يتناول الاقتصاد دراسة السلوك البشري والرفاهية كعلاقة بين المقاصد والأهداف التي لها استعمالات بديلة، وبين الموارد المتاحة المحدودة والنادرة، ويتطرق في ذلك للإنتاج والاستفادة من الموارد والوصول للاكتفاء أو الوفرة.
بيد أن هذا التعريف أو غيره من تعريفات الاقتصاد، قد يتغير سياقها، فالاقتصاد في زمن السلم، غير الاقتصاد في زمن الأزمات أو الحروب، ومن هنا تتوجه الدول زمن الحرب إلى ما يسمى بمفهوم التعبئة العامة، والتي تشمل ضمنها التعبئة الاقتصادية.
وتعني توجيه كافة القوى والموارد باتجاه المجهود الحربي، وتحدث العلماء بشكل سلبي وإيجابي في أثر الحرب الاقتصادي، فالبعض رأى أن هناك هدرا للموارد زمن الحرب وصرف الأموال في غير محلها إذا لم يحصل هنالك توازن بين الموارد والإنفاق، ولا سيما أن الحرب بالمفهوم الحديث قد لا تنطوي على مكاسب مادية قصيرة الأمد.
بيد أن مفهوم الحرب يتجاوز المفهوم الرأسمالي البحت حين يتعلق بكرامة الأمة والشعب، ودفع الظلم والقيم التي تتعلق بكيان الأمة وأمنها، ومن هنا تبذل الدولة ومواطنيها جميع القوى وتسخرها باتجاه النصر.
من منظور اقتصادي يمكن النظر إلى زمن الحرب أو الأزمة أنها فرصة لسبر أغوار جميع القوى غير الفاعلة وتفعيلها ثم إضافتها لمصلحة الإنتاج الوطني، ويمكن أن يتمثل ذلك في توظيف جميع العاطلين في المجهود العسكري كإحدى الفرص التي تقدم لهم تجربة وخبرة تقودهم فيما بعد للمساهمة في التنمية، وكذلك تعطي بعدا قياديا مهما للمتطوعين وأصحاب الخبرات المتوسطة والعليا في فترة زمنية قصيرة.
ومن المهم الإشارة إلى أن الإحساس الوجداني للمجتمع والقطاع الخاص في هذه الأوقات عبر المسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي ينبغي لها أن تأخذ في عين الاعتبار التغيرات المجتمعية الوقتية، وكيف يمكن لها المساهمة في تنمية المجتمع عن طريق برامج وتتكيف مع ما تشهده الأحداث.
ويمكن النظر كذلك إلى أن هنالك فرصا من توجيه جميع الجهود إلى حدها الأقصى للإنتاج في خصخصة بعض ما يتعلق بالمجهود الحربي مثل التصنيع وغيره، والذي يفتح آفاقا جديدة لصناعات في المجالين العسكري والمدني كذلك، كثير من الشركات التي نراها الآن في بعض الصناعات كانت بداياتها عسكرية، ولعل إحدى الشركات اليابانية الشهيرة في مجال البصريات والعدسات كانت ذات منشأ عسكري وانتقلت بعد ذلك إلى الجانب المدني، مثال آخر لإحدى شركات الصلب والحديد في أمريكا والتي توجهت بعد ذلك إلى إنتاج السفن المصفحة وغيرها من التجهيزات العسكرية، والتي أصبحت كذلك أحد الروافد الاقتصادية المهمة.
يمكن كذلك أن تكون هذه الفترة “الأزمة” محركا للاختراع والبحث العلمي في اتجاهات قد تخدم الجهدين المدني والعسكري كليهما، ومن هنا يمكن كذلك النظر لها كفرصة في تحقيق مزيد من الرفاه على المدى البعيد.
لا شك أن الفطر السليمة تكره الحرب وتمقتها، على الرغم من الطبيعة الإنسانية التي قد تفضل العنف أحيانا، وفي هذا الوقت الذي يشهد وجود التوترات حول المملكة ودول الخليج، ينبغي لنا أن ننظر لها بمنظور الاستعداد الاقتصادي كأحد المكونات المهمة التي تشد من أزر الدولة، وتساعد ـــ بإذن الله ـــ على تحقيق النصر، وبالله التوفيق.
نقلا عن صحيفة الاقتصادية