أكراد العراق يواصلون الحوار رغم إدراكهم أن طريقه مسدود

أكراد العراق يواصلون الحوار رغم إدراكهم أن طريقه مسدود

أربيل – كان من المفترض أن يجري إقليم كردستان العراق انتخابات لبرلمانه في أكتوبر 2022، لكن من غير المُنتظر أن تُعقد قبل ربيع 2024 على الأقل. ويكمن سبب التأخير في الصراع الداخلي بين الحزبين الحاكمين: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

وأدى غياب الثقة المتبادلة وعدم القدرة على الاتفاق على تفاصيل العملية الانتخابية إلى خلق وضع قوّض شرعية المؤسسات الديمقراطية في إقليم كردستان في نظر المواطنين والشركاء الأجانب. ويعني هذا، كما يوضح الصحافي وينثروب رودجرز في مقال لمؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية، أن الحكومة الفيدرالية العراقية ستشرف على الانتخابات المحلية لأول مرة منذ 1992 مما يشكّل العامل الأكثر خطورة على مستقبل استقلالية الإقليم.

وتدهورت العلاقات بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني أكثر خلال فترة حكومة مسرور بارزاني من الحزب الديمقراطي. ويشهد الحزبان تغييرات جيلية مع منصب بارزاني القيادي داخل الحزب الديمقراطي، وانتصار بافل طالباني على منافسيه لتوسيع سيطرته على الاتحاد الوطني. واشتعل العداء بين القياديين اللذين فشلا في تأسيس علاقة التعاون التنافسي التي كانت قائمة بين أبويهما. وتطرأ أحداث جديدة تعطل المحادثات بين الطرفين كلما برز بعض التقدم فيها، وهي ديناميكية اتهم طالباني مؤخرا “فصيلا” داخل الحزب الديمقراطي بالتورط فيها.

وواجهت الانتخابات عدة عوائق بالإضافة إلى التوترات بين قادة الأحزاب، وكان من أهمها افتقار الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني إلى القدرة على الاتفاق على كيفية تخصيص المقاعد للأقليات العرقية والدينية. وفي برلمان الإقليم المؤلف من 111 عضوا، تقرر حجز خمسة مقاعد للأحزاب المسيحية وخمسة للأحزاب التركمانية وواحد للأرمن.

ومن المفترض أن ينتخب أعضاء تلك المجموعات من يشغل هذه المقاعد التي تتطلب عتبة انتخابية أصغر بكثير. وكانت المقاعد المذكورة مصممة لتمثيل هذه الأقليات، لكنها أصبحت بحكم الأمر الواقع تحت سيطرة الحزب الديمقراطي. ولطالما دعا الاتحاد الوطني وأحزاب المعارضة إلى إصلاح هذا النظام، لكن الحزب الديمقراطي رفض ذلك. وفشلت الجهود المبذولة في التوصل إلى حل منطقي لا يقتصر على توسيع سيطرة الاتحاد الوطني على بعض المقاعد. ولم تحل هذه المسألة رغم جهود بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) والدبلوماسيين الراغبين في التوسط.

ومع تواصل غياب اتفاق على مقاعد الأقليات، استمرت الأحزاب في تأجيل تصويت البرلمان على تجديد تفويض الهيئة المسؤولة عن إجراء انتخابات غير فيدرالية في إقليم كردستان. وانتهت فترة ولاية البرلمان البالغة أربع سنوات مع مرور موعد الانتخابات النهائي الأولي المحدد في 1 أكتوبر 2022. وحاول الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير الكردية الشريكة في الحكومة العمل على حل المشكلة بتمرير تشريع مثير للجدل لتمديد فترة ولاية النواب لمدة سنة. ورفع حزب معارض ورئيس أسبق للبرلمان دعوى أمام المحكمة الاتحادية في بغداد للطعن في القانون.

