تجتهد إيران في الرجوع إلى مستوى إنتاجها النفطي خلال فترة ما قبل العقوبات الدولية، أي أربعة ملايين برميل يوميًا، فرفعت حصتها السوقية خلال شهر فبراير (شباط) من 1.75 مليون برميل إلى مليونين، في تسارع يعكس الشراهة لسد العجز، والحاجة الملحة لإنعاش اقتصادها المحلي وإعادة مكانتها داخل أسواق النفط، وأبرمت لذلك عقودًا مع شركات من دول عدة لتحسين تجارتها النفطية.
إن قضية النفط وأسعاره المتدنية، وأوبك وزعامتها، تشكل هاجسًا كبيرًا لدى الإيرانيين، كشف جزءًا من أسبابه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في لقائه المطول مع وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية. والسعودية تشترط لتثبيت إنتاجها من الزيت أن يثبت كبار المنتجين من داخل أوبك وخارجها إنتاجهم، والهدف من هذه الخطوة هو محاولة التخلص من الفوائض النفطية في السوق لإتاحة الفرصة لصعود سعر البرميل. بالنسبة للسعودية، فالقضية النفطية تمثل قاطرة للوصول لمكاسب سياسية، وقاطرة النفط اليوم ليست وثيرة بالنسبة للسعوديين لكنها «حصيرة»، وفي الوقت ذاته، الرياض مشغولة بإعادة هيكلة سياستها الاقتصادية في اتجاه بعيد لا يتكئ على النفط، أي أنها لا تشارك الإيرانيين قلقهم على الأسعار ولا على حجم الإنتاج، ومع هذا ترى أن من حقها أن تشارك كل الدول المنتجة في سياسة موحدة لا مفاضلة لطرف فيها على آخر.
ومن غير المنطقي أن تتوقع إيران معاملة خاصة بعد انعتاقها من محكوميتها التي فرضت عليها دوليًا بسبب سلوكها السيئ، فهي كمن حضر إلى وليمة متأخرًا ومع ذلك يشترط مقعدًا في الصف الأمامي؛ في الواقع ستقبل المقعد المتاح.
وإمعانًا في الوجع، اتخذت روسيا، الحليف الأبرز لإيران، موقفًا سلبيًا بالنسبة للإيرانيين، من خلال اتفاقها مع السعودية في لقاء جمع الطرفين في الرياض، في فبراير الماضي، على تثبيت إنتاج النفط، ولحقتهما فنزويلا و15 دولة أخرى تنتج مجتمعة 73 في المائة من الإنتاج العالمي، وستتشكل مواقف كل الدول المعنية من داخل أوبك وخارجها في اجتماع الدوحة المزمع انعقاده منتصف الشهر الحالي، ولا تزال إيران مترددة في الحضور متشككة في نيات أوبك تجاه الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها طهران.
هذه منافسة السوق، والخيارات محدودة، إما الإجماع على تثبيت إنتاج النفط لتحجيم الفائض في السوق، مما يشكل عامل ضغط على العوائد النفطية لإيران، حيث سيبقي إنتاجها عند حد المليوني برميل الحالي، أو الإبقاء على الوضع القائم بتصعيد المنتجين إنتاجهم، بما فيها إيران التي تطمح لحاجز الأربعة ملايين، مما يعني مزيدًا من تدهور الأسعار وهدرًا للزيت بثمن بخس.
ومن المستبعد أن يعطل الرفض الإيراني للتثبيت مواقف الدول المنتجة الساعية لهذه الخطوة التصحيحية، خصوصًا أنها الدولة الوحيدة التي تعاني ظرفًا خاصًا، عداها، فكل الدول المعنية قادرة على الصمود خلال فترة الثبيت وتأمل في تعافي الأسعار بحلول نهاية العام.
إيران ليست بخير، ليست على الأقل في أفضل حالاتها رغم عودتها للنادي العالمي وتنظيف جواز سفرها من سمعته السيئة. وعميلها الحوثي الذي أنفقت عليه مئات الملايين من الدولارات يجلس في الرياض، العاصمة الخصم، أمام الحكومة اليمنية الشرعية بيدها العليا، يفاوضها على سلامته، والحرب في انحسار، مما يعني تأمين الحدود الجنوبية السعودية وفك الارتباط بين اليمن وإيران إلى ما شاء الله، مع المكاسب التي تحققت لدول الخليج والتجارة العالمية من خلال إشراف المملكة على تأمين مضيق باب المندب، الممر المائي الحيوي. كما تخلى عنها حليفها فلاديمير بوتين في سوريا بإعلانه الانسحاب منها، في ظل تكبد حزب الله اللبناني خسائر بشرية ومادية كبيرة في صراع الأعوام الخمسة، وخلال توقيت تجري فيه مفاوضات بين المعارضة المعتدلة والنظام في جنيف، ويقال إن وفد النظام هناك عندما سمع بالانسحاب الروسي ظن أنه شائعة لإضعاف موقفه التفاوضي، ولم يأخذها على محمل الجد، واضطر النظام لاحقًا للادعاء بأنه تنسيق روسي معهم لأهداف تكتيكية، مما يعيد عبء المعركة إلى كاهل الإيرانيين وميليشياته المنهكة أساسًا، ويخلي الساحة من قوة جوية وبرية لازمة للقضاء على الإرهابيين من تنظيم داعش.
المجتمع الدولي يدرك أن النظام السوري الذي دعم تنظيم القاعدة إبان الوجود العسكري الأميركي في العراق، ويسر لهم من أراضيه سبل العبور مدججين بالسلاح والأحزمة الناسفة، لا يمكنه أن يحقق انتصارًا على تنظيم داعش، والروس تحكمهم كثير من المعطيات خارج حسابات بشار الأسد، وتفرض عليهم المصلحة عدم التورط في حرب طويلة الأمد مرهقة وشاقة من أجل أهداف يمكن تحقيقها بوسائل أقل ضررًا وتكلفة.
ما يجري في سوريا يؤثر على جنيف، هذا مفهوم، ولكن يبدو أن تصريحات الرياض تؤثر على طهران وموسكو ودمشق وجنيف. والضغوط كبيرة على الروس والإيرانيين، إنما الحقيقة أن الروس رغم عنادهم وتمسكهم بموقفهم المعلن يمثلون البراغماتية في أكثر صورها كمالاً واكتمالاً، وسيحصدون من القضية السورية مكاسب طالما كانوا يرجونها. أما الإيرانيون فلا سبيل لهم سوى الصمود حتى آخر نفس، أي الصمود سياسيًا في سوريا واقتصاديًا خلال معركة النفط، أو الانسحاب من كليهما؛ سوريا والأوبك، وفق تفاهمات.
أمل عبدالعزيز الهزاني
صحيفة الشرق الأوسط