معضلة الطائفية: كيف يرى الشارع العراقي تنظيم “داعش”؟

معضلة الطائفية: كيف يرى الشارع العراقي تنظيم “داعش”؟

4346

تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في العراق عقب الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث أدت السياسة الطائفية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة، فضلا عن اتساع نطاق الصراعات بين القوى السياسية المختلفة، إلى فشل القوات الحكومية في النهاية في صد تمدد تلك التنظيمات في شمال العراق، وهو ما بدا جليًا في سيطرة تنظيم “داعش” على العديد من المدن الرئيسية في تلك المنطقة.

وقد أدت الممارسات التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية والميليشيات الطائفية في العراق إلى ظهور رأى عام مناهض لها، حيث تشير نتائج استطلاعات الرأى الإلكترونية الكثيرة وتلك التي تجري في الداخل العراقي على ندرتها، إلى أن ثمة نبذًا للجماعات الإرهابية باختلاف انتماءاتها المذهبية، وهو ما يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن كثيرًا من العراقيين باتوا يعتبرون أن ميليشيا “الحشد الشعبي” وتنظيم “داعش” وجهان لعملة واحدة.

رأى عام ينبذ “داعش”:

تَنْدُرُ استطلاعات الرأى العام التي تجري في الداخل العراقي نظرًا للاضطراب الأمنية، وصعوبة دخول المناطق التي تُسيطر عليها الجماعات الإرهابية المسلحة على اختلافها، غير أن استطلاعًا للرأى العام أجرى في ديسمبر 2015، في مدينة الموصل، التي تعد أحد أهم معاقل التنظيم في العراق، للوقوف على توجهات الرأى العام العراقي في المدينة من تنظيم “داعش”، أشارت نتائجه، التي نشرت على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن 55% من المستطلعة آراؤهم داخل المدينة أكدوا أن حياتهم كانت أفضل قبل سيطرة التنظيم على المدينة.

كما كشفت النتائج أن 39% يرون أن تنظيم “داعش” يُعبِّر عن مصالحهم وآرائهم، وعلى الرغم من أنها نسبة تُعد إحصائيًّا قليلة، فإنها أعلى بكثير من نسبة 10% أظهرتها نتائج استطلاع مماثل أُجرى في يونيو 2014، وهو ما يُشير إلى أن ثمة تغيرًا في توجهات الرأى العام في المدينة إزاء التنظيم، والذي يمكن فهمه بالنظر إلى إجابات المستطلعة آراؤهم على سبب تفضيلهم بقاء التنظيم، وبلغت نسبتهم 39%، في مقابل 57% يريدون رحيله، إذ أعاد الذين فضلوا بقاء التنظيم تلك الرغبة إلى الخوف من سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وعدم ثقتهم بالولايات المتحدة الأمريكية والجيش العراقي والقوّات الكردية، والتخوف من تنكيل ميليشيا “الحشد الشيعي” والمليشيات الشيعية الأخرى بهم.

أسباب التغير:

ومع التسليم بأن الغالبية العظمى لا تزال غير مؤيدة لتنظيم “داعش” في الداخل العراقي؛ فإن تزايد نسب الأقلية المؤيدة تدعو إلى التساؤل والوقوف على الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومنها:

1- اتساع نطاق التوغل الإيراني في الداخل العراقي من خلال قوات الحرس الثوري وفيالقه، وتصاعد نفوذ الجماعات الموالية لها، وعلى رأسها ميليشيا “الحشد الشعبي” (وهي قوات من المتطوعين الشيعة المدعومة من إيران، والتي قامت هى بتأسيسها من خلال تدريب عناصرها على يد عسكريين إيرانيين على رأسهم قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني) بشكل بات يثير استياءًا للأطراف السياسية السنية، وللمجتمع العراقي السني أيضًا، وهو ما انعكس في شكل رفض العشائر وشيوخ الأنبار لوجود ميليشيا “الحشد الشعبي” لمحاربة تنظيم “داعش” في الرمادي، قبل أن تطلب الحكومة العراقية مساعدة هذه القوات بشكل رسمي.

كما دفعت الممارسات التي ارتكبتها ميليشيا “الحشد الشعبي” في التنكيل بأهالي محافظة ديالي، الذين اتهمت بعضهم بالانتماء لـ”داعش”، فئة معينة إلى اعتبار أن التنظيم الأخير هو الذي يحمي مواطني المناطق التي يسيطر عليها من بطش ميليشيا “الحشد الشعبي”.

فيما يستغل تنظيم “داعش” الاحتقان الطائفي بين السنة والشيعة في العراق لتثبيت نفوذه على الأرض من خلال مخاطبة أهالي المدن السنية، واستجداء التعصب للدين والمذهب السني، بالقول: “هل ترضون أن يرقص قاسم سليماني على أراضيكم؟” في إشارة من التنظيم إلى مقطع فيديو تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي نهاية عام 2014، يظهر فيه سليماني وهو يحتفل مع مقاتلين شيعة وأفراد من قوات “البشمركة” في أعقاب مواجهة مع التنظيم في بلدة آمرلي العراقية.

2- الافتقار إلى وجود بدائل موثوقة للحماية والحفاظ على المصالح والأرواح من قبل الرأى العام العراقي، في ظل عدم الثقة في مؤسسات الدولة العراقية، بما في ذلك الحكومة المركزية، والجيش، والشرطة، والبرلمان، وكذلك فقدان الثقة في التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، بل واعتبار هجماته على الأراضي العراقية بهدف مواجهة التنظيم الخطر الأكثر دهمًا لأمن المواطنين؛ حيث عبر 45.8% عن ذلك، بحسب الاستطلاع المشار إليه.

3- الترويج لفكرة أن التنظيم قد نشأ في الأساس منذ البداية لمواجهة الاحتلال الأمريكي، تحت اسم “تنظيم التوحيد والجهاد” وصولا إلى مسمى “تنظيم دولة العراق الإسلامية”، ثم “تنظيم الدولة في العراق والشام”، ثم “تنظيم الدولة الإسلامية”، وهو ما يلاقي لدى البعض صدى يصب في مصلحة التنظيم، ويحشد له مؤيدين، فضلا عن أن التنظيم لا يدخر جهدًا في استمالة الشباب العاطل الساخط على أجهزة الدولة، من خلال توفير الوظائف لهم داخل التنظيم ومؤسساته البديلة للدولة في المناطق التي يسيطر عليها.

وفي النهاية يمكن القول إنه على الرغم من انحسار دور تنظيم “داعش” وهو أمر تشير إليه استطلاعات الرأى العام التي توضح انعدام شعبية التنظيم في بعض الدول العربية، إلا أنه ما زال يحاول توظيف ورقة الطائفية، وممارسات الجماعات المسلحة والمليشيات الشيعية القريبة من إيران من أجل كسب مزيد من التأييد، وإن كان بنسب بسيطة، بحسب نتائج الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الأخيرة.

 المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية