التهرّم السكاني يهدد المجتمع التونسي

التهرّم السكاني يهدد المجتمع التونسي

حذّرت أوساط اجتماعية في تونس من مخاطر تنامي ظاهرة التهرّم السكاني التي باتت تهدد المجتمع بعدما كان يشهد فتوّة سكانية، وسط تأكيد الخبراء على تراجع نسب الفئات العمرية الشبابية مقابل ارتفاع عدد الشيوخ بسبب سياسات الدولة السكانية لتحديد النسل، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى اختلال الأنظمة الصحية والتأمينات الاجتماعية.

تونس – شرعت وزارة الشؤون الاجتماعية في إعداد خطة عمل لمواجهة الانعكاسات السلبية للتهرم السكاني الذي تشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مصالح الوزارة إلى أنه في تزايد مستمر.

وأكد الرئيس المدير العام للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري في تونس محمد الدوعاجي أن 10 في المئة من التونسيين تتجاوز أعمارهم 60 سنة.

وشدد الدوعاجي في تصريح إعلامي على أن هذه النسبة ستشهد ارتفاعا خلال الأعوام المقبلة (بعد 10 أو 20 سنة) لتتجاوز 20 في المئة.

ويوجد حاليا في القطاع العمومي بتونس 2.9 في المئة من المنخرطين النشيطين المنتفعين بجراية التقاعد.

وسبق أن كشف المعهد الوطني للإحصاء بتونس أن المجتمع التونسي تهرم وأصبح عدد الذين تتجاوز أعمارهم الـ65 عامًا، 800 ألف حاليا وأن هذا العدد مرشح لبلوغ حوالي المليونين بعد 20 عاما.

وعزا مراقبون تزايد نسبة تهرم السكان في تونس إلى السياسات السكانية التي تتبعها الدولة لتحديد النسل والتّحكّم في الزّيادة السّكّانيّة، وسط إقرار بتراجع نسبة الشباب في المجتمع التونسي مقابل ارتفاع نسبتي الكهول والشيوخ.

وقال أنيس الجوالي، الأستاذ المتخصص في الجغرافيا، “تتجه التركيبة العمريّة للمجتمع التّونسي نحو التّهرّم، أي نحو تزايد نسبة الكهول (15 – 64) والشّيوخ (أكثر من 64 سنة) مقابل تراجع نسبة الشّبّان (أقلّ من 15 سنة)، ويفسّر ذلك بعدّة عوامل لعلّ أهمّها تراجع معدّل النّموّ الطّبيعي للسّكّان من 3.01 في المئة سنة 1966 إلى 1.03 في المئة سنة 2020”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هذا عائد بدوره إلى اعتماد الدّولة منذ ستّينات القرن العشرين سياسة سكّانيّة تهدف إلى تحديد النّسل والتّحكّم في الزّيادة السّكّانيّة وذلك بمكافحة الأمّيّة ومنع تعدّد الزّوجات وتحديد سنّ الزّواج للجنسين وتوفير وسائل منع الحمل والقيام بحملات توعية وإرشاد في المدن والأرياف”.

وتابع الجوالي “لقد تأخّر سنّ الزّواج في تونس من 26.8 سنة للذّكور في 1966 إلى 36.2 سنة في 2019، ومن 20.9 إلى 29.4 للإناث خلال نفس الفترة، إضافة إلى ذلك ارتفعت نسبة النّساء المتزوّجات اللّواتي يستعملن موانع الحمل إلى 55 في المئة سنة 2019، لذلك تراجع مؤشّر الخصوبة من 7.1 طفل لكلّ امرأة في سنّ الإنجاب سنة 1966 إلى 2.2 طفل سنة 2018”.

وأردف “نتيجة لكلّ ما تقدّم تراجعت نسبة الشّبّاب بشكل كبير من 46.5 في المئة سنة 1966 إلى 24 في المئة سنة 2019 (حوالي النّصف) في مقابل ارتفاع نسبة الشّيوخ من حوالي 5.5 في المئة سنة 1966 إلى 9 في المئة سنة 2020 (قرابة الضّعف) بفضل ارتفاع أمل الحياة عند الولادة من 51.1 سنة في 1966 إلى 77 سنة في 2018، و يعود ذلك إلى تحسّن الظّروف الصّحّيّة ومستوى التّأطير الطّبّي والعناية أكثر بطبّ الشّيخوخة”.

وتتبنى تونس منذ أكثر من 60 عاما سياسة “تحديد النسل” التي تشجع على الاكتفاء بثلاثة أطفال كحد أقصى وتوفر للنساء تسهيلات في الحصول على وسائل منع الحمل.

وقالت راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، إن “مسألة التهرم أصبحت مفهومة ولها ما يبرّرها خاصة ما تعلق منها بنسبة الزواج وتقلّص عدد الأبناء والإنجاب والاكتفاء بابن أو اثنين، فضلا عن عزوف الشباب عن الزواج وتأخر سن الزواج، كما يوجد سبب اقتصادي وهو أن الزواج أصبح مسألة مكلفة”.

