في منطقة “الصبيحات” عند ضواحي مدينة الفلوجة ينتشر جنود من الفرقة الأولى التابعة للجيش العراقي في محاولة لاقتحام هذه المدينة التي تعتبر عاصمة “داعش” الأولى في العراق، ومنذ شهور من المعارك يعاني النقيب قاسم التميمي أحد ضباط الفرقة الأولى المنتشرة في محيط الفلوجة مع جنوده من صعوبة المعركة.
ويقول النقيب قاسم لـ “نقاش” إن “معركة الفلوجة تختلف عن كل المعارك التي خاضها الجيش العراقي ضد داعش بسبب عوامل جغرافية وسكانية يستفيد منها داعش لحماية الفلوجة بينما نعاني نحن من صعوبة المعركة”.
والفلوجة هي أولى المدن التي سيطر عليها “داعش” في العراق، واحتلها في كانون الثاني (يناير) 2014، قبل سيطرته على مدينة الموصل شمالي العراق بستة أشهر، وبسبب المسافة القريبة التي تربط بغداد بالفلوجة (60 كم) يستطيع “داعش” تهديد بغداد ومطارها المدني.
وتتقاسم الوحدة الاولى للجيش المهام العسكرية حول الفلوجة مع أفواج من الفرقة العاشرة والفرقة الثامنة والفرقة (17) ولواء من “قيادة عمليات بغداد”، فضلا عن الفصائل الشيعية المعروفة باسم “الحشد الشعبي” وأبرزها منظمة “بدر” و”عصائب أهل الحق” و”حركة النجباء” و”سرايا الجهاد البناء”، ولكن جميع هذه القوات لم تتمكن من تحرير الفلوجة وفقا للنقيب قاسم.
وعن عدد عناصر “داعش” في الفلوجة يقول النقيب قاسم ان التقارير الاستخباراتية تؤكد وجود نحو (2000) عنصر نصفهم من المقاتلين الأجانب، ويمتلكون (500) عربة عسكرية سرقوها من الجيش بعد سقوط الموصل، ويقومون الآن بحشوها بالمتفجرات وتفجيرها إذا ما حاول الجيش التقدم.
خلال الشهور الماضية تمكنت الحكومة العراقية من تحرير ثلاث مدن رئيسية باقل من هذه القوات وهيتكريت (170 كم شمال بغداد)، بيجي (230 كم شمال بغداد)، والرمادي (110 كم غرب بغداد)، ولكنها لم تتمكن من تحرير الفلوجة التي لا تبعد سوى (60 كم غرب بغداد).
بعد نجاح الجيش في تحرير الرمادي قبل خمسة اسابيع، اعلن القادة العسكريون انهم يستعدون لتحرير الفلوجة، ولكنهم بعد ذلك تراجعوا عن ذلك بسبب صعوبات عديدة.
ويقول نائب رئيس مجلس محافظة الانبار فالح العيساوي لـ “نقاش” إن “معركة تحرير الفلوجة تحتاج إلى وقت طويل واستعدادات اكبر، لأنها تختلف عن باقي المدن، ولهذا قرر الجيش الاستعداد حاليا لتحرير مدينة هيت غرب الرمادي وليس الفلوجة”.
ويسيطر “داعش” على (80) في المئة من مساحة الأنبار ويحتل (6) مدن كبيرة هي (القائم، راوة، عانة، هيت، الفلوجة، الرطبة)، و(9) مدن صغيرة وهي (العبور، العبيدي، الوليد، بروانة، الكرمة، كبيسة، الفرات، الصقلاوية، وجبة)، أما الحكومة فتسيطر فقط على مدينتين كبيرتين هي “حديثة” و”الرمادي”، و(5) مدن صغيرة هي (عامرية الفلوجة، البغدادي، الحبانية، النخيب، الحقلانية).
ويقول العيساوي أيضاً “الجميع يعلم بأن معركة الفلوجة ستكون مختلفة، لأن داعش يدافع عنها بشراسة ولم تتمكن القوات الأمنية منذ شهور من الدخول إليها، كما أن هناك آلاف السكان المحاصرين داخل المدينة ويجب حمايتهم”.
على الجيش إكمال تحرير مناطق شرق الرمادي في “البو بالي” و”البو عبيد” و”الحامضية” و”جزيرة الخالدية” قبل التفكير بالتوجه نحو الفلوجة، كما يقول العيساوي.
وتقول الحكومة العراقية وقادة عسكريون ان الجيش “والحشد الشعبي” يحاصرون الفلوجة بالكامل، ويؤكدون أن بغداد اصبحت آمنة تماما من “داعش”، ولكن الهجوم الذي شنه “داعش” على منطقة “أبو غريب” غربي بغداد في (28) من الشهر الماضي، كشف للجميع أن بغداد ما زالت في خطر.
واستطاع “داعش” التسلل من الفلوجة إلى “أبو غريب” بسهولة واقتحم مخزناً للحنطة والمواد الغذائية في هذه المنطقة ونقلها إلى الفلوجة دون أن تستطيع القوات الأمنية منعه، كيف حصل ذلك؟ واين كانت القوات الأمنية؟.
عوامل جغرافية وديموغرافية
تمتلك الفلوجة موقع جيوسياسي وعسكري مهم، وتقع على بعد (60 غرب بغداد)، وتعتبر حلقة الوصل بين بغداد وباقي مدن الأنبار، وتقع على حدود ثلاث محافظات هي بغداد وبابل وكربلاء، وفيها طريق دولي يرتبط مع الأردن، وهذا ما يعطي “داعش” قوة كبيرة ويجعله يدافع عنها بشراسة.
وتختلف الطبيعة الجغرافية للفلوجة عن باقي المدن التي حررتها القوات الأمنية إذ أنها منطقة ريفية من السهولة الاختفاء والتسلل فيها، وترتبط الفلوجة مع بغداد عبر طرق زراعية كثيفة لا تستطيع القوات الأمنية تأمينها كما يقول عبد الله الحلبوسي احد شيوخ عشائر الفلوجة، والموجود حاليا في بغداد.
الحلبوسي يقول لـ”نقاش” إن “داعش جعل من مدن صغيرة محيطة بالفلوجة ساحة معركة ضد الجيش والحشد الشعبي، وهذه المدن تضم العشرات من القرى الزراعية المرتبطة مع بغداد بشكل مباشر ودون حدود فاصلة، ويستخدمها داعش للتسلل إلى بغداد في أي وقت”.
وتعتبر الكرمة اهم المدن المحيطة بالفلوجة، واعلنت قوات الجيش في نيسان (ابريل) 2015 اطلاق عملية عسكرية سميت “فجر الكرمة” للسيطرة عليها ولكنها فشلت في ذلك، وقتل وجرح العشرات من الجنود على يد “داعش” فيها.
والمشكلة ان العربات العسكرية القليلة لا تستطيع الدخول الى الطرق الزراعية الطينية، بينما يخشى الجيش من القيام بدوريات راجلة لان “داعش” يقوم باصطياد الجنود عبر العبوات المتفجرة والقناصة.
ويقول الحلبوسي ان “هناك طريقا زراعيا يمتد من قرى “إبراهيم بن علي” و”سبع البور” و”الصبيحات” شمال الفلوجة إلى منطقة التاجي في بغداد، ومن قرى “زوبع” و”الزيدان” شرق الفلوجة إلى منطقة “ابو غريب” غرب بغداد، ومن مناطق الرفوش والهياكل في الفلوجة الى منطقة اليوسفية جنوب بغداد”.
وبالرغم من انتشار آلاف الجنود وعناصر “الحشد الشعبي” في هذه القرى، ولكنهم لا يستطيعون منع “داعش” من التسلل إلى بغداد، لان “داعش” يمتلك خبرة في طبيعة هذه الأراضي الزراعية بمساعدة بعض السكان المحليين، بينما لا يمتلك الجيش و”الحشد الشعبي” أي خبرة فيها لأنهم قادمون من جنوب البلاد ولا يعمل معهم سكان محليون، كما يقول الحلبوسي.
ومن الصعوبات الأخرى التي تواجه تحرير الفلوجة هي ان الحكومة لا تمتلك حلفاء محليين داخل المدينة للاستفادة منهم في المعلومات الاستخباراتية، على عكس مدينة الرمادي التي تم تحريرها أواخر شهر كانون الثاني (يناير) الماضي لان عشائرها متحالفة مع الحكومة منذ سنوات.
وعندما شنت قوات الجيش عملية عسكرية لاستعادة الرمادي كانت هناك عشائر “البو فهد” و”البو ذياب” و”البو عيسى” تعمل الى جانب الجيش ضمن تشكيلات عسكرية، ولكن عشائر الفلوجة وسكانها لا يثقون كثيرا بالحكومة ويرفضون التعامل معهم بسبب سياسات الحكومة السابقة.
وفي الفلوجة توجد فصائل مسلحة سنية محلية تمتلك خبرة عسكرية قد تقرر مواجهة القوات الأمنية، وبالرغم من ان هذه الفصائل رفضت التحالف مع “داعش”، ولكنها تكره الحكومة اكثر من “داعش”، وعلى الحكومة التصالح مع هذه الفصائل اولا، ومن ابرز هذه الفصائل هي “الجيش الاسلامي” و”كتائب ثورة العشرين” و”جيش المجاهدين”.
مسؤول محلي كبير في الانبار قال لـ “نقاش” بشرط عدم نشر اسمه بسبب سرية المعلومات ان “مفاوضات تجري بين الحكومة العراقية وبين عدد من الفصائل المسلحة داخل الفلوجة للتحالف معا ضد داعش”.
ويضيف ان “الاتفاق يتضمن مساعدة الجيش على الدخول الى منطقة الكرمة مقابل عدم اعتقال عناصر الفصائل المسلحة وعائلاتهم، ولكن المفاوضات صعبة بسبب غياب الثقة بالحكومة”.
العوامل السياسية
من الأسباب السياسية التي تعرقل تحرير الفلوجة هو الخلاف الدائر بين الولايات المتحدة وبين “الحشد الشعبي”، ترفض الولايات المتحدة مشاركة “الحشد الشعبي” في تحرير المدن السنية في الانبار، بينما يرفض “الحشد الشعبي” التعاون العسكري مع الولايات المتحدة.
مصدر في السفارة الاميركية قال لـ “نقاش” بشرط عدم الإشارة الى اسمه لعدم تخويله بالتصريح ان “الولايات المتحدة ليست ضد قوات الحشد الشعبي، ولكن هناك مخاوف من تصرفات بعض الفصائل المدعومة من إيران لأنها لا تنفذ قرارات الحكومة العراقية”.
ويضيف ان “التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لديه استراتيجية اساسية في محاربة داعش، وهي ضرورة مشاركة السكان المحليين في تحرير المدن السنية لمنع تكرار ما حصل في تكريت العام الماضي، وهناك الآن قوات محلية من العشائر شاركت مع الجيش العراقي والتحالف الدولي في تحرير الرمادي”.
والمشكلة ان قوات “الحشد الشعبي” لم تكن موجودة حول الرمادي، ولهذا لم تواجه الولايات المتحدة صعوبة في تحرير المدينة دون أن تخشى من “الحشد الشعبي”، ولكن الوضع مختلف في الفلوجة لان الآلاف من عناصر “الحشد الشعبي” يقاتلون على أطرافها.
ويقول ابو جعفر اللامي احد مقاتلي “الحشد الشعبي” عند ضواحي الفلوجة لـ “نقاش” ان “الحشد الشعبي يستطيع تحرير الفلوجة، ولكننا نخشى من قيام الطائرات الأميركية ضربنا بالصواريخ، لأنهم لا يريدون تحرير المدينة”.
اللامي اضاف ان “الطائرات الاميركية قتلت عددا من الجنود قبل اسابيع قليلة عندما حاولوا التقدم داخل الفلوجة”، ولكن الجيش الأميركي قال ان مقتل الجنود كان خطأ غير مقصود.
أهمية تحرير الفلوجة
يؤكد المراقبون على ضرورة الإسراع في تحرير الفلوجة قبل أي مدينة أخرى، لأنها تمثل الخطر الأكبر على العاصمة بغداد، إضافة إلى مدينة كربلاء التي تضم مراقد دينية شيعية مهمة، ولكن معركة التحرير يجب أن تكون مدروسة جيدا.
ويقول المحلل السياسي احمد الآلوسي لـ”نقاش” إن “العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش في المدن البعيدة في الأنبار لن تكون مفيدة في الجانب العسكري قبل أن يتم تحرير الفلوجة أولا، لان ظهر قوات الجيش سيبقى مكشوفا ومعرضا للهجوم من داعش”.
ويضيف أن “تحرير الفلوجة سينهي الى الأبد أي خطر على بغداد من السيارات المتفجرة والعمليات الانتحارية لأنها تأتي من الفلوجة، كما ان داعش سيخسر آخر معاقله في شرق الأنبار وسيضطر الى الانسحاب نحو الحدود العراقية – السورية”.
في كل الأحوال فان معركة تحرير الفلوجة لم تكن سهلة، وهي ليست المعركة الأولى التي تشهدها الفلوجة بل ستكون ثالث معركة بعد المعركتين التي شنتها القوات الأميركية عام 2004 وأدت الى تدمير نصف المدينة، وما زال السكان يحملون مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة والحكومة العراقية.
مصطفى حبيب
موقع نقاش