وهم المئوية: هل كانت آسيا في عام 2014 أوروبا في عام 1914؟

وهم المئوية: هل كانت آسيا في عام 2014 أوروبا في عام 1914؟

لقد شهد عام 2014 ذكرى مرور 100 سنة على اندلاع الحرب العالمية الأولى، وهو ما أثار احتفالات قاتمة في البلدان التي فقدت الملايين من الأرواح خلال ذلك الصراع؛ كما وتسبب في مقارنة البعض بين أسباب اندلاع تلك الحرب والتوترات الاستراتيجية المثيرة للقلق اليوم، خاصةً في آسيا.

وكان هناك الكثير جدًا من أوجه الشبه بين أوروبا في السنوات الأولى من القرن الـ20، وآسيا بعد مئة عام، مما جعل تجاهل المقارنة أمرًا غير ممكن؛ بل وكانت أوجه الشبه هذه كافية، في الواقع، لإثارة المخاوف حول إمكانية اندلاع مواجهة عالمية أخرى.

2013121313563942176

ولن تنهي نهاية 2014 هذه المقارنات التاريخية، إلا أن الاهتمام قد يتحول إلى التركيز على الاختلافات بقدر ما ركز على أوجه التشابه حتى الآن. وكما يقول جوزيف ناي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد: “الحرب ليست أمرًا لا مفر منه أبدًا، والاعتقاد بأنها كذلك يمكن أن يصبح واحدًا من أسبابها“.

وكان من رجال الدولة الذين عبروا عن مثل هذه المقارنة في تصريحاتهم العامة، شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان؛ حيث قال آبي متحدثًا في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في يناير/كانون الثاني عام 2014، إن الصين واليابان كانتا في “وضع مماثل” لوضع ألمانيا وبريطانيا قبل قرن من الزمن.

ومنذ أن كانت بلاده، وما تزال، في مواجهة متوترة مع الصين حول جزر سينكاكو أو دياويو، فقد كان هذا التصريح إنذارًا بالخطر؛ حيث اقترح أن الشجار الإقليمي الطفيف في عام 2014 مماثل للعمل الإرهابي في منطقة البلقان في عام 1914، وبالتالي، قد يشعل صراعًا عالميًا جديدًا. ومن جهتها، أكدت أمريكا مرارًا وتكرارًا أن ضمانها لأمن اليابان يمتد إلى هذه الجزر الغير مأهولة.

وفي الواقع، لا يبدو أن النقطة التي أراد آبي إيصالها تتعلق بتنامي التنافس العسكري في المنطقة، بل برغبته في إخبار أولئك الذين يعتقدون بأن الحرب مستحيلة بين الصين واليابان؛ لأنهما تتشابكان اقتصاديًا، وأنهم يغفلون عن الطريقة التي انتهت بها الموجة السابقة من النمو السريع للتجارة والعولمة؛ حيث إنه، وقبل الحرب العالمية الأولى، كانت بريطانيا وألمانيا أكبر الشركاء التجاريين بالنسبة لبعضهما البعض.

233519_0

ولا بد أن آبي أخذ في الاعتبار أيضًا المقارنة الشائعة بين ظهور الصين كقوة عالمية في هذا القرن، وصعود ألمانيا (وفي النهاية اليابان) كقوة عالمية قبل قرن من الزمان. وتمامًا كما رفضت ألمانيا التفوق العالمي لبريطانيا حينها، تبدو الصين اليوم غير مستعدة لاتباع قواعد نظام عالمي تراه مفروضًا عليها قسرًا من قبل أمريكا.

وألمانيا في ذلك الوقت، كانت مثل الصين الآن، ترى نفسها في خطر تطويقها استراتيجيًا من قبل الدول المستاءة من براعتها الاقتصادية والعسكرية. وما صورته حينها على أنه تراكم لقوتها الدفاعية البحرية، بدا عدوانيًا بالنسبة للدول الأخرى، وكان أمرًا مشبوهًا من قبل منافسيها الدوليين.

