إسرائيل هي الحاضر الدائم في العلاقة بين إيران وأذربيجان

إسرائيل هي الحاضر الدائم في العلاقة بين إيران وأذربيجان

كلما ازداد التوتر جنوب القوقاز كانت أنشطة إسرائيل على الأراضي الأذرية هناك سببا خفيا له، فإيران تتخوف من أن تكون هذه الأنشطة تهديدا لأمنها واستهدافا خفيا لبرنامجها النووي قد يؤدي إلى عملية مباغتة توجهها تل أبيب إليها انطلاقا من الأراضي الأذرية، وكلما ازداد التقارب الإسرائيلي – الأذري زادت حدة مخاوف طهران.

واشنطن – عادة ما توصف إسرائيل بـ”الطرف الثالث” في تصريحات القادة والمسؤولين السياسيين الإيرانيين، خاصة عند حديثهم عن تأثير تل أبيب على العلاقات بين طهران وباكو. لكن أذربيجان لا تزال مصرة على أن إسرائيل لا تستعمل أراضيها في أغراض عسكرية واستخباراتية.

وقال سفير أذربيجان لدى الولايات المتحدة خازار إبراهيم، على سبيل المثال، في ديسمبر 2022 “لن نسمح لإسرائيل بمهاجمة إيران من أراضينا”. ونشرت صحيفة هآرتس تقريرا يقول إن أكثر من 90 رحلة جوية غادرت إسرائيل لتصدير أسلحة إلى أذربيجان، لكن السفير الأذري الجديد في إسرائيل مختار محمدوف نفى في أول مقابلة له بعد وصوله إلى تل أبيب التقارير التي تفيد بأن أذربيجان أعدت مهبطًا جويًا “يهدف إلى مساعدة إسرائيل إذا هاجمت المواقع النووية الإيرانية” وسمحت للموساد بإنشاء فرع في أذربيجان “للمساعدة في جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة إيران”.

إيران لم تصدّق هذه التصريحات الأذرية، وترى أن إسرائيل تشكل تهديدا مباشرا لها من أراضي جارتها وأجوائها. وفي حين لم يؤد اعتراف الدول الإسلامية الأخرى (العربية وغير العربية، بما في ذلك الأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب وتركيا وكازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان) رسميا بالعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل من قبل إلى إنهاء علاقات طهران الدبلوماسية مع هذه الدول، تسبب فتح باكو لسفارة بتل أبيب في تعميق الخلاف المتزايد المقوّض للعلاقات الأذرية – الإيرانية.

ويجدر ذكر أن تركيا تقيم علاقات وثيقة مع إسرائيل. لكن أنقرة لا تزال قادرة على الحفاظ على العلاقات مع طهران بالابتعاد عن القضايا الثنائية بين إيران وإسرائيل. ويبدو أن مخاوف إيران بشأن تعزيز العلاقات الأذرية – الإسرائيلية تزايدت منذ نهاية حرب قره باغ الثانية في 2020.

ويعتقد الكثيرون في إيران أن المساعدة العسكرية والاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية لأذربيجان هي ما مهد الطريق لتوسيع نفوذ تل أبيب في جنوب القوقاز.

وازدادت مخاوف إيران أكثر لأن روسيا (الحليف الوثيق لإيران) لا تحمل تصورًا مماثلًا لتهديد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. حتى أن أرمينيا، التي استدعت سفيرها من تل أبيب بعد حرب قره باغ الثانية، بدأت تطبّع العلاقات مع إسرائيل بعد سنة واحدة فقط وعينت أرمان هاكوبيان سفيرا جديدا لها في تل أبيب في ديسمبر 2021.

وانطلقت مناورات إيران العسكرية المكثفة في ذلك الوقت على طول حدودها الشمالية الغربية لسنتين متتاليتين، بما في ذلك “فاتح خيبر” في أكتوبر 2021 و”اقتدار 1401″ في أكتوبر 2022. وكانت هذه التدريبات تهدف إلى مواجهة تغيير الحدود الدولية في المنطقة والاستعداد للوجود العسكري والأمني الإسرائيلي المتزايد قرب الحدود الإيرانية.

