صرّح نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية في 2004، بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، قائلا: “لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة”.
تغيّر في السياسات الإيرانية تجاه أمريكا
حذفت إيران مؤخّرا نغمة “الموت لأمريكا” من اتصالاتها الخليوية، وهو شعار يعود لنشيد ثوري أُذيع في الذكرى الأولى لاحتلال السفارة الأميركية عام 1979، وطرح الرئيس الإيراني حسن روحاني نغمة جديدة أثناء زيارته لإيطاليا وهي إن إيران يمكن أن تقيم علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، لكن الأمر يتوقف على واشنطن لتغيير موقفها “العدائي” من طهران.
لقد اضطر الطرفان للتعامل وجها لوجه، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية منذ 1979 بعد قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران واحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين كرهائن مدة 444 يوما، ثم ظهور طموح إيران النووي واستخدامها لهذه الورقة للضغط على الغرب للتغاضي عن تمدّد نفوذها في المنطقة. تعمّدت إيران بعد ذلك التلويح بالسلاح النووي لتجبر العالم على إنهاء عزلتها المستمرة منذ عقود لإدراكها أن النووي هو خط أحمر على الأقل في هذه المنطقة من العالم لتبقى إسرائيل تحتفظ بهذه الميزة على باقي دول المنطقة العربية.
وبعد أن فرض الغرب بقيادة الولايات المتحدة عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي، عاد ليرفعها مرة أخرى في وقت تعاني فيه إيران من صعوبات اقتصادية بسبب العقوبات وضعف الإيرادات بعد تدني أسعار النفط بشكل كبير، والذي كان من الممكن أن يكون قيدا حقيقيا على حركتها في المنطقة، ومقيّدا لدعمها لميليشياتها في العراق وسوريا وغيرها، غير أن رفع العقوبات وإطلاق مليارات الدولارات لإيران جاء كطوق نجاة لها في هذه المرحلة الاقتصادية الحرجة التي تمر بها.
تصريحات أمريكية متناقضة
صرّح وزير الخارجية الأميركي جون كيري قائلا “إن قسما من الأموال التي ستستعيدها إيران بعد رفع العقوبات ربما يذهب لتمويل بعض المنظمات العسكرية التي تعتبرها واشنطن “إرهابية”. وأضاف كيري، في تصريحات لاحقة، قائلا “إذا أمسكنا بهم –الإيرانيين- وهم يموّلون الإرهاب، فستكون لهم مشاكل مع الكونغرس الأميركي وجهات أخرى”.
إن التناقض في تصريحات مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية في أن إيران يجب أن لا تستخدم أموالها التي ستطلق بعد انتهاء العقوبات في دعم عملياتها الإرهابية وميليشياتها المنتشرة في المنطقة، وتصريحات أخرى تقر بعدم إمكانية ضمان ذلك في نفس الوقت، تبيّن أن هناك خللا كبيرا كون الولايات المتحدة هي من قدّمت غطاء جويا للميليشيات المدعومة إيرانيا في العراق وبقيادة شخصية من قاسم سليماني عندما دخلت تكريت لقتال تنظيم داعش وما تعرّضت له تكريت بعد ذلك من حرق وسلب ونهب، وهي من سمحت لإيران بتمرير المساعدات المختلفة إلى نظام بشار والميليشيات في سوريا عن طريق العراق جوّا وبرّا وسمحت أيضا برفع العقوبات عن إيران في هذا الوقت الذي تتبلور فيه صورة جديدة للمنطقة تلعب فيها إيران دورا بارزا .
المتضرر من هذا التقارب
إن محاولة حجز تركيا في نطاق حدودها ابتداء من تحرّك القوات الكردية شمال سوريا، المسنودة جويا بطيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة واستيلائها على عدة مدن بعد طرد داعش منها من بينها مدن ذات غالبية عربية وتركمانية، ومن ثم تدخّل روسيا حليفة إيران بتوفيرها غطاء جويا لجيش نظام الأسد ونشرها لمنظومة صواريخ متطورة “إس-400” في قاعدة حميميم بريف اللاذقية غرب سوريا للدفاع الجوي. وطلبها حضور(حزب الاتحاد الديمقراطي) الجناح السياسي للقوات الكردية السورية في مباحثات (جنيف 3) بين المعارضة ونظام الأسد، كل ذلك أدى إلى إضعاف الطموح التركي في بقاء سوريا موحّدة تحت قيادة بديلة للأسد وعزّز من مخاوفها في تطلع أكراد سوريا إلى كيان مستقل قد يدفع أكرادها إلى طلب مشابه.
إن الدور الإيراني المسنود من روسيا، وبتغاضٍ من الولايات المتحدة يبدو أنه يقدّم أرضية مناسبة لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تكلّمت عنه (كوندوليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في 2006 أثناء زيارتها لإسرائيل، بأنه سيولد من الآم الشرق الأوسط، ويبدو أيضا أنه سيكون للأكراد دور محوري فيه وضّحه مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية قائلا “إن المجتمع الدولي وبشكل عام قد بدأ يتقبّل بأن العراق وسوريا سوف لن يعودا كدولة موحّدة من جديد بسبب الأوضاع المضطربة على مدى العقد الماضي، ولا يمكن أن نفرض التعايش الإلزامي بين المكونات بعد الآن”. وأضاف “يجب أن يعرف جميع قادة العالم بأن حقبة اتفاقية سايكس بيكو قد انتهت، سواء أعلنوا ذلك أم لا، فهذا هو الأمر الواقع على الأرض”.
مظفر مؤيد العاني
موقع تركيا بوست