قبل انعقاد القمة الخليجية الـ 35 بأربعة أيام، أصدر مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بياناً أكد فيه التجاوب الكامل مع الدعوة التي وجهها إليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في شأن الانفتاح على دول الخليج. ومع أن مكتب السيسي لم يُشر صراحة إلى الخلاف مع قطر، إلا أن صيغة البيان حملت إشارات واضحة إلى ضرورة طي ذلك الخلاف. أي الخلاف الذي انفجر عقب إزاحة الرئيس محمد مرسي عن كرسي الحكم في تموز (يوليو) 2013.
وبسبب تعاطفها مع سياسة مرسي، شنّت قطر حملة إعلامية واسعة بواسطة قناة «الجزيرة» ومختلف الصحف التي تملكها أو تمولها. وبادرت الحكومة المصرية إلى مواجهة تلك الحملة باعتقال ثلاثة مراسلين يعملون لصالح «الجزيرة»، ونسبت إليهم تهمة التخابر مع جماعة «الإخوان المسلمين».
ومع ازدياد حدة التوتر بين البلدين، قامت مصر بسحب سفيرها من الدوحة، بينما احتفظت قطر بسفيرها في القاهرة. وقد أيّدت موقف القاهرة، في حينه، كل من السعودية ودولة الإمارات والبحرين، وأعلنت سحب سفرائها من الدوحة.
وبعد مضيّ أكثر من ثمانية أشهر على تلك القطيعة الديبلوماسية، قررت الدول الخليجية الثلاث تفعيل مسيرة التضامن العربي وإعادة سفرائها إلى قطر.
وقد اتخذ ذلك القرار بتشجيع من الأمانة العامة للمجلس التي رأت في الخلاف المصري – القطري إضعافاً للعلاقات الوثيقة بين الدول الست: المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة قطر ودولة الكويت.
وقد حاول العراق واليمن الحصول على عضوية هذا التجمع، ولكن المجلس اكتفى بمنحهما عضوية اللجان الرياضية والصحية والثقافية. وجاءت مبررات الرفض السياسي لتحصر شروط الانتماء بالدول المتجانسة من حيث طبيعة النظام، والموقع المطل على رقعة المحيط الخليجي.
ويبدو أن واضع النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي قد تنبَّه إلى ضرورة فضّ الخلافات الإقليمية بواسطة هيئة سُميّت «هيئة تسوية النزاعات». وربما استوحى أهمية هذه الهيئة من الخلافات التي تعصف بدول الجامعة العربية، أو حتى دول حلف الأطلسي التي تلتئم حول هدف عسكري واحد.
ومن أجل تعميم هذه المقارنات، أكد وزير خارجية قطر خالد العطية في مؤتمره الصحافي هذا الأسبوع، «أن تعزيز التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي يستهدف في النهاية إقامة حلف عسكري على غرار حلف الناتو». وكان بهذا الإعلان يرد على تشكيل التحالف الإقليمي الذي اقترحته إيران خلال قمة مصغرة حضرها وزراء خارجية العراق (إبراهيم الجعفري) وسورية (وليد المعلم) ومحمد جواد ظريف.
وقد انضم إلى الوزراء مسؤولون في مجلس الأمن القومي الإيراني، والجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، إضافة إلى زعماء مجموعات عراقية ولبنانية وفلسطينية وصلوا إلى طهران بغرض تنسيق المواقف في إطار تحالف ترعاه إيران. أي التحالف الموجّه ضد الحركات التكفيرية والمتطرفة مثل «داعش» وأخواته.
وفي الوقت ذاته، وصل إلى طهران أيضاً وفد فلسطيني برئاسة محمد نصر، عضو المكتب السياسي لحركة «حماس». وعُلِم أن الوفد أجرى محادثات في شأن مستقبل خالد مشعل، على اعتبار أن بقاءه في الدوحة لم يعد مُستَحَباً بعد المصالحة المتوقعة بين مصر وقطر.
ويرى المراقبون أن القمة الخليجية الأخيرة جاءت كرد مباشر على موقف الرئيس باراك أوباما الذي أجرى تحولاً سياسياً عميقاً باتجاه إيران. كما جاءت أيضاً لمواجهة الهجمة الإيرانية الواسعة عبر الحلفاء والأنصار في اليمن والصومال وسورية والعراق ولبنان والبحرين.
وقد ألمح وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية نزار مدني إلى موضوع التدخل الإيراني، أثناء الكلمة التي ألقاها في المنامة الأسبوع الماضي. ووصف إيران بأنها دولة عريقة ومهمة، ومرشحة للعب دور ريادي في الخليج، شرط إقامة علاقات حسن جوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجاراتها.
وفي الأسبوع الماضي أيضاً، كشف اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية عن ارتكابات أمنية افتعلتها عناصر مختلفة بتوجيه من ميليشيات عراقية. وذكر التركي أن الأجهزة المختصة اعتقلت 135 شخصاً، اعترفوا بتمويل وتدريب إرهابيين جُنّدوا للقيام بعمليات مخلة بالأمن والاستقرار.
