من بين ما يعنيه مفهوم الأمن الغذائي تأمين المتطلبات الغذائية التي يحتاج إليها السكان، وحصول كل فرد في كل وقت على قدر كاف من الأغذية السليمة والمفيدة ليعيش حياة سليمة ونشيطة وكريمة.
ويعدّ الأمن الغذائي من المفاهيم الضاربة في القدم التي لازمت حياة الإنسان منذ بداية البشرية، وظهرت معها أنشطة اقتصادية واجتماعية مثل الصيد والزراعة وغيرها مما كان هدفه تأمين القوت والبقاء على قيد الحياة.
ثم تطور المفهوم مع توسع الحياة البشرية إلى مجتمعات وتجمعات كبيرة، فظهر مفهوم التخزين والادخار، وبنيت المطامر وصوامع الحبوب ومخازنها، منذ الحضارات القديمة كالحضارة الصينية والفرعونية والرومانية والإغريقية وغيرها.
وعرفت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) الأمن الغذائي بأنه “توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة، من أجل حياة صحية ونشطة”.
ويختلف هذا التعريف عن المفهوم التقليدي للأمن الغذائي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محليا، وبصيغة أخرى إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي.
وبدورها، عرفت وزارة الزراعة الأميركية الأمن الغذائي بأنه “حصول كل الأفراد في كل الأوقات على كميات الطعام الكافية لضمان حياة نشطة وصحية”، وعرفت انعدام الأمن الغذائي بـ”محدودية التوفر” أو “التوفر غير الأكيد” للغذاء الملائم ولسلامة الأطعمة أو “محدودية إمكانية الحصول على طعام مناسب بوسائل مقبولة اجتماعيا”.
ويرتبط الأمن الغذائي بمفهوم آخر قريب منه، هو السيادة الغذائية، التي تعني حق الشعوب في تحديد سياساتها الزراعية لتستجيب لحاجاتها وأولوياتها الغذائية، أو حق الشعوب في تغذية سليمة تناسب حاجاتها وثقافتها.
ويميز المتخصصون بين مستويين للأمن الغذائي: مطلق ونسبي، فالأمن الغذائي المطلق يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل ويعرف أيضا بالأمن الغذائي الذاتي.
أما الأمن الغذائي النسبي فيعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أو جزئيا، ويعرف أيضا بأنه قدرة قطر ما أو مجموعة أقطار على توفير احتياجات مجتمعاتها من السلع الغذائية الأساسية كليا أو جزئيا وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام.
\توفر الأغذية: ويعني ذلك وجود كميات كافية ومستمرة من الغذاء بجودة مناسبة، إما عن طريق الإنتاج المحلي أو الاستيراد، بالإضافة إلى المساعدات الغذائية.
إمكانات الحصول عليها: ويعني ذلك الحصول على تلك الأغذية بطرائق مستدامة لا تتعارض مع التمتع بحقوق الإنسان الأخرى، كما يعني وجود دخل كاف لإتاحة الغذاء المناسب، أو وجود موارد أخرى تضمن هذا الغذاء.
وقد أشارت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى أنه كثيرا ما لا تكون أسباب الجوع وسوء التغذية ناتجة عن ندرة الغذاء، بل قد ترجع إلى العجز عن الوصول إلى الأغذية المتاحة، بسبب الفقر أو الكوارث أو الحروب.
وأضافت وزارة الزراعة الأميركية أن الوصول إلى الطعام يجب أن يكون متاحا بطرق مقبولة اجتماعيا، من دون اللجوء إلى إمدادات غذائية عاجلة أو إلى السرقة أو القيام بأعمال أخرى غير قانونية أو غير لائقة للحصول على الغذاء.
استخدامها: ويقصد بذلك كل العمليات المرتبطة باستخدام هذه الأغذية، من تخزين ورعاية ونقل وطهي وتجهيز، وكذا تنوع الغذاء، لأنه لا يحقق النتيجة المرجوة منه إلا عندما يكون متنوعا، بحيث يشمل العناصر الغذائية المطلوبة كافة.
ولتحقيق الأمن الغذائي، يجب أن يكون الطعام المُستهلك آمنا ويلبي احتياجات الأفراد الجسدية بصورة كافية.
استقرار الإمدادات منها: ومعنى ذلك أنه يجب تأمين الغذاء الكافي في جميع الأوقات، بحيث لا ينقطع الغذاء أو تتراجع كمياته في حالات الطوارئ مثل الحروب أو الاضطرابات السياسية أو الكوارث الطبيعية أو غيرها من العوامل الأخرى.
ومما جاء فيه “نحن رؤساء الدول والحكومات، أو من يمثلوننا، المجتمعين في مؤتمر القمة العالمي للأغذية المنعقد بدعوة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، نؤكد من جديد حق كل إنسان في الحصول على أغذية سليمة ومغذية، بما يتفق مع الحق في الغذاء الكافي والحق الأساسي لكل إنسان في التحرر من الجوع”.
ويضيف الإعلان “لقد وطّدنا إرادتنا السياسية والتزامنا الجماعي والوطني بتحقيق الأمن الغذائي للجميع، وبذل جهد متواصل من أجل استئصال الفقر في جميع البلدان، جاعلين هدفنا المباشر خفض عدد من يعانون من نقص التغذية…”.
كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 25 على أن “لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، بخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيشير في المادة الأولى إلى أن “لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.
ويضيف في المادة نفسها أن “لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأي التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعلى القانون الدولي، ولا يجوز في أي حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة”.
وفي المادة 11 من العهد نفسه ورد ما يأتي: “تقرّ الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر”.
وتضيف المادة نفسها “واعترافا بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع، تقوم الدول الأطراف في هذا العهد، بمجهودها الفردي وعن طريق التعاون الدولي، باتخاذ التدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة واللازمة لما يلي:
تحسين طرق إنتاج المواد الغذائية وحفظها وتوزيعها، عن طريق الاستفادة الكلية من المعارف التقنية والعلمية، ونشر المعرفة بمبادئ التغذية، واستحداث أو إصلاح نظم توزيع الأراضي الزراعية بطريقة تكفل أفضل إنماء للموارد الطبيعية والانتفاع بها.
تأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعا عادلا في ضوء الاحتياجات، يضع في اعتباره المشاكل التي تواجهها البلدان المستوردة للأغذية والمصدرة لها على السواء”.
كما أشارت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي هيئة من الخبراء تُعنى بمتابعة تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى أن الحق في الغذاء الكافي يتحقق عندما يتمتع كل رجل وامرأة وطفل، بمفرده أو ضمن مجتمعه، بالوصول جسديا واقتصاديا في جميع الأوقات إلى الغذاء الكافي أو وسائل شرائه.
والحق في الغذاء معترف به أيضا في العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية الأخرى، ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والبروتوكول الإضافي للاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المعروف ببروتوكول سان سلفادور)، والميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته، وبروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة في أفريقيا.
أنشئت لجنة الأمن الغذائي العالمي في عام 1974، وأعيد تشكيلها في عام 2009 بوصفها هيئة حكومية دولية مسؤولة عن مراجعة ومتابعة سياسات الأمن الغذائي والتغذية.
تضع اللجنة توصيات وترسم سياسات وبرامج توجيهية بشأن موضوعات الأمن الغذائي والتغذية، وتعتمد في عملها على تقارير من هيئات علمية وفرق من الخبراء في الأمن الغذائي والتغذية.
تحظى اللجنة بدعم من منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وتتألف من أعضاء ومشاركين ومراقبين.
عضوية اللجنة مفتوحة لجميع الدول الأعضاء في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أو الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، أو برنامج الأغذية العالمي والدول من غير الأعضاء في الفاو التي هي دول أعضاء في الأمم المتحدة.
وتضم اللجنة أيضا ممثلي وكالات الأمم المتحدة وأجهزتها، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، والشبكات التابعة لها، ونظم البحوث الزراعية الدولية، والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية، وممثلي جمعيات القطاع الخاص، والمؤسسات الخيرية الخاصة.
ويجوز للجنة أن تدعو منظمات مهتمة أخرى لها صلة بعملها إلى المشاركة بصفة مراقب في جلسات كاملة أو في إطار النظر في بنود محددة من جدول الأعمال.
أنشئ فريق خبراء رفيع المستوى معني بالأمن الغذائي والتغذية في أكتوبر/تشرين الأول 2009، وأصبح جزءا لا يتجزأ من اللجنة يقدم لها المشورة والتحليل القائمين على المعرفة العلمية.
يعدّ مكتب اللجنة جهازها التنفيذي، ويتألف من رئيس و12 عضوا ممثلين لبلدانهم وفق التقسيم التالي: بلدان اثنان من أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأدنى وأميركا اللاتينية وبلد واحد من كل من أميركا الشمالية وجنوب غرب المحيط الهادي.
وتتبع اللجنة أيضا مجموعة استشارية تتكون من ممثلين من 5 فئات مختلفة من المشاركين في اللجنة، وهي كالآتي: وكالات الأمم المتحدة والأجهزة الأخرى التابعة للأمم المتحدة، منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، ولا سيما المنظمات التي تمثّل المزارعين وصيادي الأسماك والرعاة والمعدمين والفقراء في المناطق الحضرية، والعاملين في قطاعي الزراعة والأغذية والنساء والشباب والمستهلكين والسكان الأصليين.
وتضم المجموعة الاستشارية أيضا ممثلين عن مؤسسات البحث الزراعي الدولية، والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمصارف الإقليمية للتنمية ومنظمة التجارة العالمية، كما تضم ممثلين عن جمعيات القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية.
المصدر : مواقع إلكترونية + وكالات