استنزاف مستمر: مستقبل دور “حزب الله” في الصراع السوري

استنزاف مستمر: مستقبل دور “حزب الله” في الصراع السوري

4723

يواجه “حزب الله” اللبناني ضغوطًا قوية، داخلية وإقليمية، بسبب مشاركته في الصراع السوري إلى جانب نظام بشار الأسد. لكن هذه الضغوط لا تعود فقط إلى عدم التزامه بسياسة “النأى بالنفس” التي تبنتها لبنان في التعامل مع تطورات الأزمة السورية منذ بدايتها في عام 2011، وإنما تعود أيضًا إلى الخسائر المتصاعدة التي يتعرض لها الحزب بسبب تحوله إلى طرف رئيسي في الصراع السوري، بتنسيق مع إيران ونظام الأسد.

وقد بدت الخسائر جلية في مقتل القيادي البارز في الحزب مصطفى بدر الدين، في 13 مايو 2016، قرب مطار دمشق الدولي، وهو ما يمثل، وفقًا لاتجاهات عديدة، مؤشرًا رئيسيًا على تزايد الأعباء التي تفرضها مشاركة الحزب في الصراع السوري، حيث يُعد بدر الدين من أهم القيادات العسكرية التي شاركت ضمن قوات الحزب في سوريا. ورغم استهداف عددٍ من القيادات العسكرية البارزة للحزب طيلة الفترة الماضية، فإن مقتل الأخير يضع الحزب أمام معركة بقاء في سوريا؛ حيث أفقد الحزب توازنه، ووضعه أمام خيارات صعبة ما بين الاستمرار في المشاركة في الصراع السوري بكل ما يفرضه ذلك من تداعيات وخيمة على الحزب، أو الانسحاب تدريجيًا إلى داخل لبنان، وهو ما سيتوقف على عدد من العوامل التي يأتي في مقدمتها اتساع النطاق الزمني للأزمة السورية، وكذلك الدعم الإيراني الواسع للحزب بعد أن تراجعت شعبيته بدرجة كبيرة بسبب تدخله في الصراع السوري، حيث تمارس إيران، وفقًا لاتجاهات عديدة، ضغوطًَا على الحزب من أجل مواصلة الانخراط في الصراع إلى جانب قوات الأسد.

تأثيرات محتملة:

تفرض الضغوط والتحديات التي يتعرض لها الحزب بسبب مشاركته في الصراع السوري تداعيات عديدة يمكن إجمالها في التالي:

1- استمرار الاستنزاف العسكري والمعنوي للحزب، إذ يتعرض الحزب باستمرار إلى خسائر بشرية كبيرة نتيجة مشاركته في الصراع السوري، حيث يشارك في هذا الصراع منذ عام 2013 تحت ذرائع متباينة من ضمنها حماية الحدود اللبنانية والدفاع عن الأماكن الدينية في سوريا. وقد أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله رسميًّا في عام 2013 أن “الحزب لن يسمح بسقوط نظام الأسد”، وبالطبع، فإن ذلك يؤشر إلى الأهمية الكبيرة التي يوليها الحزب لدور النظام السوري الذي تحول إلى محور التواصل الرئيسي بين إيران والحزب. وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن الحزب فقد حوالي 1000 من عناصره في سوريا خلال الفترة الماضية.

2- تراجع الدور السياسي في الداخل اللبناني، حيث كشفت الانتخابات البلدية التي أجريت في مايو 2016، أن قدرة الحزب على حشد مؤيديه للتصويت لمرشحيه تراجعت في بعض المناطق التي يحظى فيها بشعبية كبيرة، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى اعتبار النتائج التي حققها الحزب متواضعة بالمقارنة بما كان يحدث خلال الانتخابات السابقة رغم القدرات الإعلامية والمالية التي يمتلكها والتي لم تنجح في التعامل مع مشكلة تراجع شعبية الحزب نتيجة مشاركته في الصراع السوري، والتي تسببت في تأجيج حالة عدم الاستقرار داخل لبنان نفسها.

3- تصاعد حدة الضغوط الإقليمية على الحزب، وقد بدا ذلك واضحًا في القرارات التي اتخذتها بعض المنظمات الإقليمية، على غرار جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، بتصنيف الحزب بأنه منظمة إرهابية، نتيجة تدخله في الشئون الداخلية لدول المنطقة وتهديده لأمن ومصالح هذه الدول واتهامه بالحث على العنف وتهريب الأسلحة وتجنيد الإرهابيين وإثارة النعرات الطائفية وتأسيس جماعات إرهابية وغيرها.

4- تراجع قدرات نظام الأسد، خاصة أن “حزب الله” تحول إلى طرف رئيسي في الصراع ضد قوى المعارضة، بما يعني أن تزايد الضغوط والخسائر التي يتعرض لها سوف ينتج تأثيرات سلبية على النظام السوري.

5- تفاقم التوتر والاحتقان الطائفي، لا سيما في ظل استمرار الوجود الإيراني في سوريا الذي يعد ظهيرًا حقيقيًّا لـ”حزب الله”، ولجوء إيران والحزب إلى تبني سياسات طائفية بشكل مستمر في التعامل مع أزمات المنطقة.

6- استمرار أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، والتي تصاعدت منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو 2014، نتيجة اتساع نطاق الخلافات بين القوى السياسية الرئيسية، لا سيما تحالف “14 آذار” الذي يقوده تيار “المستقبل”، وتحالف “8 آذار” الذي يقوده “حزب الله”.

وربما يمكن القول في النهاية إن مستقبل الدور الذي يقوم به “حزب الله” في سوريا سيتوقف على عاملين: يتمثل أولهما، في مصير النظام السوري في السلطة، وهو متغير يحظى بأهمية خاصة بالنسبة لـ”حزب الله”، الذي يدرك أن انهيار هذا النظام أو خروجه من السلطة، وفقًا لأية تسوية محتملة للأزمة السورية، ربما يفرض تداعيات وخيمة على دوره وموقعه، خاصة أن سوريا تمثل محور التواصل الرئيسي بين الحزب وإيران، التي تسعى بدورها إلى تأمين مصالحها داخل سوريا من خلال مواصلة تقديم دعمها المالي والعسكري للنظام السوري.

وينصرف ثانيهما، إلى مدى قدرة “حزب الله” على التماسك وتعزيز دوره السياسي داخليًّا، لا سيما في ظل الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها بسبب مشاركته في الصراع السوري والتي تبدو مرشحة للزيادة، وعدم التزامه بالسياسة التي تبنتها لبنان في التعامل مع تلك الأزمة، والتي سعت من خلالها إلى تحييد التداعيات السلبية العديدة التي فرضتها تلك الأزمة، على المستويات المختلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية، بما يعني أن “حزب الله” ربما يكون مقبلا على استحقاقات استراتيجية لا تبدو هينة سواء في سوريا أو في لبنان.

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية