في عام 2003، غزت الولايات المتحدة الأميركية العراق بحجة الارهاب، فرغم أن داعش لم يكن قد ظهر في ذلك الحين إلا أن فزاعة القاعدة كانت موجودة وبين داعش والقاعدة في 2015 تفاصيل كثيرة مرت حاولت خلالها إيران احتلال دول عربية فاخرت بتواجد قواتها بعواصمها؛ وكأن أميركا قد تركت لطهران حرية اختيار ما تشاء من هذه العواصم لإذعانها لكن بعد تدميرها وإضعافها وتركها في حال من الانقسام تحت فزاعة “داعش”.
ويحلل اعلاميون ما يجري على الساحة الاقليمية بالقول إن إيران وضعت هدف السلاح النووي نصب أعينها من حينها، وخاضت لأجله حروبا دبلوماسية، وتحملت طويلا مقاطعة وضغوطا اقتصادية ومالية هائلة أنهكت اقتصادها. ومن يمتلك هذا الإصرار ويدفع تلك التكلفة الباهظة فهو حتما يتحمل لغاية أبعد من الاستعمال السلمي للطاقة النووية، والهدف أن تصبح إيران دولة عظمى تبتلع المنطقة، وفي سبيل ذلك يصبح كل شيء آخر ثانويا، وحتى الحلفاء المقربون كبشار الأسد ونوري المالكي وعبدالملك الحوثي وغيرهم من الاوراق التي يمكن التضحية بها عند الضرورة.
يقول محمد عروة القيسي في مقال له 26 يونيو 2015: متابعة الغرب للملف النووي الإيراني كانت وما زالت متلكئة كأوباما. وعندما اقتربت جولة المفاوضات حول ملفها النووي واللحظة المفترض أنها لحظة القرار والحسم والردع والبتّ من قبل المجتمع الدولي ومجموعة «5+1» تجاه إيران والتي هي – وباعتراف وزير الخارجية جون كيري – على بعد خطوة من امتلاك السلاح النووي لاتخاذ إجراءات نهائية حاسمة ورادعة، تغير مسار التاريخ. تحدث المفاجأة المذهلة، والتي لا تحدث إلا في الأفلام المنتَجة من قبل {شركة قاسم سليماني للإنتاج الفني}، حيث تجتاح «داعش» العراق، وتستولي على الموصل وكنوز بنوكها، في مشهد دراماتيكي مسرحي.
ولأن الأزمات تقرب المتباعدين وتؤلف القلوب فقد بدأ الحديث عن التقارب الإيراني – الأميركي – البريطاني من جهة أخرى (إعادة فتح بريطانيا لسفارتها في طهران)، دعوة ايران على طاولة مفاوضات فيينا حول سوريا، وغيرها من المقدمات التي تمهد لدخول ايران كحليف قوي يحارب العدو المشترك المفترض وهو الإرهاب، فمحاربته على رأس الأولويات. كل ما حدث دفع إيران لتصبح بين ليلة وضحاها الحليف الأول للغرب ورأس الحربة في مواجهة «الارهاب».
اليوم، ثمة نظرية ما زالت قائمة تقول ان ايران الرابح الاكبر من خلطة «داعش»، ليس لجهة ان التنظيم أنقذ عملياً النظام السوري من السقوط وانهى مفهوم الثورة في سورية كما كان انهى عام 2005 مفهوم «المقاومة» في العراق، بل ايضاً لأن نتائج احتلال مدن العراق قربت طهران من فك الحصار الدولي ضدها، وباتت واشنطن على ابواب تقديم تنازلات، وهي تعترف لطهران اليوم كما اعترفت لها عام 2005 بنفوذ محسوم على المدى الطويل في بلاد الرافدين.
ولعل ما يؤكد النظرية، اعتبار وزير الخارجية أحمد جواد ظريف أن الاتفاق الذي حُدد موعد إبرامه بعد غد الثلاثاء، نقطة انطلاق جديدة لتنسيق المواقف من أجل مواجهة التطرّف في المنطقة. ومع اكمال الإدارة الأميركية تحضيرات لإبرام الاتفاق، تبذل الغالبية الجمهورية في الكونغرس محاولات لإقناع الديموقراطيين بإحباطه تشريعياً.
في السعودية، هناك تصور آخر يرى أن إيران تحاول تثبيت أقدامها في مناطق نفوذ جديدة في الشرق الأوسط ودول الجوار خاصةً في العراق وسوريا المحتلتيَن إيرانياً، وذلك مع بدء تنفيذ اتفاق برنامج طهران النووي مع الدول الكبرى ومن ضمنها أميركا. بوابة شرعنة هذا الاحتلال هي محاربة الإرهاب وتنظيم «داعش» المتطرف، أما الوسيلة فهي استخدام الميليشيات العراقية الطائفية في شنِّ حملات تطهير طائفية ضد السكان بعد تحرير مدنهم وقراهم من سيطرة المتشددين.
حكام طهران يريدون تأسسيس مرحلة جديدة وهي ما بعد النووي تتضمن اعترافاً دولياً بوجودهم في هذه مناطق العرب التاريخية، فهل تنجح أم أنها محاولات سيتم قتلها قبل أن انتشار النار في الهشيم؟.
محمد الحسن
موقع إيلاف