انخفض سعر برميل النفط في أسواق العالم بنسبة 55% في أقل من سبعة أشهر. وقسّم الانهيار المتسارع دولَ العالم خلال عام 2014 إلى ثلاث فئات: دول منتجة ومطمئنة تتعامل مع الأزمة المستجدة بهدوء وثقة كالسعودية والإمارات، ودول منتجة لكنها قلقة مثل إيران، ترى في هبوط الأسعار إلى أقل من النصف مؤامرة على اقتصاداتها، والفئة الثالثة تضم الدول المستهلكة التي تنعم بالفوائد وتحسب عوائدها مثل الولايات المتحدة والصين.
ورُبطت أسباب الانهيار بضعف الطلب العالمي على هذه السلعة الحيوية، فضلا عن زيادة الإنتاج، بالتزامن مع طفرة النفط الصخري الأميركي. إلا أن ثمة إجماعا على أن أسبابا أخرى تقف وراء الظاهرة الاقتصادية السياسية المركبة، وهناك دول -كإيران- تعتقد أن الهبوط لا يعود إلى اعتبارات اقتصادية، إنما هي سياسية صرفة. التغطية التالية تعرض الأزمة وتداعياتها.
هبوط تدريجي
شهدت أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ يونيو/حزيران 2014 هبوطا مطردا، إذ كان سعر خام برنت في حدود 110 دولارات للبرميل، لكنه انحدر في الأيام الأولى من يناير/كانون الثاني 2015 إلى ما دون خمسين دولارا، ويُعزى هذا الهبوط إلى ما يسمى “أساسيات السوق”، متمثلة في التفاعل بين العرض والطلب، فضلا عن قوة العملة الأميركية (الدولار) وتأثير نشاط المضاربين في الأسواق، لكن بعض المحللين يشكك في هذا الأمر ويربطه بعوامل سياسية، إلا أن أغلب التحليلات تربط بين انحدار سعر الخام ووفرة المعروض في أسواق النفط، لا سيما من خارج الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتحديدا ما يسمى طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وذكر تقرير لصندوق النقد الدولي أن وفرة الإمدادات أسهمت بنسبة 60% من الانخفاض المطرد للأسعار.
“أسهم في التراجع الشديد لأسعار النفط في الأشهر الستة الماضية ضعف النمو في منطقة اليورو وتباطؤه في الصين والبرازيل، وذلك على الرغم من التعافي القوي للاقتصاد الأميركي ”
وأسهم أيضا في التراجع الشديد لأسعار النفط في الأشهر الستة الماضية ضعف النمو في منطقة اليورو وتباطؤه في الصين والبرازيل، وذلك على الرغم من التعافي القوي للاقتصاد الأميركي -أكبر اقتصادات العالم- والذي استفاد بشكل كبير من هبوط سعر الخام الذي قلّص فاتورة الطاقة على المستهلكين الأميركيين، مما دعم إنفاقهم الذي يعد المحرك الأول للاقتصاد الأميركي.ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن قراءة متفحصة لتوقعات منظمة الطاقة الدولية للطلب على الخام بين شهري يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول الماضيين تؤكد أن تراجع الطلب أسهم بنسبة تتراوح بين 20 و35% من تراجع أسعار البترول، ليتضافر هذا العامل مع الزيادة المفاجئة في إنتاج النفط في الفترة نفسها، والتي نتجت أساسا عن التعافي السريع لإنتاج ليبيا النفطي وبلوغ الصادرات النفطية لكل من روسيا والعراق في النصف الثاني من العام الماضي مستويات قياسية، وذلك رغم الاضطرابات التي يعيشها العراق، وتفيد آخر تقارير منظمة الطاقة بأن مخزونات النفط العالمية – لا سيما في أميركا- في أعلى مستوياتها منذ عامين.
موقف السعودية
إلا أن كل التحليلات تجمع على أن العامل الرئيسي الذي دفع أسعار النفط للهبوط بشكل سريع -لا سيما منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014- هو إصرار السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، على عدم تقليص إنتاجها؛ وبالتالي دفع الأسعار للصعود، وهو ما جعل منظمة “أوبك” -التي تمتلك فيها الرياض النفوذ الأكبر- تقرر في آخر الشهر المذكور الإبقاء على سقف إنتاجها المحدد بثلاثين مليون برميل يوميا رغم استمرار هبوط أسعار الخام، ويمثل إنتاج “أوبك” ثلثي الإمدادات العالمية، وقد اعتبر هذا القرار تحولا في سياسة “أوبك” التي كانت تتدخل لإحداث توازن في السوق عند هبوط الأسعار بشدة.
وزير النفط السعودي علي النعيمي سبق أن قال إن بلاده هدفها من تخفيض الأسعار إخراج المنتجين الهامشيين الذين أغرقوا الأسواق بالنفط، واستفادوا من ارتفاع الأسعار. في إشارة إلى النفط الصخري الأميركي، وأشار إلى أن بلاده سوف تظل تنتج حصتها حتى لو وصل سعر النفط إلى عشرين دولاراً، واعتبر الوزير أنه من غير العادل مطالبة “أوبك” بتقليص إنتاجها إذا لم يقم المنتجون خارج المنظمة بالخطوة نفسها، وقد أضاف المنتجون المستقلون حوالي ستة ملايين برميل يوميا إلى المعروض.ومنذ قرار “أوبك” تراجع سعر النفط بأكثر من 32%، وكان هذا القرار محكوماً برغبة الدول الأعضاء المتنفذة فيها -لا سيما السعودية- في مواجهة إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة وكندا، إذ أرادت عبر السماح بالمزيد من الهبوط في الأسعار بالأسواق العالمية جعل منتجي النفط الصخري يتحملون خسائر هبوط الأسعار، لا سيما أن كلفة استخراج النفط الصخري أعلى بكثير من كلفة استخراج النفط التقليدي، فكلفة إنتاج النفط بالسعودية ودول الخليج -ما عدا العراق- تناهز خمسة دولارات للبرميل، في حين تصل في الولايات المتحدة إلى ما بين 70 و85 دولارا.ويرى آخرون أن ما يجري في أسواق النفط يعد “عقابا جماعيا”، إذ اتفق منتجو النفط الكبار في العالم والولايات المتحدة -رغم خسارتها من النفط الصخري- على خفض الأسعار من أجل معاقبة روسيا اقتصادياً والضغط عليها بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية، وكذلك معاقبة إيران التي تم تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وأصبحت لديها قدرة أكبر على بيع نفطها في الخارج.
