عد هجمات باريس وبروكسل، من الطبيعي أن يركز قادة العالم وإعلامه اهتمامهم على «داعش»، لكن في ضوء التحالف العسكري بين أقوى الدول، ليس هناك فرصة أمام «داعش» للانتصار عسكرياً على الأقل. لكن ماذا عما هو أخطر: البنية الذهنية لنمط التفكير الذي تمثله «داعش»؟ في اعتقادي أن هذا هو التهديد العالمي الأعظم، عندما يصبح الفكر الداعشي في بعض الدول العظمى له صوت مسموع ومرتفع، وإن بصيغ أخرى! والمثل الواضح في هذا الصدد هو المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب، ليس كفرد ولكن كتجسيد لظاهرة اليمين المتطرف والمتعصب الذي ينتشر الآن في بعض الدول الأوروبية، مثل ماري لوبن في فرنسا، وجيرت ويلدرز في هولندا، ونيجل تاريج في إنجلترا. إنهم قد يختلفون مع ترامب في الأسلوب والسياق الأوروبي، لكن ليس في المضمون، فهم أيضاً يؤججون كل ما في النفس الإنسانية من كراهية، مثل المواطن الألماني الذي يحاكم الآن، والذي يُصر على أن «هؤلاء اللاجئين يمثلون قمة التخلف»! خطورة ترامب ونمط التفكير الذي يمثله أنه لا يتنافس على منصب سياسي في دولة هامشية، بل في أكبر دول العالم، الولايات المتحدة الأميركية التي تتمتع بقوة عسكرية غير مسبوقة وتأثير ثقافي عالمي وتكنولوجيا تضمن لأفكارها غزو العالم.
ورغم أننا نتكلم عن فرد، فإن ما يمثله نمط التفكير هذا في المجتمع الغربي، وكذلك مكانة دولة ترامب وواشنطن كعاصمة عالمية، هو أمر كبير للغاية، حتى وإن لم يفز الرجل بالسباق الرئاسي.
عندما أعلن ترامب ترشيحه رسمياً من مكتبه في البرج الذي يحمل اسمه في نيويورك، في 16 يونيو 2015، كان شعاره «استعادة عظمة أميركا». ومن هنا عنصر الصدمة والإثارة فيما يقوله، والتي تصل في كثير من الأحيان إلى العنصرية الصريحة والكراهية المفرطة، فهو يربط بين المسلمين والإرهاب، ويعد بمنع دخولهم للولايات المتحدة، أما الأميركيون منهم فتجب مراقبتهم! إنهم بذلك سيصبحون مواطنين من الدرجة الثالثة! أما المهاجرون، فغالبيتهم من المجرمين والخارجين على القانون الذين تود الجارة الجنوبية (المكسيك) التخلص منهم وتصديرهم إلى الولايات المتحدة، لذلك على المكسيك أن تحمي أميركا من هذا الوباء ببناء جدار عازل على نفقتها الخاصة، وقد تعهد أن يقوم في اليوم الأول من رئاسته بـ«طردهم وبأقصى سرعة ممكنة».
أما زملاؤه المرشحون، حالياً وسابقاً، فلم يسلموا من إهاناته. مثلاً عندما تكلم المرشح الجمهوري السابق ضد أوباما، جورج ماكين، عن معاناته ووقوعه في الأسر أثناء حرب فيتنام، رد ترامب عليه بأن وقوعه في الأسر ليس من أعمال البطولة، وأنه يجب أن يخجل من نفسه لكونه سجين حرب!
لا يشجع ترامب على الكراهية ضد الآخرين فحسب، بل العنف أيضاً، فهو يصرح بأنه سيقف بجانب حراسه حتى النهاية بعد ضربهم معارضيه أثناء الاجتماعات العامة، وبأن الإعلاميين لا يجب أن يتمتعوا بأية حصانة، بل يمكن القبض عليهم وسجنهم، ويعتقد أنه يستطيع شراء كل شيء بأمواله.
ما لا يعرفه الكثيرون أن ترامب بدأ ديمقراطياً، وقد تبرع لحملة هيلاري كلينتون عندما رشحت نفسها أول مرة للرئاسة في سنة 2012 ثم تنازلت لمصلحة أوباما. كما أنه كان في صف حرية المرأة، حتى في موضوعات مثل الإجهاض الذي يقسم حالياً المجتمع الأميركي، لكنه انقلب على هذه المواقف عندما رأى أن التحالف مع اليمين المتطرف يضمن له السباق، وحسب الإحصائيات فإن أكثر من ثلثي مؤيديه هم من ذوي التعليم القليل بين جماعات البيض المتعصبة.
كما أنه لا يتورع عن الكذب للوصول إلى هدفه، حيث تقول التحليلات الإحصائية إن 76٪ من ادعاءاته وتصريحاته إما كذب وجهل أو خداع وتضليل. وعندما يكون هذا الجهل والتضليل قائمين على الكراهية والعنف، ومتحالفين مع المال لدى رجل أعمال ثري في دولة عظمى، فإن الخطر على العالم يصبح أقوى من «داعش» فعلاً.
د.بهجت قرني
صحيفة الاتحاد