دخل إقليم الشرق الأوسط مرحلة متقدمة من الصراع الإقليمي بين القوى الأربع التي تتصارع على قيادة هذا الإقليم: إسرائيل وإيران وتركيا ومعهم المملكة العربية السعودية. هذا الصراع سوف ينعكس حتمًا على أنماط التحالفات والصراعات بين هذه القوى الأربع، ومن ثم سوف تكون له انعكاساته المباشرة على صياغة معالم النظام الإقليمي الجديد الذي يجري الحديث عنه بكثافة في الآونة الأخيرة، وهي الدعوة التي ظهرت بكثافة في الأدبيات السياسية الأمريكية في الفترة التي استبقت والتي تزامنت مع الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. هذه الدعوة تتجدد الآن مصاحبة لتطورين عربيين مهمين أولهما الاستعدادات متعددة الأطراف لتخليص العراق من تنظيم “داعش” ومواجهة ما سوف ينشأ من منطقة “فراغ قوة” سوف تفرض طرح سؤال: من سيملأ فراغ انسحاب “داعش” من العراق؟ ثانيهما وجود فرص قوية لإنهاء الأزمة السورية، وهذا بدوره يطرح سؤال: أي سوريا سوف تظهر للوجود: سوريا المقسمة أم سوريا الموحدة أم سوريا الفيدرالية، ومن سيكون صاحب أو أصحاب النفوذ في سوريا أو “سوريات” الجديدة: روسيا، الولايات المتحدة، تركيا، إسرائيل، السعودية، إيران وحزب اللـه أم خليط من كل هؤلاء؟
وإذا كان هذان التطوران يدفعان أو يحفزان لتجديد الدعوة للحديث عن ضرورة ظهور أو بلورة وصياغة نظام جديد للشرق الأوسط يعبر عن خرائط توازن القوة الجديدة، فما هي أهم معالم تلك الخرائط وما هي أهم المحددات التي ستتحكم في صياغة معالم هذا النظام؟
في المرة التي تولت فيها الولايات المتحدة الدعوة إلى تأسيس نظام شرق أوسطي عام 2003 وأعطته اسم “الشرق الأوسط الكبير” كانت هي المتحكمة في صياغة وتحديد معالم هذا النظام، كانت الدعوة تطرح تحت عنوان “إعادة ترسيم الخرائط السياسية” أي أن إعادة تقسيم العراق إلى دويلات ما بين العرقي والطائفي هي بداية هذا المشروع ليشمل معظم دول الإقليم لينشأ النظام الجديد عرقيًا وطائفيًا، ربما ليكون أكثر انسجامًا مع الكيان الصهيوني في طبيعته “كدولة دينية” وفي مستوى حجمه الجغرافي المحدود، كي يكون لهذا الكيان الفرصة لفرض نفسه كقوة إقليمية عظمى، وتحقيق أهم طموحات مشروعه القومي ككيان مسيطر.
هذه المرة يبدو أن أطرافًا عديدة سوف تشارك في صياغة معالم النظام الإقليمي الجديد، الذي لم يستطع الأمريكيون فرضه بعد احتلالهم العراق. سوف تشارك أطرافًا دولية خاصة روسيا مع الولايات المتحدة في تأسيس هذا النظام، كما ستشارك أطرافًا إقليمية فاعلة أخرى في صياغته خاصة إسرائيل وإيران وتركيا، وسيكون لمآل الوضع المستقبلي في العراق وسوريا أدوارًا أساسية في تحديد معالم هذا النظام وخصائصه. فإذا تم اعتماد التقسيم العرقي والطائفي للعراق وسوريا فإن الصراع العرقي – الطائفي سوف يمتد إلى معظم دول الإقليم، وسيكون الاستقطاب الطائفي بالذات الذي يتحدث عنه الإسرائيليون بين عرب أو مسلمين سُنة في مواجهة عرب أو مسلمين شيعة أهم معالم هذا النظام الجديد، أما إذا تمت المحافظة على وحدة العراق وسوريا فإن النظام الجديد سيقوم على أساس الاستقطاب والصراع السياسي، وفي كلتا الحالتين فإن النظام الجديد سوف يكون محكومًا بالعديد من المحددات.
من أبرز هذه المحددات، حرص إيران على استثمار نجاحها في حل أزمة برنامجها النووي مع القوى الدولية الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ونجاحها بالتبعية مؤخرًا في إنهاء العقوبات الاقتصادية التي سبق أن فرضت عليها بسبب برنامجها النووي، لتأمين تحركاتها في إقليم الشرق الأوسط وفرض نفسها كقوة إقليمية مسيطرة، على الأقل في المناطق التي تراها مناطق نفوذ طبيعية (الخليج والعراق وسوريا ولبنان واليمن) والتي بها وجود مميز للمكون الشيعي، مع حرص على التمسك بأربعة التزامات؛ أول هذه الالتزامات عدم التفريط في الفرصة التاريخية لتأسيس علاقة تعاون براجماتية (عملية) مع الولايات المتحدة، ومحاولة نزع كل أسباب الصدام مع واشنطن، والحرص على إيجاد مناطق وفرص للتعاون المشترك في مجال إيجاد حلول مشتركة للأزمات، وعلى الأخص الحرص على تأسيس شراكة، حتى ولو كانت غير رسمية أو غير معلنة، للحرب ضد الإرهاب وخاصة تنظيم “داعش” في العراق، أو تولي المسئولية الأهم في هذه الحرب. ثاني هذه الالتزامات الحرص على تمتين العلاقة مع الحليف الإستراتيجي الروسي وطمأنته من مغبة تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة، والتأكيد على أن هذه العلاقات لن تكون على حساب العلاقات الإيرانية – الروسية. أما ثالث هذه الالتزامات فهو العمل بشتى الطرق على تجنب الدخول في صدام مباشر مع تركيا للحيلولة دون حدوث تحالف تركي – إسرائيلي، أو حتى تحالف تركي- سعودي على حساب المصالح والنفوذ الإيراني خاصة في سوريا. أما الالتزام الرابع فهو نحو باقي الدول العربية أعضاء مجلس التعاون الخليجي عبر مسارين؛ أولهما: توظيف العلاقة مع هذه الدول في اتجاه الحيلولة دون حدوث صدام إيراني- سعودي مباشر، وضبط العلاقة مع الرياض في حدود التنافس إن لم يكن التعاون ممكنًا، وثانيهما الحيلولة دون حدوث توحد بين دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران، من خلال استغلال طهران لبعض هوامش التنافس التاريخية وتناقض المصالح بين بعض هذه الدول والسعودية خاصة سلطنة عمان والكويت وبقدر الممكن قطر.
وإذا كان هذان التطوران يدفعان أو يحفزان لتجديد الدعوة للحديث عن ضرورة ظهور أو بلورة وصياغة نظام جديد للشرق الأوسط يعبر عن خرائط توازن القوة الجديدة، فما هي أهم معالم تلك الخرائط وما هي أهم المحددات التي ستتحكم في صياغة معالم هذا النظام؟
في المرة التي تولت فيها الولايات المتحدة الدعوة إلى تأسيس نظام شرق أوسطي عام 2003 وأعطته اسم “الشرق الأوسط الكبير” كانت هي المتحكمة في صياغة وتحديد معالم هذا النظام، كانت الدعوة تطرح تحت عنوان “إعادة ترسيم الخرائط السياسية” أي أن إعادة تقسيم العراق إلى دويلات ما بين العرقي والطائفي هي بداية هذا المشروع ليشمل معظم دول الإقليم لينشأ النظام الجديد عرقيًا وطائفيًا، ربما ليكون أكثر انسجامًا مع الكيان الصهيوني في طبيعته “كدولة دينية” وفي مستوى حجمه الجغرافي المحدود، كي يكون لهذا الكيان الفرصة لفرض نفسه كقوة إقليمية عظمى، وتحقيق أهم طموحات مشروعه القومي ككيان مسيطر.
هذه المرة يبدو أن أطرافًا عديدة سوف تشارك في صياغة معالم النظام الإقليمي الجديد، الذي لم يستطع الأمريكيون فرضه بعد احتلالهم العراق. سوف تشارك أطرافًا دولية خاصة روسيا مع الولايات المتحدة في تأسيس هذا النظام، كما ستشارك أطرافًا إقليمية فاعلة أخرى في صياغته خاصة إسرائيل وإيران وتركيا، وسيكون لمآل الوضع المستقبلي في العراق وسوريا أدوارًا أساسية في تحديد معالم هذا النظام وخصائصه. فإذا تم اعتماد التقسيم العرقي والطائفي للعراق وسوريا فإن الصراع العرقي – الطائفي سوف يمتد إلى معظم دول الإقليم، وسيكون الاستقطاب الطائفي بالذات الذي يتحدث عنه الإسرائيليون بين عرب أو مسلمين سُنة في مواجهة عرب أو مسلمين شيعة أهم معالم هذا النظام الجديد، أما إذا تمت المحافظة على وحدة العراق وسوريا فإن النظام الجديد سيقوم على أساس الاستقطاب والصراع السياسي، وفي كلتا الحالتين فإن النظام الجديد سوف يكون محكومًا بالعديد من المحددات.
من أبرز هذه المحددات، حرص إيران على استثمار نجاحها في حل أزمة برنامجها النووي مع القوى الدولية الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ونجاحها بالتبعية مؤخرًا في إنهاء العقوبات الاقتصادية التي سبق أن فرضت عليها بسبب برنامجها النووي، لتأمين تحركاتها في إقليم الشرق الأوسط وفرض نفسها كقوة إقليمية مسيطرة، على الأقل في المناطق التي تراها مناطق نفوذ طبيعية (الخليج والعراق وسوريا ولبنان واليمن) والتي بها وجود مميز للمكون الشيعي، مع حرص على التمسك بأربعة التزامات؛ أول هذه الالتزامات عدم التفريط في الفرصة التاريخية لتأسيس علاقة تعاون براجماتية (عملية) مع الولايات المتحدة، ومحاولة نزع كل أسباب الصدام مع واشنطن، والحرص على إيجاد مناطق وفرص للتعاون المشترك في مجال إيجاد حلول مشتركة للأزمات، وعلى الأخص الحرص على تأسيس شراكة، حتى ولو كانت غير رسمية أو غير معلنة، للحرب ضد الإرهاب وخاصة تنظيم “داعش” في العراق، أو تولي المسئولية الأهم في هذه الحرب. ثاني هذه الالتزامات الحرص على تمتين العلاقة مع الحليف الإستراتيجي الروسي وطمأنته من مغبة تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة، والتأكيد على أن هذه العلاقات لن تكون على حساب العلاقات الإيرانية – الروسية. أما ثالث هذه الالتزامات فهو العمل بشتى الطرق على تجنب الدخول في صدام مباشر مع تركيا للحيلولة دون حدوث تحالف تركي – إسرائيلي، أو حتى تحالف تركي- سعودي على حساب المصالح والنفوذ الإيراني خاصة في سوريا. أما الالتزام الرابع فهو نحو باقي الدول العربية أعضاء مجلس التعاون الخليجي عبر مسارين؛ أولهما: توظيف العلاقة مع هذه الدول في اتجاه الحيلولة دون حدوث صدام إيراني- سعودي مباشر، وضبط العلاقة مع الرياض في حدود التنافس إن لم يكن التعاون ممكنًا، وثانيهما الحيلولة دون حدوث توحد بين دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران، من خلال استغلال طهران لبعض هوامش التنافس التاريخية وتناقض المصالح بين بعض هذه الدول والسعودية خاصة سلطنة عمان والكويت وبقدر الممكن قطر.
حرصت إيران على استثمار نجاحها في حل أزمة برنامجها النووي مع القوى الدولية الكبرى، لتأمين تحركاتها في إقليم الشرق الأوسط وفرض نفسها كقوة إقليمية مسيطرة
أولا: الانتخابات الإيرانية.. توقعات متعارضة
هذا الحرص الإيراني على استثمار النجاحات التي تحققت بالتوقيع على اتفاق إنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني في لوزان بسويسرا (14/7/2015) وبعدها بصدور قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي أقر هذا الاتفاق، ثم بصدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (2/2/2016) الذي قدم إبراء ذمة لإيران من شبهة السعي لامتلاك أسلحة نووية، وهو التقدير الذي أدى صدوره إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران سوف يتوقف بدرجة أساسية على نتائج الانتخابات التي سوف تشهدها إيران يوم 26 فبراير الجاري (2016) وهي بالمناسبة انتخابات لمجلس الشورى (البرلمان) وانتخابات أخرى لا تقل أهمية إن لم تكن تزيد لمجلس خبراء القيادة، وهو المجلس الذي يضم 88 عضوًا وينتخب لمدة عشر سنوات ويختص باختيار وإقالة المرشد الأعلى للجمهورية (الولي الفقيه) أو “الزعيم”، هذا يعني أن هذا المجلس سوف يكون المعني باختيار المرشد الجديد على ضوء تقدم عمر السيد على خامنئي (76 عامًا) وحالته الصحية (أجرى منذ عدة أشهر عملية استئصال لغدة البروستاتا).
فالقوة السياسية التي سوف تفوز في هذه الانتخابات هي التي ستقرر من سيحكم إيران ومن سيكون في مقدوره رسم السياسات المستقبلية لهذا البلد، وما مجالات استثمار القدرات المالية التي سوف تتحقق من جراء رفع العقوبات هل في مجالات التنمية الاقتصادية وتحديث وتطوير هياكل الإنتاج وإشباع الحاجات الشعبية المتجددة والانخراط في علاقات تعاون واعتماد متبادل مع المجتمع الدولي والجوار الإقليمي أم سيتم توظيف القدرات المالية في مجالات الإنفاق العسكري والأمن ودعم الأعوان في الخارج، والتورط في المزيد من سياسات التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار.
فقد انقسمت التوقعات بشدة حول مستقبل إيران عقب صدور قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية التي سبق أن فرضت على إيران. كثيرون تفاءلوا بأن علاقة إيران مع العالم سوف تتغير للأفضل، وأن ما سوف يتوفر لها من قدرات اقتصادية ضخمة بعد إلغاء العقوبات سوف يوظف لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن التيار الإصلاحي، الذي يستند في حركته السياسية على النجاحات الضخمة التي حققها الرئيس الإيراني حسن روحاني في مجال السياسة الخارجية وبالذات نجاحه في إنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية سوف يستعيد قدرته مجددًا، وسوف يعود بقوة إلى قيادة الدولة عبر مشاركة قوية وفعالة في الانتخابات المفصلية التي ستجرى يوم 26 فبراير/ شباط 2016 لمجلس الشورى (البرلمان) و”مجلس خبراء القيادة” المسئول عن انتخاب وإقصاء المرشد الأعلى للجمهورية، خصوصًا وأن هذا المجلس الأخير الذي تمتد صلاحية عضويته لعشر سنوات (يتكون من 88 عضوًا ينتخبون انتخابًا مباشرًا من الشعب) ستكون لديه فرصة انتخاب المرشد الجديد للجمهورية البديل للسيد علي خامنئي البالغ من العمر 76 عامًا ونجاح الإصلاحيين في الحصول على أغلبية هذا المجلس والدفع بمرشحين أقوياء في المكانة والسمعة ستعطي لهم الدور الأهم في اختيار المرشد الجديد ومن ثم تحديد مستقبل إيران، بل ومستقبل ولاية الفقيه، بعد بروز آراء واجتهادات على لسان رموز وطنية كبيرة أمثال علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام رئيس الجمهورية الأسبق الذي بادر في الأسابيع الأخيرة بانتقاد قاعدة انتخاب المرشد الأعلى لمدى الحياة، كما طالب بأن يكون لمجلس خبراء القيادة حق تقييم وانتقاد مواقف وتعليمات وسياسات المرشد الذي يقبض على كل مفاصل السلطة، بل إنه تجاوز ذلك وطالب مجددًا بأن ينتخب الشعب “زعامة جماعية” أو “مجلس لولاية الفقيه” بدلًا من انتخاب شخص واحد يكون له الرأي النهائي والحاسم وحده دون أي مشاركة أو محاسبة أو تقييم من أي جهة لمنصب “الولي الفقيه” أو “الزعيم”.
أنصار هذا الرأي بنوا تقديراتهم بناء على إدراك موضوعي لعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد بسبب سياسة الحصار والمقاطعة المفروضة على إيران، وبناء على إدراكهم لمدى التوقعات والرغبات الشعبية لتحسين الأوضاع المعيشية، ومن ثم رجحوا أن تؤول الموارد الجديدة لصالح البناء والتنمية وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب، وليس لصالح الإنفاق العسكري والأمني وتوسيع النفوذ ودعم الحلفاء وإعطاء الأولوية لسياسة تصدير الثورة والتدخل في الشئون الداخلية للدول.
هذا التفاؤل بأن تؤدي سياسة إلغاء العقوبات إلى ظهور إيران جديدة أكثر إيجابية في التعاون مع المجتمع الدولي والجيران امتد إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري وشخصيات دولية أخرى كثيرة، لكن هذا التفاؤل لم يمنع المتشائمين من توقع حدوث تطورات عكسية، بمعنى أن يدفع رفع العقوبات التيار المحافظ المدعوم من الحرس الثوري بإجراءات مضادة تحت دعوة حماية الثورة والنظام الإيراني من مخاطر الانفتاح الثقافي والفكري والإعلامي على الغرب الذي سوف يصاحب حتمًا الانفتاح الاقتصادي، الأمر الذي يفرض اتخاذ إجراءات وقائية تحول دون تمكين الأمريكيين والغرب من التغلغل الفكري والثقافي داخل إيران لاحتواء وتقويض نظام الجمهورية الإسلامية، كما ظهرت توقعات ترجح أن يستولى العسكريون والحرس الثوري على الوفورات المالية التي سوف تنتج عن رفع العقوبات للتمدد الثوري في الخارج ودعم الحلفاء والمزيد من التدخل في الشئون الداخلية للدول المجاورة.
هذا الفهم فاقم من ترجيحه تزامن رفع العقوبات مع تطورين مهمين؛ أولهما، التصعيد الإيراني ضد المملكة العربية السعودية إثر إقدام المملكة على إعدام المعارض الشيعي الشيخ نمر باقر النمر ضمن عدد كبير من المتهمين في قضايا إرهابية ارتكبت على أراضي المملكة، وثانيهما، تعقد الأزمة السورية بسبب التصعيد العسكري الروسي والإيراني الداعم لنظام بشار الأسد،وانعكاس هذا التصعيد العسكري على مواقف هذه الأطراف بالمزيد من التصلب والتشدد في المواقف السياسية ضد مصالح المعارضة السورية المدعومة من الرياض الأمر الذي دفع بالمملكة وحلفائها إلى عرقلة حدوث نجاحات ملموسة في مؤتمر جنيف -3 الخاصة بحل الأزمة السورية الأمر الذي أجبر المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى تأجيل هذا المؤتمر لحين البحث في المطالب الخاصة بالمعارضة.
وقد سبق هذين التطورين تطور آخر أهم زاد من مخاوف الزعامة الإيرانية على وجه الخصوص والقوى الداخلية الحليفة له من محافظين متشددين إضافة إلى الحرس الثوري، ويتمثل في التفاؤل الأمريكي من مستقبل إيران بعد إنهاء أزمة البرنامج النووي، والحماس الذي أبداه الرئيس الأمريكي باراك أوباما على وجه الخصوص لإنجاح المفاوضات مع إيران والدفاع عن الاتفاق عقب إقراره من مجلس الأمن الدولي (20/7/2015) لدرجة تحدي بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني وعتاة المتطرفين من المعارضة الجمهورية في الكونجرس الرافضين للاتفاق، بل وامتد الدفاع أيضًا إلى التملص من جانب الرئيس الأمريكي من مطلب الحلفاء الخليجيين بتوقيع معاهدة دفاع مشترك أو تأسيس حلف مشترك أمريكي- خليجي على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)لطمأنة الدولة الخليجية من مخاطر التهديدات الإيرانية.
رفض الرئيس الأمريكي هذا الطب في لقائه مع قادة الخليج في كل من واشنطن وكامب ديفيد (مايو 2015)، ورفض التعامل مع إيران باعتبارها عدوا أو مصدرا أساسيا لتهديد الدول الخليجية ونوه إلى أن مصادر تهديد هذه الدول تكمن داخلها، وطالب باعتماد التعاون والوفاق بين الدول الخليجية وإيران كأساس للعلاقات الإقليمية، بل إنه أفاض في الثناء على إيران وامتداح الشعب الإيراني في حواره مع الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان المنشور في صحيفة “نيويورك تايمز”، ولم يستطع إخفاء حقيقة نيّاته من إيران عندما ألمح إلى مغازلة الليبراليين والإصلاحيين الراغبين في إحداث تحولات جوهرية في النظام السياسي الإيراني. إشارته إلى الاستقبال الحافل الذي حظى به محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني وفريقه المفاوض في مطار طهران عند عودتهم من مفاوضاتهم الناجحة في لوزان بعد التوقيع على الاتفاق النووي وصل صداها إلى القيادة الإيرانية التي وعت المعنى الأمريكي جيدًا، وهو أن الولايات المتحدة تراهن على التيار المعتدل والإصلاحي لاحتواء إيران على غرار تجربة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته الداهية هنري كيسنجر مع الصين.
