الحكومات العربية أمام حتمية تحسين كفاءة الإنفاق الاجتماعي

الحكومات العربية أمام حتمية تحسين كفاءة الإنفاق الاجتماعي

حملت مؤشرات حديثة حول سوء إدارة مخصصات الإنفاق الاجتماعي السنوية لدول المنطقة العربية في طياتها انتقادات ضمنية وضغوطا حتى تقوم الحكومات بمراجعة طرق وأساليب أكثر كفاءة أثناء إعداد الميزانيات بما يدعم أهداف التنمية المستدامة ويضيق خارطة الفقر.

بيروت – أكد خبراء أن الحكومات العربية بحاجة ماسّة إلى مراجعة سياساتها المتعلقة بالإنفاق العام، وخاصة طريقة الإنفاق الاجتماعي الذي يعد نقطة مفصلية في إحلال التوزان في الميزانيات العامة.

وتبدو إحدى المآخذ التي ساقها خبراء منظمات تابعة للأمم المتحدة هو غياب الرؤية الاستشرافية والتنموية لبعض دول المنطقة والتي عمّقت من تداعياتها الجائحة والحرب في أوكرانيا وزادا من انعكاساتها السلبية اقتصاديا واجتماعيا.

وكشف تقرير أممي حديث أن رفع كفاءة الإنفاق العام إلى المتوسط العالمي للكفاءة، من الممكن أن يوفر ما يعادل حوالي 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية، أي ما قد يصل إلى قرابة 100 مليار دولار سنويا.

وتعاني معظم الأسر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ارتفاع في تكاليف المعيشة بسبب تداعيات حرب أوكرانيا وما خلفته الأزمة الصحية ومع استمرار موجة الجفاف التي تضرب البلدان منذ سنوات.

كما أن ثمة مخاوف جدية من تزايد أعداد الناس الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بسبب ارتفاع كبير في كلفة سلة الغذاء بنسب تتراوح ما بين 35 و60 في المئة، خاصة الفئات الأشد فقرا.

وسلط تقرير مشترك صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) الضوء على مشكلة الإنفاق الذي ظل يسير دون مراجعات تذكر.

وتحاول المنظمات الأممية الثلاث عبر التقرير توفير قاعدة أدلة قوية لإثبات أهمية إعطاء الأولوية للقطاع الاجتماعي في مخصصات الميزانية، مع ضمان استخدام هذا التمويل بأكثر الطرق كفاءة لتحقيق نتائج أفضل، خاصة بالنسبة إلى الفئات الأكثر هشاشة.

وأشار التقرير الذي حمل عنوان “مرصد الإنفاق الاجتماعي للدول العربية: نحو جعل الميزانيات أكثر إنصافا وكفاءة وفعالية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة” إلى أن الإنفاق العام كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، ظل على حاله تقريبا خلال العقد الماضي.

وتعادل تلك النسبة نحو 34 في المئة، أي أنها أقل بنقطة مئوية فقط عن المتوسط العالمي.

ومع تفشي الوباء في عام 2020، ارتفع المتوسط العالمي ليصل إلى نسبة 40 في المئة، في حين لم يرتفع المتوسط العربي إلا بنقطتين، مسجلا قرابة 36 في المئة، بسبب ما تواجهه اقتصادات المنطقة من ضيق الحيز المالي والانكماش في المداخيل.

ويقدم التقرير تقييما شاملا للإنفاق على السياسات الاجتماعية في دول المنطقة، مع تحليل مفصل للاتجاهات والتحديات.

وفضلا عن ذلك يعرض توصيات بشأن سبل إعادة ترتيب الأولويات وتوجيه المخصصات الاجتماعية إلى المجالات الهامة ذات الآثار الإيجابية طويلة الأجل على الرأس المال الاجتماعي والاقتصاد، وتحسين رصد الإنفاق وتقييم كفاءته.

ويظهر التقرير أن “الدول العربية تخصص مبالغ ضخمة للدعم، ما يمثل نمطا مزمنا للإنفاق غير العادل وغير المتجه نحو تكوين رأس المال البشري”.

وأكد معدو التقرير أن ما يثير القلق أيضا أن نحو 80 في المئة من الإنفاق الاجتماعي بالمنطقة يذهب إلى النفقات الجارية على الأجور والرواتب والتحويلات العامة، في حين أن النسبة المخصصة للصحة والتعليم والحماية الاجتماعية لا تتعدى 8 في المئة.

100 مليار دولار يمكن أن توفرها دول المنطقة سنويا إذا طورت أساليب الإنفاق العام

وأوضحوا أنه على الرغم من التقدم المحرز في البلدان العربية عبر توسيع نطاق الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، إلا أن هذه الجهود لم تترجم إلى نتائج أفضل في هذه المجالات.

وتظهر بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021 أن الفقر متعدد الأبعاد بالمنطقة العربية في العام 2019 بلغ 15.8 في المئة بين السكان البالغ عددهم نحو 437 مليون نسمة.

وفي ظل تزايد أعباء الديون على حكومات المنطقة، يوصي الخبراء بتحسين الإيرادات الضريبية المحلية من خلال زيادة القدرة على التحصيل وتعزيز الإنصاف الجبائي والطابع التصاعدي للضرائب.

وتبدو مراقبة التدفقات المالية غير المشروعة ومكافحة الاقتصاد الموازي من أهم الأدوات لتحقيق تلك الغاية، على أن ترتبط هذه الجهود بزيادة الاستثمار في الخدمات العامة التي تعزز الثقة لدى دافعي الضرائب.

ومن شأن تفعيل أدوات مبتكرة لتخفيف أعباء الديون، مثل مقايضة الديون بتمويل العمل المناخي ومشاريع تسرع تحقيق أهداف التنمية المستدامة أن تساعد على تحقيق الأهداف.

ويصنف البنك الدولي تجارب دول المنطقة مع الأزمات إلى فئتين أولاهما الدول القادرة والمتفاعلة بصورة إيجابية.

أما الفئة الثانية فهي الدول التي استغرق تجاوبها وقتا أطول ولم تكن على مستوى التحدي لأسباب عدة منها انعدام القرار السياسي أو عدم القدرة على اتخاذ القرارات وتفعيلها.

ويحتاج الاقتصاد العربي إلى توليد 10 ملايين فرصة عمل جديدة كل عام حتى يتصدى لمعضلة الفقر والبطالة، على أن تتاح هذه الفرص وفقا لسياسات نمو شاملة تعزز مشاركة النساء لتعزيز التنمية التي لا تنال من حقوق الناس أو تهدر طاقتهم عبثا.

ورغم تفشي الفقر في المنطقة العربية، إلا أن مجتمعاتها تزداد شبابية في هرمها السكاني، الأمر الذي يسّرع من وتيرة التحسن ومواجهة الفقر بكافة أبعاده.

العرب