وبالمثل، يعتقد الأمريكيون أن “محورهم” الاستراتيجي في آسيا هو لتطمين حلفائهم الذين هم في مواجهة مع تزايد النفوذ الصيني فقط، بينما يعتقد الآخرون أنه لتعزيز التبعية لموقف أمريكا الحالي في المنطقة.

وقد أدى هذا إلى توتر الموقف مع الصين، عدم اليقين الاستراتيجي الواضح في جميع أنحاء آسيا، وزيادة النفقات الدفاعية إلى حد تجاوزت فيه الآن النفقات العسكرية في أوروبا. ورغم ذلك، تعاني المنطقة من نوع من التراخي الذي شعر به العديد في أوروبا عام 1914، والحرب واسعة النطاق هي ببساطة أمر لا يمكن تصوره.

في وقت مبكر من القرن العشرين، مثلما هو الحال الآن، شهد العالم فترة من النمو السريع في وسائل الاتصالات والإعلام. وبدأ الرأي العام يلعب دورًا هامًا في تشكيل السياسة الخارجية في العديد من البلدان الأوروبية. وبدأ الساسة يحاولون التلاعب به لتسجيل نقاط دبلوماسية؛ وليجدوا أنفسهم لاحقًا رهينةً لذلك. واليوم، في عصر الهواتف الذكية، زادت تلك الضغوط بشكل كبير.

ولا يوجد اليوم ما يعادل ذلك النظام التنافسي من التحالفات التي أدت إلى التصعيد العسكري في يوليو عام 1914. ولكن أمريكا الآن، وفي دعمها لليابان والفلبين في خلافاتهما مع الصين، تواجه المعضلة التي واجهت القوى الكبرى حينها، وهي: هل يجب الوقوف إلى جانب الحلفاء الصغار والمخاطرة بتشجيع السلوك المتهور لقوى كبرى، مثلما فعلت روسيا في صربيا؟ أم يجب التخلي عن الحلفاء الصغار، وبالتالي فقدان مصداقية الولايات المتحدة وهيبتها؟

ومن الصحيح أنه في هذه الأيام ليس لدى الجيوش قدرة كبيرة كما كان عليه الحال سابقًا على صنع القرارات السياسية. ولكنه لا يزال من الصحيح أيضًا أن الاستراتيجيات العسكرية لها زخم خاص بها، وأنه في الحرب، كما في الأعمال التجارية، من الممكن أن يكون هناك ميزة لمن يبادر أولًا، وقد يكون من الأفضل أن تقوم بالهجوم، بدلًا من الدفاع.

ورغم جميع هذه التشابهات، هناك اثنان من الاختلافات الواضحة يميزان وقتنا الحاضر عن عصر ما قبل الحرب العالمية الأولى. الاختلاف الأول، هو معرفة إلى أي مدى قد تكون الحرب مدمرة وكارثية.

وقد جاء هذا نتيجة الكوابيس التي عانى منها العالم خلال حربين عالميتين. وثانيًا، في عام 1914، وعلى الرغم من أن حركات السلام كانت نشطة، كان العديد يعتقدون بأن قيام الحرب الكبرى هو أمر لا مفر منه. وحتى أن البعض رحبوا بهذه الحرب، مثل هيلير بيلوك، وهو شاعر بريطاني، قال: “كم أتوق للحرب العظمى! سوف تجتاح أوروبا مثل مكنسة“. أما اليوم في آسيا، فلا أحد يجادل بجدية حول وجود فوائد لاندلاع صراع واسع النطاق. وهذا هو جزئيًا السبب الذي يوفر الكثير من التفاؤل.

ولكن، السلام أيضًا ليس أمرًا حتميًا. وإذا ما كانت المقارنات التاريخية تخدم أي غرض، فهذا الغرض هو التذكير بمدى الهشاشة التي يمكن أن يكون السلام عليها.

إيكونوميست – التقرير

http://goo.gl/AD2Ohf