هذا الحرص الإيراني على استثمار النجاحات التي تحققت بالتوقيع على اتفاق إنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني في لوزان بسويسرا (14/7/2015) وبعدها بصدور قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي أقر هذا الاتفاق، ثم بصدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (2/2/2016) الذي قدم إبراء ذمة لإيران من شبهة السعي لامتلاك أسلحة نووية، وهو التقدير الذي أدى صدوره إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران سوف يتوقف بدرجة أساسية على نتائج الانتخابات التي سوف تشهدها إيران يوم 26 فبراير الجاري (2016) وهي بالمناسبة انتخابات لمجلس الشورى (البرلمان) وانتخابات أخرى لا تقل أهمية إن لم تكن تزيد لمجلس خبراء القيادة، وهو المجلس الذي يضم 88 عضوًا وينتخب لمدة عشر سنوات ويختص باختيار وإقالة المرشد الأعلى للجمهورية (الولي الفقيه) أو “الزعيم”، هذا يعني أن هذا المجلس سوف يكون المعني باختيار المرشد الجديد على ضوء تقدم عمر السيد على خامنئي (76 عامًا) وحالته الصحية (أجرى منذ عدة أشهر عملية استئصال لغدة البروستاتا).
فالقوة السياسية التي سوف تفوز في هذه الانتخابات هي التي ستقرر من سيحكم إيران ومن سيكون في مقدوره رسم السياسات المستقبلية لهذا البلد، وما مجالات استثمار القدرات المالية التي سوف تتحقق من جراء رفع العقوبات هل في مجالات التنمية الاقتصادية وتحديث وتطوير هياكل الإنتاج وإشباع الحاجات الشعبية المتجددة والانخراط في علاقات تعاون واعتماد متبادل مع المجتمع الدولي والجوار الإقليمي أم سيتم توظيف القدرات المالية في مجالات الإنفاق العسكري والأمن ودعم الأعوان في الخارج، والتورط في المزيد من سياسات التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار.
فقد انقسمت التوقعات بشدة حول مستقبل إيران عقب صدور قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية التي سبق أن فرضت على إيران. كثيرون تفاءلوا بأن علاقة إيران مع العالم سوف تتغير للأفضل، وأن ما سوف يتوفر لها من قدرات اقتصادية ضخمة بعد إلغاء العقوبات سوف يوظف لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن التيار الإصلاحي، الذي يستند في حركته السياسية على النجاحات الضخمة التي حققها الرئيس الإيراني حسن روحاني في مجال السياسة الخارجية وبالذات نجاحه في إنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية سوف يستعيد قدرته مجددًا، وسوف يعود بقوة إلى قيادة الدولة عبر مشاركة قوية وفعالة في الانتخابات المفصلية التي ستجرى يوم 26 فبراير/ شباط 2016 لمجلس الشورى (البرلمان) و”مجلس خبراء القيادة” المسئول عن انتخاب وإقصاء المرشد الأعلى للجمهورية، خصوصًا وأن هذا المجلس الأخير الذي تمتد صلاحية عضويته لعشر سنوات (يتكون من 88 عضوًا ينتخبون انتخابًا مباشرًا من الشعب) ستكون لديه فرصة انتخاب المرشد الجديد للجمهورية البديل للسيد علي خامنئي البالغ من العمر 76 عامًا ونجاح الإصلاحيين في الحصول على أغلبية هذا المجلس والدفع بمرشحين أقوياء في المكانة والسمعة ستعطي لهم الدور الأهم في اختيار المرشد الجديد ومن ثم تحديد مستقبل إيران، بل ومستقبل ولاية الفقيه، بعد بروز آراء واجتهادات على لسان رموز وطنية كبيرة أمثال علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام رئيس الجمهورية الأسبق الذي بادر في الأسابيع الأخيرة بانتقاد قاعدة انتخاب المرشد الأعلى لمدى الحياة، كما طالب بأن يكون لمجلس خبراء القيادة حق تقييم وانتقاد مواقف وتعليمات وسياسات المرشد الذي يقبض على كل مفاصل السلطة، بل إنه تجاوز ذلك وطالب مجددًا بأن ينتخب الشعب “زعامة جماعية” أو “مجلس لولاية الفقيه” بدلًا من انتخاب شخص واحد يكون له الرأي النهائي والحاسم وحده دون أي مشاركة أو محاسبة أو تقييم من أي جهة لمنصب “الولي الفقيه” أو “الزعيم”.
أنصار هذا الرأي بنوا تقديراتهم بناء على إدراك موضوعي لعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد بسبب سياسة الحصار والمقاطعة المفروضة على إيران، وبناء على إدراكهم لمدى التوقعات والرغبات الشعبية لتحسين الأوضاع المعيشية، ومن ثم رجحوا أن تؤول الموارد الجديدة لصالح البناء والتنمية وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب، وليس لصالح الإنفاق العسكري والأمني وتوسيع النفوذ ودعم الحلفاء وإعطاء الأولوية لسياسة تصدير الثورة والتدخل في الشئون الداخلية للدول.
هذا التفاؤل بأن تؤدي سياسة إلغاء العقوبات إلى ظهور إيران جديدة أكثر إيجابية في التعاون مع المجتمع الدولي والجيران امتد إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري وشخصيات دولية أخرى كثيرة، لكن هذا التفاؤل لم يمنع المتشائمين من توقع حدوث تطورات عكسية، بمعنى أن يدفع رفع العقوبات التيار المحافظ المدعوم من الحرس الثوري بإجراءات مضادة تحت دعوة حماية الثورة والنظام الإيراني من مخاطر الانفتاح الثقافي والفكري والإعلامي على الغرب الذي سوف يصاحب حتمًا الانفتاح الاقتصادي، الأمر الذي يفرض اتخاذ إجراءات وقائية تحول دون تمكين الأمريكيين والغرب من التغلغل الفكري والثقافي داخل إيران لاحتواء وتقويض نظام الجمهورية الإسلامية، كما ظهرت توقعات ترجح أن يستولى العسكريون والحرس الثوري على الوفورات المالية التي سوف تنتج عن رفع العقوبات للتمدد الثوري في الخارج ودعم الحلفاء والمزيد من التدخل في الشئون الداخلية للدول المجاورة.
هذا الفهم فاقم من ترجيحه تزامن رفع العقوبات مع تطورين مهمين؛ أولهما، التصعيد الإيراني ضد المملكة العربية السعودية إثر إقدام المملكة على إعدام المعارض الشيعي الشيخ نمر باقر النمر ضمن عدد كبير من المتهمين في قضايا إرهابية ارتكبت على أراضي المملكة، وثانيهما، تعقد الأزمة السورية بسبب التصعيد العسكري الروسي والإيراني الداعم لنظام بشار الأسد،وانعكاس هذا التصعيد العسكري على مواقف هذه الأطراف بالمزيد من التصلب والتشدد في المواقف السياسية ضد مصالح المعارضة السورية المدعومة من الرياض الأمر الذي دفع بالمملكة وحلفائها إلى عرقلة حدوث نجاحات ملموسة في مؤتمر جنيف -3 الخاصة بحل الأزمة السورية الأمر الذي أجبر المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى تأجيل هذا المؤتمر لحين البحث في المطالب الخاصة بالمعارضة.
وقد سبق هذين التطورين تطور آخر أهم زاد من مخاوف الزعامة الإيرانية على وجه الخصوص والقوى الداخلية الحليفة له من محافظين متشددين إضافة إلى الحرس الثوري، ويتمثل في التفاؤل الأمريكي من مستقبل إيران بعد إنهاء أزمة البرنامج النووي، والحماس الذي أبداه الرئيس الأمريكي باراك أوباما على وجه الخصوص لإنجاح المفاوضات مع إيران والدفاع عن الاتفاق عقب إقراره من مجلس الأمن الدولي (20/7/2015) لدرجة تحدي بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني وعتاة المتطرفين من المعارضة الجمهورية في الكونجرس الرافضين للاتفاق، بل وامتد الدفاع أيضًا إلى التملص من جانب الرئيس الأمريكي من مطلب الحلفاء الخليجيين بتوقيع معاهدة دفاع مشترك أو تأسيس حلف مشترك أمريكي- خليجي على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)لطمأنة الدولة الخليجية من مخاطر التهديدات الإيرانية.
رفض الرئيس الأمريكي هذا الطب في لقائه مع قادة الخليج في كل من واشنطن وكامب ديفيد (مايو 2015)، ورفض التعامل مع إيران باعتبارها عدوا أو مصدرا أساسيا لتهديد الدول الخليجية ونوه إلى أن مصادر تهديد هذه الدول تكمن داخلها، وطالب باعتماد التعاون والوفاق بين الدول الخليجية وإيران كأساس للعلاقات الإقليمية، بل إنه أفاض في الثناء على إيران وامتداح الشعب الإيراني في حواره مع الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان المنشور في صحيفة “نيويورك تايمز”، ولم يستطع إخفاء حقيقة نيّاته من إيران عندما ألمح إلى مغازلة الليبراليين والإصلاحيين الراغبين في إحداث تحولات جوهرية في النظام السياسي الإيراني. إشارته إلى الاستقبال الحافل الذي حظى به محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني وفريقه المفاوض في مطار طهران عند عودتهم من مفاوضاتهم الناجحة في لوزان بعد التوقيع على الاتفاق النووي وصل صداها إلى القيادة الإيرانية التي وعت المعنى الأمريكي جيدًا، وهو أن الولايات المتحدة تراهن على التيار المعتدل والإصلاحي لاحتواء إيران على غرار تجربة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته الداهية هنري كيسنجر مع الصين.
القوة السياسية التي سوف تفوز في هذه الانتخابات هي التي ستقرر من سيحكم إيران ومن سيكون في مقدوره رسم السياسات المستقبلية لهذا البلد
هذه التطورات مجتمعة أدت إلى المزيد من التحسبات والتخوفات لدى أطراف الصراع الداخلي في إيران، وبالذات لدى أنصار التيار المحافظ وعلى رأسه المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الذي عبر مبكرًا عن تخوفاته من أن يحدث تحالف بين الأمريكيين وقيادة التيار الإصلاحي داخل إيران لتوظيف الانفراج المحدود في العلاقات الأمريكية- الإيرانية الذي صاحب مفاوضات حل أزمة البرنامج النووي الإيراني لإحداث تحولات داخلية درامية تريدها واشنطن، وتحقق أطماع الرئيس الأمريكي أوباما في احتواء النظام الإيراني وتمكين الإصلاحيين من السيطرة على السلطة والانحراف بالنظام السياسي للجمهورية الإسلامية. فقد حض السيد الخامنئي (4/1/2016) على “ضرورة رفض المرشحين غير الصالحين لانتخابات مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى” وتعهد بأن “يحبط الشعب الإيراني العظيم تربص الولايات المتحدة بالاقتراع” واعتبر خامنئي أن الإصلاحيين طرحوا للانتخابات الرئاسية عام 2009 “كلامًا منكرًا بزعم حدوث تزوير في انتخابات شارك فيها 40 مليون إيراني، ودعوا إلى إبطالها” وأضاف خلال لقائه مع أئمة خطباء الجمعة “أبدينا الكثير من المحاباة معهم، وقلنا تعالوا وأفرزوا أي عدد تريدونه من صناديق الاقتراع، لكنهم رفضوا، إذ لم يكن مقررًا أن يقبلوا كلمة الحق، موقفهم ومزاعمهم ألحقت أضرارًا جسيمة بالشعب وبالبلاد”.
وحذر خامنئي من مآرب الأمريكيين من وراء الانتخابات التي ستجرى يوم السادس والعشرين من هذا الشهر معتبرًا أنهم “الأمريكيين” يسعون إلى إبعاد المجتمع الإيراني عن أهداف الثورة وتقريب إيران من أهدافهم، كما أكد أن الأمريكيين “يتربصون بالانتخابات من أجل تحقيق أهدافهم، لكن الشعب الإيراني العظيم والواعي سيتصدى لمآرب الأعداء، وسيوجه لكمة إلى أفواههم كما فعل سابقًا”.
هذا الربط، على لسان خامنئي، بين الانتخابات وبين ما سمّاه بـ “مآرب أمريكا” جاء ضمن الحملة المبكرة التي شنها ضد “التخوف من تغلغل النفوذ الأجنبي” في ظل قناعة مؤداها أن رفع العقوبات عن إيران سوف يدفعها إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي والانفتاح على الاقتصادات الغربية الأمريكية والأوربية على وجه الخصوص، كما أن هذا الانفتاح سوف يدفع إلى تدفق السلع الاستثمارية والاستهلاكية الغربية، وسوف تتدفق معها الأفكار السياسية والثقافية الغربية التي تتعارض مع أفكار الثورة الإسلامية وتستهدف تقويض نظام الجمهورية الإسلامية، لذلك حذر من الانفتاح على العلاقة مع الغرب وعلى تسفير الطلاب في رحلات إلى الغرب ودعا إلى “الاقتصاد المقاوم” القادر على حماية مشروعات التنمية وبناء الدولة القوية بعيدًا عن الأنماط الاستهلاكية الغربية التي تجلب حتمًا أفكارًا تدميرية لقدرات المقومة لدى النظام الإيراني.
مخاوف السيد خامنئي تفاقمت بسبب العديد من الممارسات الأمريكية السلبية التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي من بينها تجدد الحديث الأمريكي عن فرض عقوبات جديدة على إيران بذريعة قيامها باختبار صاروخ “باليستي” أجرته إيران في أكتوبر 2015، وهو الحديث الذي اعتبرته إيران يشكل نكثًا للاتفاق النووي، خصوصًا أن هذه الخطوة جاءت بعد صدور قانون من الكونجرس يفرض قيودًا على حقوق السفر من دون تأشيرات للأشخاص الذين زاروا إيران أو يحملون الجنسية الإيرانية مع جنسية أخرى، وهو ما اعتبرته وزارة الخارجية الإيرانية “انتهاكا للاتفاق النووي”.
غداة التهديد الأمريكي بفرض عقوبات جديدة على إيران رد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن أمر وزير دفاعه حسين دهقان بتوسيع برنامج بلاده الصاروخي، تلا ذلك تسريب وسائل إعلام أمريكية أنباء عن أن البيت الأبيض يتروّى في فرض هذه العقوبات الأمر الذي لاقى انتقادًا من مشرعين أمريكيين لـ “استدارة إدارتهم، إلا أن هذه الاستدارة أو التراجع لم يمنع رئيس مجلس الشورى (البرلمان) علي لاريجاني، من الإشارة إلى أن إيران ملتزمة بتعهداتها، ولكنها سترد على المراوغة بإجراء حاسم. لاريجاني أكد أن الحكومة مكلّفة، في ما يتعلق بالصناعات الصاروخية والدفاعية بتقوية البنية الأساسية في مجال الهجوم والدفاع، وفق ما جاء في القانون الذي صادق عليه مجلس الشورى، ولكنه أضاف “إذا كان الأمريكيون يعتقدون أن بإمكانهم القيام بخطوات خادعة، فعليهم أن يعلموا أنه لا يوجد مجال للخداع، وسيتم رصد جميع تحركاتهم بدقة، وكل إجراء غير مبرر يقومون به ستقابله إجراءات مبررة من الشعب والحكومة الإيرانية”.
الرد الحاسم جاء على لسان السيد على خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران الذي بادر بالتأكيد على أن بلاده “لن تتفاوض مع أمريكا حول أي قضية أخرى بعد الاتفاق النووي، وأن التفاوض مع الأمريكيين كان استثنائيًا ولأسباب معينة”، ودعا المسئولين الإيرانيين إلى “الرد بقوة على تصريحات الأمريكيين”.
وقد دفع هذا الإدراك الإيراني المبكر للنوايا الأمريكية التي تدحض كل ما كان يشاع من وجود اتفاقات أو صفقة سرية أمريكية – إيرانية تعطي لإيران أدوارًا إقليمية مدعومة أمريكيًا إلى اتجاه إيران إلى تدعيم علاقاتها مع روسيا عسكريًا وسياسيًا وربما أمنيًا خاصة في إدارة الحرب السورية، وهي العلاقة التي تأكدت بإعلان روسيا تجديد صفقة بيع إيران صواريخ “اس 300” الدفاعية المتطورة، وبتشكيل تنسيق استخباراتي رباعي للحرب ضد الإرهاب بين روسيا وإيران والعراق وسوريا إضافة إلى حزب اللـه الذي كشف عنه سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ردًا على ضلوع واشنطن في تشكيل “قوة سُنية” محلية في العراق تتولى مهمة تحرير المناطق التي يحتلها تنظيم “داعش” تفاديًا لمشاركة “الحشد الشعبي” المدعوم من إيران.
كما اتجهت إيران أيضًا إلى تعميق التنسيق والتعاون مع الصين على نحو ما تأكد خلال زيارة الرئيس الصيني “تشي جين بينج” لطهران على لسان السيد علي خامنئي الذي أكد خلال لقائه مع الرئيس الصيني (22/1/2016) أن إيران “هي أكثر بلد يمكن الاعتماد عليه في المنطقة للحصول على الطاقة، لأن الأجانب لن يمكنهم أبدًا التأثير على سياستها في هذا الشأن”. واعتبر خامنئي أن الاتفاق بين الرئيسين الإيراني والصيني لتأسيس علاقات إستراتيجية للأعوام الـ 25 المقبلة بين البلدين “إجراء صائب وحكيم تمامًا”، وأشار إلى أن “الحكومة والشعب الإيرانيين يسعيان دومًا لتطوير العلاقات مع الدول المستقلة والجديرة بالثقة مثل الصين”، لكنه في ذات الوقت أكد أن “الأمريكيين ليسوا أمناء في الحرب على الإرهاب في المنطقة” ودعا إلى المزيد من التعاون بين إيران والصين. ووصف خامنئي تشكيل “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه “عملية خداع”، مشددًا على أن “نهج الأمريكيين هو هكذا في جميع القضايا وهم لم يكن سلوكهم صادقًا أبدًا”.
ثانيا: خطوات الإصلاحيين المستفزِّة
فاقم من هذه المخاوف لدى قادة البلاد وقادة الحرس الثوري والمحافظين تلك النجاحات المستفزّة للحكومة الإيرانية والرئيس حسن روحاني المحسوبين على تيار رفسنجاني الوسطى وتيار محمد خاتمي الإصلاحي. فالحكومة لم تنجح فقط في حل أزمة البرنامج النووي، وإلغاء العقوبات. فقبل 24 ساعة من دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ كانت طهران تستقبل رئيس وزراء باكستان نواز شريف، الحليف الأساسي للمملكة العربية السعودية، خصم إيران الإقليمي، على رأس وفد وزاري واقتصادي كبير، والذي قال وزير دفاعه في مؤتمر صحفي أن “باكستان لن تدخل في أي حلف يهدف إلى ضرب دولة إسلامية” وهو تصريح يحمل ردًا سلبيًا باكستانيًا للدعوة السعودية لتأسيس “تحالف إسلامي” كما أنه يحمل موقفًا رافضًا مسبقًا لدعوة تسعير “الصراع الطائفي- السني- الشيعي” وفرض استقطاب طائفي بين “عرب سُنة” تقودهم السعودية وتسعى إسرائيل للحاق بهم، و”عرب شيعة” تقودهم إيران مدعومة من روسيا على نحو ما يروج الإعلام الإسرائيلي، وهو استقطاب كان يأمل مروجيه أن يتسع ليضم دولًا إقليمية سُنية مثل تركيا وباكستان ضد إيران.
وحذر خامنئي من مآرب الأمريكيين من وراء الانتخابات التي ستجرى يوم السادس والعشرين من هذا الشهر معتبرًا أنهم “الأمريكيين” يسعون إلى إبعاد المجتمع الإيراني عن أهداف الثورة وتقريب إيران من أهدافهم، كما أكد أن الأمريكيين “يتربصون بالانتخابات من أجل تحقيق أهدافهم، لكن الشعب الإيراني العظيم والواعي سيتصدى لمآرب الأعداء، وسيوجه لكمة إلى أفواههم كما فعل سابقًا”.
هذا الربط، على لسان خامنئي، بين الانتخابات وبين ما سمّاه بـ “مآرب أمريكا” جاء ضمن الحملة المبكرة التي شنها ضد “التخوف من تغلغل النفوذ الأجنبي” في ظل قناعة مؤداها أن رفع العقوبات عن إيران سوف يدفعها إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي والانفتاح على الاقتصادات الغربية الأمريكية والأوربية على وجه الخصوص، كما أن هذا الانفتاح سوف يدفع إلى تدفق السلع الاستثمارية والاستهلاكية الغربية، وسوف تتدفق معها الأفكار السياسية والثقافية الغربية التي تتعارض مع أفكار الثورة الإسلامية وتستهدف تقويض نظام الجمهورية الإسلامية، لذلك حذر من الانفتاح على العلاقة مع الغرب وعلى تسفير الطلاب في رحلات إلى الغرب ودعا إلى “الاقتصاد المقاوم” القادر على حماية مشروعات التنمية وبناء الدولة القوية بعيدًا عن الأنماط الاستهلاكية الغربية التي تجلب حتمًا أفكارًا تدميرية لقدرات المقومة لدى النظام الإيراني.
