أطلق الحرس الثوري الإيراني عشرة صواريخ باليستية على مواقع في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، بزعم ضرب “مواقع تجسس” لإسرائيل، في حين أن الاستهداف طال منطقة سكنية وأسفر عن مقتل أربعة على الأقل، وإصابة 17 آخرين كانوا يحضرون مناسبة اجتماعية
وزعم وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني ان ما فعلته إيران في أربيل يدخل ضمن حق إيران في الدفاع المشروع عن أمنها المهدد من إسرائيل من داخل الأراضي العراقية. وذلك في إنكار تام من ان هذا العمل العسكري العدواني يمثل انتهاكا سافرا لسيادة العراق ولحرمة أراضيه ككل الدول المستقلة في العالم…
وما حدث في أربيل ودفع العراق الي التقدم بشكوى ضد إيران إلى مجلس الأمن لانتهاكه لقواعد القانون الدولي والعلاقات حسن الجوار بين الدول التي أكد عليها ميثاق الأمم المتحدة ودعا الدول الى احترامها في علاقاتها المتبادلة.، هذا العدوان الإيراني السافر على العراق ينطوي على عدد من الدلالات السياسية المهمة، منها:
الدلالة الأولى: لا تزال إيران تتعامل من العراق، وهو الدولة العربية المؤثرة في بيئته العربية والإقليمية، على أنه الفناء الخلفي لها، وان من حقها ان تفعل من خلاله ما تعتبره من حقها كقوة إقليمية كبيرة لها مصالحها القومية الحيوية واحتياجاتها الأمنية التي تتجاوز حدودها الجغرافية الى ما هو ابعد مدى منها بكثير.
وهي لذلك في حالة اختراق مستمر له بكل أدوات الضغط والتأثير المباشر وغير المباشر يساعدها على ذلك الحضور الكثيف لوكلائها داخل العراق باذرعهم الطويلة الممتدة المنتشرة في كل مكان. فإيران لا تريد أن تغير نظرتها الى موقفها من العراق وأن تتعامل معه من موقع الند للند..
وهي عندما اعتدت على أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق، فإن ذلك كان لتاكدها أن العراق لن يصعد الأمور معها وأن رده عليها سوف يكون دبلوماسي وليس عسكريا، وهادئا ومنضبطا وليس متوترا أو متهورا أو عصبيا. وهو ما حدث فعلا.
وأما الدلالة الثانية، فهي أن زعمها بأن ما فعلته في أربيل يأتي في سياق ردها على تهديد إسرائيل لأمنها من خلال استخدامها لقواعد داخل اراضي العراق كدولة جوار، هو زعم مردود عليه بأن تهديد إسرائيل لامن إيران ونحرشها بها واستفزازها لها، ليس جديدا، وإنما هو تهديد مستمر منذ سنوات طويلة وقد تمثل في ما نفذه الموساد الإسرائيلي من عمليات اغتيال متكررة. لرموز إيرانية علمية وسياسية قيادية بارزة، ومن اختراقات سيبرانية خطيرة وصلت إلى حد سرقة الأرشيف النووي الإيراني نفسه وتهريبه الى إسرائيل بمساعدة عملاء المخابرات المركزية الأمريكية ولم تفعل إيران شيئا وقتها للرد به على كل تلك الاختراقات الأمنية الخطيرة والمستفزة بشدة لقدرتها على ضبط امنها. أو كما قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين امس في تعقيبه على ما جرى في أربيل، اننا مع غيرنا من دول الجوار لإيران ندفع ثمن عدم قدرتها على مواجهة إسرائيل عسكريا، وهي تبحث عن أهداف تضربها في اراضينا بدلا من ان تضرب الإسرائيلي في أراضيهم.. وكانه يريد أن يقول إنها تفعل فينا ما تفعله لإنقاذ ماء وجهها في مواجهة ما تتعرض له من ضغوط واحراجات.
وأما الدلالة الثالثة، أن طهران تحاول إخضاع سلطة أربيل ودهوك الخاضعتين لنفوذ الحزب “الديمقراطي” الحاكم في الإقليم بزعامة مسعود بارزاني، بعد أن تمكنت من بسط نفوذها على الساحة السياسية والأمنية العراقية، إلى جانب إظهار قدرتها على تهديد المصالح الأميركية في خضم الصراع المتصاعد بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية. كما أن طهران تحاول أن تظهر للدول الغربية أنها تمتلك القوة لمواجهة أية تحديات أخرى يمكن أن تحيط بها مع قرب تشكل تحالف دولي سيشكل مزيداً من الضغط عليها، كونها الداعمة المباشرة للحوثيين في اليمن وحركة “حماس” في غزة و”حزب الله” وكذلك الفصائل (الشيعية) في العراق.
أما الدلالة الرابعة: الإيرانيون يخشون اليوم من قطع أذرعهم في الشرق الأوسط، بخاصة مع احتمال بسط الإسرائيليين سيطرتهم على قطاع غزة وطرد حركة (حماس) منه، بينما نشهد تصعيداً ضد (حزب الله) في لبنان، في وقت لم تكن الضغوط التي مورست لوقف الحرب في غزة مجدية، وهنا تحاول طهران تخفيف الضغط الواقع على جبهات عدة، ومنها جبهة (حزب الله)، لأن تكرار سيناريو غزة في جنوب لبنان سيعني فقدان الإيرانيين ذراعين بالغي الأهمية أو على الأقل إضعافهما”.
أما الدلالة الخامسة: أن اعتداء الحرس الثوري يرتبط بنطاقه الإقليمي الممتد من قطاع غزة إلى البحر الأحمر، وأن إيران؛ التي تخشى أن تفقد ذراعها الحوثية في اليمن، قررت أن تقرب مسافة المواجهة مع الأميركيين في أربيل، لكسب الوقت أو تجميد الحشد العسكري الغربي في البحر الأحمر، خصوصاً أن «الحرس» الإيراني وقع على هجماته البارحة برسالة أخرى قد تبدو شيفرة للأميركيين: «الهجمات لن تتوقف… نعدكم».
بسبب عجزها أو عدم رغبتها عن الرد على التدمير الشامل التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزه، وهي من كان الحرس الثوري الإيراني يتهددها ويتوعدها قبل حربها على غزة بالفناء التام وبمحوها من الخارطة، وبعد الحرب صمت وتوقف عن إصدار تهديداته تحت زعم إن إسرائيل قد هزمت فعلا في هذه الحرب ولم يشر الي حجم الدمار الذي أصاب غزة وشعبها الى نازحين ومشردين دون أن تمتد اليهم يد إيرانية واحدة من باب شكل من أشكال المساعدة، إنسانية كانت أو غير إنسانية.. وبالتالي، فان ما حدث في أربيل وباكستان هي في حقيفتها عمليات تعويضية محدودة الأهمية العسكرية وإنها لتخفيف الاحساس الشديد بالحرج الذي يواجهه النظام الإيراني بعد أن وضعته الحرب في غزة على المحك وعجز فيه عن الرد… وهو يعرف ان أزمة غزة سوف تمر.. وليعود بعدها الحرس الثوري الإيراني الى إطلاق تهديداته ضد إسرائيل، ولتبدأ دورة الشعارات رنانة عملها من جديد.. وكان شيئا لم يكن.. إذن البراغماتية الإيرانية هي السياسة الناظمة لسلوكها تجاه التطورات التي تشهدها فلسطين بشكل عام وغزة بشكل خاص.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية