عندما عاد الخميني إلى إيران عام 1979، على متن الخطوط الجوية الفرنسية إلى طهران محاطا بحماية جوية وأرضية غربية، بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، توهم المتابعون داخل إيران وخارجها أن رجل الدين الإيراني، الذي عاش في المنفى قرابة 14 عاما، زاهد حقا في الحكم، وانطلى على داعميه من الأميركيين والفرنسيين ادعاؤه أن”المرشد الديني لا يرغب بالحكم” وأن أقصى ما يطمح إليه الخميني هو أن يكون المرشد الروحي للثورة الإيرانية.
وفعلا لم يحكم الخميني إيران بالطريقة التقليدية للحكم، أي لم يكن رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل كان أكبر من ذلك. لقد نجح الخميني في أن يكون المرشد الأعلى للدولة الإيرانية، يتحكم فيها حيا وميّتا. وتبين بعد بضع سنوات أن لا فرق بين الشاه والخميني إلا في تسمية الحكم وأن هناك تشابها كبيرا على مستوى السياسات الكبرى للدولة الفارسية بل إن الخميني كان عازما على تحقيق ما فشل فيه آخر حكام آل بهلوي، وهو إعادة التمدد الفارسي في المنطقة.
وأطلق الخميني على هذا المشروع فكرة تصدير الثورة. وظل الإيرانيون يعملون في صمت على تطبيق مبدأ تصدير الثورة، مختبئين خلف ضوضاء البرنامج النووي وشعارات الموت لإسرائيل وأميركا؛ وأنشأوا في الأثناء الجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية، ثم وبعد أن استقوى النظام، مستفيدا من السيطرة على الداخل والمداخيل المتأتية من تدفق أموال الخمس، دخل مرحلة مد الأذرع العسكرية في الخارج عبر إنشاء حزب الله، ودعم حركة حماس.
جاءت الفرصة المناسبة لرفع راية الثورة الخمينية مع التغييرات التي طرأت على المنطقة بعد اندلاع ثورة الربيع العربي، وبالتحديد بعد تحول الأزمة في سوريا من انتفاضة شعبية سلمية مطالبة بالإصلاح ثم تغيير النظام إلى صراع مسلح، دخل فيه النظام الإيراني بكل ثقله ضمن سياسة تبدو في ظاهرها داعمة لنظام بشار الأسد، لكنها في باطنها تطمح لاستكمال مشروع التمدد الذي بدأ بشكل جزئي مع حزب الله في لبنان، ثم حقق خطوات كبيرة وتاريخية إثر الاحتلال الأميركي للعراق في سنة 2003، والذي أعقبه تدخل النظام الايراني بشكل مباشر في هذا البلد الذي خاض ضده الخمينيون حربا دامية.
ولبلوغ النظام الايراني مشروعه التوسعي في البيئة العربية عبر إحدى بواباته العربية وهي البوابة السورية إذ تم إيفاد اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني ومدير شبكة المقاتلين الإيرانيين بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لاستخدام وسائل مبتكرة لدعم الجيش السوري في معركته ضد المعارضة والجماعات المسلحة. وقد بدأ قاسم سليماني بتشكيل خلايا مقاتلة شبيهة في “حزب الله”، اعتمد على مرتزقة من غير الفرس من الأفغان الموجودين في إيران، وباكستانيين بذريعة الدفاع عن المراقد المقدسة حيث برز اسم لواء “فاطميون” أواخر عام 2012، بعد أن ازدادت خسائر النظام السوري وتضاعفت أماكن المعارك مع الثوار. ويضم اللواء عناصر من الشيعة من قومية الهزارة القريبة من الفرس بأفغانستان، وتم تدريبهم وتسليحهم من قبل فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيراني للتدخل في المنطقة.ويقوم النظام الايراني بتجنيد اللاجئين الأفغان المتواجدين على أراضيها عبر إغراءات مالية ومنح إقامات لهم ولأسرهم، مستغلة بذلك فقرهم وظروفهم المعيشية الصعبة لتزج بهم في معارك سوريا لحماية نظام بشار الأسد. وكان المقاتلين الأفغان يتوزعون في البداية على ميليشيات عراقية مثل “لواء أبي الفضل العباس”، أو يقاتلون ضمن صفوف عناصر الحرس الثوري الايراني، وخاضوا المعارك في جبهات دمشق وريفها مساندة لقوات النظام، ولكنهم فيما بعد شكلوا ميليشياتهم الخاصة مثل لواء” فاطميون و لواء “خدام العقيلة” وهما ينتسبان لما يسمى “حزب الله أفغانستان”.وينتشر هولاء المقاتلون الأفغان في معظم المناطق السورية، لكن سجل لهم تواجد أوسع في بعض الجبهات خاصة جبهات ريف دمشق “الغوطة الشرقية – القلمون”، وريف حلب “حندارات”.
وأنشأ الحرس الثوري الإيراني على نحو مماثل لواء الزينبيين ويضم شيعة باكستانيين يقاتلون في سوريا، والمعروف شعبيا باسم حزب الله باكستان، ويحمل الزينبيون شعارا مشابها لشعار حزب الله اللبناني وتدويناتهم على فيسبوك توجه التحية للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. وتمثل هجرة المقاتلين الشيعة من باكستان ظاهرة جديدة تفسر بأنها نتيجة عدة عوامل أهمها شعور عام لدى الشيعة بالتهديد خاصة من قبل تنظيم داعش، الذي يركز على استهداف الشيعة في عدة دول من بينها باكستان. ومن بين هذه العوامل السعي الإيراني لحشد المقاتلين من باكستان وأفغانستان للقتال في سوريا من خلال إقناعهم بأن سقوط نظام الأسد سيمثل كارثة للشيعة حول العالم، والتركيز على وجود المراقد الشيعية في سوريا والعراق من أجل كسب تأييد أتباع الطائفة.
من جهته، يؤكد الصحفي المختص في شؤون الجماعات المسلحة نظر الإسلام محمد أن العامل المذهبي والدافع العقائدي ليس هو المحرك الرئيسي للمقاتلين الشيعة الذين يذهبون إلى سوريا، وإنما العنصر المادي. ويضيف أن سكان منطقة كورام الشيعية يعانون من الفقر والافتقار لخدمات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية منذ عقود، مما يجعل الشباب يبحثون بالدرجة الأولى عن المال وهو ما يحصلون عليه على شكل مكافآت من النظام الايراني ونظام بشار الأسد. ويقول إن هذه المكافآت تمكن الشباب من تأمين عيش كريم لأسرهم في باكستان في وقت يعتقدون فيه أنهم يشاركون في جهاد مقدس من أجل مستقبل الشيعة حول العالم.ويضيف نظر الإسلام أن إعلان تنظيم الدولة عن تأسيس فروع له في باكستان وأفغانستان يجعل الشيعة في هذا البلد يعتقدون بأن معركة الأسد في سوريا هي أهم المعارك بين الشيعة والسنة.ويلفت إلى أن الشيعة في باكستان يشعرون أن تنظيم الدولة إذا ما تفوق على الأسد فإن نفوذه سيقوى في باكستان وأفغانستان في المستقبل “ولذلك عليهم المشاركة في حماية النظام السوري بكل طريقة ممكنة”.
وفي اليمن، لم يكن صعود جماعة الحوثي في اليمن وتصدرها للمشهد السياسي وتشكيلها لقوة عسكرية ومحاولتها السيطرة على البلاد عقب الثورة اليمنية، بعيدا عن ولاء الحركة لطهران وتدعيم النظام الإيراني لها، بغية زرع الصراع الطائفي في منطقة الخليج ومحاولة تشييعه. ويدعم هذا ما يقوله بعض المسؤولين في طهران من أن الحوثيين نسخة من حزب الله في لبنان، ما يؤكد مشروع تصدير ثورة ولاية الفقيه في محيطها الإقليمي. لم يعد خافيا الدعم الذي تقدّمه إيران لجماعة أنصار الله “الحوثيين” في اليمن، والذي لم يقتصر على التأييد السياسي والإعلامي فقط، بل امتد إلى الدعم العسكري وتسليح وتدريب مُقاتلي الجماعة، وهذا ما مكّنهم من السيّطرة على العاصمة صنعاء واجتياح المحافظات اليمنية الواحدة تلو الأخرى، وتنفيذ انقلابهم على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي بنجاح.
وقد بدأ التغلغّل الإيراني في اليمن عبر دعم جماعة الحوثي في عام 2004، حين بدأ الحوثيون نزاعا مسلّحا مع الحكومة المركزية في صنعاء بهدف إسقاطها، وهذا ما دفع صنعاء لتوجيه أصابع الاتهام إلى طهران خاصةً بعد ضبط عدد من السفن الإيرانية مُحمّلة بأسلحة مُرسلة إلى الحوثيين. وفي عام 2012، تمكّنت السُلطات اليمنية من اعتقال خلايا تجسُّس لصالح إيران، ووصل الصراع إلى ذروته في 2013، عندما قامت البحرية اليمنية باعتراض سفينة إيرانية تحمل أسلحة ومتجهة للحوثيين، ومع اندلاع الثورة اليمنية وسقوط نظام علي عبدالله صالح وتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، وجدت جماعة الحوثي فرصتها للسيّطرة على العاصمة صنعاء وبسط نفوذها على اليمن، وساعدها في ذلك الوضع الإقليمي المتداخل والتقارُب الإيراني الأميركي الذي أعطاها الضوء الأخضر للتحرُّك والسيّطرة على اليمن.
يظهر دعم طهران الواضح لتحرّكات الحوثيين في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، حيث قال علي شيرازي ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في فيلق القدس التابع للحرس الثوري إن “جماعة الحوثي في اليمن هي نسخة مُشابهة من حزب الله في لبنان، وستدخل هذه المجموعة الساحة لمواجهة أعداء الإسلام”، كما وصفهم مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي بأن “هذه الحركة جزء من الحركات الناجحة للصحوة الإسلامية” مُعلنا بشكل واضح أن إيران تدعم الحوثيين في اليمن.
ويرى مراقبون، أن الحوثيين هم صنيعة إيران في اليمن، وقد قدّموا لهم الدعم المالي والعسكري والسياسي، من أجل أن تكون تلك الجماعة ذراعا لطهران في الخاصرة الجنوبية للخليج تستخدمها لزعزعة استقراره، وخلق بؤر للتوتر الدائم والصراع، في حين يشير آخرون، إلى أن الدعم الإيراني لجماعة الحوثي ساعدها على الوصول السريع إلى السلطة والسيّطرة على العاصمة صنعاء، وبسط سطوتها على اليمن؛ حيث يقول حسن أبوطالب الخبير في الشؤون اليمنية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن الحوثيين هم أداة إيران في اليمن، وهي المحرّك الرئيسي لهم وتوجّههم، بما يحقّق مصالحها في الخليج.
وتابع: جماعة الحوثي صنيعة إيران، ولولا الدعم الذي تقدّمه طهران لها ما كانت استطاعت السيّطرة على العاصمة، وبسط نفوذها في اليمن بهذا الشكل، ويشير إلى أن دعم إيران للحوثيين يأتي في إطار رغبة طهران في وضع قواعد جديدة للسياسة في الشرق الأوسط، ومساومة القوى العظمى بشأن ملفات عِدة، بأن تضع يدها على باب المندب، وتدق الأبواب الخلفية لدول الخليج ومصر، لافتا إلى أن إيران استغلت حالة الانفلات الأمني وضعف الدولة اليمنية عقب الإطاحة بنظام علي عبدالله صالح لتنفيذ مخططها، من خلال صعود جماعة الحوثي إلى سدة الحكم في اليمن.
وأضاف أبوطالب: أن الدعم الإيراني لجماعة الحوثي له أشكال مُختلفة، منها الدعم السياسي الإقليمي والدولي باستخدام طهران لقوتها للضغط على دول الخليج والمجتمع الدولي لتقبل تحرُّكات الحوثيين في اليمن، ودعم ديني بحشد وتجنيد الشباب في صفوف الجماعة من مُنطلق مذهبي، هذا بجانب الدعم العسكري الذي تقدّمه إيران بتدريب وتسليح مقاتلي الجماعة، وتابع: إيران استغلت حاجة واشنطن إليها في حربها ضد التنظيمات الجهادية، لتهيئة المناخ الدولي لسيطرة الجماعة الشيعية على اليمن مقابل مواجهة تنظيم الدولة والقاعدة في الجزيرة العربية.
من جانبه يوضح محمد محسن أبوالنور الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، أن دعم إيران لجماعة الحوثي له أبعاد متعدّدة، تتمثّل في الصراع المذهبي بين السُنة والشيعة في المنطقة، بالإضافة إلى الحرب الباردة بين السعودية ودول الخليج من جهة وإيران من جهة أخرى، فضلا عن سعي إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة، ويضيف: إيران دائما ما تسعى لزعزعة استقرار الخليج بتحريك أذرعها الشيعية الموجودة هناك بهدف تهديد أمن دول الخليج، وخلق حالة دائمة من الاضطرابات تستنزف قُدرات دول المنطقة، مؤكدا أن الحوثيين أصبحوا من الأذرع الرئيسية التي تعتمد عليها إيران لخلق بؤر للصراع والتوتر في الخليج، وتابع: نجاح الحوثيين في إحكام قبضتهم على اليمن وبسط سيطرتهم على كامل البلاد، سيشجّع الأقليات الشيعية الموجودة في السعودية والبحرين والإمارات لأن تحذو حذوهم، ويخرجون ضد الأنظمة الحاكمة، وهو ما يحقّق هدف إيران الاستراتيجي في تشييع الخليج وضمه إلى منطقة نفوذه.
ويشير سعد عبدالمجيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة عين شمس، إلى أن الدعم الإيراني يقدّم إلى جميع الحركات الشيعية في المنطقة، سواء حزب الله في لبنان أو الميليشيات الشيعية في العراق، أو تقديم الدعم السياسي والعسكري لنظام بشار الأسد، وتأييدها لتحرّكات الشيعة في البحرين، هذا إلى جانب تسليح جماعة الحوثي ودعمها للسيطرة على اليمن لكي تكون ذراعها العسكرية على حدود السعودية، وهذه هي الحقيقة غير المعلنة أن إيران هي المحرّك الرئيسي للحركات الشيعية في المنطقة، موضحا أن دعم إيران للحوثيين بدأ منذ أكثر من عشر سنوات، وقد استطاعت القوات البحرية اليمنية توقيف عدة سفن إيرانية تحمل سلاح لمقاتلي الحوثي، وهو ما يعتبر دليل إدانة على تدخُّل إيران في الشأن اليمني، هذا إضافة إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين، والتي أعلنت بوضوح دعم إيران لجماعة الحوثي، ووصفتها بأنها تحارب أعداء الإسلام، ويوضح عبدالمجيد، أن تدخُّل إيران في شؤون الدول العربية أصبح مُقلقا، ويحتاج موقفا عربيا موحّدا، في ضوء استراتيجية مُتكاملة إعلاميا وسياسيا ودينيا وعسكريا، لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد.
وفي العراق، يشكل النظام الايراني فاعلا رئيسيًّا في تفاعلات الساحة العراقية، وعلى مختلف الأصعدة؛ إذ يمارس دورًا مؤثرًا في العراق، ورمى بثقله للمحافظة على هذا الدور وتعزيزه باستمرار، لإدراكه أهمية العراق الاستراتيجية، وكونه إحدى البوابات الرئيسة للدخول إلى البيئة العربية، ومن خلاله يتحقق التواصل الملائم لإيران مع حلفائها في باقي دول المنطقة. هذا الدور ذو الأبعاد السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والعقائدية، ما كان ليصل إلى ما هو عليه لولا الأزمات التي مر بها العراق؛ إذ أُتيحت الفرصة الأولى للنظام الايراني لبسط نفوذه على العراق بعد الاحتلال الأمريكي في مرحلة ما بعد 9 نيسان/ إبريل 2003. وجاءت الفرصة الثانية في ظل الأزمة الأمنية التي شهدها العراق منذ مطلع عام 2014، وتفجرت في 10حزيران/يونيو من العام ذاته بعد استيلاء تنظيم”داعش” على عدد من المحافظات العراقية. فقد مر الدور الإيراني بمرحلة جديدة حينما أخذ شكلا أمنيًّا حاسمًا في الحرب ضده من خلال وجود ضباط وخبراء وقوات إيرانية بشكل مباشر في الساحة العراقية، وكذلك عن طريق بيع الأسلحة والمعدات العسكرية وتقديم المعلومات الاستخبارية للقوات العراقية. وتعيين قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قبل عدة أيام، مستشاراً عسكرياً للحكومة العراقية. وتشكيل هيئة الحشد الشعبي لمحارية تنظيم داعش والذي ينتظره دوراً مستقلبياً في عراق ما بعد داعش. وسياسياً رفض العراق عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن وتحفظه على القرار الصادر عن جامعة الدول العربية في آذار/مارس من العام الحالي، باعتبار حزب الله اللبناني حزبا إرهابياً. هذا الدور ، تنامى واستفحل نتيجة التغيرات في موازين القوى الداخلية العراقية، وكذا الإقليمية والدولية في بيئة الشرق الأوسط. ناهيك عن محاولات النظام الايراني المستمرة في زعزعة أمن استقرار دول الخليج العربي من خلال خلاياه الارهابية النائمة.
