يتواءم موقف نقابة الصحافيين العراقيين من قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، ورفضه بعد سنوات من الصمت، مع قرار الحكومة التي أعلنت عزمها إعادة صياغة القانون الذي يثير غضبا شعبيا وإعلاميا.
بغداد – تخلت نقابة الصحافيين العراقيين عن صمتها تجاه الجدل الدائر منذ سنوات بشأن مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، الذي انتفضت ضده منظمات وهيئات في المجتمع المدني رافضة ما جاء فيه من تقييد للحريات الإعلامية.
ولأول مرة عبّر نقيب الصحافيين العراقيين رئيس اتحاد الصحافيين العرب مؤيد اللامي عن انتقاده للقانون خلال جلسة الاستماع العامة التي عقدتها لجنتا حقوق الإنسان والثقافة والإعلام النيابيتان بمقر البرلمان، الأحد، قائلا “إن مسودة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي فيها تراجع كبير ولا تتوافق مع المعايير الدولية حتى بعد التعديلات”.
وأضاف اللامي أن “القانون بشكله الحالي يخالف المادة 38 من الدستور، ولم يطلب المشرع أن ينظم ذلك بقانون”، لافتا إلى أن “الفقرة 3 المادة 38 تحدثت عن حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وينظم ذلك بقانون وهي أول مخالفة دستورية”.
وأضاف أن “حرية الرأي والتعبير لكل الوسائل هي غير مطلقة، وترك الأشياء المخالفة للقضاء، وحتى الآداب العامة لا يقصد بها الآداب المطلقة، ولدينا القضاء وقانون العقوبات ومواد دستورية واضحة، لأن التعبير عن الرأي مكفول للجميع”.
وقانون حرية التعبير أثار رفضا شعبيا وإعلاميا خلال السنوات السابقة لما يعدّه مراقبون محاولة لتكميم الأفواه وتقييد حرية الصحافة والإعلام في العراق، وتسعى الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني لإعادة تعديله بصياغة جديدة لا تعارض مطالب الصحافيين والنشطاء، ولا تتضمن عقوبات قوية قد تُقرأ من أصحاب الرأي بأنها سلاح يواجه كلمتهم التي يعبّرون عنها بحسب الحق الدستوري المكفول لهم.
ويعتبر صحافيون عراقيون أن “القانون فيه تحايل كبير وإعادة بصيغة مشددة لقانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 وخاصة مادته رقم (226) التي تعُدّ أي نقد يوجه للدولة جريمة كبرى يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية البرلمان أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية”.
وجاءت مداخلة اللامي بعد أن أصدر السوداني قرارا بتشكيل لجنة لدراسة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، الأمر الذي فسّره البعض برغبة السلطة في إعادة النظر في القانون الذي يثير غضب المجتمع المدني، ولم يستطع أن يرى النور منذ 12 عاما على اقتراحه.
وقالوا إن قرار السوداني أعطى الضوء الأخضر للنقابة المحسوبة على الحكومة للتدخل وإيجاد حل وسط بين أحزاب البرلمان المدافعة بشراسة عن القانون، وبين الوسط الصحفي وهيئات المجتمع المدني الرافضة لهذا القانون.
وأوضح اللامي أن “هذا أول تحفظ لأن القانون تحدث عن حرية الاجتماع والتظاهر السلمي فقط وينظم ذلك بقانون، حيث ناقشنا ذلك مع اللجان النيابية منذ عامي 2011 و2012 ويعاد مرة أخرى بصيغ حق المعلومة وجرائم المعلوماتية ونفس القانون يعاد حاليا، ما يعني أننا نعيد العجلة إلى الخلف”.
وتابع أن “حرية التعبير هي حق دستوري، والكثير من دول الجوار نصت على أن تكفل الدولة حرية التعبير، وأن يعبّر المواطن عن رأيه بالكتابة وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القوانين المشرعة النافذة سواء في الدولة العراقية أو أيّ دولة أخرى”.
وأكد أن “حرية الرأي والتعبير دائما ترد بصياغة واحدة في كافة التشريعات، لكن المسودة أغفلت النص على حرية التعبير وهي أساس وجوهر حرية التعبير، لذلك نقترح إعادة الصياغة بالنص على حرية الرأي والتعبير”.
قانون حرية التعبير أثار رفضا شعبيا وإعلاميا خلال السنوات السابقة لما يعدّه مراقبون محاولة لتكميم الأفواه وتقييد حرية الصحافة في العراق
وتحاول حكومة السوداني تبديد المخاوف من تشريع القانون الجديد، بالتأكيد على أنها ستراجع المواد التي كانت محل اعتراض برلماني وشعبي عليها بالإضافة إلى العقوبات التي كانت موجودة في القانون السابق.
وأفاد مستشار رئيس الوزراء لشؤون حقوق الإنسان زيدان خلف العطواني أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أمر الوزراء بإعادة النظر في الكثير من فقرات قانون حرية التعبير انسجاما مع برنامج الحكومة الوزاري”.
وأشار العطواني إلى أن “قانون حرية التعبير قُدّم إلى مجلس النواب في عامي 2010 و2017 ولاقى الكثير من الجدل حوله”.
وكانت منظمات دولية قد انتقدت القانون مرارا، حيث طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش مجلس النواب بعدم تمرير مسوَدة “قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي”، واصفة إياه بأنه “يجرِّم حرية التعبير ويضيِّق على الحريات ويخرق القانون الدولي”.
وأضافت أن “الأحكام القانونية الواردة فيه وكذلك التجريم المقترح لحرية التعبير الذي يتناول إهانة الرموز المقدسة أو الأشخاص، يخرق بوضوح القانون الدولي”.
وخلصت المنظمة في بيانها إلى أن مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي “يقوّض حق العراقيين في التظاهر والتعبير عن أنفسهم بحرية”.
وقال منتقدون للقانون إنه حمل اسم حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي بالتماهي مع الفقرة (ثالثاً) من المادة (38) من الدستور العراقي الصادر عام 2005، والتي بمجملها تتحدث عن كفالة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل إضافة إلى كفالة حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، غير أنه جاء على قاعدة “نعم ولكن”، أي الموافقة على نص الدستور شكلاً وتكبيله بمقيّدات تمنع إطلاق معاني الحرية والعدالة والمساواة في مضامينه.
يبدو أن تدخل نقابة الصحافيين بشأن القانون جاء متأخرا، ولا يرقى إلى مستوى تطلعات الصحافيين
بدوره، استشهد اللامي بنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 التي تنص على أن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق الحرية في اعتناق الآراء دون مضايقة والتماس الأنباء والآراء وتلقيها ونقلها للآخرين بأيّ وسيلة دون اعتبار للحدود، وكذلك المادة 38 من وثيقة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة عام 1966 تنص على أن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة وحرية التعبير لكل إنسان، ويشمل هذا الحق حرية التماس مختلف ظروف المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها دون اعتبار للحدود.
علما أن العراق أقرّ الاعلان العالمي لحقوق الانسان وصادق على وثيقة العهد الدولي للحقوق في قانون رقم 193 لسنة 1970 وتم التصديق في الوقائع العراقية 1970، ما يعني أن لهاتين الوثيقتين الدوليتين قوة قانونية في العراق وهي متعلقة بتشريع داخلي مازال نافذا وملزما للسلطات والمحاكم.
وأشار نقيب الصحافيين “التشريعات الدولية تضع الوصول إلى المعلومات في تشريع مستقل ومفرد ليس ضمن مجموعة أفكار، ولذلك نؤيد أن يصدر تشريع مستقل بحق الوصول إلى المعلومات”.
ويبدو أن تدخل نقابة الصحافيين بشأن القانون جاء متأخرا، ولا يرقى إلى مستوى تطلعات الصحافيين، حيث يشتكي الكثير منهم من ضعف دور نقابتهم وعدم تحركها للدفاع عن قضاياهم، معللين ذلك بتوجهها العام المساند للحكومة، وقد أشاروا إلى أن هذا السبب دفع النقابة للصمت عن القانون المثير للجدل والذي يرفضه الوسط الصحفي والإعلامي عموما.
وانتقد آخرون موقف النقابة التي تعتبر الجهة الرئيسية المعنيّة بالدفاع عن حقوقهم، لكن تعاطيها مع قضايا الصحافيين الذين يتعرضون لانتهاكات من مختلف الأطراف أقرب إلى التخاذل، وتكتفي بالبيانات الرسمية دون أن تكون سندا حقيقيا للصحافي.
العرب