تصاعد القتال يُصعب التكهن بمآلات الحرب الروسية في أوكرانيا

تصاعد القتال يُصعب التكهن بمآلات الحرب الروسية في أوكرانيا

واشنطن – تستعر المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية في شرق أوكرانيا ما يزيد من صعوبة التكهن بنتيجة الغزو الذي تقوم به موسكو للأراضي الأوكرانية. ورغم تحقيق الروس لعدة مكاسب ميدانية في شرق أوكرانيا فإن الموقف في أرض المعركة يبدو غير مستقر، ومن الممكن أن يكون التوفيق من نصيب أوكرانيا، أو ضدها. لذلك يتعين على الغرب الاستعداد بحذر لنجاح أوكراني، أو لنتيجة أقل إيجابية.

وفي تقرير نشرته مؤسسة البحث والتطوير الأميركية (راند) قال بيتر أي ويلسون أحد كبار الباحثين المساعدين في الشؤون الدولية والعسكرية بالمؤسسة، وويليام كورتني أحد كبار الزملاء في “راند” والذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في كازاخستان وجورجيا، إنه منذ أسابيع قليلة سادت موجة من الابتهاج عندما صدت القوات الأوكرانية محاولات روسية كانت تهدف إلى السيطرة على كييف وخاركيف وأوديسا وهي أكبر ثلاث مدن في أوكرانيا.

أما الآن فإن التشاؤم يتزايد، حيث تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن قتال “ضار للغاية” في شرق أوكرانيا، ووقعت خسائر كبيرة في الأرواح.

وربما يعاني الأوكرانيون من نفاد بعض الذخيرة، وطالما أنه ليس لدى أي طرف استعداد للتنازل، من المرجح أن يستمر القتال. لكن المكتسبات على أرض المعركة يمكن أن تستمر في الصعود والهبوط، ويظل مصير أوكرانيا غير مؤكد.

◙ رغم تحقيق الروس لمكاسب ميدانية في شرق أوكرانيا فإن الموقف في أرض المعركة غير مستقر ومن الممكن أن يكون لصالح أوكرانيا أو ضدها

وأضاف الباحثان أن أوكرانيا تقاتل “من أجل كل شبر” في سيفيرودونيتسك، وتشن هجمات مضادة في منطقة خيرسون بجنوب البلاد. ويستفيد جيش أوكرانيا من حالة التعبئة العامة، ولديه إرادة قوية للقتال، كما أن الدعم الغربي لأوكرانيا يفوق جميع التوقعات.

ويزود الغرب أوكرانيا بمجموعة كبيرة من الأسلحة وأنظمة الدعم القتالية، بما في ذلك المدفعية والصواريخ، والرادارات المضادة للبطاريات، والمسيرات المسلحة. وتستغل أوكرانيا هذه الأسلحة أفضل استغلال، ولكن كييف تسعى للحصول على المزيد من الأسلحة الثقيلة خاصة لاستخدامها في الهجمات المضادة.

وقال الباحثان الأميركيان إن الضعف الرئيسي لأوكرانيا يتمثل في وجود فجوة في قوة النيران في مواجهة قوات المدفعية الروسية التي تساعد في تحقيق النجاحات الروسية المتزايدة بشرق أوكرانيا. لكن الجيش الروسي يعاني من أوجه نقص شديدة، فكثير من الجنود يفتقرون إلى إرادة القتال.

وقد منعت المقاومة الأوكرانية القوية وعوامل أخرى هجوما روسيا خاطفا من النجاح في الإطاحة بزيلينسكي. ونشرت روسيا قوتها الأولى على محاور كثيرة للغاية، ويبدو أنها باتت عاجزة عن مواجهة المسيرات الأوكرانية وصواريخ جافلين المضادة للمدرعات وكذلك صواريخ ستينغر المضادة للهجمات الجوية. وكانت الإمدادات الروسية عرضة للمنع من الوصول إلى وجهتها.

وفقدت بعض التشكيلات الروسية الانضباط وقامت بأعمال اغتصاب وسلب ونهب، إذ تقوم القوات الروسية بسرقة بضائع أوكرانية وشحنها إلى روسيا.

ولجأت القوات الروسية إلى أساليب الحرب العالمية الثانية المتمثلة في الهجمات الجماعية دون تمييز باستخدام المدفعية الأنبوبية والصاروخية للقضاء على الدفاعات الأوكرانية.

الحرب تحتاج لنفس طويل وعتاد وهما متوفران.. بانتظار النتيجة
مصير أوكرانيا ستحسمه أرض المعركة
لكن الخسائر الفادحة أدت إلى إضعاف الروح المعنوية لدى قوات المشاة الروسية، كما أضعفت الوحدات المدرعة. وربما كان ذلك، بالإضافة إلى خطر معارضة أي تجنيد عسكري، وراء عدول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الدعوة في خطاب يوم النصر في التاسع من مايو الماضي إلى تعبئة على نطاق واسع من أجل الحرب.

وبدلا من ذلك، يسعى الجيش الروسي جاهدا لإعادة تشكيل الوحدات القتالية التي تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح. ويتم تزويد بعض الوحدات بدبابات تي – 62 القديمة.

ورغم تحقيق مكاسب متزايدة في شرق أوكرانيا، من الممكن أن يحدث انهيار عسكري روسي، وقد تتعرض القوات الروسية لهزيمة كارثية. وقد يثار تساؤل “هل مثل هذه الهزيمة ممكنة؟”. والإجابة على ذلك هي أن التاريخ العسكري يزخر بالانهيارات. ففي الصيف الماضي انهارت القوات المسلحة الأفغانية وسط حكم ضعيف وفساد واسع النطاق.

وحدث ذلك أيضا بالنسبة إلى جيوش أخرى كبيرة أو مجهزة تجهيزا جيدا، فهناك الجيش الروسي المحبط في عام 1917، والجيش الفرنسي المهزوم عام 1940، والجيش البريطاني في سنغافورة في عام 1942، وجيش فيتنام الجنوبية المنهك في عام 1975 والجيش العراقي في الموصل عام 2014.

والأمر الرئيسي بالنسبة إلى هذه الإخفاقات هو الافتقار إلى التلاحم في المؤسسات العسكرية، وسوء الإدارة، والفساد، وعدم الرغبة الشعبية في الدفاع عن الدولة.

ويبدو أن تأكيد المنظر العسكري كارل فون كلاوزفيتز على أهمية العلاقات السليمة بين الجيش والحكومة والمجتمع هو أمر منطقي. وربما تكون لأي انهيار للجيش الروسي عدة تداعيات. أولا، أنه قد يشجع الدول الغربية على تعزيز برامج التدريب والتجهيز في الدول الأخرى القريبة من روسيا.

روسيا تدرك جيدا أكثر من الغرب أن قواتها التقليدية الضعيفة قد لا تكون قادرة على أن تستغل بفعالية أي فرص في أوكرانيا يمكن أن يوفرها أي هجوم نووي

وفي أوكرانيا يبدو أن هذا الجهد ساعدها على تبنى أساليب أكثر مرونة ونجاحا مشابهة لأساليب الناتو. وثانيا، قد يدفع الانهيار محللي المخابرات الغربيين إلى إعادة تقييم إمكانية تعرض دول البلطيق وأوروبا الشرقية لعدوان روسي. وثالثا، قد تقوم الجيوش الغربية بزيادة كبيرة لمخزونها من الأسلحة التي أبلت بلاء حسنا في أوكرانيا مثل الأسلحة المحمولة المضادة للمدرعات والهجمات الجوية والتي تم استهلاكها بأعداد أكبر مما كان متوقعا.

ويمتلك بوتين ترسانة نووية كبيرة ومتنوعة غالبا ما يروج لها، وقد هدد بصورة غامضة باستخدامها في حرب أوكرانيا إذا تعرضت المصالح “الوجودية” لروسيا للتهديد. لكن ذلك لم يردع أوكرانيا أو الغرب عن معارضة الغزو الروسي.

ويقول الباحثان إن أي فشل عسكري روسي في أوكرانيا قد يمنح الغرب ثقة أكبر للوقوف في وجه أي عدوان في أي مكان آخر، رغم الأسلحة النووية الروسية. ولن تكون هذه هي المرة الأولى، فقد واجهت الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي المسلح نوويا في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

وقد تدرك روسيا جيدا أكثر من الغرب أن قواتها التقليدية الضعيفة قد لا تكون قادرة على أن تستغل بفعالية أي فرص في أوكرانيا يمكن أن يوفرها أي هجوم نووي.

ويتعين على الغرب في أي سيناريوهات تقليدية أو تنطوي على تصعيد نووي غير محتمل مراعاة التريث في القيام بأي تفاوض حتى تتضح جيدا النتائج العسكرية ونتائج العقوبات.

العرب