لم يفوّت الرئيس الأميركي باراك أوباما، في سياق تسويقه الاتفاق النووي مع إيران، أية فرصة لادعاء أن إيران ما بعد الاتفاق ورفع العقوبات ستكون مختلفة عما قبلهما، وأنها ستكون «معتدلة» و «جزءاً من الأسرة الدولية»، بل حتى أن مجتمعها نفسه، وهو في غالبيته من الشبان، لن يمر وقت طويل حتى يتولى الحكم خلفاً لنظام الملالي الذي يحكم هذا البلد منذ 1979.
ومع أنه لم تمر إلا أيام قليلة على إبرام الاتفاق وإعلان رفع العقوبات، حتى أعلنت إيران أنها اختبرت صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، ورد أوباما على ذلك بفرض عقوبات أميركية جديدة عليها، فلا يخرج من إيران هذه الأيام إلا ما يؤكد أن شيئاً لم يتغير، بل لن يتغير، في طبيعة هذا النظام… ليس فقط في ما يتعلق بعسكرة بلاده ونواياها الحربية تجاه الخارج (والجوار بالذات)، إنما أيضاً في بنائها الفكري والأيديولوجي والسياسي أيضاً.
ونظرة الى الأجواء التي تحيط بالانتخابات الإيرانية القريبة، تكشف هذا الواقع بما لا يدع مجالاً للشك.
فهذه الانتخابات المقررة في 26 شباط (فبراير) الجاري لـ «مجلس الشورى» و «مجلس الخبراء»، والتي توقع كثر في الغرب وفي إيران نفسها أنها ستقدّم للعالم «إيران ما بعد الاتفاق النووي»، انطلاقاً مما يقال عن تنافس فيها بين جناحين، إصلاحي ومحافظ، أو معتدل ومتشدّد، تعطي منذ الآن صورة مختلفة الى أبعد حد: إيران التي لا ولن تتغير.
ذلك أن كلمة «تنافس» نفسها غير موجودة عند هذا النظام، لا في الدستور الذي صاغه على مقاسه، ولا في ما حاول دائماً أن يبيعه للعالم بدعوى أنه انتخابات شعبية أو ديموقراطية بالمعنى العريض للكلمة.
فالقرار أولاً وأخيراً هنا لما يسمى «مجلس صيانة الدستور»، ليس فقط بالنسبة الى أوراق الاقتراع التي لا بد أن تكون «متفقة مع توجيهات المرشد»، إنما قبل ذلك في الترشح الى الانتخابات أياً كانت، برلمانية أو رئاسية أو حتى في الحوزات الدينية. وهذا المجلس، المكوّن من 6 رجال دين بدرجة «آية الله» و6 محامين، غير منتخب من جهة، كما أنه يرهن قراراته بموافقة رجال الدين فيه المعيّنين من المرشد من جهة ثانية. كذلك، فإن رئيسه، أحمد جنتي، لا يخفي موقفه المناهض للإصلاح والاعتدال إن في السياسات الداخلية أو في الشؤون الخارجية.
وهكذا، فتحت شعارات أطلقها المرشد علي خامنئي و «الحرس الثوري» ورجال الدين المتشدّدون، مثل التحذير من «التغلغل الغربي» والتمسك بـ «الاقتصاد المقاوم»، قرر هذا المجلس قبل أقل من شهر على إجراء الانتخابات، منع 90 في المئة ممن يوصفون بالمعتدلين من الترشح لعضوية «مجلس الشورى»، وأربعة أخماس (644 من أصل 801) لـ «مجلس الخبراء»، بمن فيهم حفيد مؤسس الجمهورية الإمام روح الله الخميني، حسن الخميني.
ملاحظة: اهتمام النظام هنا بإيران الداخل، أي بمرحلة ما بعد رفع العقوبات وتأثيراته، أكثر من أي شيء آخر، بما في ذلك دوره التوسعي والتخريبي في دول الجوار… من سورية الى العراق الى اليمن ولبنان.
