الباحثة شذى خليل*
يعد الاستثمار قناة لتدفقات رأس المال ومصدرًا للخبرة العملية والتقنية للبلدان، وهو أحد أهم جوانب النشاط التجاري في الواقع الحديث، ويلعب دورًا هامًا لا محالة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة، فقد تم تنظيمه باعتباره أحد أهم جوانب النشاط التجاري. وتنظر الحكومات والمجتمع الدولي إلى الاستثمار كأساس للتنمية الاقتصادية الدولية في العالم.
تراجعت الاستثمارات الأجنبية في العراق، بنحو 25 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية، وقالت مصادر رسمية ان حجم الأموال الأجنبية الداخلة كانت أقل بكثير من تلك التي خرجت نتيجة ضعف بيئة الاستثمار وعدم القدرة على جذب استثمارات أجنبية في مختلف القطاعات.
إن حجم الاستثمارات الأجنبية الداخلة الى ثلاث دول شملت (تركيا، الإمارات، السعودية) كانت بحدود 200 مليار دولار، في حين كان حجم الاستثمارات الأجنبية الداخلة الى مجموعة دول أفريقية تعتبر من أكثر الدول فقرا بحدود 34 مليار دولار أمريكي، تتصدرها إثيوبيا التي استطاعت جذب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار.
حدد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مجموعة من الأولويات الحكومية منذ توليه منصبه في أكتوبر تشرين الأول 2022، إعادة بناء البنية التحتية، والتعافي الاقتصادي، وجذب المستثمرين الأجانب، والعمل على مواجهة تحديات لجذب الاستثمار الأجنبي للعراق، حيث شهدت البلاد فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، بما في ذلك الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 ، والصراعات الطائفية ، والحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي ، وكلها أثرت بشدة على الاقتصاد العراقي .
وفي السياق أجرى مجلس الوزراء تعديلات جوهرية على القرار (245 لسنة 2019) لتبسيط العمليات الإدارية ، وخلق بيئة استثمارية متقدمة ، وتوفير المزيد من الصلاحيات والمرونة في تقليل الوقت اللازم لمنح تراخيص الاستثمار.
ومن أهم التعديلات التي قام بها مجلس الوزراء الموافقة على خطط المشاريع الاستثمارية خلال مدة أقصاها 30 يوم عمل ، والتزام المحافظات بتزويد الهيئة الوطنية للاستثمار بمعلومات شاملة عن قطع الأراضي ، وتقديم القروض والتسهيلات المالية إلى المستثمرون الذين أتموا 25٪ من المشروع ، واستكمال جميع الموافقات اللازمة من قبل الهيئة الوطنية للاستثمار قبل الإعلان عن الفرص الاستثمارية.
وإنشاء نافذة واحدة تعمل كبنك بيانات مركزي لتراخيص الأراضي والاستثمار ، مما يسهل على المستثمرين الحصول على معلومات مفصلة وتبسيط الإجراءات. مُنحت الهيئة الوطنية للاستثمار صلاحية تعديل تراخيص الاستثمار ووضع الضوابط والتعليمات الخاصة بالإعلان عن فرص الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك ، ينص القرار على التعاقد مع شركة دولية للإشراف على المشاريع الاستثمارية والموافقة أو رفض المشاريع التي لا تستوفي المواصفات والمعايير المطلوبة.
ساهمت هذه العوامل، جنبًا إلى جنب مع البيئة السياسية المحلية المتقلبة، والاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على النفط ، وتدهور البنية التحتية المادية ، وانتشار الفساد ، وتضخم القطاع العام ، في ضعف مناخ الاستثمار في السنوات السابقة، بالإضافة الى ان تحديات الاستثمار الأجنبي في العراق هي بيئة الأعمال الضعيفة والطاردة للاستثمار وضعف منظومة الاستثمار التي لا تملك تصورا واضحا عن أهداف الاستثمار الاجنبي.
أشار البنك الدولي الى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في العراق انخفض بنسبة 24٪ في النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، وهو ما يمثل أقل من 0.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتم تحديد عدم اليقين السياسي والتحديات الأمنية خلال هذا الوقت كعوامل رئيسة تؤثر على هذا التدهور. ويقدر البنك الدولي أن العراق يحتاج إلى ما يقرب من 57 مليار دولار (75.15 تريليون دينار عراقي) لأغراض إعادة الإعمار. وهناك مؤشرات على أن الوضع ربما بدأ يتغير، ومن المتوقع أن يؤدي تحسن البيئة السياسية والأمنية ، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط العالمية ، إلى توفير بعض الراحة للوضع الاقتصادي العراقي .
ختاما من الضروري، وضع استراتيجيات تعتمد على زيادة الاستثمار الأجنبي والاستثمار في قطاعات أخرى غير النفط لزيادة مساهمتها بالناتج المحلي ، إذ يلعب الاستثمار دورًا حاسمًا في تقدم الدول اقتصاديًا، فهو لا يساهم فقط في النمو، بل يسهم أيضًا في تيسير فرص العمل، وخاصة بالنسبة للشباب في العراق . وأن تحويل العراق إلى وجهة استثمارية جاذبة يتطلب جهودا مشتركة من جميع أصحاب المصلحة ، بما في ذلك القطاع الخاص والمجتمع المحلي والمستثمرين الأجانب. من خلال تحقيق هذه الرؤية ، يمكن للاستثمار أن يلعب دورًا مهمًا في تعزيز الاقتصاد العراقي ، وتحقيق التنمية المستدامة ، وتوفير فرص العمل ، وتنويع مصادر الدخل في البلاد.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الراوبط للبحوث والدراسات الاستراتيجية