كميات الغذاء التي يتم إنتاجها اليوم تكفي لضعف سكان العالم لكن المشكلة تتمثل في أن جزءا مهما من هذه الكميات يفسد أو يتم التخلص منه أو يستخدم كعلف للحيوانات.
لندن – لن يقتصر الحد من الجوع العالمي الذي ارتفع بأكثر من الثلث العام الماضي على زراعة المزيد من مصادر الغذاء ولكن في إعادة التفكير في أنظمة أوسع للتجارة والمساعدات، وتقليص اعتماد الزراعة الكبير على الوقود الأحفوري ونفايات الطعام واستهلاك اللحوم.
وقال فيليب ليمبري، الرئيس التنفيذي لمنظمة “كومباشين إن وورلد فارمينغ”، إن المزارعين اليوم يزرعون محاصيل كافية لإطعام ضعف عدد السكان الحاليين، لكن ثلث الغذاء المنتج على مستوى العالم يفسد أو يتم التخلص منه.
وذكر في مؤتمر حول أنظمة الغذاء العالمية في لندن هذا الأسبوع أن الحبوب التي يمكن أن تطعم المليارات من البشر تخصص للحيوانات التي تربى في المذابح، وهو ما يشير إلى ضرورة خفض استهلاك اللحوم للحد من الجوع.
وقال تيم بينتون، خبير النظم الغذائية في مركز الأبحاث تشاتام هاوس، إن أوروبا وحدها تشهد زراعة 60 في المئة من الحبوب لأغذية الحيوانات، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان يمكن استخدام الأراضي الخصبة المحدودة بشكل أفضل.
وبينما يبحث قادة العالم عن طرق للحفاظ على الغذاء متاحا وبأسعار معقولة، ومنع تفاقم الجوع، أشار ليمبري إلى أن الأمر “لا يتعلق بندرة الغذاء لأنه لا توجد ندرة في الغذاء”.
تنامي الجوع
مساعدة البلدان الفقيرة على التخلص من أعباء الديون الثقيلة يمكن أن يمكنها من تعزيز أمنها الغذائي
يتزايد الجوع على الصعيد العالمي، حيث يواجه 258 مليون شخص فيما يقرب من 60 دولة انعدام الأمن الغذائي
الحاد حسب إحصائيات تتعلق بالعام الماضي. وشكّل هذا زيادة قدرها 33 في المئة عن 2021، وفقا للتقرير العالمي حول أزمات الغذاء لسنة 2023 الصادر في مارس.
وأظهر التقرير أن المشاكل تتجاوز البلدان المتلقية للمساعدات التقليدية مثل اليمن والصومال وأفغانستان وتشمل دولا أخرى من نيجيريا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ووجد التقرير، المدعوم من وكالات من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى البنك الدولي، أن تأثيرات تغير المناخ (من الفيضانات في باكستان إلى الجفاف في القرن الأفريقي) كانت من العوامل الرئيسية المساهمة في هذه الزيادة.
لكن الصراعات (كالغزو الروسي لأوكرانيا، الذي خفض صادرات القمح من أوكرانيا ورفع أسعار الطاقة والأسمدة القائمة على الوقود الأحفوري) لعبت دورا رئيسيا أيضا، وخاصة في المساهمة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر “نعتمد أكثر فأكثر على عدد صغير من البلدان لإنتاج المحاصيل الرئيسية التي نعتمد عليها”. وهذا يعني أنه عندما يؤدي تغير المناخ إلى خفض الإنتاج في واحد من المنتجين الرئيسيين، أو عندما ينشب صراع في أحد هذه البلدان “تتعطل سلاسل التوريد العالمية ويتأثر نظام الغذاء العالمي بأكمله”.
وذكر دي شوتر أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت إثر الغزو الأوكراني، بينما حقق المضاربون وصناديق التحوط وحفنة من شركات الأعمال الزراعية الكبرى التي تسيطر على معظم تجارة المواد الغذائية العالمية أرباحا. وأشار إلى أن إيجاد طرق للحد من اعتماد الإنتاج الزراعي العالمي الشديد على الأسمدة القائمة على الوقود الأحفوري يمكن أن يكون وسيلة رئيسية لحماية الوصول إلى الغذاء من أسعار النفط والغاز المتقلبة.