الغاز الصخري
“ثورة” النفط الصخري
فنيون يستخدمون تقنية ضخ الماء لاستخراج النفط الصخري بولاية تكساس(الأوروبية-أرشيف)
يصف خبراء طاقة أميركيون عمليات استخراج النفط والغاز الصخري في بلادهم، بأنها أهم تطور شهدته صناعة الطاقة منذ استخراج أول دفقة نفط من باطن الأرض قبل نحو 150 عاما. وقد حدث ذلك في بلادهم أيضا، في بلدة تيتوسفيل في ولاية بنسلفانيا عام 1859.
ويقدر تقرير أصدرته وكالة الطاقة الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013 بأن عمليات استخراج النفط والغاز القائمة على تقنية التكسير، ستمكن الولايات المتحدة عام 2017 من تجاوز السعودية وروسيا في إنتاج النفط.
ويرى خبراء أن هذه التطورات- التي لم تكن بوارد أحد قبل خمسة أعوام- من شأنها تحويل الولايات المتحدة الأميركية خلال عقد من الزمان ،إلى مصدّر للطاقة ، وهو ما من شأنه أن يعيد رسم الجغرافيا السياسية للطاقة على مستوى العالم.
وعلق ريتشارد بيرس الاستاذ في جامعة جورج واشنطن على الموضوع في تصريحات للجزيرة قائلا ” نحن نتحدث حاليا عن زيادة سنوية تتراوح بين 15و20% في انتاج الغاز”. وأضاف أن بلاده ” مكتفية بنسبة 100% بالنسبة للغاز الطبيعي، وخلال نصف عقد ستكتفي في مجال النفط ، وفي وقت ليس ببعيد ستنتقل من الاستيراد إلى التصدير”.
وتقول دراسة أعدتها عام 2013 شركة “إرنست أند يونغ” للتدقيق إن خمسين من أكبر شركات الطاقة الأميركية أنفقت 126 بليون دولار منذ عام 2005 في عمليات الحفر وشراء الأراضي.
“يرجع تقرير آخر نشرته مجلة “إيكونومست البريطانية” الشهر الماضي القفزة الأميركية في انتاج النفط الصخري إلى أن الاميركيين أكملوا حفر نحو 20 ألفا من الآبار الجديدة منذ عام 2010″
بمحاذاة السعودية
وأشار تقرير أصدرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية في أبريل/ نيسان من العام 2014 إلى أن انتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري بلغ 8,3 مليون برميل يوميا. وهو أعلى معدل تحققه الولايات المتحدة منذ عام 1988 . وهو يقل عن انتاج السعودية – أكبر منتج للنفط بالعالم- بمليون برميل فقط.
وساعد الانتاج المحلي من النفط – حسب التقرير – على رفع المخزون الأميركي في أواخر أبريل/ نيسان الماضي إلى نحو 400 مليون برميل، وهو أكبر مخزون تحتفظ به الولايات المتحدة في تاريخها.
ويرجع تقرير آخر نشرته مجلة “إيكونومست البريطانية” الشهر الماضي القفزة الأميركية في انتاج النفط الصخري إلى أن الاميركيين أكملوا حفر نحو 20 ألفا من الآبار الجديدة منذ عام 2010. وأدى ذلك حسب الإيكونومست إلى تعزيز الإنتاج الأميركي من النفط بمقدار الثلث” مما ساهم في نقل الانتاج العالمي من النفط ” من نقص إلى فائض”.
وربط تقرير المجلة البريطانية الفائض النفطي الأميركي أيضا، بتباطؤ الاقتصاد العالمي وبقيام أوبك” بإنتاج أكثر مما تتوقعه الأسواق”. كما ربط التراجع في الإسعار التي استقرت على 110 دولارات خلال الأعوام الأربع الماضية برجال النفط في ولايتي نورث داكوتا وتكساس وعملهم” على استخراج النفط من التشكيلات الزيتية في تكساس ونورث داكوتا، التي سبق أن اعتبرت غير قابلة للحياة”.
وأعطى الخبير السعودي فهد بن جمعة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مثلا على انعكاس هذه التطورات على سوق النفط.وقال إن الولايات المتحدة “كانت تستورد من نيجيريا أكثر من 400 ألف برميل نفط يوميا، والآن لا تستورد شيئا. ولبيع نفطها، أصبحت نيجيريا تتوجه كغيرها من دول منظمة الأوبيك إلى الأسواق الآسيوية، لتتنافس بين بعضها البعض على نفس الأسواق.”
السوق والعشرة الكبار
كيف تعمل أسواق النفط؟
يتم يوميا بيع مئات ملايين براميل النفط في الأسواق وفق عقود آجلة (أسوشيتدبرس)
سوق النفط معقدة فيما يخص الأطراف الفاعلة فيها والعوامل المؤثرة على الأسعار، والتي لا تكون كلها ظاهرة للعيان أو قابلة للتفسير، ويتدخل في هذه السوق المنتجون والمشترون والتجار والوسطاء وصناديق التحوط وصناديق التقاعد والمستثمرون الفرادى.
ويتم تصنيف النفط وفق نسبة الكبريت فيه، فإذا كانت قليلة يسمى خاما خفيفا ويكون سعره أعلى من الثقيل، وإذا كانت النسبة مرتفعة يسمى خاما ثقيلا ويباع بثمن أقل لأن كلفة تكريره أعلى، وأشهرها خام برنت الأوروبي القياسي، والخام الأميركي الخفيف، وهما المؤشران المرجعيان لأسعار النفط في العالم.
ويتم يوميا بيع وشراء مئات الملايين من براميل النفط بالأسواق العالمية سواء وفق العقود الآجلة أو بالسوق الفورية، وفي نهاية اليوم يتم الإعلان عن سعر التسوية، وتبيع الدول المصدرة للنفط خاماتها سواء بأسعار تتضمن علاوة (زيادة) أو خصماً (نقصانا) مقارنة بالأسعار المرجعية.
الأسواق والأسعار
“تتحكم في تحديد سعر النفط، معادلة العرض والطلب، وهو عامل رئيسي، فكلما زاد حجم الإمدادات التي تضخ بالأسواق انخفض السعر، والعكس صحيح.وهنالك عوامل أخرى مثل نشاطات المضاربين.”
ويقصد بسوق العقود الآجلة للنفط العقود الورقية التي تتضمن وعدا بالشراء في أجل محدد بسعر ثابت لا يتأثر بتقلبات الأسواق، وأشهر الأسواق التي يتداول فيها بهذه العقود سوقا نيويورك ولندن، في حين يقصد بالسوق الفورية تلك التي يقوم فيها أشخاص ببيع نفط لأطراف أخرى بشكل فوري أو في أجل محدد.
وتتحكم في تحديد سعر النفط، الذي يُعد أهم سلعة إستراتيجية عالمية، معادلة العرض والطلب، وهو عامل رئيسي، فكلما زاد حجم الإمدادات التي تضخ بالأسواق انخفض السعر، والعكس صحيح.
ولكن العرض والطلب ليس العامل الوحيد، فهناك أيضا عوامل أخرى، مثل نشاط المضاربين من أصحاب الأموال الذي تؤثر عمليات البيع التي يقوم بها وفق العقود الآجلة، على أداء أسعار النفط صعودا وهبوطا، كما تؤثر سياسات الحكومات والاضطرابات الجيوسياسية في العالم على الأسعار.
ويحدد سعر برميل النفط المتداول بالأسواق السعر الذي يشتري به أصحاب العربات أنواع المشتقات النفطية من محطات الوقود، ولكن الأمر يخضع أيضا لاعتبارات أخرى منها سياسة الدعم الحكومي -إن وجدت- لأسعار الوقود، وحجم الضرائب المطبقة على هذه الأسعار، وعوامل أخرى.
الدول المتضررة
جردة حساب إيران وروسيا
عاملان روسيان يمران قرب أنبوب للنفط ( غيتي إيمجز)
محمد أفزاز- الدوحة
توقع خبراء اقتصاديون أن يجبر تراجع أسعار النفط بالأسواق العالمية إلى مستويات تاريخية كلا من إيران وروسيا على خفض دعمهما لنظام الأسد، والتفرغ لمواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية، وهو ما قد يدفعهما أيضا إلى تغيير سياستهما في العلاقة مع الغرب. وعبر هؤلاء عن اعتقادهم بأن دول الخليج ستكون مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى تبني رؤية إستراتيجية موحدة لتنويع قاعدة الاقتصاد لمواجهة تقلبات الأسعار بأسواق الخام العالمية.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة القاضي أن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بأكثر من 60% في بضعة أشهر سيؤثر على الناتج القومي الإيراني ليدفعه للهبوط إلى أقل من 325 مليار دولار العام الحالي، وهو ما سيشكل ضغطا هائلا على صانع القرار الإيراني باتجاه كبح جماح المصروفات الكبيرة التي تخصص لدعم النظام السوري.
وأوضح، في تصريح للجزيرة نت، أن إيران خسرت عشر أضعاف ما كسبته من تحرير بعض أرصدتها المجمدة في أوروبا مؤخراً، مشيرا إلى أن استمرار تمسك طهران بالورقة السورية على حساب انفتاحها على العالم سيزيد من الضغوطات على الريال الإيراني الذي فقد فعليا نحو 150% من قيمته أمام الدولار الأميركي في خلال الأربع سنوات الماضية.
مخرج
وقال القاضي إن التأثير الواضح يتمثل في انخفاض دعم الحكومة العراقية للنظام السوري، والتي تمثل ذراعا إيرانية في مساعدة هذا النظام، لافتا إلى أن إيران تسعى حثيثا لدعم المبادرة الروسية والإصرار على إنجاحها كي تجد مخرجا لوقف النزف الدائم لمواردها.
وعلى الجانب الروسي، بين القاضي أن انخفاض أسعار الخام -إلى جانب تداعيات العقوبات الاقتصادية وهروب رؤوس الأموال بشكل واضح- سيشكل ضغطاً كبيراً على صانع القرار الروسي كي يغير من سلوكه السياسي الخارجي خاصة في المسألتين السورية والأوكرانية، مشيرا إلى أن الروبل الروسي فقد نحو 200% من قيمته في خلال أربع سنوات فقط أمام العملة الأميركية.
وعبر عن اعتقاده بأن تخلي روسيا عن الورقة السورية سيكون أسرع لأنها أقل تكلفة سياسية، لما لأوكرانيا من مزايا جيوسياسية وربما ثقافية بالنسبة إليها.
ولم يستبعد القاضي أن يتصاعد الضغط الشعبي في روسيا تحت وطأة التأثيرات الاقتصادية ليجبر الحكومة إما على الاستقالة أو التناغم مع السياسات الدولية في المنطقة.
تكلفة الالتزامات
من جهته، قال الخبير الاقتصادي قاسم محمد قاسم للجزيرة نت إن روسيا وإيران كونهما من أكبر المنتجين للنفط ستتأثران أكثر من غيرهما بانهيار أسعار الخام في الأسواق العالمية بالنظر إلى التداعيات الكبيرة للمقاطعة الاقتصادية التي تحاصر كليهما، في وقت تتزايد فيه تكلفة التزاماتهما السياسية والعسكرية خارج حدودهما.
وتوقع في ضوء ذلك أن يتراجع مستوى دعم طهران وموسكو لنظام الأسد تحت طائلة الضغوط الاقتصادية المحلية وبخاصة ارتفاع معدلات البطالة وتضخم الأسعار.
ورجح أن تتأثر القوة التفاوضية لإيران مع الغرب بشأن ملفها النووي لما قد يمارسه تراجع أسعار النفط إلى جانب العقوبات الاقتصادية من ضغوط على إيراداتها. يُشار إلى أن وزير المالية والاقتصاد الإيراني قال قبل أيام إن بلاده ستخفض سعر النفط الذي تحسب على أساسه ميزانيتها المقبلة إلى أربعين دولارا للبرميل.
ونبه قاسم إلى أن ورقة النفط يمتزج فيها الاقتصادي بالسياسي، خاصة عندما تستخدم تقلبات أسعار الخام بالأسواق العالمية من قبل بعض المنتجين للتأثير على المواقف السياسية للمنتجين الآخرين.
اكد أن دول مجلس التعاون لم تبق في منأى عن هذه التأثيرات، غير أنها مستمرة في تشبتها بموقف منظمة أوبك بعدم خفض سقف الإنتاج للتأثير على المنتجين غير التقليديين، وبخاصة الغاز والنفط الصخريين في أميركا الشمالية.
تنويع الاقتصاد
بدوره، رأى الاقتصادي الإماراتي نجيب عبد الله الشامسي أن انخفاض أسعار النفط بالأسواق العالمية يستلزم التفكير من جانب دول مجلس التعاون الخليجي في تبني رؤية إستراتيجية موحدة لتنويع قاعدة الاقتصاد، والانفكاك على الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية.
ولفت، في تصريح للجزيرة نت، إلى أن الدول المنتجة للنفط بشكل عام عاشت في فترات سابقة أزمات نفطية مماثلة، وعانت موازناتها لسنوات عديدة من العجز دون أن يحملها ذلك على التحرك سوى من جانب تنويع استثماراتها الخارجية، في وقت يراد لهذه الدول أن تظل ذات نزعة استهلاكية فقط.
وعبر الشامسي عن أمله في أن تستثمر الدول المنتجة للنفط بقوة في مجال التعليم، معتبرا إياه المدخل الأساسي لتنويع الاقتصاد و تحقيق التنمية المستدامة.
تباطؤ باقتصادات الخليج
وتيرة القطاع غير النفطي ستتأثر جراء هبوط أسعار النفط(أسوشيتدبرس-أرشيف)
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذّرت مؤسسة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني من أن استمرار انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة سيؤدي على الأرجح إلى تباطؤ اقتصادات دول الخليج ومشاريعها في مجال البنية التحتية؛ إذ تشكل العائدات النفطية في المتوسط 46% من العائدات في دول مجلس التعاون الخليجي الست، في حين تشكل الصادرات النفطية ثلاثة أرباع الصادرات.
واعتبرت “ستاندرد آند بورز” البحرين وسلطنة عمان الأكثر عرضة لمخاطر انخفاض أسعار النفط، في حين أن الإمارات وقطر هما الأقل عرضة.
وفي ظل توقعات باستمرار انخفاض أسعار النفط في المدى المنظور -بل إن وزير النفط السعودي علي النعيمي توقع ألا يشهد العالم سعر مائة دولار للبرميل مجددا- تشير بعض تقارير المؤسسات المالية الدولية إلى أن حكومات دول مجلس التعاون قد تعمد إلى تسريع خطواتها لتخفيض الدعم لأسعار الطاقة، لكن ذلك قد يضر الصناعات المعتمدة على النفط مثل البتروكيماويات، وحسب البنك الدولي فإن دول الخليج تدعم أسعار الطاقة سنويا بـ160 مليار دولار.
ومن أبرز تجليات تأثير الهبوط الشديد لأسعار النفط على دول الخليج تراجع إيراداتها النفطية وانعكاسات ذلك على موازناتها، وبالتالي حجم الإنفاق العام وإن بشكل متفاوت، إذ إن هذه الدول وضعت موازناتها بناء على سعر للبترول أعلى بقليل أو كثير من السعر الذي وصل إليه الخام في يناير/كانون الثاني 2015، وهو خمسون دولارا.
الموازنة والقروض
وحسب تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول الوضع الاقتصادي للمنطقة، فقد وضعت السعودية والإمارات موازنتيهما لعام 2014 على أساس 97 دولارا، والكويت على أساس 54 دولارا، وقطر على أساس 54 دولارا، والبحرين على أساس 132 دولارا، وسلطنة عمان على أساس 99 دولارا.
ومن المرتقب أن يحدّ استمرار هبوط أسعار النفط من نمو القروض الممنوحة في منطقة الخليج، ويقلص وتيرة نمو القطاع غير النفطي في دول المنطقة، إلا إذا ضخت الحكومات سيولة في السوق عبر برامج الإنفاق العام، حسب ما خلص إليه بنك “بي إن بي باريبا” الفرنسي، وكان حجم القروض الممنوحة للقطاع الخاص الخليجي قد زاد بنسبة 10% بين عامي 2011 و2013.
أسواق المال الخليجية -من جهتها- تأثرت بشكل مباشر بالتراجع الكبير لأسعار الخام، وعرفت عمليات بيع وصفت بالمذعورة – لا سيما بيع أسهم الشركات المرتبطة بالنفط- في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2014، وواصلت اتجاهها نزولا في بداية عام 2015، وقدرت خسائر البورصات الخليجية جراء هبوط أسعار النفط بأكثر من 150 مليار دولار منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2014، وهي خسائر لم تسجلها هذه البورصات منذ خمس سنوات.
ويُعزى سبب تأثر البورصات الخليجية بهبوط أو صعود النفط إلى عاملين رئيسيين: وهو ارتباط القطاع الخاص في دول الخليج بالإنفاق الحكومي، والذي يرتبط هو الآخر بإيرادات النفط، والعامل الثاني هو ثقل شركات قطاع النفط في المؤشر العام لهذه البورصات، إذ إن تراجع أرباح الأخيرة جراء هبوط أسعار النفط يجد صداه بسرعة في أداء مؤشر الأسهم.
الجلبي “يبرئ” الحكومات
الجلبي: لا أسياب سياسية وراء انخفاض أسعار النفط(الجزيرة)
تامر الصمادي- عمان
استبعد وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي أن يكون السبب وراء خفض أسعار النفط قرارا سياسيا للضغط على روسيا وإيران.وقال الجلبي -في حوار مع الجزيرة نت عبر الهاتف- إنه “لا توجد أي أسباب سياسية وراء خفض أسعار النفط، وأن ثمة أسبابا عديدة غير ذلك، في مقدمتها مقدار العرض والطلب”.
وأضاف أن “صلاحيات رفع أو خفض الأسعار ليست من اختصاص الدول أو أي منظمة سياسية، وإنما هي من اختصاص الشركات”.
وعن مدى استخدام النفط تاريخيا كسلاح سياسي، قال “استخدم النفط سلاحا سياسيا للمرة الأولى كان عام 1973، إذ خفضت دول “الأوابك” الإنتاج بنسبة 5% ولفترة لم تتجاوز بضعة أشهر، وكان الهدف معاقبة أميركا وهولندا على دعمهما الكيان الصهيوني، لكن هذا المشهد لم يتكرر بعد الارتفاع المتزايد في أسعار النفط وازدياد المناطق المنتجة”.
“عصام الجلبي: دول الخليج لن تكون متضررة عندما يباع برميل النفط بأربعين دولارا، لأن كلفة الإنتاج لديها لا تتجاوز خمسة أو أربعة دولارات، لكن دول النفط الصخري سوف تتضرر كثيرا عندما يباع البرميل بالسعر المذكور، وعندما يباع بـ35 دولارا ستكون الخسارة أكبر بالنسبة لها”.”
واستطرد “عام 73 كانت دول “أوبك” المجهز الرئيسي للبترول، لكن الأمر اختلف كثيرا عندما أصبحت هناك دول مجهزة من خارج دول المنظمة. وعلى سبيل المثال أصبح هناك مُنتج بريطاني وآخر نرويجي، فضلا عن مُنتجين على غاية الأهمية، لا سيما في غرب أفريقيا وأميركا اللاتينية، وهذه عوامل مهمة قللت من استخدام النفط كسلاح سياسي”.
وتابع “في داخل “أوبك” حاليا لا توجد أنظمة سياسية متقاربة من ناحية الموقف والقرار السياسي. فعلى مدى سنوات حضرت اجتماعات كثيرة للمنظمة، ولم أشعر أنها خضعت يوما لمناقشات سياسية، ربما يكون لكل دولة موقف تستهدف من ورائه بعدا سياسيا، لكن دولة واحدة بمفردها لا تقوى على صنع القرار”.
وعن الأسباب الرئيسية وراء الخفض “الجنوني” لأسعار النفط، والتفسيرات الاقتصادية لذلك، رأى الجلبي -المقيم في العاصمة الأردنية- أن “هناك عشرات الأسباب المؤدية للخفض، مثل المناخ والاحتياطي والعوامل الفنية والإضرابات والأعاصير، لكن السبب الرئيسي هذه المرة تمثل في ميزان العرض والطلب”.
وقال إن “هبوط النمو الاقتصادي أثّر كثيرا على مستويات الطلب، وكان يفترض إيجاد خطوات استباقية للتعامل مع هذا الهبوط، لكن أحدا لم يتوقع في المطلق أن تنحدر الأسعار خلال ستة أشهر فقط بحدود 60%”.
وزاد “الهبوط الذي جرى لم يكن في الحسبان، والكثير من المحللين توقعوا هبوطا محدودا لا يتجاوز سبعين أو ثمانين دولارا”.
وأضاف “تحدّث البعض عن نقطة التوازن، وهي كلفة إنتاج النفط الصخري، لكنه لا توجد نقطة توازن واحدة، فلكل شركة نقطة توازن خاصة. وباعتقادي، فإن كل حقل أو مكمن لأي شركة من الشركات المنتجة بأميركا أو كندا له كلفة إنتاج مختلفة، وقسم كبير من هذه الشركات استرجع الكلف الاستثمارية الخاصة به، وأصبح يبحث عن الكلف التشغيلية فقط، وكلف الإنتاج ليست بالدرجة المرتفعة التي كان يتصورها البعض، ربما أربعون أو 35 دولارا تفي حاليا بالغرض. وفي المحصلة لا بد أن يصل سعر البرميل لمستوى متدنٍ يتوقف عنده، ثم يعاود الارتفاع من جديد”.لكنه أردف أنه “لا أحد يعرف ما المستوى المتدني الذي سيتبعه الارتفاع من جديد”.
وقال شارحا “هناك تخمينات لا تستند إلى معلومات. أنا شخصيا أرى أننا اقتربنا من الوصول للمعدلات التي تعتقد الشركات أنها لا تستطيع عندها الاستمرار في المضاربة، لا سيما الشركات المنتجة للنفط الصخري”.
النفط الصخري
وتابع “دول الخليج مثلا لن تكون متضررة عندما يباع برميل النفط بأربعين دولارا، لأن كلفة الإنتاج لديها لا تتجاوز خمسة أو أربعة دولارات، لكن دول النفط الصخري سوف تتضرر كثيرا عندما يباع البرميل بالسعر المذكور، وعندما يباع بـ35 دولارا ستكون الخسارة أكبر بالنسبة لها”.
“الجلبي : عودة الأسعار للتوازن “ليست بيد الدول المنتجة داخل “أوبك”، وإنما بيد الدول المنتجة للنفط البديل (النفط الصخري)”، وعندما ترى هذه الأخيرة أن الكلفة أكثر من الأسعار المتحققة، “فإنها ستبدأ بالتوقف عن الإنتاج، وبالتالي يقل الفائض من العرض، وترجع الأمور لسابق عهدها”.”
وقال “المضاربة من أهم العوامل الرئيسية المؤدية إلى خفض الأسعار، أما العامل الجيوسياسي فقد تراجع كثيرا رغم الأحداث الملتهبة التي تعيشها المنطقة”.
وأضاف “الاحتياطيات الإستراتيجية والتجارية للدول الصناعية لم تؤثر كثيرا على خفض الأسعار، لأنها لم تشهد ازديادا ملحوظا، فاحتياطي الولايات المتحدة مثلا لا يزيد على ثلاثين يوما فقط”.
وعن موقف السعودية من خفض الأسعار، قال الجلبي إن “للمملكة العربية السعودية احتياطيات هائلة، وبالتالي فهي تستطيع مقاومة هبوط الأسعار، والمؤكد أنها لا تريد الدفاع عن سعر البرميل ولا تريد أن تخسر حصتها من الإنتاج لحساب آخرين”.لكنه رأى أيضا أن المملكة “مضطرة لإنتاج النفط من أجل استهلاك الغاز”.
أضرار محدودة
ولم يستبعد الجلبي أن يسبب خفض الأسعار اضطرابات في بلدان مثل روسيا وفنزويلا وإيران، وقال “ستكون هناك تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الروسي، لا سيما مع فقدان الروبل قيمته، وإيران أيضا ستتضرر لأن هامشا كبيرا من ميزانيتها يعتمد على النفط، وفنزويلا ستتضرر من حيث الاقتصاد ومعدلات النمو، لكن الضرر الناجم لن يهزّ هذه الدول”.
وخلص الجلبي إلى أن عودة الأسعار للتوازن “ليست بيد الدول المنتجة داخل “أوبك”، وإنما بيد الدول المنتجة للنفط البديل (النفط الصخري)”، وعندما ترى هذه الأخيرة أن الكلفة أكثر من الأسعار المتحققة، “فإنها ستبدأ بالتوقف عن الإنتاج، وبالتالي يقل الفائض من العرض، وترجع الأمور لسابق عهدها”.
وقال إن “سعر الغاز مرتبط بسعر النفط، وإن دولا مثل قطر ستكون متأثرة حتما، لكنه لا أحدا يعرف مقدار التأثر، فأسعار الغاز تظل غير معلنة”.
واعتبر الجلبي أن بلده العراق أبرز المتأثرين من خفض أسعار النفط، وقال “العراق الآن يعاني وضعا حرجا للغاية، فميزانيته هبطت بشكل كبير جدا، والسلطة القائمة تعاني ديونا ونفقات كبيرة، لكنها لا تعترف بذلك”.
وأضاف “قبل الحديث عن الخطوات الواجب اتباعها من قبل الحكومة العراقية، يجب إيجاد حلول لمكافحة الفساد، فهو العنصر الرئيسي الذي يعاني منه العراق، وهو يستهلك الميزانية والإيرادات في بلد لا ينتج سوى مليونين ونصف المليون برميل يوميا”.
مستفيدون
الصين أسعدها” الانخفاض“
أسعار الوقود في المحطات الصينية انخفت عشر مرات خلال عام(الفرنسية-أرشيف)
عزت شحرور-بكين
شكّل الانخفاض الحاد في أسعار النفط فرصة ذهبية بالنسبة للصين، فقد سجلت وارداتها من النفط الخام خلال عام 2014 أرقاما قياسية وصلت إلى 308 ملايين طن بقيمة 226 مليار دولار، وبزيادة وصلت نسبتها إلى نحو 10% عن عام 2013، وفق إحصاءات جديدة أصدرتها الهيئة الصينية العامة للجمارك.
وأعلن المكتب الوطني الصيني للإحصاء عن إنجاز المرحلة الأولى من مشروع صيني طموح لزيادة حجم احتياطياتها الإستراتيجية من النفط ودخوله حيز التنفيذ، حيث سجلت سعة التخزين أكثر من 16 مليون متر مكعب مع بلوغ احتياطيات النفط الفعلية نحو 13 مليون طن متري (أي ما يقارب 17 يومًا من الواردات الصافية، وفق متوسط واردات البلاد السنوية).
وكانت الصين بدأت مشروعها لبناء مواقع لتخزين الاحتياطي الإستراتيجي منذ عام 2003 في إطار خطة شاملة لحماية أمن الطاقة. وأعلنت لجنة الدولة للتنمية والإصلاح الشهر الماضي أنها انتهت من إعداد خطط المرحلة الثانية من المشروع، لكنها لم تحدد المواقع التي تم اختيارها لتنفيذه، ومن المقرر أن تبدأ مرحلته الثالثة بحلول عام 2020.
وتعهد الرئيس الصيني خلال قمة العشرين في بريزبين بأستراليا بأن بلاده ستعتمد الشفافية، وتقوم بنشر المعلومات المتعلقة باحتياطيها الإستراتيجي من الطاقة بشكل تدريجي. ويذكر أن الصين كانت تحجم عن ذلك، وتعتبره أحد أسرار الدولة.
ويهدف المشروع إلى جعل الاحتياطي الإستراتيجي يكفي الصين لمدة تسعين يوما، وهي الفترة التي تعتمدها العديد من الدول المتقدمة كحد أدنى. ويرى مراقبون أن أمن الطاقة لدى الصين -وبالنظر إلى حجم استهلاكها الكبير- فإنها قد تحتاج إلى مخزون احتياطي إستراتيجي يصل إلى 120 يوما. ويذكر أن الاحتياطي الإستراتيجي الحالي للصين لا يتجاوز ستين يوما، وفق تقديرات حديثة.
“كانت الصين قد حلّت محل الولايات المتحدة عام 2013 كأكبر مستورد للنفط في العالم، حيث استوردت نحو 282 مليون طن من النفط الخام، بقيمة 220 مليار دولار، شكلت حوالي 60% من احتياجاتها.”
المخزون الاستراتيجي
ويرى دونغ شيو تشانغ الأستاذ في جامعة النفط الصينية أنه عند انتهاء الصين من مشروعها فإن ذلك سيساعد في الحفاظ على استقرار أسعار وأسواق النفط العالمية.
وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن انخفاض أسعار النفط العالمية قد يؤدي إلى تسريع جهود الصين في بناء مخزونها الإستراتيجي، لكنه لن يؤدي إلى تغييرات جذرية على السياسات النفطية للصين، باعتبار أن عقود استيراد النفط الكبيرة قد تم توقيعها في وقت سابق بأسعار محددة سلفا، كالاتفاقية التي وقعت مع روسيا للثلاثين عاما القادمة، أو الاتفاقيات الموقعة مع إيران.
وكانت الصين قد حلّت محل الولايات المتحدة عام 2013 كأكبر مستورد للنفط في العالم، حيث استوردت نحو 282 مليون طن من النفط الخام، بقيمة 220 مليار دولار، شكلت حوالي 60% من احتياجاتها، وتتوقع منظمة الطاقة العالمية أن تصبح الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم عام 2030.
وجاء انخفاض أسعار النفط في الوقت الذي شهد فيه الاقتصاد الصيني تراجعا في سرعة نموه، وظهرت معه الكثير من التداعيات، سواء على الصعيد المحلي في سوق العقارات وقطاعات أخرى أو على صعيد الصادرات الخارجية للمنتجات الصينية.
“أقدمت السلطات الصينية على تخفيض أسعار التجزئة للوقود للمرة العاشرة خلال عام، ووفق الآليات المستخدمة لضبط الأسعار في السوق المحلي الصيني ”
وتشير معادلة العرض والطلب الحالية إلى أن الأشهر القريبة المنظورة على الأقل لن تشهد عودة إلى الأسعار السابقة. ووفق هذه المؤشرات فإن الصين ستكون قد وفرت نحو 17 مليار دولار خلال عام 2014 نتيجة انخفاض أسعار النفط، وإذا استمر اتجاه انخفاض الأسعار حتى نهاية العام الحالي، فإن التقديرات تشير إلى أن الصين سوف توفر نحو ثلاثين مليار دولار.
العوائد
ويقدّر خبراء أن كل انخفاض بنسبة 10% في أسعار النفط يؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة تقارب 0.15 نقطة مئوية، وإلى انخفاض التضخم الاستهلاكي بما يقرب من 0.25 نقطة مئوية، كما أنه يحسن ميزان الحساب الجاري بنسبة 0.2% من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي.
وأقدمت السلطات الصينية على تخفيض أسعار التجزئة للوقود للمرة العاشرة خلال عام، ووفق الآليات المستخدمة لضبط الأسعار في السوق المحلي الصيني فإن تغيّر الأسعار في السوق الدولي بما يزيد على ثمانية دولارات خلال فترة عشرة أيام صعوداً أو هبوطاً فإن ذلك يتطلب إجراء تعديلات على أسعار التجزئة في السوق المحلي.
وانعكس انخفاض أسعار البترول على الاقتصاد الصيني الذي يعاني من تراجع حاد في سرعة نموه، كما انعكس على الكثير من الصناعات الأخرى، لكن الأهم بالنسبة للصين هو تأثيره على أسعار المنتجات الغذائية بسبب النسب المرتفعة لاستهلاك مثل هذه المنتجات في أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان، كما أدى أيضا إلى تحريك القطاع الاستهلاكي، خاصة بعد أن أقدم بنك الصين المركزي على تخفيض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عامين، كما ارتفعت أسهم شركات الطيران في سوق الأوراق النقدية بنسب كبيرة.
فوائد بالجملة في تركيا
انخفاض أسعار البترول بتركيا أنعش الخزينة وانعكس على قطاع التصدير(الأوروبية-أرشيف)
خليل مبروك-إسطنبول
جنى الاقتصاد التركي الكثير من الفوائد من الانخفاض المتواصل في أسعار النفط بالسوق العالمية منذ يونيو/حزيران الماضي، رغم تأثر مؤشراته بكثير من العوامل التي حدت من تحقيقه طفرة نمو كانت شبه مؤكدة مع نهاية العام 2014.
ووفقا للمعطيات الرسمية، فإن كل انخفاض بأسعار النفط بمقدار عشرة دولارات للبرميل الواحد يخفض عجز الحساب الجاري بمقدار 4.4 مليارات دولار، ويقلص حجم التضخم بنسبة 0.5% ويرفع النمو بنسبة 0.3%.
وكان سعر البرميل الواحد من نفط برنت قد انخفض من 115.7 دولارا للبرميل في يونيو/حزيران الماضي إلى 45 دولارا مع حلول العام 2015.
وتسعى الحكومة للحفاظ على هامش متزن يستوعب تغيرات أسعار النفط في السوق خلال العام الجاري، حيث رصدت في موازنتها مبلغا يقارب 102 دولار لكل برميل رغم أن سعره الحالي 45 دولارا.
بالجملة
“يعود الطلب المتزايد على النفط إلى النمو الكبير في حجم الإنتاج الذي أنعش السوق التركية، وظهرت آثاره في قطاعات الصناعة والتصدير بشكل مباشر، ما انعكس إيجابا على الخزينة العامة للبلاد.”
وفي حالة بقي سعر النفط على ما هو عليه الآن في السوق، فإن هذه الموازنة ستسمح للخزينة العامة بتحقيق فائض يخفض عجز الحساب الجاري بمقدار 25 مليار دولار خلال هذا العام.
ويعود الطلب المتزايد على النفط إلى النمو الكبير في حجم الإنتاج الذي أنعش السوق التركية، وظهرت آثاره في قطاعات الصناعة والتصدير بشكل مباشر، ما انعكس إيجابا على الخزينة العامة للبلاد.
فقد حققت الصادرات نموا قياسيا بلغت نسبته 4%، مستفيدة من حافز انخفاض أسعار الطاقة التشغيلية، ليصل الدخل الإجمالي من الصادرات خلال العام الذي شهد انخفاض أسعار النفط إلى 157.6 مليار دولار.
وأسهم هذا الانتعاش بتوفير مليون ومائتي ألف فرصة عمل جديدة، وأنعش الخزينة مما شجع الحكومة على وضع قرار رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 12.3% موضع التنفيذ.
وسيرتفع الحد الأدنى للأجور في النصف الأول من العام الحالي إلى 410 دولارات، وفي النصف الثاني إلى 432 دولارا، بعدما كان يبلغ 388 دولارا مع نهاية العام 2014.
عوائق السوق
وكان يمكن للانخفاض الكبير في أسعار النفط أن يحقق الطفرة المأمولة في النمو الاقتصادي التركي لو لم يصاحبه انخفاض قياسي في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والتي بلغت أدنى مستوياتها بقرابة 2.4 ليرة للدولار الواحد أواسط ديسمبر/كانون الأول الماضي.
“اضطر البنك المركزي إلى توفير الأموال اللازمة لمشتريات الطاقة الحكومية بالعملة الأجنبية بشكل مباشر من الخزينة لمواجهة الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، الأمر الذي أثر سلبا على احتياطات النقد الأجنبي في الخزينة العامة.”
واضطر البنك المركزي إلى توفير الأموال اللازمة لمشتريات الطاقة الحكومية بالعملة الأجنبية بشكل مباشر من الخزينة لمواجهة الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، الأمر الذي أثر سلبا على احتياطات النقد الأجنبي في الخزينة العامة.
أما نسبة النمو، فوقفت رغم الانتعاش الكبير في الميزان التجاري عند حد 3% مع نهاية العام الماضي، وهو ما وصفه بعض المسؤولين الأتراك بالمخيب للآمال نظرا للتوقعات التي سادت خلال العام بإمكانية تجاوزه نسبة 5%..
وتنسجم نسبة النمو المسجلة مع توقعات البنك الدولي التي انخفضت مع نهاية العام 2014 من 3.5% إلى 3.1%، وهو الأمر الذي رده مسؤولون أتراك إلى تراجع الحالة الاقتصادية في دول الشراكات التجارية، وإلى الأحوال السياسية غير المستقرة في دول الجوار.
وأشارت التوقعات الأكثر تشاؤما إلى أن الانتعاش الاقتصادي التركي سيتأثر سلبا بالانكماش المتوقع في القدرة الشرائية للدول التي تستورد احتياجاتها من تركيا، وتدفع مقابلها من عائدات تصدير الطاقة مثل روسيا والعراق.
ويدفع هذا التوقع إلى الاعتقاد أن تركيا ستواجه جراء ذلك ارتفاعا في عجزها التجاري، رغم تصنيف البنك الدولي لها كواحدة من أكثر الدول استفادة من انخفاض أسعار النفط في خفض نسب التضخم والعجز الجاري والضغوطات المالية الخارجية.
وسجل التضخم عام 2014 نسبة 8.2% منخفضا بنحو 0.6% عن توقعات البنك المركزي، لكن النسبة ما زالت أعلى من المدرجة على الخطة الحكومية والتي تبلغ 5.3% كمحطة مهمة لتحقيق رؤيتها الإستراتيجية المعروفة باسم “تركيا 2023”.
قراءات بالأزمة
نقلا عن الجزيرة
http://goo.gl/ibNxz6