ومع أنه قد تنخفض نسبة الممنوعين من الترشح أو تزداد، فغني عن القول أن التحذير من «التغلغل الغربي» والتمسك بـ «الاقتصاد المقاوم»، يشيران مباشرة الى ما يقوله المعتدلون، وتحديداً الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، عن انفتاح إيران بعد الاتفاق النووي مع الدول الـ5+1. ولأن مدة مجلس الشورى 4 سنوات ومجلس الخبراء 7، فإن شيئاً لن يتغير في إيران طيلة هذه الفترة، لا سيما وأن إحدى مهام الأخير الذي سيزداد عدد أعضائه من 86 الى 99، انتخاب المرشد في حال خلوّ موقعه.
وبنتيجة ذلك، لن يكون مفاجئاً أن يخسر المعتدلون معركتهم للفوز بالأكثرية في مجلس الشورى، ولا أن تضيع سدى وعود روحاني منذ حملته الرئاسية العام 2013 وفي خلال العامين الماضيين، حول تحسين ظروف الشعب المعيشية وأوضاع البلاد الاقتصادية بمجرد رفع العقوبات عنها.
لكن السؤال يذهب الى أبعد من ذلك: هل ينضم روحاني، في حال تمسكه بموقفه، الى لائحة الإقامة الإجبارية المفروضة منذ أعوام على كل من الرئيس الأسبق محمد خاتمي، والمرشحين للرئاسة مهدي كروبي ومير حسين موسوي وغيرهم؟.
الحال، أن ما يتردد في إيران بعد الاتفاق النووي وعشية الانتخابات المقبلة في شكل خاص، يشي بما لا يمكن توقعه من الآن. ولعل من المفيد هنا استعادة بعض المواقف المعلنة:
فقد نقل عن رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» هاشمي رفسنجاني، تحذيره من «ثورة عنيفة» كما وصفها، وقال إنه «في ظل السياسات التي تشهدها البلاد والفساد في المؤسسات الحكومية وإقصاء ممثلي الشعب عن المشاركة في انتخابات نزيهة، فإن الشعب لن يصمت طويلاً، وسنشاهد ثورة عارمة قد تفاجئ الجميع كالثورة التي شهدتها إيران العام 79 ضد الشاه، وربما أعنف، لأن الأسباب الموضوعية التي دفعت الشعب الإيراني الى إطاحة الشاه أصبحت موجودة الآن وبقوة في إيران»، على حد تعبيره.
أما القيادي الإصلاحي مهدي خزعلي، فقد وصف النظام الإيراني بأنه داعشي، قائلاً: «إذا كنا في إيران ننتقد تنظيم داعش وأفكاره الإرهابية، فقد باتت سياسات نظامنا لا تختلف عن داعش… وعلى الشعب الإيراني أن يدرك بأن آيات الله الموجودين في إيران هم تنظيم داعش نفسه في سورية والعراق».
وأضاف: «صحيح أنهم يحاربوننا بالفيلة والأحصنة والوزراء (أحجار الشطرنج) بعد إبعاد الإصلاحيين من المشاركة في الانتخابات، لكننا نستطيع أن نسقط ملكهم (إشارة الى خميني) بجنودنا فقط».
لكن المخرج الإيراني الشهير محمد نوري زادة، الذي دعا الى مقاطعة الانتخابات، قال: «نحن في نظر آيات الله كالغنم، لا نعرف كيف ندير حياتنا، وأنهم هم الرعاة الذين يريدوننا أن نشرب ونلبس ونجلس ونعيش كما يريد الراعي الكبير».
وأضاف: «يظن البعض أن خامنئي تغير عما كان في 2009، وهذا وهم… لأنه عندما حضّ الشعب على المشاركة في الانتخابات قال إنه يحق لمنتقدي النظام (وحتى للمعارضين لي شخصياً) المشاركة، لكن لم تمض سوى أيام حتى تراجع عن موقفه بالقول إنه يحق لمعارضي النظام المشاركة في الانتخابات، (لكن لا نسمح لهم بدخول البرلمان)، وهذا يعني أنه يريد من الشعب المشاركة فقط في الانتخابات، وليس بالترشح لأنه يعرف أهمية أصوات الناس ويعرف تأثيرها في حالتي الانتخاب والمقاطعة».
محمد مشموشي
صحيفة الحياة