تعاني المنطقة العربية العديد من التحديات التي اثرت بشكل كبير على بنيتها الاقتصادية ،وشكلت عائقا امام فرص النمو المتاحة لهذه الاقتصادات نتيجة عدد من الاختلالات التي طالت قطاعات اقتصادية هامة .
ان اهم المشكلات التي اوصلت الاقتصادات العربية الى هذه الحال هي تركيبتها الريعية خصوصا في الدول النفطية التي تعتمد على النفط بشكل اساسي في بناء اقتصاداتها ومصادر دخلها بنسبة تجاوزت 90%؛ ما جعل هذه البلدان عرضة للازمات الاقتصادية وتراجع ايراداتها بالتالي غياب التنمية .
وفي خطوة جادة نحو تشخيص مواطن الخلل في الاقتصادات العربية ، أكد المشاركون في المؤتمر السنوي الخامس عشر لمنظمة اقتصاديي الشرق الأوسط الذي اختتم فعالياته، في العاصمة القطرية الدوحة، على ضرورة تنويع الاقتصاد لامتصاص الصدمات الخارجية التي أثّرت سلباً على الموازنات والاحتياطيات النقدية لدول الخليج.
لقد كان لانهيار اسعار النفط الى مستويات قياسية منذ عام 2014 اكبر الاثر على تعرّض اقتصاد المنطقة العربية، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، لصدمات اقتصادية وتآكل ايراداتها ،خصوصا بعد ان هوت اسعار النفط الى القاع في بداية العام الحالي وسجل سعر برميل النفط ادنى سعر له منذ 12 عاما وهو 27 دولارا ،الامر الذي كان بمثابة ناقوس خطر دفع الحكومات والخبراء إلى البحث عن آليات جديدة لمواجهة هذه الصدمات.
وتشير البيانات الاقتصادية إلى ان الناتج المحلي الإجمالي العربي يقارب 2.8 تريليون دولار، أو 3.8 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي. ويُقدَّر ناتج البلدان الخليجية بـ 1.7 تريليون دولار أو 61 في المئة من الناتج الإجمالي للبلدان العربية.
وقال التقرير الصادر عن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (غويك) ان اعتماد دول المجلس على النمو في القطاعات غير النفطية -التي تبلغ حوالي 3% سنوياً- لتعويض التناقص في الإيرادات النفطية، “هذه النسبة لا تغطي معدل النمو السكاني، كما أنها غير قابلة للاستمرار لأن زخم النمو في تلك القطاعات كان على الدوام مدفوعاً بالفوائض النفطية التي توفر التمويل اللازم لاستثماراتها من جهة، وتؤمن القوة الشرائية لمنتجاتها من جهة أخرى”.
اما الحاجة الحقيقية للتنوع الاقتصادي في دول المنطقة فقد جاءت نتيجة تذبذب اسعار النفط التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالاحداث السياسية والامنية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم ، حيث ولذلك يستمد الاقتصاد العربي قوته من النفط والغاز والتي اصبحت في فترة لاحقة احد اسباب ضعفه وهشاشته.
بالنسبة إلى البلدان العربية غير النفطية فالمشكلة تكمن في السياسة المالية التي تستهدف بناء رأس المال البشري والبنية التحتية الملائمة، اذا ان عليها ان تضع الأسس اللازمة لتنويع اقتصادي ناجح ومحاولة تقليل اعتمادها على المساعدات الخارجية التي تجعل منها اقتصادات تابعة وغير قادرة على بناء قاعدة صلبة لها.
ان المتتبع لطبيعة الاقتصادات العربية يلاحظ وجود خلل في الاقتصاد الكلي لدولها ، ومشاكل تنبع من دمج النفط مع الاقتصاد الكلي. تشير احدى الدراسات الى انه في حال استثنينا النفط من هذه الاقتصادات يتبين لنا ان معدل النمو الاقتصادي العربي لايتجاوز 2 او 3% على الاكثر.
وفي أعقاب الطفرة النفطية الأخيرة، لجأت الدول العربية النفطية، خصوصاً الدول الخليجية، كوسيلة لتنويع مصادر الدخل إلى الاستثمار في صناديق الثروة السيادية. وتشمل صناديق عديدة حيازات ضخمة من الأصول العابرة للحدود. ومع أن الاستثمار عبر الصناديق السيادية ساعد في الحدّ من وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية، وتقلبات أسعار النفط على البلدان المعنية، كان لابد من التأكيد على أهمية التنويع الاقتصادي الحقيقي.
وأكد جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، خلال المؤتمر أن المرونة في السياسات الاقتصادية تقتضي من دول الخليج أن تفكر في ربط عملاتها بسلة عملات بدلا من الدولار فقط، وضرورة أن تضع دول المنطقة، وخصوصاً دول الخليج، قواعد تنظيمية تتحكّم في حركة رؤوس الأموال في أسواق المال في المنطقة، وأبرزها ما يتعلق بدخول رؤوس أموال من الخارج وخروجها أيضا، لأن الوضع الحالي يهدد الأسواق المالية بتأثيرات كبيرة لأي صدمات خارجية.
وأشار إلى أن الخبراء أكدوا خلال المؤتمر على ضرورة تطوير التعليم في دول المنطقة، من أجل بناء اقتصاد قائم على المعرفة، مع الحاجة إلى تطوير إنتاج المعرفة والابتكارات التكنولوجية، موضحا أن تنويع التعليم هو السبيل نحو تحقيق تنويع الاقتصاد.
لخّص الدكتور حسن علي رئيس جمعية اقتصاديي الشرق الأوسط، توجهات النقاشات التي شهدها المؤتمر في محور تنويع الاقتصاد وأكد على أن أهم ما أبرزه المتحدثون والخبراء خلال المؤتمر هو ضرورة تطوير التعليم في دول المنطقة من أجل بناء اقتصاد قائم على المعرفة، مع الحاجة إلى تطوير إنتاج المعرفة والابتكارات التكنولوجية. وأوضح أن تنويع التعليم هو السبيل نحو تحقيق تنويع الاقتصاد.
ورأى أن أحد عوامل القوة الكامنة لاقتصادات دول الخليج أصبح يشكل تحديا اليوم بسبب سوء الاستفادة منه، وهذا العامل هو توفر إمكانيات استقطاب عدد غير محدود لليد العاملة، وهو عامل مهم في القدرة على تنويع الاقتصاد.
في الحقيقة لابد من التأكيد بأن اقتصادات المنطقة العربية اليوم تواجه تحدّيات جمة، خصوصاً الدول النفطية ، فهي معنية بتنويع مصادرها الاقتصادية لتعزيز النمو في الشكل الصحيح، وتصحيح الاختلالات ،وإيجاد فرص عمل مستدامة لمواكبة الزيادة الفائقة في حجم قوة العمل.
ان سعي البلدان العربية الى تنويع اقتصاداتها له العديد من من الاثار الاجابية يمكن اجمالها بما يلي:.
• الدخول الى الاسواق العالمية بامكانيات منافسة نتيجةً هذا التنوع.
• الحد من تقلّبات النمو الاقتصادي ، ما يشجّع على الاستثمار الخاص في القطاعات الاقتصادية المتعددة.
• تخفيض معدلات البطالة ، حيث لابد من وجود شراكة حقيقية بين القطاعين الخاص والعام وعدم الاعتماد على القطاع العام، وإيجاد فرص العمل المناسبة للباحثين عنه. وتدلّ تجربة البلدان الغنية بالموارد في مختلف أنحاء العالم على أهمية الاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز المؤسّسات لتحقيق التنويع الاقتصادي .
• يوفر التنويع في قطاعَي التصنيع والخدمات ذات القيمة المضافة المرتفعة كثيراً من الفرص أمام تصدير منتجات جديدة بدلاً من تصدير المنتجات ذاتها في صورة أكثر كثافة.
• فتح الباب امام المزيد من الاستثمار في القطاع التكنولوجي وادخال الصناعات المتطورة التي تعود بالمنفعة على الاقتصاد ككل .
ختام القول ان العالم اليوم يتأهب لاستقبال “الثورة الصناعية الرابعة “ومواكبة تطوراتها السريعة، لذا فاستمرار الاقتصادات العربية بالاعتماد على النفط وحده لن يمكنها مستقبلا من اللحاق بركب العالم المتقدم ، ولن تتمكن من تحقيق اهدافها التنموية خصوصا إذا استمرت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية أو في حال هوت من جديد ،وفي ظل عدم الاستقرار السياسي والامني وتحول المنطقة الى بؤرة صراعات مغلقة ،وفقدانها الكثير من مصادر دخلها الاضافية بسبب سيطرة الارهاب على مناطق واسعة من بعض البلدان ،باتت هذه الاخبار مصدر قلق للجميع ،وهنا تتزايد الحاجة للتنوع والانفتاح الاقتصادي على العالم لوقف نزيف هذه الاقتصادات لتي اكتوت بنيران الصراعات والارهاب التي طالت جميع مفاصل الاقتصادات العربية ، وهو الامر الذي يعزز فكرة البحث وتطوير مصادر اخرى لاقتصاداتها.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية