رام الله (فلسطين) – يظهر بحث جديد لمينا كوبر كولز يحمل عنوان “النوع الاجتماعي والدعم السياسي: النساء وحماس في الأراضي الفلسطينية”، أن النوع الاجتماعي يلعب دورا مهما في السياسة الفلسطينية، وهي حقيقة مهمة غالبا ما يُتغاضى عنها عند تقييم الدعم الذي تتمتع به كل من فتح وحماس.
ومن المعروف أن الرجال والنساء غالبا ما يميلون إلى دعم أحزاب سياسية مختلفة، وأن هذه الاختلافات يمكن أن تؤدي إلى تأرجح نتائج الانتخابات، لذلك أصبحت الفجوات بين الجنسين الآن جزءا رئيسيا من قصة معظم السباقات الانتخابية، من أستراليا إلى الولايات المتحدة. ولم ينظر أحد حتى الآن في النوع الاجتماعي والدعم السياسي في الشرق الأوسط. وهذا مفهوم لأنه في حين أن الانتخابات قد تكون منتظمة إلى حد ما، فإن تلك التي تحقق تغييرا تبقى قليلة ومتباعدة.
ومع ذلك، فإن فهم الديناميكيات الجندرية حول الدعم السياسي وما يرغب الناس في قوله حول دعمهم السياسي في الاستطلاع هو أمر مهم عندما تأتي تلك الانتخابات ذات المغزى. ووجدت مينا كوبر كولز، وهي أيضا زميلة باحثة في المعهد العالمي للقيادة النسائية في كلية الملك في لندن، في بحثها المنشور في تقرير لمؤسسة “عرب داجست” الاستشارية، فجوة بين الجنسين في الدعم المعلن للكتلتين السياسيتين الرئيسيتين في فلسطين فتح وحماس.
وتظهر استطلاعات الرأي أن النساء على مدى العقدين الماضيين أو أكثر كن يدعمن حماس أكثر من الرجال، وأن نسبة الرجال الذين دعّموا فتح كانت أكثر من نسبة النساء. وهذه فجوة كبيرة نسبيا وذات دلالة إحصائية ولكنها متفاوتة بين الجنسين في الدعم السياسي. وكان الفرق بين دعم الرجال والنساء للأحزاب المختلفة في الذروة، في استطلاع يوليو 2006، يقدر بـ27 نقطة.
ولا تتناسب هذه النتيجة تماما مع ما وجدته الأبحاث حول الفجوات بين الجنسين في الدول الغربية، وهي بالتأكيد تثير عددا من الأسئلة. وبعد تحليل البيانات من عشرات استطلاعات الرأي وإجراء مقابلات مع الفلسطينيين من مختلف الشرائح، من سياسيين وجدات ومزارعين وأكاديميين وطلاب ونشطاء وغيرهم، حول آرائهم في المنظمات السياسية المختلفة والاقتصاد والاحتلال وحقوق المرأة، وجدت الباحثة التفسيرات الثلاثة التالية:
يستفيد الرجال اقتصاديا من التقرب من فتح وشبكاتها الزبائنية. وتتمتع هذه الحركة، بفضل قيادتها للسلطة، بالسيطرة على معظم الموارد في الأراضي الفلسطينية والكثير من المساعدات التي تتلقاها المنطقة. ويمكن لكبار أعضاء فتح توفير فرص العمل وتسهيلها وحتى التدخل في تصاريح السفر.
تتدفق هذه الفوائد عن طريق الارتباط. وقد تتطلب العديد من الوظائف أو عضوية الجمعيات، على سبيل المثال، شهادات حسن السمعة يقدمها زعيم محلي أو سياسي أو عضو آخر في فتح. وفي مجتمع يعمل فيه معظم الرجال وتعتني معظم النساء بالأسرة والمنزل، من المرجح أن يكون أرباب الأسر على اتصال بهذه الشبكات أو جزءا منها.