وقال إن مساعدة البلدان الفقيرة على التخلص من أعباء الديون الثقيلة يمكن أن يمكنها من تعزيز أمنها الغذائي، مما يسمح لها بالتركيز أكثر على زراعة الغذاء لشعوبها بدلا من زيادة محاصيل التصدير لجلب السيولة اللازمة لخدمة الديون.
وقال بينتون إن وجهتي نظر مختلفتين للغاية حول كيفية تحقيق الأمن في المستقبل أصبحتا في الصدارة.
تفترض الأولى أن العالم سيحتاج إلى المزيد من الغذاء بنسبة 50 في المئة بحلول 2050 (جزئيا لتلبية الطلب المتزايد على اللحوم ومنتجات الألبان مع نمو البلدان الفقيرة) بما يتطلب إنتاجا أكثر كثافة من الأراضي الزراعية المحدودة.
وتفترض وجهة النظر هذه أن الزراعة ستصبح أكثر تقنية ومركزية في المستقبل، مع الاستخدام المكثف للطائرات دون طيار والأقمار الصناعية و”إنترنت الأشياء” التي تقود إنتاجا أكثر ذكاءً مع عدد أقل من الوظائف الزراعية.
تزايد الجوع بسرعة وظهور تحديات طبيعية جديدة (مثل ظاهرة النينيو التي ظهرت في يونيو) والصراعات(مثل التي اندلعت في السودان) تزيد الأعباء الإنسانية
ويتصور الرأي الثاني تحول المزارعين إلى زراعة أكثر صداقة للبيئة، تكون أصغر حجما وأقل كثافة في استخدام الوقود الأحفوري، مع عدم زيادة الطلب على الغذاء بشكل كبير بسبب تقليل هدر الطعام وانخفاض النظم الغذائية التي تعتمد على اللحوم.
وقالت أستاذة دراسات الغذاء في كلية ميدلبري الأميركية مولي أندرسون إن “الجميع يتفق على أن هناك حاجة إلى تغيير النظم الغذائية”.
وقال سيث واتكينز، وهو مزارع في ولاية آيوا الأميركية، في مؤتمر الغذاء هذا الأسبوع إنه شهد كيف أن أنظمة الزراعة المكثفة تضر بصحة التربة، مما أثار تساؤلات حول قابلية الزراعة على المدى الطويل مع تفاقم تأثيرات تغير المناخ.
وتابع “غالبا ما يعوقنا التركيز على التكنولوجيا عن الحلول المستدامة التي نحتاجها لإصلاح نظامنا الغذائي”. ودعا إلى التحول إلى طرق أكثر صداقة للبيئة ومنخفضة الكربون لإنتاج الغذاء.
وأضاف أن القرارات التي تُتّخذ الآن حاسمة لأنها تخيّر بين التغيير أو الانقراض.
وقالت سوزان تشومبا، مديرة المناظر الطبيعية الحيوية في أفريقيا غير الحكومية التابعة لمعهد الموارد العالمية، إن الجهود المبذولة للحد من هدر الطعام مهمة لارتفاع ندرة الموارد الزراعية الرئيسية من الأراضي المتاحة إلى المياه.
وقالت في مقابلة “بغض النظر عن مقدار ما نحاول إنتاجه، ستأتي العملية بنتائج عكسية إذا لم نتمكن من معالجة ما ضاع وخسرناه”.
وقال المحللون إن مجموعة من المصالح الراسخة القوية تقف في طريق تغيير النظم الغذائية لإدارة الجوع المتزايد والتهديدات المناخية والتدهور البيئي.
وأكّدوا أن كبح التغيير ينتج كذلك عن المعلومات المضللة المتفاقمة وظهور الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء العالم.
ولكن تزايد الجوع بسرعة وظهور تحديات طبيعية جديدة (مثل ظاهرة النينيو التي ظهرت في يونيو) والصراعات(مثل التي اندلعت في السودان) تزيد الأعباء الإنسانية، ومن المرجح أن يتفاقم الاستياء العام والضغوط على السياسيين من أجل التغيير.
وحذر بينتون “ستزداد أحجام الاضطرابات التي نراها لأننا لا نعالج الأزمة البيئية”.
العرب