ولو في الصين

ولو في الصين

أربعة زعماء عرب في الصين مرة واحدة. الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والمصري عبدالفتاح السيسي والتونسي قيس سعيد وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. والمناسبة انطلاق أعمال منتدى التعاون الصيني ــ العربي.

خارج السياسة وداخلها تعبر العلاقة بالصين عن مسعى لفهم المتغيرات الدولية والارتقاء إلى مستوى ما تفرضه تلك المتغيرات من تحديث في الأدوات والأساليب والمفاهيم. وإذا ما كانت دول عربية قد ارتبطت بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة فإن ذلك الارتباط لا يمنع من الانفتاح على الصين، كونها شريكا رئيسا في صنع الاقتصاد الرأسمالي بصيغته الجديدة.

الصين المتشددة عقائديا بمنطلقاتها الشيوعية نجحت في اختراق السوق الرأسمالية وصار في إمكانها أن تملأ كل فراغ يقع في تلك السوق. ومن المؤكد أن الصين خلقت نوعا من الاستقرار الاقتصادي في ظل اطمئنان غربي إلى أن الاختراق الصيني لا يشكل خطرا على المعادلات السياسية التي صار الغرب متفرغا لها شغفا منه في تأكيد هيمنته على العالم. وهي هيمنة مشكوك فيها. ذلك لأن الغرب لم يضع في حساباته ما جري خارج إرادته من تغيرات في العالم. وهي تغيرات صارت بمثابة واقع مجاور للواقع الذي قرر أن يفرضه مزاجا سياسيا عالميا.

◄ أن يذهب العرب إلى الصين تلك نتيجة طبيعية لضرورة أن تكون الصين حاضرة في حياتهم لأنها الجهة التي يطمئنون إليها بعد أن خدعهم الغرب الذي صنع إسرائيل

ولأن الصين كانت قد نجت من الوقوع في صراع سياسي مع الغرب كان من الممكن أن يحيلها إلى عدو كما حدث مع روسيا فإن أي دولة تقيم علاقة إستراتيجية معها اليوم إنما تنتقل إلى مستوى العلاقات التكاملية التي فرضتها الصين خيارا وحيدا على الغرب. فالصين اليوم ليست معمل العالم، بل رئته الاقتصادية. ذلك ما يبشر بولادة عالم جديد لن يكون الغرب مهيمنا عليه. ذلك عالم هو في حقيقته أكثر سعة مما يفرضه الواقع.

الصين تقيم في المستقبل فيما لا يزال الغرب يعيش في ذاكرته الاستعمارية. كانت تجربة العراق واحدة من أسوأ التجارب التي انتهت بدولة مدنية إلى أن تكون دولة دينية متخلفة. الثقة بالغرب هي نوع من تغييب العقل. لذلك فإن أي تحرك في اتجاه الصين هو محاولة للخلاص من مصير كئيب. كل النظريات الغربية التي تتعلق بصنع شرق أوسط جديد إنما هي محاولة لتهديم الدول وسحق المجتمعات ومحو إرادتها المستقلة وفرض أنظمة بائسة عليها.

كل ثقة العرب بالغرب، السابقة والحالية كانت عنوانا للفشل. لذلك فإنهم حين يلجؤون إلى الصين فإنهم يعرفون أن بلاد العم ماو ستكون نزيهة معهم. لن يقتربوا من السياسة. هل يكفي ذلك لطمأنة الغرب، بالأخص الولايات المتحدة؟ ما فعله الزعماء العرب الأربعة سيكون محل شك بالنسبة إلى الدوائر السياسية في الغرب بالرغم من أنه ليس هناك ما يستحق أن يُخفى. الصين قوة اقتصادية يدين لها الغرب بالجزء الأكبر من حياته. وهو ما يعني أن العلاقة بها لم تعد محصورة في نطاق صراع الشرق والغرب. في حقيقة ما فعلته فإن الصين تحولت إلى قوة الشرق في العالم الغربي. تلك فكرة جديدة عن العالم. وهي فكرة تعامل معها العرب بذكاء.

زعماء عرب أربعة في الصين. ذلك حدث استثنائي غير مسبوق. وهو ما يؤكد أن العرب صاروا يفكرون بطريقة مختلفة. لنقل إنهم حدثوا طريقتهم في التفكير السياسي بما يتناسب مع العصر. لم يعد الغرب هو المرجع. من المؤكد أن الزعماء الأربعة يفكرون في السياسة، غير أن حضورهم في الصين سيضعهم في قلب عالم متحول. هذه بلاد قامت من لا شيء. وها هي اليوم دولة كبرى، لا بعدد سكانها ولا بمساحتها، بل بهيمنتها على اقتصاد العالم.

أن يذهب العرب إلى الصين تلك نتيجة طبيعية لضرورة أن تكون الصين حاضرة في حياتهم. ليست لأنها الأقرب تاريخيا وجغرافيا إليهم فحسب، بل لأنها أيضا الجهة التي يطمئنون إليها بعد أن خدعهم الغرب الذي صنع إسرائيل التي كانت سببا في خرابهم. صحيح أن العرب ذهبوا إلى الصين لأسباب اقتصادية غير أن لا أحد يضمن في أنهم لن يتحدثوا في السياسة فيما أهل غزة يتعرضون لإبادة إسرائيلية مدعومة من الغرب. لن يكون الاقتصاد معزولا عن مصير الإنسان في المنطقة. وكما أتوقع فإن الزعماء الأربعة لن يبدؤوا حديثهم مع الزعماء الصينيين إلا بغزة. وليس محرجا بالنسبة إلى الصين أن تجد في غزة ثغرة في حوارها مع الغرب.

العرب