عناد المنظومة القضائية يربك حسابات الصدر

عناد المنظومة القضائية يربك حسابات الصدر

بغداد – جاء رد المجلس الأعلى للقضاء قويا على اعتصام أنصار التيار الصدري أمام مقره بأن أعلن تعليق عمله وعمل المحكمة الاتحادية العليا والمحاكم التابعة له، في خطوة قال مراقبون عراقيون إنها تؤكد أن مؤسسة القضاء لقمة أصعب من البرلمان على زعيم التيار مقتدى الصدر الذي تفاجأ بردة الفعل، مما أجبره على سحب المحتجين.

ويرى المراقبون أنه على العكس من البرلمان الذي صار وجوده وعدمه سيّيْن، طالما استمرت الحكومة في تسيير الأعمال وتواصلت عائدات النفط العالية في تعزيز الخزينة العامة، فإن تعطيل القضاء خطوة غير محسوبة من قبل الصدر خصوصا وأنه يطالب نفس القضاء الذي يحاصره بأن يكون داعما لرغبته في حل البرلمان.

وقالت السلطة القضائية في بيان إن أنصار الصدر أرسلوا تهديدات عبر الهاتف.

وأضاف البيان “قرر المجتمعون تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا احتجاجا على هذه التصرفات غير الدستورية المخالفة للقانون وتحميل الحكومة والجهة السياسية الداعمة التي تقف خلف هذا الاعتصام المسؤولية القانونية إزاء النتائج المترتبة على هذا التصرف”. وأصدر القضاء الأعلى أوامر قبض ومنع سفر بحق قياديين صدريين، من بينهم غايب العميري وصباح الساعدي ومحمد الساعدي.

وفي خطوة للتهدئة وامتصاص التصعيد دعا القيادي الصدري صالح محمد العراقي أنصار التيار إلى الانسحاب من أمام مجلس القضاء الأعلى.

واعتبرت أوساط سياسية عراقية أن الصدر تفاجأ من ردة فعل المؤسسة القضائية، وأنه كان يتوقع أن تقبل بالأمر الواقع وتواصل عملها بالرغم من تطويقها بخيام المعتصمين وشعاراتهم، وأن ذلك كان سيسهل عملية الضغط عليها ودفعها إلى اتخاذ قرار بشأن حل البرلمان.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن ردة فعل القضاء القوية ستوجه ولا شك رسالة واضحة للصدر مفادها أن هناك مؤسسات من الصعب الاقتراب منها أو الضغط عليها لتحقيق أهدافه، وهو ما قد يمنعه مستقبلا من الاحتكاك بالجيش أو القوات العراقية، وخاصة ميليشيا الحشد الشعبي.

وفي 10 أغسطس طالب مقتدى الصدر القضاء بحلّ البرلمان، لكن القضاء اعتبر أنه لا يملك هذه الصلاحية.

واعتبر مجلس القضاء في بيان صدر بعد ذلك بأيام أن “مهام مجلس القضاء… بمجملها تتعلق بإدارة القضاء فقط وليس من بينها أي صلاحية تجيز للقضاء التدخل في أمور السلطتين التشريعية أو التنفيذية”.

وينصّ الدستور العراقي في المادة 64 منه على أن حلّ مجلس النواب يتمّ “بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”.

وتوجّه المئات من مناصري التيار الصدري إلى مبنى مجلس القضاء الأعلى، معلنين البدء باعتصام “حتى تحقيق” لائحة مطالب أبرزها “حلّ البرلمان”، وفق بيان لإعلام التيار الصدري.

ونصب المعتصمون الخيام أمام مبنى أعلى سلطة قضائية في البلاد وسط انتشار أمني كثيف. ورفع البعض الأعلام العراقية بينما رفع البعض الآخر صور مقتدى الصدر. بالإضافة إلى ذلك وصلت إلى المكان شاحنات محمّلة بقدور طعام كبيرة.

وأصدرت اللجنة المنظمة لتظاهرات الإطار التنسيقي بياناً دعت فيه “إلى المشاركة الجماهيرية الفاعلة والمؤثرة في حماية الدولة ومؤسساتها والوقوف مع القضاء العراقي”.

وأدان الإطار التنسيقي ما أسماه التجاوز الخطير من قبل أتباع التيار الصدري على المؤسسة القضائية وتهديدات التصفية الجسدية بحق رئيس المحكمة الدستورية، داعيًا “كل القوى السياسية الوطنية وكذلك الفعاليات المجتمعية إلى عدم السكوت بل المبادرة إلى إدانة هذا التعدي” .

وفي أول ردود الفعل الرسمية على الاعتصام أمام مبنى القضاء أكد الرئيس العراقي برهم صالح أن تعطيل عمل المؤسسة القضائية “أمر خطير” يهدد البلد، مشددا على ضرورة العمل على حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها.

وقال الرئيس العراقي في بيان صُحفي إن “تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار وضمان عدم انزلاقها نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسراً فيها، وتفتح الباب أمام المُتربصين لاستغلال كل ثغرة ومشكلة داخل بلدنا”.

وحذّر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي من “الأزمة الخانقة” التي “تتجه نحو غياب الشرعية وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية”.

على العكس من البرلمان، الذي صار وجوده وعدمه سِيّيْن، يُعدّ تعطيل مؤسسة القضاء خطوة غير محسوبة من قبل الصدر

وأعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن قطع زيارته إلى مصر وأنه عاد إلى بغداد بهدف “المتابعة المباشرة لأداء واجبات القوات الأمنية في حماية مؤسسات القضاء والدولة”، داعياً إلى “اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني ونزع فتيل الأزمة”.

وعلّقت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) على الأحداث في تغريدة بالقول إن “الحق في الاحتجاج السلمي عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية”، لكن “لا يقل أهمية عن ذلك التأكيد على الامتثال الدستوري واحترام مؤسسات الدولة”.

وإلى حد الآن لم تفضِ محاولات الحوار بين الطرفين إلى نتيجة. وعقد قادة الكتل السياسية العراقية في قصر الحكومة ببغداد في الأسبوع الماضي اجتماعا قاطعه التيار الصدري، وكان دعا إليه الكاظمي في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة.

وشارك قياديون في الإطار التنسيقي، لاسيما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ورئيس كتلة الفتح هادي العامري، في هذا الحوار الذي حضره بالإضافة إلى الكاظمي رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ومبعوثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت.

وكرّر التيار الصدري أكثر من مرّة رفضه للحوار. وقال الصدر في تغريدة قبل يومين إنه قدّم “مقترحا للأمم المتحدة لجلسة حوار علنية… فلم نرَ جواباً ملموساً”.

وأضاف “لا يتوقعون منّا حوارا سريا جديدا بعد ذلك”، مضيفا “لقد تنازلت كثيرا من أجل الشعب والسلم الأهلي. وننتظر ماذا في جعبتهم من إصلاح ما فسد لإنقاذ العراق”.

العرب