مخاوف السيد خامنئي تفاقمت بسبب العديد من الممارسات الأمريكية السلبية التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي من بينها تجدد الحديث الأمريكي عن فرض عقوبات جديدة على إيران بذريعة قيامها باختبار صاروخ “باليستي” أجرته إيران في أكتوبر 2015، وهو الحديث الذي اعتبرته إيران يشكل نكثًا للاتفاق النووي، خصوصًا أن هذه الخطوة جاءت بعد صدور قانون من الكونجرس يفرض قيودًا على حقوق السفر من دون تأشيرات للأشخاص الذين زاروا إيران أو يحملون الجنسية الإيرانية مع جنسية أخرى، وهو ما اعتبرته وزارة الخارجية الإيرانية “انتهاكا للاتفاق النووي”.
غداة التهديد الأمريكي بفرض عقوبات جديدة على إيران رد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن أمر وزير دفاعه حسين دهقان بتوسيع برنامج بلاده الصاروخي، تلا ذلك تسريب وسائل إعلام أمريكية أنباء عن أن البيت الأبيض يتروّى في فرض هذه العقوبات الأمر الذي لاقى انتقادًا من مشرعين أمريكيين لـ “استدارة إدارتهم، إلا أن هذه الاستدارة أو التراجع لم يمنع رئيس مجلس الشورى (البرلمان) علي لاريجاني، من الإشارة إلى أن إيران ملتزمة بتعهداتها، ولكنها سترد على المراوغة بإجراء حاسم. لاريجاني أكد أن الحكومة مكلّفة، في ما يتعلق بالصناعات الصاروخية والدفاعية بتقوية البنية الأساسية في مجال الهجوم والدفاع، وفق ما جاء في القانون الذي صادق عليه مجلس الشورى، ولكنه أضاف “إذا كان الأمريكيون يعتقدون أن بإمكانهم القيام بخطوات خادعة، فعليهم أن يعلموا أنه لا يوجد مجال للخداع، وسيتم رصد جميع تحركاتهم بدقة، وكل إجراء غير مبرر يقومون به ستقابله إجراءات مبررة من الشعب والحكومة الإيرانية”.
الرد الحاسم جاء على لسان السيد على خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران الذي بادر بالتأكيد على أن بلاده “لن تتفاوض مع أمريكا حول أي قضية أخرى بعد الاتفاق النووي، وأن التفاوض مع الأمريكيين كان استثنائيًا ولأسباب معينة”، ودعا المسئولين الإيرانيين إلى “الرد بقوة على تصريحات الأمريكيين”.
وقد دفع هذا الإدراك الإيراني المبكر للنوايا الأمريكية التي تدحض كل ما كان يشاع من وجود اتفاقات أو صفقة سرية أمريكية – إيرانية تعطي لإيران أدوارًا إقليمية مدعومة أمريكيًا إلى اتجاه إيران إلى تدعيم علاقاتها مع روسيا عسكريًا وسياسيًا وربما أمنيًا خاصة في إدارة الحرب السورية، وهي العلاقة التي تأكدت بإعلان روسيا تجديد صفقة بيع إيران صواريخ “اس 300” الدفاعية المتطورة، وبتشكيل تنسيق استخباراتي رباعي للحرب ضد الإرهاب بين روسيا وإيران والعراق وسوريا إضافة إلى حزب اللـه الذي كشف عنه سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ردًا على ضلوع واشنطن في تشكيل “قوة سُنية” محلية في العراق تتولى مهمة تحرير المناطق التي يحتلها تنظيم “داعش” تفاديًا لمشاركة “الحشد الشعبي” المدعوم من إيران.
كما اتجهت إيران أيضًا إلى تعميق التنسيق والتعاون مع الصين على نحو ما تأكد خلال زيارة الرئيس الصيني “تشي جين بينج” لطهران على لسان السيد علي خامنئي الذي أكد خلال لقائه مع الرئيس الصيني (22/1/2016) أن إيران “هي أكثر بلد يمكن الاعتماد عليه في المنطقة للحصول على الطاقة، لأن الأجانب لن يمكنهم أبدًا التأثير على سياستها في هذا الشأن”. واعتبر خامنئي أن الاتفاق بين الرئيسين الإيراني والصيني لتأسيس علاقات إستراتيجية للأعوام الـ 25 المقبلة بين البلدين “إجراء صائب وحكيم تمامًا”، وأشار إلى أن “الحكومة والشعب الإيرانيين يسعيان دومًا لتطوير العلاقات مع الدول المستقلة والجديرة بالثقة مثل الصين”، لكنه في ذات الوقت أكد أن “الأمريكيين ليسوا أمناء في الحرب على الإرهاب في المنطقة” ودعا إلى المزيد من التعاون بين إيران والصين. ووصف خامنئي تشكيل “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه “عملية خداع”، مشددًا على أن “نهج الأمريكيين هو هكذا في جميع القضايا وهم لم يكن سلوكهم صادقًا أبدًا”.
ثانيا: خطوات الإصلاحيين المستفزِّة
فاقم من هذه المخاوف لدى قادة البلاد وقادة الحرس الثوري والمحافظين تلك النجاحات المستفزّة للحكومة الإيرانية والرئيس حسن روحاني المحسوبين على تيار رفسنجاني الوسطى وتيار محمد خاتمي الإصلاحي. فالحكومة لم تنجح فقط في حل أزمة البرنامج النووي، وإلغاء العقوبات. فقبل 24 ساعة من دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ كانت طهران تستقبل رئيس وزراء باكستان نواز شريف، الحليف الأساسي للمملكة العربية السعودية، خصم إيران الإقليمي، على رأس وفد وزاري واقتصادي كبير، والذي قال وزير دفاعه في مؤتمر صحفي أن “باكستان لن تدخل في أي حلف يهدف إلى ضرب دولة إسلامية” وهو تصريح يحمل ردًا سلبيًا باكستانيًا للدعوة السعودية لتأسيس “تحالف إسلامي” كما أنه يحمل موقفًا رافضًا مسبقًا لدعوة تسعير “الصراع الطائفي- السني- الشيعي” وفرض استقطاب طائفي بين “عرب سُنة” تقودهم السعودية وتسعى إسرائيل للحاق بهم، و”عرب شيعة” تقودهم إيران مدعومة من روسيا على نحو ما يروج الإعلام الإسرائيلي، وهو استقطاب كان يأمل مروجيه أن يتسع ليضم دولًا إقليمية سُنية مثل تركيا وباكستان ضد إيران.
عبر أنصار التيار المحافظ مبكرًا عن تخوفاته من أن يحدث تحالف بين الأمريكيين وقيادة التيار الإصلاحي داخل إيران لإحداث تحولات داخلية درامية تريدها واشنطن
وما إن بدأ العمل باتفاق رفع العقوبات، وخلال أقل من أسبوع، استقبلت طهران رئيس الصين على رأس وفد كبير، ووقعت اتفاقيات معه بلغت قيمتها 600 مليار دولار، ورئيسي وزراء سلوفاكيا وتشيكيا، كما انطلق الرئيس الإيراني حسن روحاني في جولة أوروبية شملت إيطاليا ودولة الفاتيكان وفرنسا، وكانت حصيلتها الأولية توقيع اتفاقات اقتصادية مع إيطاليا بقيمة 17 مليار يورو، وتوقيع اتفاق مع شركة “إيرباص” الفرنسية بقيمة 25 مليار يورو، ناهيك عن اللقاءات شديدة الأهمية التي عقدها الرئيس الإيراني مع كل من رئيس وزراء إيطاليا والرئيس الفرنسي ورئيس حكومته “مانويل فالس” وتصريحات الأخير عن الآفاق الواعدة لعلاقات فرنسا مع إيران وخاصة دعوته (28/1/2016) إلى “شراكة طموح” و”اتفاقات تعاون بعيدة المدى” بين باريس وطهران.
كما خاطب فالس الرئيس روحاني في لقائهما بمقر “رابطة أرباب العمل الفرنسية” (ميديف) أن فرنسا مستعدة “لتعبئة شركاتها ومهندسيها وفنييها ومواردها الكثيرة للمساهمة في تطوير بلدكم الذي يحتاج إلى استثمارات وتقنيات وبنية تحتية جديدة. وشركاتنا تريد أن تكون شريكة لإيران”.
هذه النجاحات لم تغب عن حسابات المحافظين وداعميهم خاصة قادة الحرس الثوري لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث أخذ الإصلاحيون وتيار “كوادر البناء” الوسطى الذي يقوده رفسنجاني ومعه الرئيس حسن روحاني مبادرات انتخابية مستفزة أفصحت عن نواياهم لخوض معركة انتخابية تعيد اعتبارهم مجددًا في قلب السلطة والحكم لتولي قيادة إيران وبالذات الاستفادة من النجاحات التي تحققت في مجال إنهاء أزمة البرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية في مشروعات إعادة بناء إيران اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا والانفتاح على العالم عكس الانكفاء الذي يريده المحافظون الذين يعطون الأولوية للقضايا العسكرية والأمنية وتعميق الصراعات الإقليمية.
فقد أعلن هاشمي رفسنجاني عزمه مبكرًا على خوض معركة الترشح لعضوية مجلس خبراء القيادة، لكنه لم يكتف بذلك ولكنه تعمد أن يشن هجومًا مكثفًا على عهد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، وهو ما اعتبره المراقبون “تسخينًا مبكرًا لمعركة الانتخابات”. فقد هاجم رفسنجاني (27/11/2015) إخفاقات حكومة أحمدي نجاد في تنفيذ خطط التنمية بما يتوافق مع السياسة العامة للبلاد وإخفاقها أيضًا في محاربة الاتجار بالمخدرات وانتشارها. بل إنه امتد في هجومه على الإصلاحيين الذين لم يساندوه في معركة ترشحه لانتخابات عام 2009، كما هاجم بعض المحسوبين على التيار المحافظ واتهمهم بالعمل على عرقلة تطور البلاد بحجة الخوف على مستقبل الثورة والبلاد لتحقيق أهداف سياسية وانتخابية،وقال “كلما أرادت البلاد أن تضع قدمًا في طريق التطور تواجه صعوبات تعرقل ذلك بحجج واهية، ولذلك تتراجع البلاد اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا وحتى أخلاقيًا، ما يضر البلاد”. رفسنجاني لم يكتف بذلك لكنه تعمد أن يفتح ملف القوميات غير الفارسية خاصة العربية في إقليم “الأهواز” (الأحواز) وطالب بحل المشاكل التي يعاني منها عرب الأهواز خاصة مشاكل البطالة والتلوث، لكن رفسنجاني تجاوز كل الحدود عندما تعمد المواجهة مع السيد خامنئي مباشرة عبر وسيلتين.
