صدر ما اعتبره متابعون سياسيون كثر أول قرار جماعي شامل عن مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية، من دون صعوبات تذكر. القرار الذي أعده الجانب الأمريكي بتفاهم مع الجانب الروسي وصدر مساء الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول حدد خريطة طريق لحل الأزمة، وهي الخريطة ذاتها التي وضعتها اجتماعات فيينا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والتي ضمّت ما يعرف بلجنة الاتصال الدولية بشأن سوريا.
القرار الأممي الجديد يدعو لوقف إطلاق نار فوري وإلى رعاية أممية، مع تركيز كبير على الدعوة لعدم استهداف المدنيين والمنشآت المدنية. إضافة إلى خطوات الانتخابات ووضع دستور جديد.
القرار يبدو كأنه يسدل ستاراً على واحد من أسوأ الصراعات الداخلية/ الإقليمية في منطقتنا، مع أنه من المبكر القول إن الظروف ناضجة لوضع نقطة النهاية للعنف، وإذ لا تبدي الأطراف الرئيسية حماسة ملحوظة نظراً للتعقيدات على الأرض، فإنها تتصرف باعتبار أن لا خيار آخر، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.. وذلك صحيح.
في مؤتمره الصحفي السنوي حث الرئيس الروسي بوتين، نظيره الأسد على قبول حل قد لا يعجبه. الحل يبدأ بوقف إطلاق نار يستثني «داعش» و«النصرة» على الخصوص، وبمفاوضات بين ممثلي المعارضة والنظام حول تشكيل هيئة الحكم الانتقالية. وخلافاً لما جرى في جنيف قبل نحو عامين ولمرتين على التوالي من مفاوضات مفتوحة ومرجعية غير ملزمة، فهذه المفاوضات المقرر لها أن تبدأ مع مطلع العام 2016، يراد بها التوصل إلى نتائج محددة وضمن أمد زمني قصير نسبياً. من دون أن يعني ذلك أن هامش المناورة ضيق أمام الجانبين، حيث سيجري التشبث بكل كلمة وفاصلة في صراع التفسير والتأويل، غير أن أي فشل لهذه المفاوضات سوف يجُر تدخلات شتى من أجل إنجاحها ومن أجل التأثير عليها من الخارج.
وليس سراً أن الأطراف الإقليمية المعنية بالأزمة باتت على درجة عالية من التوتر في هذه المرحلة، ما يجعل التعثر في تنفيذ خريطة الطريق الدولية، فرصة للتدخل والتأثير في بيئة المفاوضات.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فحتى مع النجاح المأمول في الاتفاق على صيغة هيئة الحكم الانتقالية، فإن التنفيذ على الأرض يحتاج إلى مفاوضات شاقة أخرى من أجل ضمان نجاحه. وقد سبق للحكم في دمشق أن صرّح أكثر من مرة بأن ترتيبات للانتقال غير واردة وأن المطروح هو تشكيل حكومة موسعة.. المأمول أن تكون الترتيبات الآن واردة بعد أن اجتمعت الإرادتان الإقليمية والدولية على اجتراح الحل الذي وضعته اجتماعات فيينا، وبحضور حلفاء النظام: والروس والإيرانيون والصينيون.
الغاية من إيراد الملاحظات السابقة التأشير إلى أن التعطيل سيؤدي إلى مزيد من التوتير والضغوط على الطرف المعطل، وقد يؤدي حتى إلى شحن الأجواء بين دول وأطراف، وهو ما قد ينعكس بالسلب على مجرى حل الأزمة بعد أن بلغت طورها الأخير.
الأفضل من أي توقعات متشائمة، أن يعمد الجانبان المعارضة والحكم إلى إجراءات بناء ثقة، بالإفراج عن كل المحتجزين على خلفية الموقف من الأزمة، وفك كل حصار يتعرض له مدنيون، فإذا ما تم البدء بخطوة كهذه فإن أجواء التفاوض قابلة لأن تتحسن مع ضغوط إيجابية يوجهها الرأي العام من أجل وقف معاناة الناس، ومن أجل المسارعة في التوصل إلى حلول شافية.
القرار الأممي الأخير ركز على الجوانب الإنسانية المتعلقة بالمدنيين وأهمية إيلائهم الاهتمام الأكبر في مرحلة الاستهلال، وصولاً إلى تمكين ملايين المشردين من العودة إلى ديارهم وبيوتهم. بعد كل الكوارث التي أحاقت بالمدنيين، فإنه من المهم في الظروف هذه، الجديدة، توثيق أي جرائم أو تعديات جديدة ضد المدنيين، فالسلام لا معنى له إذا لم يحفظ حياة وكرامة الناس الأبرياء، والحرب الرخيصة التي لا منتصر فيها هي تلك التي تستهدف مدنيين. والقرار الجديد يستحق أن يكون مرجعية في هذا الظرف.
استمرار التفاهم الأمريكي الروسي مطلوب لعبور المرحلة الانتقالية، وسوف يسم المرحلة المقبلة وحتى نهاية الولاية الثانية لإدارة أوباما، وبين الوزيرين كيري ولافروف بالذات. فلا بد من ضمان تنفيذ الاتفاقات على الأرض، وخاصة في العاصمة دمشق وحماية الأطراف والشخصيات خلال مرحلة لا تقل عن سنة.
كذلك فإن الحاجة إلى متابعة مجموعة فيينا الواسعة ستظل قائمة، فهذه المجموعة هي التي وضعت خطة الحل، وهي التي ستراقب إلى جانب الأمم المتحدة مجريات التنفيذ ولكن من بُعد.. وسوف يكون هناك متضررون من هذا الحل سيعملون على إفشاله في أي مكان من الأرض السورية، وهناك من سيرفضون التزحزح عن أماكنهم ومواقعهم من مجموعات مسلحة وهيئات غير مسلحة، الأمر الذي سيجعل تنفيذ الحل أشبه بولادة جديدة لبلد ينهض من ركام الحرب. لكن ذلك يتطلب قدراً من الإعجاز. إذ لا بد من إرغام الأطراف والضغط عليها من دون توقف ومع وجود قوة ثالثة محايدة، وإلى أن يحل السلام بصورة نهائية، وبغير ذلك سيتنصل كثيرون من التزاماتهم، أو يهيئون مفاجآت غير سارة لخصومهم وللوسطاء ورعاة الحلول.
محمود الريماوي
صحيفة الخليج