الخطـــط البديـــلة لمســـتقبل ســــوريا

الخطـــط البديـــلة لمســـتقبل ســــوريا

869-661x328

منذ اللحظات الأولى التى دخل فيها اتفاق ما يسمى وقف الأعمال العدائية الخاص بالأزمة السورية، والذى ترعاه روسيا والولايات المتحدة، حيز التنفيذ صبيحة يوم السبت الماضى (27/2/2016) والسؤال الذى يشغل الكثيرين هو: إلى متى سيصمد هذا الاتفاق؟

السؤال يعكس، بدرجة كبيرة، تشككاً واسعاً ليس فقط فى نوايا الأطراف المعنية بتنفيذ الاتفاق أو حتى الأطراف المسئولة عن رعايته، ولكن أيضاً مدى نضج الظروف الموضوعية لصمود الاتفاق الذى تأمل كل من موسكو وواشنطن أن يهيئ الظروف لعملية انتقال سياسى ناجح يقودها السوريون، بمساعدة من الأمم المتحدة، من أجل التنفيذ الكامل لبيان ميونيخ الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سوريا (11و12/2/2016) وقرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254، وبيان فيينا لعام 2015.

أسباب التشكك كثيرة، بعضها يخص تعقيدات تنفيذ الاتفاق سواء من ناحية تعمد عدم إغلاق الحدود بين تركيا وسوريا لمنع دخول مقاتلين جدد للمعارضة أو دخول الدعم العسكرى من قوى الدعم المساندة لهذه المعارضة إرضاء لتركيا، أو من ناحية التداخل إلى درجة التشابك الفعلى بين جبهات القتال وكذلك بين التنظيمات الإرهابية والتنظيمات المعارضة الأخرى المعتدلة خصوصاً بعد أن وافقت موسكو على طلب واشنطن وحلفائها الإقليميين (تركيا والسعودية وقطر) عدم إدراج تنظيمات يعتبرها النظام السورى إرهابية ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية التى لن يشملها الاتفاق خاصة ما يعرف بـ جيش الإسلام وأحرار الشام حيث اكتفى الاتفاق باستثناء كل من تنظيمى داعش وجبهة النصرة (القاعدة) دون غيرهما من هذا الاتفاق لوقف الأعمال العدائية. ففى حالة تعرض أى من هذه المنظمات لضربات روسية أو من الجيش السورى عن طريق الخطأ سيعد خرقاً للاتفاق وقد يؤدى إلى انهياره.

الأسباب الأهم للتشكك فى جدية فرص نجاح الاتفاق تتعلق بغياب الشروط الموضوعية للنجاح وبالذات غياب توازن إرادات يعبر عن توازن مصالح فى وقف الاقتتال والدخول فى الحل السياسى من جانب الأطراف المتصارعة، فقد فشل مؤتمر جنيف 3 قبل أن يبدأ لإدراك فصائل المعارضة ومعها القوى الإقليمية الداعمة لها (تركيا والسعودية وقطر) أن بيان فيينا وبعده القرار الدولى رقم 2254 لا يعبر عن جوهر أهدافها المشتركة وبالذات إنهاء أى صلة للرئيس السورى بشار الأسد بمستقبل سوريا، وجاءت التطورات العسكرية التى حدثت خلال شهر فبراير المنتهى (فبراير 2016) وخسارة المعارضة السورية معظم مواقعها خاصة فى ريفى حلب واللاذقية لمصلحة الجيش السورى وقوات حماية الشعب الكردية التابعة للحزب الديمقراطى الكردى السوري، لتفرض خللاً كبيراً فى موازين القوى على الأرض فى مصلحة النظام السورى والقوى الحليفة يصعب تجاوزه أو القبول به كأساس لحل سياسى للأزمة فى سوريا من وجهة نظر المعارضة وحلفائها.

من هنا جاء الحديث السعودي- التركى عن التدخل البرى فى سوريا بعد التأكد من استحالة القبول بشروط مؤتمر جنيف 3 فى ظل انعدام التوازن السياسى الوارد فى قرار مجلس الأمن رقم 2254 وفى ظل انعدام التوازن العسكرى الذى حققته روسيا والجيش السورى والقوات الكردية على أرض الواقع، لكن حديث التدخل العسكرى السعودى التركى برياً فى سوريا لتغيير كل هذا الخلل فى التوازن السياسى والعسكرى ظل مشروطاً بقرار أمريكى بالتدخل العسكرى البرى وهو الأمر الذى استبعدته واشنطن فى ظل أولويات الأهداف الأمريكية والتوافقات الأمريكية الروسية على معالم الحل السياسى فى سوريا الأمر الذى اضطرت معه تركيا للتراجع عن حديث التدخل العسكري، ولكن أنقرة عبرت عن تذمرها من الموقف الأمريكى بشن ضربات مدفعية مكثفة ضد قوات حماية الشعب الكردية السورية لمنعها من التقدم صوب مدينة أعزاز السورية التى تعتبرها تركيا معبرها نحو حلب وريفها، وبإصدار تصريحات غاضبة ضد الحليف الأمريكي.