الأولى، فتح ملف “ولاية الفقيه” وتجديده الدعوة إلى “الولاية الجماعية” التي كان قد تحدث عنها مع فقهاء قم أثناء انتخابات عام 2009. ونقلت عنه وكالة العمال الإيرانية (13/12/2015) فتحه ملف “الخلافة السياسية” المغلق بقوله: “سيتحرك مجلس الخبراء عند الحاجة لتعيين زعيم جديد، إنهم يستعدون لذلك الآن ويدرسون الخيارات”، وأوضح أنهم في مجلس الخبراء “عينوا مجموعة لإعداد قائمة بالمؤهلين وستطرح للتصويت في المجلس.. حين يحدث أمر (هو هنا يعني رحيل السيد الخامنئي”. كنا أوضح أن مجلس الخبراء مستعد لاختيار “مجلس زعماء” إذا دعت الحاجة بدلًا من المرشد الأعلى الوحيد الذي يحكم مدى الحياة.
الثاني، عندما دعم ترشح حسن الخميني حفيد الزعيم الإيراني الإمام الخميني لعضوية مجلس الخبراء في خطوة تحدي إضافية اقترنت بالإعلان عن ترشحه هو الآخر وكذلك الرئيس حسن روحاني لعضوية مجلس الخبراء، في إشارة إلى أن هذا التيار يسعى للعودة بقوة إلى مجلس الخبراء الذي سوف ينتخب لمدة 10 سنوات أي أنه سيكون المجلس المعني حتمًا بالبت في خليفة السيد علي خامنئي، أي أنه المجلس الذي سيحدد مستقبل البلاد.
في الوقت ذاته نجح تيار الإصلاحيين وخاصة أعضاء “جبهة المشاركة” المنحلة التي كان يقودها رضا خاتمي شقيق الرئيس الأسبق محمد خاتمي تشكيل حزب سياسي جديد باسم “نداء إيران” تحت زعامة الرئيس خاتمي وبرئاسة صادق خرّازي (نائب وزير الخارجية الأسبق وابن شقيق كمال خرّازي وزير خارجية خاتمي).كما نجح الإصلاحيون، في استعدادهم للانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة بعقد مؤتمر موسع غاب عنه زعيمهم محمد خاتمي واكتفى بتوجيه رسالة دعم كان هدفه وضع “خارطة طريق” لخوض المعركة الانتخابية، وأصدروا بيانًا دعوا فيه إلى “وجوب الاعتراف بالحقوق الشرعية والقانونية لكل الأعراق والأديان وإلى تطبيق كامل للدستور، وتجنب نهج مقيد وانتقائي إزاء مواد فيه”، كما ذكروا بالحاجة إلى “تهيئة الساحة لتشجيع أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات المقبلة ونبذ وسائل تقييد حق الشعب في الاختيار، وتامين سباق نزيه وقانوني وتنافسي”. كما دعوا إلى احترام “القادة الإصلاحيين” وإلى “مكافحة الفساد والاحتكار، واحترام الحقوق الشرعية للمرأة”.
كان واضحًا أن الرئيس الأسبق محمد خاتمي قد قرر توحيد صفوف الإصلاحيين بالتنسيق مع كل من هاشمي رفسنجاني والرئيس حسن روحاني، الذي حضر المؤتمر الإصلاحي المشار إليه، وللدلالة على جدية خوض الإصلاحيين لمعركة الانتخابات بادروا بتقديم ثلاثة آلاف مرشح لانتخابات مجلس الشورى الذي يضم 290 عضوًا في تكتيك اعتبروه شديد الذكاء لمواجهة المخططات الإقصائية للمحافظين.
كما خاطب فالس الرئيس روحاني في لقائهما بمقر “رابطة أرباب العمل الفرنسية” (ميديف) أن فرنسا مستعدة “لتعبئة شركاتها ومهندسيها وفنييها ومواردها الكثيرة للمساهمة في تطوير بلدكم الذي يحتاج إلى استثمارات وتقنيات وبنية تحتية جديدة. وشركاتنا تريد أن تكون شريكة لإيران”.
هذه النجاحات لم تغب عن حسابات المحافظين وداعميهم خاصة قادة الحرس الثوري لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث أخذ الإصلاحيون وتيار “كوادر البناء” الوسطى الذي يقوده رفسنجاني ومعه الرئيس حسن روحاني مبادرات انتخابية مستفزة أفصحت عن نواياهم لخوض معركة انتخابية تعيد اعتبارهم مجددًا في قلب السلطة والحكم لتولي قيادة إيران وبالذات الاستفادة من النجاحات التي تحققت في مجال إنهاء أزمة البرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية في مشروعات إعادة بناء إيران اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا والانفتاح على العالم عكس الانكفاء الذي يريده المحافظون الذين يعطون الأولوية للقضايا العسكرية والأمنية وتعميق الصراعات الإقليمية.
فقد أعلن هاشمي رفسنجاني عزمه مبكرًا على خوض معركة الترشح لعضوية مجلس خبراء القيادة، لكنه لم يكتف بذلك ولكنه تعمد أن يشن هجومًا مكثفًا على عهد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، وهو ما اعتبره المراقبون “تسخينًا مبكرًا لمعركة الانتخابات”. فقد هاجم رفسنجاني (27/11/2015) إخفاقات حكومة أحمدي نجاد في تنفيذ خطط التنمية بما يتوافق مع السياسة العامة للبلاد وإخفاقها أيضًا في محاربة الاتجار بالمخدرات وانتشارها. بل إنه امتد في هجومه على الإصلاحيين الذين لم يساندوه في معركة ترشحه لانتخابات عام 2009، كما هاجم بعض المحسوبين على التيار المحافظ واتهمهم بالعمل على عرقلة تطور البلاد بحجة الخوف على مستقبل الثورة والبلاد لتحقيق أهداف سياسية وانتخابية،وقال “كلما أرادت البلاد أن تضع قدمًا في طريق التطور تواجه صعوبات تعرقل ذلك بحجج واهية، ولذلك تتراجع البلاد اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا وحتى أخلاقيًا، ما يضر البلاد”. رفسنجاني لم يكتف بذلك لكنه تعمد أن يفتح ملف القوميات غير الفارسية خاصة العربية في إقليم “الأهواز” (الأحواز) وطالب بحل المشاكل التي يعاني منها عرب الأهواز خاصة مشاكل البطالة والتلوث، لكن رفسنجاني تجاوز كل الحدود عندما تعمد المواجهة مع السيد خامنئي مباشرة عبر وسيلتين.
الأولى، فتح ملف “ولاية الفقيه” وتجديده الدعوة إلى “الولاية الجماعية” التي كان قد تحدث عنها مع فقهاء قم أثناء انتخابات عام 2009. ونقلت عنه وكالة العمال الإيرانية (13/12/2015) فتحه ملف “الخلافة السياسية” المغلق بقوله: “سيتحرك مجلس الخبراء عند الحاجة لتعيين زعيم جديد، إنهم يستعدون لذلك الآن ويدرسون الخيارات”، وأوضح أنهم في مجلس الخبراء “عينوا مجموعة لإعداد قائمة بالمؤهلين وستطرح للتصويت في المجلس.. حين يحدث أمر (هو هنا يعني رحيل السيد الخامنئي”. كنا أوضح أن مجلس الخبراء مستعد لاختيار “مجلس زعماء” إذا دعت الحاجة بدلًا من المرشد الأعلى الوحيد الذي يحكم مدى الحياة.
الثاني، عندما دعم ترشح حسن الخميني حفيد الزعيم الإيراني الإمام الخميني لعضوية مجلس الخبراء في خطوة تحدي إضافية اقترنت بالإعلان عن ترشحه هو الآخر وكذلك الرئيس حسن روحاني لعضوية مجلس الخبراء، في إشارة إلى أن هذا التيار يسعى للعودة بقوة إلى مجلس الخبراء الذي سوف ينتخب لمدة 10 سنوات أي أنه سيكون المجلس المعني حتمًا بالبت في خليفة السيد علي خامنئي، أي أنه المجلس الذي سيحدد مستقبل البلاد.
في الوقت ذاته نجح تيار الإصلاحيين وخاصة أعضاء “جبهة المشاركة” المنحلة التي كان يقودها رضا خاتمي شقيق الرئيس الأسبق محمد خاتمي تشكيل حزب سياسي جديد باسم “نداء إيران” تحت زعامة الرئيس خاتمي وبرئاسة صادق خرّازي (نائب وزير الخارجية الأسبق وابن شقيق كمال خرّازي وزير خارجية خاتمي).كما نجح الإصلاحيون، في استعدادهم للانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة بعقد مؤتمر موسع غاب عنه زعيمهم محمد خاتمي واكتفى بتوجيه رسالة دعم كان هدفه وضع “خارطة طريق” لخوض المعركة الانتخابية، وأصدروا بيانًا دعوا فيه إلى “وجوب الاعتراف بالحقوق الشرعية والقانونية لكل الأعراق والأديان وإلى تطبيق كامل للدستور، وتجنب نهج مقيد وانتقائي إزاء مواد فيه”، كما ذكروا بالحاجة إلى “تهيئة الساحة لتشجيع أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات المقبلة ونبذ وسائل تقييد حق الشعب في الاختيار، وتامين سباق نزيه وقانوني وتنافسي”. كما دعوا إلى احترام “القادة الإصلاحيين” وإلى “مكافحة الفساد والاحتكار، واحترام الحقوق الشرعية للمرأة”.
كان واضحًا أن الرئيس الأسبق محمد خاتمي قد قرر توحيد صفوف الإصلاحيين بالتنسيق مع كل من هاشمي رفسنجاني والرئيس حسن روحاني، الذي حضر المؤتمر الإصلاحي المشار إليه، وللدلالة على جدية خوض الإصلاحيين لمعركة الانتخابات بادروا بتقديم ثلاثة آلاف مرشح لانتخابات مجلس الشورى الذي يضم 290 عضوًا في تكتيك اعتبروه شديد الذكاء لمواجهة المخططات الإقصائية للمحافظين.
خامنئي: “يتربصون بالانتخابات من أجل تحقيق أهدافهم، لكن الشعب الإيراني العظيم والواعي سيتصدى لمآرب الأعداء، وسيوجه لكمة إلى أفواههم كما فعل سابقًا
ثالثا: المحافظون يحسمون المعركة مبكرًا
لم يقف المحافظون وقادة الحرس الثوري مكتوفي الأيدي، لكنهم تصدوا لمخطط الإصلاحيين عبر سلاحهم القوي الإقصائي أي “مجلس صيانة الدستور” (12 عضوًا يعين المرشد الأعلى نصفهم)، وعبر مواجهة دعاية الإصلاحيين وحملاتهم الدعائية حتى قبل فتح أبواب الترشيح للانتخابات. فقد هاجم كل من صادق لاريجاني رئيس جهاز القضاء وكذلك الجنرال حسن فيروز أبادي رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الدعوة التي أطلقها هاشمي رفسنجاني بأن يخلف “مجلس جماعي” المرشد الأعلى في منصب “ولاية الفقيه” فقد اعتبر صادق لاريجاني أن “فرض الرقابة على أداء قائد الثورة الإسلامية يتعارض مع العقل والمنطق والسيرة النبوية”.
كان تركيز لاريجاني على دعوة رفسنجاني إلى مراقبة أداء المرشد الأعلى لمهامه، لذلك قال أيضًا “أن مراقبة أداء المرشد الأعلى هو موضوع دقيق وحساس، وأن مجلس خبراء القيادة يحق له أن يعين أو يقيل المرشد الأعلى، لكن هذا الحق لا يعني فرض الرقابة على أدائه”، أما فيروز أبادي فقد هاجم دعوة “الزعامة الجماعية” وقال في بيان صادر عنه “لم يكن لدينا مجلس قيادة في التاريخ أو مجلس يقود الجيش” وأضاف: “كل المؤامرات فشلت، الآن يستعيدون خدعة مجلس القيادة الجديد لتقويض قيادتنا التقدمية والمستقرة” وزاد بقوله “إذا أصبحت القيادة مجلسًا فسوف تعاني البلاد وسوف تنهار وحدتنا القوية ضد أمريكا والصهاينة والأعداء الإمبرياليين”.
لم يتوقف الأمر على ذلك، بل إن تيار المحافظين بتنويعاته المختلفة كان حريصًا على عدم التفريط في زمام المبادرة هو الآخر والرد على تحركات الإصلاحيين وتحالفاتهم مع تيار المعتدلين (كوادر البناء) بزعامة هاشمي رفسنجاني المتحالف مع الرئيس حسن روحاني وحفيد الإمام الخميني حسن الخميني.
فإذا كان الإصلاحيون قد حرصوا على فتح ملف انتخابات 2009 لتحقيق هدفين؛ أولهما، التذكير بالتجاوزات، وربما الجرائم التي ارتكبت بحقهم في تلك الانتخابات على أيدي المحافظين وأجهزتهم الإقصائية خاصة “مجلس صيانة الدستور” المسؤول الأول عن الإشراف على الانتخابات في خطوة استباقية لمنع هذا المجلس من تكرار سياسة الإقصاء ضد الإصلاحيين في الانتخابات المقبلة. وثانيهما، إيجاد ثغرة للدفاع عن قادة الحركة “الخضراء” الإصلاحية خاصة رئيس الوزراء السابق المرشح الرئاسي السابق في انتخابات 2009 مير حسين موسوي وزوجته والشيخ مهدي كروبي رئيس البرلمان الأسبق الخاضعين تحت الإقامة الجبرية منذ أحداث فبراير 2011 التي تزامنت مع انتصار ثورة 25 يناير في مصر وانتصار الثورة التونسية قبلها، كما تزامنت مع ذكرى انتصار الثورة الإيرانية في ذات اليوم من عام 1979.
فقد تعمد المحافظون قبل أقل من شهرين من موعد إجراء انتخابات 26/2/2016 المقبلة الاحتفاء بشكل غير مسبوق بذكرى ما يسمونه بـ “مظاهرات 9 دي” التي جرت في 30 ديسمبر 2009 التي سبق أن نظمتها التيارات الأصولية المحافظة وأنصار المرشد الأعلى السيد علي خامنئي تأييدًا للنظام، وردًا على سلسلة مظاهرات نظمها الإصلاحيون، كما تعمدوا تجديد الاتهامات للإصلاحيين وقياداتهم بارتكاب جرائم ضد النظام أثناء تلك الحركة الاحتجاجية التي قاموا بها اعتراضًا على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي جاءت في صالح الرئيس السابق أحمدي نجاد وضد توقعاتهم بفوز مرشحهم المفضل مير حسين موسوي.
فقد ندد مساعد قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي بمسئولين سابقين بقوله “وثقت بهم الثورة الإسلامية وهم وراء الفتنة الكبيرة عام 2009″، واتهم قادة تلك الاحتجاجات بـ “الابتزاز وافتعال الأجواء وتنفيذ سيناريوهات وإستراتيجيات القوى الاستكبارية” (الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية). لكنه وصف مظاهرات المحافظين المضادة أي “مظهرات 9 دي” بأنها “يوم اللـه” قامت بها “تيارات راديكالية أسهمت في هزيمة أحلام الأعداء”. وعلى نفس السياق طالب خطيب جمعة طهران الشعب الإيراني بتوخي الحذر في الإدلاء بأصواتهم الانتخابية “تجنبًالأي خلل قد يلحق بأمن البلاد، وصعود قطب سياسي جديد ضد ولاية الفقيه”. كما وصف “مظاهرات 9 دي” بأنها “يد اللـه ومعجزة الثورة” لاعتقاده بأن فتنة الإصلاحيين في 2009 أخطر من حرب الخليج الأولى (حرب الثماني سنوات مع العراق 1980- 1988) معتبرًا أن “يد الإمام المهدي كانت وراء إحباط الفتنة”.
لم يقف المحافظون وقادة الحرس الثوري مكتوفي الأيدي، لكنهم تصدوا لمخطط الإصلاحيين عبر سلاحهم القوي الإقصائي أي “مجلس صيانة الدستور” (12 عضوًا يعين المرشد الأعلى نصفهم)، وعبر مواجهة دعاية الإصلاحيين وحملاتهم الدعائية حتى قبل فتح أبواب الترشيح للانتخابات. فقد هاجم كل من صادق لاريجاني رئيس جهاز القضاء وكذلك الجنرال حسن فيروز أبادي رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الدعوة التي أطلقها هاشمي رفسنجاني بأن يخلف “مجلس جماعي” المرشد الأعلى في منصب “ولاية الفقيه” فقد اعتبر صادق لاريجاني أن “فرض الرقابة على أداء قائد الثورة الإسلامية يتعارض مع العقل والمنطق والسيرة النبوية”.
كان تركيز لاريجاني على دعوة رفسنجاني إلى مراقبة أداء المرشد الأعلى لمهامه، لذلك قال أيضًا “أن مراقبة أداء المرشد الأعلى هو موضوع دقيق وحساس، وأن مجلس خبراء القيادة يحق له أن يعين أو يقيل المرشد الأعلى، لكن هذا الحق لا يعني فرض الرقابة على أدائه”، أما فيروز أبادي فقد هاجم دعوة “الزعامة الجماعية” وقال في بيان صادر عنه “لم يكن لدينا مجلس قيادة في التاريخ أو مجلس يقود الجيش” وأضاف: “كل المؤامرات فشلت، الآن يستعيدون خدعة مجلس القيادة الجديد لتقويض قيادتنا التقدمية والمستقرة” وزاد بقوله “إذا أصبحت القيادة مجلسًا فسوف تعاني البلاد وسوف تنهار وحدتنا القوية ضد أمريكا والصهاينة والأعداء الإمبرياليين”.
لم يتوقف الأمر على ذلك، بل إن تيار المحافظين بتنويعاته المختلفة كان حريصًا على عدم التفريط في زمام المبادرة هو الآخر والرد على تحركات الإصلاحيين وتحالفاتهم مع تيار المعتدلين (كوادر البناء) بزعامة هاشمي رفسنجاني المتحالف مع الرئيس حسن روحاني وحفيد الإمام الخميني حسن الخميني.
فإذا كان الإصلاحيون قد حرصوا على فتح ملف انتخابات 2009 لتحقيق هدفين؛ أولهما، التذكير بالتجاوزات، وربما الجرائم التي ارتكبت بحقهم في تلك الانتخابات على أيدي المحافظين وأجهزتهم الإقصائية خاصة “مجلس صيانة الدستور” المسؤول الأول عن الإشراف على الانتخابات في خطوة استباقية لمنع هذا المجلس من تكرار سياسة الإقصاء ضد الإصلاحيين في الانتخابات المقبلة. وثانيهما، إيجاد ثغرة للدفاع عن قادة الحركة “الخضراء” الإصلاحية خاصة رئيس الوزراء السابق المرشح الرئاسي السابق في انتخابات 2009 مير حسين موسوي وزوجته والشيخ مهدي كروبي رئيس البرلمان الأسبق الخاضعين تحت الإقامة الجبرية منذ أحداث فبراير 2011 التي تزامنت مع انتصار ثورة 25 يناير في مصر وانتصار الثورة التونسية قبلها، كما تزامنت مع ذكرى انتصار الثورة الإيرانية في ذات اليوم من عام 1979.
فقد تعمد المحافظون قبل أقل من شهرين من موعد إجراء انتخابات 26/2/2016 المقبلة الاحتفاء بشكل غير مسبوق بذكرى ما يسمونه بـ “مظاهرات 9 دي” التي جرت في 30 ديسمبر 2009 التي سبق أن نظمتها التيارات الأصولية المحافظة وأنصار المرشد الأعلى السيد علي خامنئي تأييدًا للنظام، وردًا على سلسلة مظاهرات نظمها الإصلاحيون، كما تعمدوا تجديد الاتهامات للإصلاحيين وقياداتهم بارتكاب جرائم ضد النظام أثناء تلك الحركة الاحتجاجية التي قاموا بها اعتراضًا على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي جاءت في صالح الرئيس السابق أحمدي نجاد وضد توقعاتهم بفوز مرشحهم المفضل مير حسين موسوي.
فقد ندد مساعد قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي بمسئولين سابقين بقوله “وثقت بهم الثورة الإسلامية وهم وراء الفتنة الكبيرة عام 2009″، واتهم قادة تلك الاحتجاجات بـ “الابتزاز وافتعال الأجواء وتنفيذ سيناريوهات وإستراتيجيات القوى الاستكبارية” (الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية). لكنه وصف مظاهرات المحافظين المضادة أي “مظهرات 9 دي” بأنها “يوم اللـه” قامت بها “تيارات راديكالية أسهمت في هزيمة أحلام الأعداء”. وعلى نفس السياق طالب خطيب جمعة طهران الشعب الإيراني بتوخي الحذر في الإدلاء بأصواتهم الانتخابية “تجنبًالأي خلل قد يلحق بأمن البلاد، وصعود قطب سياسي جديد ضد ولاية الفقيه”. كما وصف “مظاهرات 9 دي” بأنها “يد اللـه ومعجزة الثورة” لاعتقاده بأن فتنة الإصلاحيين في 2009 أخطر من حرب الخليج الأولى (حرب الثماني سنوات مع العراق 1980- 1988) معتبرًا أن “يد الإمام المهدي كانت وراء إحباط الفتنة”.
