لم تشأ «قوات سورية الديموقراطية» التدخل في معركة الرقة، على رغم الضغوطات الشديدة التي تعرضت لها. فالقوات تنظر إلى المنطقة الحدودية مع تركيا، التي تصل عفرين بكوباني، كمنطقة تكبر أهميتها في المعركة مع «داعش». فهي أيضاً تغلق الحدود التركية معه.
وعلى رغم القدرة العسكرية والجاهزية لدى «القوات»، فإدارة أوباما رفضت دعمها لدخول المنطقة دافعة بها إلى الرقة لما يشكله سقوطها من رمزية: فهي عاصمة «داعش»، كما تساهم في قطع الطريق مع دير الزور. وأوباما العاجز عن الضغط على أردوغان، المعارض لأي تدخل لـ «القوات» في تلك المنطقة والذي يفضل «داعش» عليها، يرى في الرقة قالب حلوى يزين به «إنجازاته» قبل مغادرته منصبه.
لن تكون معركة الرقة سهلة، فهي منذ بدايتها تتعرض لانتقادات المعارضين الإسلاميين، ممَن يفضلون حكم «داعش» على حكم الأكراد، وحتى لو استطاعت «القوات» تحريرها، فالمتوقع أن تلقى انتقادات شديدة واتهامات جاهزة لمجرد أن الأكراد مكوّنها الأبرز، وما يستجره ذلك من حساسيات عرقية تبثها المعارضات الإسلامية.
البعد الشخصي لإصرار الإدارة الأميركية على تحرير الرقة واضح، فأوباما، وهو الآن «بطّة عرجاء»، يعمل على ترك معالم واضحة يذكرها التاريخ، كإغلاق سجن غوانتانامو، وإعادة العلاقات مع كوبا، وصفقة النووي مع إيران، واتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي، واليوم تحرير الرقة. والإنجازات كانت بغالبها ديبلوماسية، لكن سيّد البيت الأبيض يريدها الآن عسكرية في الرقة ولو بدماء الأكراد، هذا عدا بحثه عن انتصار لحزبه المنقسم بين الخط الاشتراكي لساندرز والخط المحافظ لكلينتون. فانتصار الرقة سيكون انتصاراً كبيراً للحزب الديموقراطي، خاصة في ظل استحالة استعادة الموصل في العراق مِن قبل «البيشمركة».
الإدارة الأميركية تستغل حاجة الكرد للحصول على اعتراف سياسي. فهم، وعلى رغم وجودهم في ائتلاف يضم مكونات سورية متعددة، وانفرادهم في تحقيق الانتصارات على «داعش»، وتبنيهم نظاماً تقدمياً منفتحاً لجهة حقوق المرأة وحرية العقيدة، مقصيون عن العملية السياسية في جنيف، وذلك الضغط التركي يخشى الميول الأوجلانية لدى «القوات»، ويفضل عليها التبعية البارزانية للمجلس الوطني الكردي، والتي لا تشكل تهديداً لتركيا.
لا يمكن إنكار التأثر بالعقيدة الأوجلانية عند جزء كبير من «القوات»، فلأوجلان أهمية فكرية كبيرة عند غالبية الأكراد، والفكر الكردي السوري متأثر بالمدارس الليبرتاريانية والكوميونالية التي حمل لواءها العمال الكردستاني، خلافاً للمدرسة الكردية العراقية حيث تتغلب العشائرية على الأفكار. لكن التأثر بالكردستاني لا يعني أن «القوات» ترتبط هرمياً بقيادته في قنديل، وهي بالمناسبة قيادة غير متوافقة على كل القرارات المتعلقة بالصراع المسلح في تركيا. فالتأثر فكري ومناطقي لا يمكن إنكاره بتمنيات أردوغانية.
وعلى قيادة «القوات» السياسية الاستفادة من دخولها هذه المعركة المكلفة، فقواتها أكثر مَن يعمل على الأرض، والأكثر تأهيلاً في سورية لتمثيل وجه تقدمي لا يقوم على جلد النساء وإعدام المجدفين وضرب غير المصلين؛ كما حال مناطق عدة تسيطر عليها المعارضة الإسلامية. وليس أوباما وحده من ينتظر نصر الرقة لتتويجه كانتصار شخصي، بل هناك كثيرون من معارضي الشاشات التلفزيونية، ممن يريدون تحقيق شرعية على الأرض عبر الدفع بـ «القوات» للقتال نيابة عنهم ثم يتباكون لاحقاً لعدم تمثيلهم في المناطق المحررة.
عهد الهندي
صحيفة الحياة اللندنية