وتبدو إيران حساسة تجاه وجود الشركات الإسرائيلية في مناطق زنجيلان وجبرائيل وفضولي، التي استعادتها أذربيجان بعد حرب قره باغ الثانية.

ويقول الباحث فالي كاليجي في تحليل صادر عن مؤسسة جيمس تاون الأميركية إن إيران تعتقد أن الشركات الزراعية الإسرائيلية العاملة في مشروع “القرى الذكية” تستطيع التجسس والتنصت على طول هذا الجزء من حدودها المشتركة مع أذربيجان تحت غطاء النشاط الاقتصادي. وحين زار وزير الزراعة الإسرائيلي عوديد فورير أول قرية ذكية في أغالي بمنطقة زنجيلان في 20 مايو 2022، أصبح أعلى مسؤول إسرائيلي يقترب من الحدود الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في 1979. وذكر خلال زيارته أنه “يقدر فرصة زيارة القرية الذكية بالقرب من الحدود مع إيران”.

واشتدت الحساسيات في طهران عندما أنشأت وزارة التطوير الرقمي والنقل الأذرية، بالتعاون مع معهد التخنيون الإسرائيلي (معهد إسرائيل للتقنية)، المركز الأذري للأمن السيبراني في باكو في مارس 2023.

وينتاب طهران قلق بالغ من احتمال تخصيص طائرات دون طيار إسرائيلية لمهام استطلاعية وهجمات من الأراضي الأذرية على منشآتها النووية، على غرار هجوم الطائرات المسيّرة الإسرائيلي المفترض على محطة نطنز النووية في أغسطس 2014 وسرقة الموساد لأعداد كبيرة من الملفات النووية الحساسة في 2018. وفي حين يحتمل أن ينطلق أي هجوم استباقي إسرائيلي مستقبلي على محطة بوشهر الكهروذرية من الجنوب، تشعر طهران بالقلق من أن أي ضربة استباقية على المنشآت النووية في عمق الأراضي الإيرانية (بما في ذلك ناتانز وفاردو) يمكن تنفيذها من الشمال (أذربيجان ) والغرب (إقليم كردستان العراق). ومنذ الهجوم المسلح على السفارة الأذرية في طهران وإغلاقها اللاحق تزايد الاعتقاد داخل إيران في اقتراب استغلال إسرائيل للمجال الجوي الأذري بهدف شن هجوم عليها.

وأجج تعميق العلاقات السياسية والعسكرية والاستخباراتية بين أذربيجان وإسرائيل مخاوف طهران. وبرزت تقوية العلاقات في زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى باكو أواخر العام الماضي، وفتح السفارة الأذرية في تل أبيب، وزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى باكو في أبريل 2023، قبل سفره إلى تركمانستان حيث افتتح سفارة إسرائيل على مسافة لا تتجاوز 45 كيلومترًا من الحدود الإيرانية.

وأعلن كوهين، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأذري جيهون بيرموف في حفل افتتاح السفارة الأذرية في إسرائيل، أنه “اتفق مع بيرموف على تشكيل جبهة موحدة ضد إيران”. وردت طهران بأنها “لن تتجاهل” هذه “الجبهة الموحدة” وطالبت أذربيجان بمنحها المزيد من التفاصيل حول “شراكتها الإستراتيجية” مع إسرائيل.

وبينما تزيد احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وأذربيجان، حاول الطرفان في أبريل 2023 الحد من التوترات من خلال ثلاث جولات من المحادثات الهاتفية بين وزيري خارجيتهما. لكن “العامل الإسرائيلي” سيبقى عقبة كأداء أمام أي تطبيع حقيقي للعلاقات بين باكو وطهران.

ويرجح كاليجي أن تكون مواجهة إيران بشكل مشترك من الجوانب الأساسية للتعاون بين أذربيجان وإسرائيل، لكن أسبابًا أخرى تدعم هذه العلاقة الإستراتيجية المزدهرة، بما في ذلك بيع النفط الأذري لإسرائيل وشراء أذربيجان للأسلحة والمعدات العسكرية الإسرائيلية. لكن يبدو أن باكو وتل أبيب حريصتان على مواصلة توسيع التعاون الثنائي، وسيتواصل تأثير “الطرف الثالث” على العلاقات التي تجمع بين طهران وباكو.

العرب