وأعلن في الأثناء رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني موعدا جديدا للانتخابات في 18 نوفمبر 2023 وواصلت الأحزاب التفاوض على مضض. وشددت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف خلال زيارة قامت بها في 4 مايو على حاجة واشنطن إلى رؤية تقدم. وبينما تواصل تردد الاتحاد الوطني في التحرك دون اتفاق شامل، حاول الحزب الديمقراطي في 23 مايو تمرير تشريع يجدد ولاية المفوضية الانتخابية دون الاتحاد، وبدعم من نواب الأقلية. وكانت النتيجة جلسة تحوّلت إلى شجار بين المشرعين في البرلمان. وتعددت تفسيرات قانونية متضاربة لما حدث، واعتبر الحزب الديمقراطي أن اللجنة تستطيع الآن التحضير للانتخابات.

لكن الأمر لم يعد بأيدي الأكراد حين قضت المحكمة الاتحادية العليا بعد أقل من أسبوع في 30 مايو بأن تمديد ولاية برلمان كردستان غير دستوري. ويعني هذا إلغاء جميع التشريعات التي تم تمريرها منذ نوفمبر، بما في ذلك تجديد صلاحيات اللجنة. وأصبحت بذلك مسؤولية تنظيم الانتخابات وإجرائها بين يدي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي مؤسسة فيدرالية.

وتصعب المبالغة في تقدير مدى جدية هذا التطور بالنسبة إلى الحكم الذاتي الكردي في العراق. وقدّمت الأحزاب الحاكمة مصالحها على مصالح إقليم كردستان، ولم تعد الآن إحدى الوظائف الأساسية للحكم بين أيديها. ويعاني الإقليم من انتكاسات مثل نهاية صادرات النفط المستقلة والجوانب المركزية للميزانية الفيدرالية التي أقِرّت في 11 يونيو، ويواجه مستقبل استقلاليته غموضا أكبر مما شهده في سنوات عديدة.

◙ عدم القدرة على الاتفاق على تفاصيل العملية الانتخابية خلق وضعا قوض شرعية المؤسسات الديمقراطية في إقليم كردستان في نظر المواطنين والشركاء الأجانب

وقالت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق في ما يتعلق بتوقيت العملية، إنها لن تتم في موعد قبل 18 فبراير 2024، مما ينفي احتمال عقدها في 18 نوفمبر أو بالتزامن مع انتخابات المحافظات العراقية في 18 ديسمبر. وتحتاج المفوضية ستة أشهر على الأقل للتحضير للانتخابات، ويوحي حلول شهر رمضان في الربيع وعيد النوروز في مارس بأن الموعد سيكون في أواخر ربيع عام 2024 على أقرب تقدير. كما قد تتعطل التحضيرات لأن تفويض الهيئة الانتخابية يحتاج إلى التجديد في يناير. وإذا لم تنجح هذه العملية بسلاسة، فقد يتقرر تأجيل الانتخابات مرة أخرى. ويمكن للتوترات الكردية الداخلية أن تبرز مرة أخرى لتعقيد الأمور.

وفي حين يعدّ تآكل السلطة السياسية في أربيل مصدر قلق كبير لبغداد، يقول الصحافي رودجرز المقيم في السليمانية إن الخاسرين الحقيقيين هنا ليسوا القيادات السياسية المتنازعة في الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، ولكن شعب إقليم كردستان المحروم من الحق في الحكم الذاتي من ناحيتين مهمتين: أولا، كان الشعب الكردي هو الذي كافح وعانى ومات لإنشاء مؤسسات سياسية خاصة به تحميه من بغداد. ولم تتجاوز ذاكرته الإبادة الجماعية في الأنفال وأهوال الهجوم الكيميائي على حلبجة.

ثانيا، حرمه تردّد الأحزاب الحاكمة من حقه الديمقراطي الأساسي في صناديق الاقتراع. ويواجه الحكم الذاتي والحق في الانتخابات خطرا كبيرا. وفي حين يبقى من الصحيح أن يدور نقاش حول ما إذا كانت الانتخابات في إقليم كردستان حرة ونزيهة، لا يوجد شك في كونها ضرورية

العرب