتعاون بين الحزبين
لا يبدو أن أوباما أو نتنياهو يريد قيام لقاء آخر عاصف. فمن وجهة نظر أوباما، قد تساعد زيارة متناغمة على الصب في مصلحة مرشح من الحزب الديمقراطي [تساعده على الفوز بالرئاسة الأمريكية]، لكي يكون هو من يخلفه في منصبه وبالتالي الحفاظ على إرث سياسته الخارجية والداخلية. لقد خرج منتصراً من معركة «خطة العمل المشتركة الشاملة» مع النقاد المحليين، لكن هذا لا يعني أنّه يسعى إلى خوض المزيد من المعارك. وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يكون نتنياهو قد استوعب الرسالة بأنّ خطابه في آذار/مارس أمام الكونغرس، والذي لم يتم تنسيقه مع البيت الأبيض، كاد أن يودي بدعم كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية القويّة التي اعتُبرت ركيزة أساسية لعقود من الزمن. لذلك، وبعد أن وافق على القبول بجائزة من “معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة” (“معهد أمريكان انتربرايز”) المرتبط بالمحافظين الجدد خلال زيارته لواشنطن، سيُلقي نتنياهو كلمة أمام “مركز التقدّم الأمريكي” الليبرالي.
ومن الصعب أن تضمن هذه الخطوات نجاح الزيارة كما هو مخطّط لها، إلّا أنّه يبدو أن كلا الزعيمين ملتزمان بتجنب الألغام التي قوّضت لقاءاتهما السابقة.
ديفيد ماكوفسكي
معهد واشنطن