ويتردد في واشنطن أن صفقات الأسلحة التي عقدتها السعودية ودولة الإمارات مع الولايات المتحدة يعود تاريخها إلى ما قبل الانفتاح الأميركي على طهران، أي إلى عام 2010 ومطلع عام 2012. ذلك أن المملكة في حينه أبرمت أكبر صفقة تسلح مع واشنطن شملت شراء عشرات الطائرات الحربية والمروحيات بقيمة ستين بليون دولار. كما أعلن البنتاغون عن بيع السعودية والامارات أسلحة وذخائر بقيمة 11 بليون دولار. وتتضمن الصفقة الأخيرة أنظمة «باتريوت» للدفاع الجوي وصواريخ «باك-3».
صحيح أن هذه الصفقات تحتاج دائماً إلى صيانة وتجديد قطع الغيار… ولكن الصحيح أيضاً أن كمية المشتريات من الولايات المتحدة ستتضاءل بسبب تحوّل دول الخليج، واعتمادها مستقبلاً على روسيا وفرنسا وبريطانيا.
وفي المدة الأخيرة، زار روسيا ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين. وذكرت صحيفة «كوميرسانت» أن المحادثات تركزت على موضوع تزويد دولة الإمارات بالسلاح، وعلى مشكلة الضغوط التي تمارسها واشنطن ضد دول «أوبك.»
ونقلت الصحف الروسية في حينه عن بوتين قوله: إن العلاقات مع الإمارات تتطور بنجاح متواصل، وإن حجم التبادل التجاري بين الدولتين بلغ السنة الماضية أكثر من بليونين ونصف بليون دولار. وذكر بوتين أن هناك أكثر من أربعين شركة روسية تقوم بتنفيذ أكثر من 350 مشروعاً صناعياً وتجارياً.
المراقبون في الخليج يتطلعون إلى نتائج مؤتمر القمة من زاوية المصالحة الإقليمية، على أمل إنهاء الخلاف بين قطر ومصر. علماً أن الدوحة لا تتوقع من مصر أن تقوم بدور الرعاية والحماية لحلفائها الخليجيين مثلما تفعل إيران مع حلفائها في لبنان وسورية واليمن والعراق وغزة وشيعة البحرين.
ويتوقع المحللون في حال تمخضت فكرة التحالف العسكري الخليجي عن مضاعفة موازنات التسلح، وازدياد عدد القواعد العسكرية الأجنبية، أن تتجه إيران إلى تشكيل تحالف إقليمي واسع يضم «حزب الله» وحوثيي اليمن و»شباب» الصومال و»حماس» فلسطين، وحزب «الدعوة» العراقي وقوات «الدفاع الوطني» السوري.
وعندها فقط يفرح «داعش» بهذا الإخراج السياسي الذي يخرجه من الحرج، بحيث يصبح هو أيضاً هيئة صالحة لأن تدخل في خانة استغلال الإرهابيين بهدف تشريع الإرهاب!
عقب احتلال الكويت من قبل قوات صدام حسين، عقدت عدة دول خليجية اتفاقات عسكرية مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، بهدف حمايتها من هجوم مفاجئ قد ينفذه مقلدو صدام حسين في المنطقة. وكان واضحاً أن تهديدات إيران أصبحت الحجّة المنطقية التي تتلطى وراءها الدول الخائفة من إيران وحلفائها. وعليه يرى حكام منطقة الخليج أن توقف ثورة الخميني داخل حدود إيران يبقى السبب الكافي لمنع الأساطيل الغربية من الترنح فوق مياه الخليج.
في ندوة «حوار المنامة»، استغل وزير الدفاع البريطاني مايكل فالن هذه المناسبة ليشيد بالاتفاقية الأمنية التي وقعتها بلاده مع مملكة البحرين. وقال أيضاً إن بريطانيا مصممة على الدفاع عن المنطقة كما فعلت سابقاً في الكويت.
وحقيقة الأمر، أن الغلاف السياسي لأفكار الوزير يطوي الحنين إلى حقبة طويلة كانت أساطيل بلاده خلالها تجوب بحار المنطقة.
ومع أن معاهد الدراسات تعزو اهتمامات الدول الصناعية الكبرى إلى اكتشاف النفط ومشتقاته… إلا أن المحللين يرون في الموقع الاستراتيجي المميز سبباً إضافياً للغزو العسكري قبل عام 1908. أي سنة اكتشاف النفط في منطقة مسجد سليمان في إيران.
صحيح أن اكتشاف النفط شجع الدول الكبرى على التنافس والتزاحم المستمر من أجل الحصول على هذه المادة الحيوية… ولكن الصحيح أيضاً أن الاسكندر المقدوني وصل إلى الخليج على ظهر حصانه وليس على متن باخرة. ومثله فعل الرحالة ماركو بولو الذي وصل إلى الخليج على متن سفينة شراعية، ثم عاد إلى بلاده ليتحدث عن سحر الشرق، وطريق الهند وبحار الزمرد والمرجان.
أمام هذا العجز الفاضح الذي اتسمت به الولايات المتحدة، تعمل روسيا جاهدة لتنفيذ مخططاتها القديمة التي وضعها بطرس الأكبر، بأساليب حديثة ملائمة لكل زمان ومكان.
لقد وجد الرئيس بوتين نفسه كزعيم عالمي، مضطر لأن يفتح لبلاده منفذاً نحو آسيا الوسطى والمحيط الهندي وإفريقيا الشرقية. ومثل هذه المغامرة لا تتحقق إلا عبر إيران أو العراق، حيث يمتد الجسر الطبيعي إلى مياه الخليج العربي.
سليم نصار :كاتب وصحفي لبناني
صحيفة الحياة
http://goo.gl/F43Nsd