شنت القاذفات الاستراتيجية الروسية المنطلقة من إيران غارات على مواقع الثوار في سورية يوم الأربعاء، في يوم ثانٍ من الهجمات التي من شأنها أن تضاعف قوة النيران الروسية في الشرق الأوسط، وتؤشر على تعاون عسكري غير مسبوق بين الجمهورية الإسلامية وقوة أجنبية.
ويقول الكرملين إن قاذفات Tu-22M3 هاجمت أهدافاً لما يدعى “داعش” وفصائل أخرى في سورية ممن تعارض الرئيس بشار الأسد؛ حليف موسكو وطهران.
ويخدم التعاون الأوثق استهداف خصوم الأسد -وبعضهم تدعمهم الولايات المتحدة- بينما يرسل رسالة حادة إلى الولايات المتحدة في وقت وصول القتال من أجل مدينة حلب المقسومة إلى نقطة حرجة بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية غير الحاسمة التي لم تصل إلى نهاية.
قرار إيران السماح علناً بتواجد قوات أجنبية على ترابها لأول مرة منذ الثورة الإسلامية في العام 1979 -وأول روس يتواجدون هناك منذ الحرب العالمية الثانية- هو شهادة على رغبة إيران في تحقيق مكاسب استراتيجية، وضمان أن لا تكون الكلفة العالية لتورطها في الحرب السورية، بما في ذلك خسارة أكثر من 500 عنصر من قوات الحرس الثوري وعدد من الجنرالات، بلا طائل.
بالنسبة للجانب الروسي، فإن قرار موسكو استخدام قاعدة الشهيد نوزه الجوية في غرب إيران يؤكد تقديرها أن تعزيز نشاطها العسكري المعلن منذ عام تقريباً -الذي بدأ بشكل درامي عندما انطلقت الغارات الجوية الروسية من بلدة اللاذقية السورية الساحلية- يمكن أن يساعد في ترجيح كفة المعركة لصالح الأسد.
وربما يكون من المهم بالمقدار نفسه ملاحظة أن ذلك يشكل خطوة بارزة تسمح لكل من روسيا وإيران بتخفيف عزلتهما الدولية المفروضة عليهما من الغرب والولايات المتحدة، بينما تقومان بتوسيع نفوذهما الإقليمي من خلال استخدام القوة الصلبة.
يقول بافل فيلغينهاور، كاتب عمود شؤون الدفاع في صحيفة نوفايا غازيتا في موسكو: “هذا يعني أن الإبقاء على الأسد في السلطة هو أمر مهم جداً لإيران، وللمتشددين الإيرانيين أيضاً بما أنهم يسمحون لجيش ‘كافر’ بالتواجد على أرضهم المقدسة”.
ويشير السيد فيلغنهاور إلى اتفاق سابق بين الولايات المتحدة وروسيا على السعي إلى حل تفاوضي في سورية، ويضيف: “يبدو الهدف الاستراتيجي الإيراني-الروسي في سورية متقارباً أكثر بكثير من الهدف الروسي-الأميركي هناك. تفاجأت قليلاً بأن وزارة الدفاع الروسية (اعترفت) بسرعة بأننا متواجدون في إيران… يميل الجيش الروسي إلى أن يكون عمله سرياً، ولذلك كان إعلام العالم بأن روسيا وإيران تعملان عسكرياً معاً قراراً سياسياً”.
منذ تشرين الثاني (الماضي)، كان على القاذفات الاستراتيجية الروسية أن تطير من قاعدة جوية سوفياتية قديمة في موزدوك في جنوب روسيا. وليست مسافة 650 ميلاً من موزدوك إلى حلب أقصر بكثير من القاعدة الإيرانية الغربية بالقرب من همدان. لكن الطائرات الروسية يجب أن تحاذي تركيا، كما أن الأهداف في شرق سورية -وكذلك في أماكن أخرى في العراق، في حال اختارت روسيا أخيراً الانقضاض على “داعش” هناك- هي أقرب كثيراً إلى إيران.
بذلك، يتيح الطيران انطلاقاً من إيران للطائرات الروسية إمكانية نقل حمولات كاملة تعادل 24 طناً مترياً -أكثر من الحد الأقصى الممكن في حال استخدام الطريق الأطول من روسيا، كما يلاحظ السيد فيلغنهاور.
ويضيف فيلغنهاور: “وهذا شيء مهم بطبيعة الحال، لأنه بما أن هناك قصفاً شاملاً وكثيفاً في سورية، فإنك كلما حملت قنابل أكثر، ازدادت مساحة الأرض التي يمكن أن تغطيها بالقصف. وفي الوقت الراهن، في هذه النقطة الحاسمة في المعركة من أجل حلب، من المهم جداً أن تزيد روسيا جذرياً قدرات حمل القنابل لإلقائها على المعارضة السورية”.
ويقول مسؤول إيراني رفيع إن الترتيب الجديد يظل مقصوراً على سورية فقط، لكنه أمر “استراتيجي” أيضاً ويقدم “تحذيراً للدول الداعمة للإرهابيين” -في إشارة مبطنة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يريدون أن يشهدوا سقوط الأسد من السلطة.
في حين عمل التعاون بين إيران وروسيا مسبقاً على جعل الحياة “صعبة جداً بالنسبة للإرهابيين”، فإن التوسع الجديد “سوف يستمر حتى يتم القضاء عليهم نهائياً”، كما قال علي شمخاني، رئيس مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران يوم الثلاثاء الماضي.
وأشار كبير المشرعين الإيرانيين علاء الدين بروجردي يوم الأربعاء الماضي إلى أن الطائرات الروسية تعيد التزود بالوقود فقط في القاعدة الإيرانية، وأنه “بشكل عام، ليس هناك تمركز للقوات الروسية” في إيران.
من جهتها، وصفت واشنطن هذه الخطوة بأنها “مؤسفة”، وقالت إنها “تدفعنا أكثر بعيداً” عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلد وعن العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، والتي تضم روسيا. وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، نُقل عن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، قوله إن الولايات المتحدة وروسيا هما في “مرحلة نشطة جداً” من المحادثات حول ارتفاع وتيرة القتال في حلب، ومن أجل “البدء في القتال معاً من أجل تحقيق السلام”.
وفي المقابل، يقول المسؤولون الأميركيون فقط إنهم على “اتصال وثيق” مع الروس بينما يدفعون إلى حل متفاوض عليه للحرب التي دمرت سورية، وحصدت أرواح أكثر من 400.000 شخص، وخلفت نحو 5 ملايين لاجئ. وقد ساعدت الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد “داعش” في سورية والعراق في تقليص أراضي الخلافة المعلنة ذاتياً بنسبة 30 في المائة، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية.
ولكن، وبينما ضربت الغارات الجوية الروسية جهاديي “داعش”، فإن غارات أكثر منها بكثير ضربت منذ السنة الماضية القوات المناهضة للأسد، والمدعومة علناً أو سراً من الولايات المتحدة وحلفائها، كما يقول المسؤولون الأميركيون. وقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بانسحاب روسي في آذار (مارس) الماضي، وتم عرض صور القوات وهي تعود إلى الوطن. لكن القليل من التباطؤ في العمليات حدث منذ ذلك الحين، ويوم الثلاثاء الماضي، قال وزير الدفاع الروسي إن القوات الروسية “قضت على” خمسة مستودعات للأسلحة في اليوم الأول من الضربات الجوية الجديدة.
قضية حساسة
يشكل الوجود العسكري الروسي قضية بالغة الحساسية في إيران؛ حيث عارضت الإيديولوجية الثورية الإيرانية منذ العام 1979 كلاً من النفوذ الأميركي والسوفياتي خلال فترة الحرب الباردة، وهي ترفض التدخل الأجنبي بشكل قاطع، في الخطاب على الأقل.
يوم الأربعاء الماضي، ذكَّر علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، المشرعين بأنه “ممنوع” بحكم الدستور إقامة قاعدة عسكرية أجنبية في البلد، وأن إيران لم “تمنح القاعدة لروسيا من الناحية العسكرية”.
يجيء هذا التعاون الإيراني-الروسي كنتيجة لـ”أزمة الإرهاب التي خلقتها بعضُ الدول المدمِّرة في المنطقة وأميركا، ولذلك نرى أن روسيا وجدت العلاج الصحيح للمنطقة”، كما يقول لاريجاني. ويتهم كبار المسؤولين الإيرانيين الولايات المتحدة غالباً بخلق ودعم “داعش” والجهاديين الآخرين الذين يقاتلون الأسد، ويزعمون أن ذلك جاء في إطار سعيها إلى تقويض محور المقاومة الذي تقوده إيران ضد النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.
في واقع الأمر، يبدو أن التعاون الإيراني-الروسي سيكون مؤقتاً، والذي يحدده إدراك متبادل للتهديد الذي يشكله “داعش”، و”ليس تحالفاً ضد فريق ثالث (مثل) الولايات المتحدة، أو السعودية أو تركيا”، كما يقول كايهان بارزغار، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في طهران.
ويضيف السيد بارزغار: “صحيح أن أخذ زمام المبادرة في محاربة وتدمير ‘داعش’ في سورية والعراق ستكون له تداعيات جيوسياسية أوسع بالنسبة للدول المتنافسة، لكن موسكو وطهران لم تريدا أبداً استبعاد الجهات الفاعلة الأخرى من المشهد السوري. إن تعاونهما العسكري يهدف فقط إلى تسريع الحل السياسي وليس إلى كسب الحرب بطريقة محصلتها صفر. ولذلك، على واشنطن وشركائها إذا كانوا مصممين على هزيمة ‘داعش‘ أن لا يقلقوا من تداعيات استراتيجية محتملة طويلة المدى (للدولتين)”.
صعود وهبوط
تنوعت طبيعة العلاقات بين روسيا وإيران؛ حيث كانت عملية وبراغماتية في أغلب الأحيان، وإنما نزوية في بعضها، اعتماداً على الأجندات الأوسع، مع إبقاء عين على الولايات المتحدة. وقد بنت روسيا مرفق إيران النووي الوحيد في بوشهر، لكنها أنهته متأخرة سنوات ومع نزاعات متكررة حول الدفعات المالية، والتي بدا في بعض الأحيان أنها تظهر فقط عندما تحاول روسيا التقرب من الولايات المتحدة.
في التسعينيات، أحجمت إيران عن دعم الثوار الإسلاميين الشيشان في قتالهم ضد موسكو، حتى بينما دعمت ميليشيات مشابهة في أماكن أخرى. ومع ذلك، صوتت روسيا بشكل متكرر إلى جانب الولايات المتحدة لصالح فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران بسبب برنامجها النووي.
وفي وقت سابق هذا العام -عندما بدأ تخفيف العقوبات على برنامج إيران النووي كجزء من توافق حزيران (يونيو) 2015 مع القوى العالمية- وافقت روسيا على بيع إيران نظامها المضاد للصواريخ من طراز (أس-300)، من بين الكثير من مبيعات الأسلحة الأخرى. وتقول وسائل الإعلام الإيرانية إن أجزاء “كبيرة” من نظام (أس-300)، التي يفترض أن تدافع عن المواقع النووية الإيرانية، قد تم تسليمها فعلياً.
ولكن، وفي حين قلل كلا الطرفين من شأن أي طموحات إقليمية أكبر لهما في المنطقة، يرى آخرون أن هناك استراتيجية أوسع إطاراً قد العمل.
يقول السيد فيلغنهاور: “يمكن أن يكون هناك المزيد، وهناك إمكانية لتوسيع الحملة الجوية الروسية لتشمل العراق. الأمر لا يتعلق بسورية في حد ذاتها. لا شك أن سورية مهمة، لكن هناك ما هو أكثر: إن روسيا تريد أن تبسط نفوذها على كامل المنطقة، وأن تكون لها قواعد في كل مكان، وأن تدفع بالأميركيين إلى الخارج وتصبح القوة المهيمنة في المنطقة”.
سكوت بيترسون
صحيفة الغد