تونس تحتاج إلى تحرك أوسع للدفاع عن صورتها في الخارج

تونس تحتاج إلى تحرك أوسع للدفاع عن صورتها في الخارج

تونس- لم تنجح الإجراءات التي اتخذتها تونس لمواجهة حملة الاتهامات التي تستهدفها بسبب أزمة اللاجئين الأفارقة، وهو ما يستدعي بحسب محللين تحركا تونسيا أوسع وأكثر قدرة على الوصول إلى المؤسسات الدولية من أجل تقديم الموقف التونسي كما هو بعيدا عن حملات التوظيف والاستهداف من الداخل والخارج.

وقالت أوساط سياسية تونسية إن التعليمات التي صدرت عن الرئيس قيس سعيد لحماية الأفارقة مهمة، لكنها تحتاج إلى أكثر من ندوة صحفية من قبل وزارة الخارجية أو مقابلة مع وكالة أنباء وتقديم رسائل عامة موجهة إلى الداخل أكثر منها إلى الجهات الخارجية التي تحتاج تونس الوصول إليها بخطابها.

وأشارت الأوساط السياسية ذاتها إلى أن هذه فرصة أمام الدبلوماسية التونسية للتحرك على عدة واجهات بهدف تقديم رواية تونس لما يجري وإفشال الرواية التي ربطتها بالعنصرية وكراهية الأجانب، وهي رواية مهزوزة وتخفي وراءها سوء النية، خاصة مع استمرار اعتمادها بالرغم من التصريحات الرسمية المختلفة، التي من بينها خطاب الرئيس سعيد الذي نفى فيه وجود أي نية عنصرية وحث على حماية الأفارقة في تونس، ثم لاحقا أمر بإجراءات عملية لدعم هؤلاء اللاجئين.

ولا تكفي البيانات والتصريحات ذات البعد المحلي للتأثير في الموقف الخارجي، ولأجل ذلك تحتاج تونس إلى التركيز على أهمية الإعلام وصورتها في الخارج من خلال تحرك دبلوماسي وإعلامي بهدف الوصول إلى مواقع التأثير الدولية، خاصة بعد أن دخلت مؤسسات دولية على خط هذه الأزمة وعرقلت تفاهمات سابقة مع تونس مثل البنك الدولي.

كما تحتاج تونس إلى تجنيد مختلف الكفاءات الدبلوماسية والإعلامية التونسية التي لديها إشعاع أو شبكة علاقات خارجية قوية، خاصة في الدول الغربية. ويمكن توظيف خبرات التونسيين وعلاقاتهم في أفريقيا، والبحث عن أصدقاء لتونس، لاسيما أولئك الذين درسوا فيها وأصبحوا كفاءات في بلدانهم، وهم كثيرون، من أجل القيام بحملة علاقات عامة واسعة لتبديد المخاوف الأفريقية تجاه تونس، وإظهار أن الحملة الجارية مبنية على سوء فهم.

وطالب محللون سياسيون بضرورة التحرك السريع لتطويق آثار هذه الأزمة التي باتت تهدد مصالح تونس داخل القارة، معتبرين أن الدبلوماسية التونسية لا يمكنها أن تبقى في موقع المتفرج وهي ترى كيف أن العلاقة مع المؤسسات الدولية أصبحت ضحية لأخبار وتأويلات تجاوزتها الإجراءات التونسية وتم تصحيح الوضع بشهادة عدد من الأفارقة الذين لا يزالون في البلاد.

وحذر المحللون من الانسياق وراء النقاشات الداخلية بشأن هذا الملف، معتبرين أن التحرك التونسي يجب أن يكون متجها إلى الخارج بالأساس لتبديد التأويلات السلبية، وأن يكون خطابا عقلانيا بعيدا عن نظرية المؤامرة وتوجيه الاتهامات لهذه الجهة أو تلك بالوقوف وراء الحملة. فما يحتمل في الداخل قد لا يجد أي صدى في الخارج.

وقال المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت “هناك جهد لتصحيح الموقف من أجل إعادة رسم صورة إيجابية لتونس في ظلّ الهجمة القوية، والكثير من الأطراف استغلت زلة لسان للعمل على عزل تونس على المستوى الأفريقي”.

◙ تونس تحتاج إلى التركيز على أهمية الإعلام وصورتها في الخارج من خلال تحرك دبلوماسي وإعلامي

وأضاف ثابت، في تصريح لـ”العرب”، “يجب أن تتحرك تونس دبلوماسيا وتطرح ملف الهجرة بطريقة شاملة كمشكلة إقليمية، وتدعو إلى تنظيم مؤتمر إقليمي حول الهجرة”.

وتابع “هناك من يشتغل على تغذية الأزمة واستمرارها، وهذا التأجيج ليس بمحض الصدفة، فضلا عن وجود انفلات في منصات التواصل الاجتماعي أجّج الأزمة، فأصبحت تونس في إشكال متعدد الأوجه، مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وواشنطن، وهذا ما يجعل وضعها الخارجي دقيقا”.

وتسارعت مواقف الدول الأفريقية تجاه ما جرى بأن قام البعض منها بترحيل مواطنيه من تونس بمن في ذلك الذين يمتلكون وثائق إقامة ووضعهم القانوني سليم بالرغم من الإجراءات التونسية الأخيرة الهادفة إلى الطمأنة. ويجري حديث عن دعوات لمقاطعة المنتجات التونسية في بعض الدول، والتوقف عن استقبال السلع التونسية ضمن اتفاقيات سارية المفعول.

وتوسع الأمر ليشمل مؤسسات دولية تتسم بالحياد، حيث علّق البنك الدولي “حتى إشعار آخر” محادثاته بشأن التعاون المستقبلي مع تونس بسبب ملف المهاجرين الأفارقة غير النظاميين.

وقال رئيس البنك ديفيد مالباس في مذكرة بعثها إلى الموظفين الاثنين إنّ خطاب قيس سعيّد تسبّب في “مضايقات بدوافع عنصرية وحتى حوادث عنف”، وإنّ المؤسسة أرجأت اجتماعًا كان مبرمجًا مع تونس حتى تنتهي من تقييم الوضع.

وأقرّ رئيس الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول بأن “الإجراءات (التي قامت بها تونس) جيّدة”، معتبرا أن “إصلاح الخطأ ليس مهمة وزير الشؤون الخارجية فقط، بل كل المؤسسات”.

وقال جلول، في تصريح لـ”العرب”، “علينا طيّ هذه الصفحة بتقديم اعتذار رسمي”، محذرا من أن “هناك من يعمل على تأجيج الأزمة من منطلق سياسي”.

والاثنين نفى وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار الاتهامات الموجهة إلى بلاده بـ”العنصرية” ضدّ المهاجرين الأفارقة، وذكر أن “حملةً غير بريئة ولا يعرف مصدرها تستهدف تونس”.

وقال عمّار إنه “من المضحك أن توجّه مثل هذه الاتهامات إلى تونس التي تفتخر بانتمائها إلى القارة الأفريقية وعلاقاتها المتينة والضاربة في التاريخ مع دول أفريقيا”.

وتابع “على من يوجه هذه الاتهامات أن يتذكر أن تونس بلد له سيادة وقانون، وإقامة الأجانب فيها ينظمها القانون الذي لا يجب أن يتم تأويل تنفيذه حسب أهواء من يريدون أن يتخذ هذا الملف منحًى آخر”.

وأشار إلى أن الحملة “يوجّهها كثيرون (لم يحددهم)، بحثًا عن مصالح لا نعرف ما هي، مستعملين أساليب وآليات داخل تونس وخارجها، مُروّجين أخبارا مغلوطة ومجانبة للحقيقة”.

والأحد عبّرت الرئاسة التونسية في بيان عن “استغرابها من هذه الحملة المعروفة مصادرها (لم توضحها) والمتعلقة بالعنصرية المزعومة في تونس”.

وأعلنت الرئاسة التونسية “تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الأفريقية، لتسهيل فترة إقامتهم بالتراب التونسي وتمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم في آجال مناسبة”.

وقررت كذلك “تمديد وصل الإقامة من 3 إلى 6 أشهر، وتسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك، في إطار منظم وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الدبلوماسية للدول الأفريقية بتونس”.

العرب