التحولات الاجتماعية في تونس تستوجب وضع خطة استشراف تمكن الشيوخ من راتب عمري يضمن لهم العيش الكريم

وأضافت لـ”العرب” أن “الصناديق الاجتماعية اليوم حذرت من تزايد نسبة التهرم التي ستنعكس على خزائنها المالية، وهناك خوف من أن يصبح المجتمع التونسي غير قادر على مواكبة التطور التكنولوجي، علاوة على نقص اليد العاملة واندثار بعض المهن”.

وكان وزير الشؤون الاجتماعية التونسي محمود بن رمضان قد أكد أن التحولات الاجتماعية تستوجب وضع خطة استشراف تمكن فئة الشيوخ الذين ارتفع عددهم بشكل لافت، من راتب عمري يضمن لهم العيش الكريم.

وأضاف أن ما أظهره معهد الإحصاء ينذر بتهرم أو تشيّخ الهرم السكاني بتونس بعد أن كشفت عملية إحصاء السكان عن تنامي مخاوف الخبراء العاملين في الحقل الاجتماعي مما ستؤول إليه الخارطة الديموغرافية.

وسبق أن أقرت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى مؤخرا بأن التقديرات السكانية تبين أن المجتمع التونسي في طريقه إلى التهرم.

وقالت في تصريح لإذاعة محلية إن “نسبة كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة تمثل حوالي 13 في المئة من المجتمع، وهذه الفئة مرشحة للازدياد حسب الإسقاطات السكانية لتصل في سنة 2029 الى حدود 17 في المئة”، مضيفة أن “الميزانية المرصودة لكبار السن في الوزراة تقدر بحوالي 18 مليون دينار يتم تخصيص 14 مليون دينار منها لخدمات الإعاشة وتكاليف رعاية المسنين في 12 مركزا لرعاية المسنين تابعة للوزارة”.

كما اعتبرت أنه من الضروري اليوم ملاءمة السياسات الاجتماعية والاقتصادية والصحية لظاهرة التهرّم السكاني، لاسيما مع التزايد الكبير لعدد كبار السن في البلدان العربية (الفئة العمرية 65 سنة فما فوق) الذي بلغ 21 مليون مسن في عام 2020 حسب الإحصائيات الواردة في العدد التاسع من تقرير السكان والتنمية الصادر في يونيو الماضي.

وتؤكّد دراسات الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري أن نتائج التهرم السكاني ستنعكس على المجتمع في أفق سنة 2034، وستؤدي إلى اختلال أنظمة الصحة والتأمينات الاجتماعية، حيث سيفرض التهرم نفقات لمدد أطول في مجال التقاعد إزاء صناديق اجتماعية هي في الأصل في حالة إفلاس، مقابل تضاؤل الفئات المنتجة، وهو ما سينتج ضغطا من كبار السن على المجتمع.

وحسب الدراسات ذاتها تعاني تونس حاليا حالة من التصحر السكاني، على عكس الدول المجاورة التي مازالت تحافظ على نسبة نمو ديموغرافي عالية، وفي الوقت الذي يُنتظر فيه أن يصل عدد سكان الجزائر والمغرب إلى ما بين 50 و60 مليون نسمة، وليبيا إلى 10 أو 11 مليونا في 2035، لن يتجاوز عدد سكان تونس في نفس الفترة 13 مليونا، على الرغم من أن نتائج عملية التعداد السكاني عام 2014 في تونس أكدت أن عدد السكان يبلغ 10 ملايين و982 ألفًا و754 نسمة بمن في ذلك الأجانب المقيمون بصفة دائمة.

ويعود تهرم المجتمع التونسي إلى العديد من الأسباب، منها انخفاض مؤشر الخصوبة وتقلص نسبة الوفيات التي انخفضت من 15 وفاة على كل ألف ساكن في عام 1966 إلى 5.8 في عام 2002، وكذلك تطور أمل الحياة عند الولادة الذي مر من 67.1 سنة في عام 1984 إلى 73 سنة في عام 2002 ليبلغ 77 سنة عام 2030.

وأكدت الدراسات أن هذا التهرم ستكون له انعكاسات اجتماعية على مختلف الميادين (الميدان الصحي والتغطية الاجتماعية والتقاعد والتعليم والتكوين والتشغيل والسكن…)، مشددة على أنه من خلال ما توصلت إليه ستكون تونس بصدد التشيّخ أو التهرم وطغيان عدد كبار السن بشكل سريع، وخاصة من الناحية الاقتصادية التي ستكون فيها الفئات النشيطة المنتجة مضطرة إلى إعالة أعداد أكبر من غير الناشطين، فيما سيزداد إنفاق المزيد على كبار السن.

وقدر عدد سكان تونس في عام 2020 بنحو 11.819 مليون نسمة، موزعة بنسبة 49.60 في المئة من الذكور، و50.40 في المئة من الإناث، بينما بلغ متوسط معدل النمو السنوي للسكان 1.12 في المئة في الفترة بين عامي 2015 و2020. وتعتبر نسبة النمو السكاني في تونس الأدنى في العالم العربي وتضاهي الدول الأوروبية.

العرب