اعتبر صادق لاريجاني أن “فرض الرقابة على أداء قائد الثورة الإسلامية يتعارض مع العقل والمنطق والسيرة النبوية
هكذا بدأ توجيه الاتهامات مجددًا للإصلاحيين والتحذير من انتخابهم، وتصوير المعركة الانتخابية باعتبارها معركة الدفاع عن “ولاية الفقيه” (العمود الفقري لنظام الجمهورية الإسلامية)، وعن الأمن والاستقرار، أي تصوير انتخاب الشعب للإصلاحيين على أنه إطلاق لشرارة الفوضى والفلتان الأمني وتهديد الاستقرار وإسقاط ولاية الفقيه، في حين أن انتخاب المرشحين المحافظين هو دفاع عن النظام واستقراره. ولم يشفع لهاشمي رفسنجاني تراجعه عن دعوته لكن هذا التراجع لم يغفر له وجاء القصاص بقرارات حاسمة من مجلس صيانة الدستور باستبعاد 60% من المترشحين للانتخابات التشريعية بحجج أهمها عدم تبعية الولي الفقيه، عدم الالتزام العملي بالإسلام، عدم الاعتقاد بأصل ولاية الفقيه، عدم الاعتقاد بنظام الجمهورية الإسلامية. من بين هؤلاء المستبعدين 2970 مرشحًا إصلاحيًا من بين الثلاثة آلاف، أي أن المجلس لم يبق للإصلاحيين غير 30 مرشحًا فقط أي 1% فقط من المرشحين., كما تم استبعاد 55% من المرشحين لمجلس خبراء القيادة على رأسهم حسن الخميني حفيد الإمام الخميني، الأمر الذي دعا رفسنجاني إلى الرد على هذه الخطوة بعنف في احتفالات ذكرى عودة الخميني من باريس إلى طهران قبيل ثورة عام 1979، وقال موجهًا للمسئولين عن هذا الإبعاد “استبعدوا حفيد الإمام الخميني، وهو أكثر الأشخاص شبهًا بجده”، وأضاف مشيرًا إلى تيار المحافظين ومن ورائهم “من قرر أنكم مؤهلون للحكم على الآخرين؟ من أعطاكم حق أخذ كل الأسلحة وكل منابر الصلاة يوم الجمعة وإدارة التليفزيون الرسمي” (خامنئي شخصيًا هو من يعين خطباء الجمعة وهو المسئول عن تعيين إدارة التليفزيون”.
كما أبدى الرئيس حسن روحاني استياءه حيال استبعاد آلاف المرشحين للانتخابات ووجه انتقادات قاسية للجنة المكلفة من مجلس صيانة الدستور بتحديد أهلية المرشحين وقال إن “هذا يسمى برلمان الأمة، وليس برلمان فصيل واحد” معتبرًا أن خوض الانتخابات ليس حكرًا على المحافظين، وأضاف “علينا خلق الأمل والحماسة والمنافسة، إذا كان هناك فصيل واحد والآخر ليس موجودًا، فلا يحتاجون إلى انتخابات 26 فبراير” كما اعتبر أن “أي مسئول لن يكتسب الشرعية من دون تصويت الشعب”.
انتقادات حادة، واستئناف من حسن الخميني على استبعاده، لكن كل هذا لن يجدي فقد فضل المرشد والمحافظون وحرّاس الثورة استخدام سلاح الاستئصال وعدم الاحتكام للشعب في تحديد من يحكمه، والمبرر هو حماية النظام وحماية الثورة، في إجراء هو الأخطر على النظام وعلى الثورة في معركة من سيحكم إيران “الجديدة”. كما لن يجدي التراجع الذي اضطر إليه مجلس صيانة الدستور بإعادة إعلان قبول ترشيح 25% ممن سبق ترشيحهم في محاولة لاستيعاب خطر اضطرار الإصلاحيين لتوجيه دعوة للشعب لمقاطعة الانتخابات، وهو الأمر الذي يعطي له النظام والمرشد الأعلى شخصيًا أهمية فائقة باعتبار أن نسبة التصويت في تلك الانتخابات ليست فقط نجاحًا لمرشحين بعينهم ولكنه تصويت على “شرعية النظام”.
هذا التراجع المحدود قد يحسن بعض جوانب الصورة القاتمة، لكنه لن يغير من التدخل المسبق والقسري للنظام لاختيار من يحكمون إيران وإعادة تمكين المحافظين والأصوليين منهم على وجه التحديد بالأغلبية في البرلمان وفي مجلس خبراء القيادة كي يبقى توجه النظام منسجمًا مع ما يريده المرشد والحيلولة دون حدوث صراع بين المؤسسات المنتخبة والمؤسسات المعينة على نحو ما حدث خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، حيث كانت السطوة للمؤسسات المعينة من المرشد على حساب المؤسسات المنتخبة من الشعب وعلى رأسها رئيس الجمهورية، كل هذا يعني أن المتشددين ستكون لهم الغلبة، وأنهم سيحكمون إيران وبالذات ستبقى توجهات السياسة الخارجية الإيرانية على ما هي عليه من تشدد وتغليب لسياسة الصراع على حساب علاقات التعاون وحسن الجوارـ، الأمر الذي سيفرض نفسه حتمًا على أنماط التحالفات والصراعات الإقليمية، وتحديد طبيعة وخصائص وهيكلية النظام الإقليمي الشرق أوسطي الذي سوف يفرض نفسه في السنوات القادمة وفقًا لمحصلة حسم مستقبل الصراعات الأساسية المتفجرة وخاصة الحرب ضد الإرهاب وأزمات العراق وسوريا واليمن وليبيا وفرص حل القضية الفلسطينية واحتمالات التقارب بين إسرائيل وتركيا، ونجاح الدعوة الإسرائيلية لفرض استقطاب طائفي ينهي الصراع العربي- الإسرائيلي وينهي وضع إسرائيل كعدو للعرب بل يفتح آفاق تعاون عربي- إسرائيلي- تركي ضد إيران وما يسمونهم بـ “العرب الشيعة” في تهديد غير مسبوق لوحدة العرب ووحدة المسلمين معًا، وفرض خيار الدول أو الدويلات الدينية: الدولة اليهودية جنبًا إلى جنب مع دويلات سُنية وأخرى شيعية وفقًا لـ “الهوى والمصالح الإسرائيلية”.
كما أبدى الرئيس حسن روحاني استياءه حيال استبعاد آلاف المرشحين للانتخابات ووجه انتقادات قاسية للجنة المكلفة من مجلس صيانة الدستور بتحديد أهلية المرشحين وقال إن “هذا يسمى برلمان الأمة، وليس برلمان فصيل واحد” معتبرًا أن خوض الانتخابات ليس حكرًا على المحافظين، وأضاف “علينا خلق الأمل والحماسة والمنافسة، إذا كان هناك فصيل واحد والآخر ليس موجودًا، فلا يحتاجون إلى انتخابات 26 فبراير” كما اعتبر أن “أي مسئول لن يكتسب الشرعية من دون تصويت الشعب”.
انتقادات حادة، واستئناف من حسن الخميني على استبعاده، لكن كل هذا لن يجدي فقد فضل المرشد والمحافظون وحرّاس الثورة استخدام سلاح الاستئصال وعدم الاحتكام للشعب في تحديد من يحكمه، والمبرر هو حماية النظام وحماية الثورة، في إجراء هو الأخطر على النظام وعلى الثورة في معركة من سيحكم إيران “الجديدة”. كما لن يجدي التراجع الذي اضطر إليه مجلس صيانة الدستور بإعادة إعلان قبول ترشيح 25% ممن سبق ترشيحهم في محاولة لاستيعاب خطر اضطرار الإصلاحيين لتوجيه دعوة للشعب لمقاطعة الانتخابات، وهو الأمر الذي يعطي له النظام والمرشد الأعلى شخصيًا أهمية فائقة باعتبار أن نسبة التصويت في تلك الانتخابات ليست فقط نجاحًا لمرشحين بعينهم ولكنه تصويت على “شرعية النظام”.
هذا التراجع المحدود قد يحسن بعض جوانب الصورة القاتمة، لكنه لن يغير من التدخل المسبق والقسري للنظام لاختيار من يحكمون إيران وإعادة تمكين المحافظين والأصوليين منهم على وجه التحديد بالأغلبية في البرلمان وفي مجلس خبراء القيادة كي يبقى توجه النظام منسجمًا مع ما يريده المرشد والحيلولة دون حدوث صراع بين المؤسسات المنتخبة والمؤسسات المعينة على نحو ما حدث خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، حيث كانت السطوة للمؤسسات المعينة من المرشد على حساب المؤسسات المنتخبة من الشعب وعلى رأسها رئيس الجمهورية، كل هذا يعني أن المتشددين ستكون لهم الغلبة، وأنهم سيحكمون إيران وبالذات ستبقى توجهات السياسة الخارجية الإيرانية على ما هي عليه من تشدد وتغليب لسياسة الصراع على حساب علاقات التعاون وحسن الجوارـ، الأمر الذي سيفرض نفسه حتمًا على أنماط التحالفات والصراعات الإقليمية، وتحديد طبيعة وخصائص وهيكلية النظام الإقليمي الشرق أوسطي الذي سوف يفرض نفسه في السنوات القادمة وفقًا لمحصلة حسم مستقبل الصراعات الأساسية المتفجرة وخاصة الحرب ضد الإرهاب وأزمات العراق وسوريا واليمن وليبيا وفرص حل القضية الفلسطينية واحتمالات التقارب بين إسرائيل وتركيا، ونجاح الدعوة الإسرائيلية لفرض استقطاب طائفي ينهي الصراع العربي- الإسرائيلي وينهي وضع إسرائيل كعدو للعرب بل يفتح آفاق تعاون عربي- إسرائيلي- تركي ضد إيران وما يسمونهم بـ “العرب الشيعة” في تهديد غير مسبوق لوحدة العرب ووحدة المسلمين معًا، وفرض خيار الدول أو الدويلات الدينية: الدولة اليهودية جنبًا إلى جنب مع دويلات سُنية وأخرى شيعية وفقًا لـ “الهوى والمصالح الإسرائيلية”.
د. محمد السعيد إدريس
المركز العربي للبحوث والدراسات