هذا التراجع عن التدخل العسكرى البرى التركى السعودى فى سوريا خلق انطباعاً بأن التهديد بالتدخل كان إما مجرد محاولة لإثبات دور سعودى تركى فى ما يخطط لمستقبل سوريا، وإما أنه كان محاولة لتوريط الولايات المتحدة فى التدخل العسكرى البرى فى الأزمة ضمن رهان على أن واشنطن لا يمكن أن تبقى محايدة فى حال حدوث هذا التدخل التركى السعودى وبالذات فى حال حدوث مواجهة بين روسيا وبين كل من تركيا والسعودية على الأراضى السورية. لكن هذه التصورات لم تنف ما أعلنته السعودية من لجوئها إلى ما اسمته الخطة ب لتغيير الخلل الحادث فى التوازن العسكرى فى غير صالح فصائل المعارضة الموالية عبر تزويد هذه الفصائل بأسلحة متطورة خاصة صواريخ جراد أرض أرض وصواريخ أخرى أرض ـ جو لاستخدامها تحت إشراف مستشارين عسكريين أتراك وسعوديين ضد الطائرات التى تغير عليهم حتى لو كانت روسية.

هذه الأجواء التى سبقت التوصل إلى الاتفاق الروسى الأمريكى لوقف الأعمال العدائية تكشف عن وجود تربص معارض لأى مسعى لفرض حل سياسى للأزمة السورية فى ظل اختلال التوازن السياسى والعسكرى الذى يعمل لمصلحة النظام السورى وفى غير صالح المعارضة، لكن يبدو أن هذا التربص لم يتوقف حتى بعد التوصل إلى اتفاق موسكو وواشنطن على وقف الأعمال العدائية وإن كان هذا التربص الجديد جاء أمريكياً هذه المرة سواء لإدراك واشنطن خطورة ترك الأمور تسير فى سوريا على هوى الطرف الآخر (الروسي- السوري- الإيرانى أو كتهديد للرئيس السورى ومعه الرئيس الروسى لإجبارهما على إنجاح الاتفاق، أو لاسترضاء الحلفاء (تركيا والسعودية وقطر) وفصائل المعارضة، لإقناعها بتأييد الاتفاق.

فتحذير الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى لقائه مع العاهل الأردنى الملك عبد الله بن الحسين فى واشنطن (24/2/2016) بعدم الإفراط فى التوقعات فيما يتعلق باتفاق وقف الأعمال العدائية لم يأت حتماً من فراغ، وهو التحذير الذى استبق إعلان بدء تنفيذ الاتفاق بثلاثة أيام، لكن التربص الحقيقى جاء على لسان وزير الخارجية جون كيرى الذى هدد أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى بأن بلاده تدرس خطة بديلة للتعامل مع الوضع فى سوريا فى حال لم تكن دمشق وموسكو جادتين فى التفاوض على الانتقال السياسي.

كيرى قال إن هناك نقاشاً كبيراً يدور الآن حول خطة بديلة فى حال لم ننجح فى عملية التفاوض وألمح إلى أن »مثل هذه الخطوة قد تنطوى على زيادة الدعم للجماعات السورية المسلحة، وإن كانت مصادر دبلوماسية لم تستبعد إمكانية التدخل العسكرى الأمريكى المباشر، كما أفصح كيرى عن أنه تحدث مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وأكد له أن واشنطن لن تنتظر أكثر من أشهر قليلة لترى ما إذا كانت موسكو جادة بشأن المحادثات. كيرى لم يكتف بذلك لكنه هدد بأنه من الصعب أن تبقى سوريا موحدة إذا استغرق إنهاء القتال فترة أطول.

أياً كانت جدية هذه التهديدات من عدمها فالأمر الذى بات مؤكداً هو أن التربص باتفاق وقف الأعمال العدائية يكشف عن أن هذا التربص يتجاوز الاتفاق إلى التربص بسوريا ومستقبلها بقدر ما يؤكد أيضاً أن خيار تقسيم سوريا سيبقى دائماً الخيار الأمريكى البديل الذى يفضح كل مخططات التدخل فى سوريا والتآمر عليها.

د‏.‏ محمد السعيد إدريس

المركز العربي للبحوث والدراسات