وبينما تحدثت إلى بعض الفلسطينيين الذين دعموا فتح بإخلاص، تقول الباحثة إن البعض أخبرها أنه من الملائم اقتصاديا القول إنهم يدعمون فتح حتى لو كانت تنتابهم مخاوف بشأن قيادتها. ومن غير المرجح أن تشعر النساء بهذا الضغط للتواصل مع فتح لتأمين منافع اقتصادية.
وتميل النساء في الأراضي الفلسطينية إلى اعتبار أنفسهن أكثر تدينا من الرجال، وكان هذا هو التفسير الرئيسي لسبب دعمهن لحماس أكثر من الرجال. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه جاء في المقابلات التي أجرتها الباحثة أن كونك متدينا بالتأكيد لا يعني أن تكون “تقليديا”. واعتبرت العديد من النساء اللاتي تحدثت إليهن أن الإسلام يكفل للمرأة حقوقها ويسمح لها بالدراسة والعمل وهي سلوكيات تتعارض مع القيم “التقليدية”.
وترجح مينا كوبر كولز أن هذه السلوكيات ليست مجرد ظاهرة فلسطينية، حيث أوضح الفصل الأخير من كتابها من خلال بيانات المسح من الباروميتر العربي من المنطقة الأوسع وجود ميل لأن تكون النساء أكثر تدينا وأن يدعمن الأحزاب الدينية أكثر من الرجال في المنطقة العربية ككل.
وتضيف أنه من المثير للاهتمام أن العمل في حماس يناسب الحركة ومعظم الفلسطينيات. حيث أن النساء أقل عرضة للمضايقة أو الملاحقة من الرجال، وبالتالي يمكنهن العمل ضمن الحزب بحرية أكبر. ومن ناحية أخرى، تسمح الهيكلة الداخلية التي تفصل بين الجنسين في حماس للمرأة بالمشاركة بنشاط في عملها السياسي دون المخاطرة بسمعتها من خلال العمل جنبا إلى جنب مع الرجال.
ويعني الفصل بين الجنسين وجود هيكل تقوده النساء تقريبا داخل حماس، لذا يمكن للمرأة أن تشق طريقها في الرتب في الحركة بسهولة أكبر مما قد تفعله في المنظمات العلمانية الأخرى.
وترى الباحثة أن استطلاعات الرأي مشوهة بمخاوف الانتقام، لكن هذا الخوف جنساني، حيث لم تتمكن من اختبار التفسير الأخير للفجوة بين الجنسين إحصائيا ولكنه مُضمّن بقوة في كل المقابلات وبيانات الاقتراع، وهو أن السلطات السياسية وأجهزتها “الأمنية” المختلفة تستهدف الرجال أكثر من النساء.
هذا ما أكدته مؤسسة الضمير الحقوقية الفلسطينية التي تقول إن أكثر من 150 رجلا فلسطينيا يقبعون في السجن مقابل كل امرأة. كما أن للرجال أكثر على المحك من حيث الوصول إلى العمل وما إلى ذلك إذا كان يُنظر إليهم على أنهم يدعمون المنظمة “الخاطئة”. لذلك، فقد يكونون أكثر ترددا من النساء في التعبير عن آرائهم السياسية الحقيقية. وفي ظل حكم فتح، لم يشعر الرجال بالحرية مثل النساء في التعبير عن دعمهم السياسي الحقيقي لحماس.
وبينما نظرت الباحثة في نقاط أخرى مثل دعم المقاومة المسلحة أو مفاوضات السلام ودعم حقوق المرأة، فإنها لم تساعد في تفسير الفجوة بين الجنسين في الدعم. وهي ترجح أنه لو كانت هذه الفجوة قد عُرِفت وفُهِمت، لكان التنبؤ بانتصار حماس المفاجئ في 2006 ممكنا.
وقد يساعد التحليل الذي يتضمن النوع الاجتماعي في توقع نتائج الانتخابات بشكل أفضل عندما تكون هناك لحظات ديمقراطية فاصلة في الشرق الأوسط.
العرب