ولكي ينجح النظام الايراني مشروعه التوسعي أنشأ في سبيل ذلك المراكز التي تبث آراء وثقافة «المشروع الإيراني»، وتوزع الكتب والمجلات من أجل الترويج له وتمكين مبادئه، وتوسيع أركانه ونفوذه وشراء كثير من الذمم في المنطقة العربية لتحقيق ذلك. إن ما يصبو إليه المشروع الإيراني في أكثر من قطر عربي هو التفتيت الطائفي والاجتماعي، والاستحواذ على بعض الفعاليات والمشاركات الاقتصادية بالمشاركة مع بعض مواطني الدول العربية كما يحدث في بعض دول الخليج العربي. وهذا المشروع سيسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إشغال المجتمعات العربية عن القضية الرئيسة وهي القضية الفلسطينية وعن مواجهة المشروع الصهيوني العالمي والانشغال بالتنازع الداخلي. وهذا ما أشار إليه كثير من الكتاب والسياسيين وبعض المفكرين من أن النظام الايراني بمشروعه هذا يقع في خانة «العداوة»، لأنه مشروع مُعادٍ للأمة العربية. إن المشروع الإيراني ونزعته التوسعية الجغرافية في بعض الدول العربية كالعراق وسورية واليمن كأمثلة حية ماثلة للعيان لهذا المشروع والذي يهدف للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ودولها وشعوبها ومواردها وثرواتها وإخضاع الأكثرية فيها ودعم الأقليات فيها وذلك لمحاولة فرض هيمنتها وسلطتها (حلم إعادة الإمبراطورية الفارسية) وربط مسارها ومستقبلها واستقرارها بهذا المشروع ونجاحه وبسط سلطته، من خلال جعل المنطقة تعيش في حالٍ من الفوضى والقلق والصراعات، من خلال تنفيذ خطه فارسية استخباراتية طويلة الأمد لبث الغوغائية بالدول العربية واستغلال الفكر الشيعي، وهو ما يتماشى مع المشروع الغربي لعمل الفوضى الخلاقة بالدول العربية.
ويحمل محللون سياسيين جزءا هاما من مسؤولية تمدد المشروع الإيراني أن النظام الإيراني رسم نفوذه في المنطقة عبر استخدامه لكافة الأزمات التي تعاني منها شعوب ودول المنطقة ومنها الورقة الطائفية من خلال حالة الانقسام العامودي بين المكونات الطائفية في المنطقة منذ سنة 2003. وإن توظيف النظام الايراني للمسألة الشيعية ساعدها في “تهديد استقرار المنطقة نتيجة لأخطاء عربية في التعامل مع الشيعة العرب خصوصا عندما بدأت الأزمة في العراق؛ وقد تمكن النظام الايراني في ظل غياب سياسة احتواء عربية شاملة لكل مكونات المجتمع من فرض سيطرتها على الشيعة وحولتهم إلى أغلبية حاكمة في البلاد منعت قيام دولة مركزية قوية حتى لو كان على رأسها شيعي”. والتعامل مع النظام الايراني قضية قومية لم تفهمها بعض الدول العربية، محذّرون من أن النظام الايراني “سيصل يوما ما إلى عمق البيئة العربية عسكريا وليس فكريا فقط كما وصلت اليوم إلى أقصى المغرب العربي، ما لم يتم التعامل مع تدخلاتها من منطلق مصلحة قومية مشتركة“. ويؤكدون ضرورة تنسيق المواقف العربية لمواجهة التدخلات الإيرانية، ودول عربية مثل مصر والأردن يجب أن تلعب دورا في الدعم السياسي والعسكري؛ وقد بدأت السعودية، بعدما تبين لها الموقف الأميركي والروسي الداعم النظام الايراني، تحقق تقدما في هذه الحرب، خصوصا في اليمن. ويعتقدون أن على الرياض أن تركز جهدها على ثلاثة جوانب رئيسية في مواجهة إيران:
* حسم الملف اليمني بالطريقة التي تضمن عدم قدرة إيران على معاودة التدخل بالشأن اليمني.
* دعم حركات الاحتجاج داخل إيران ضد نظام الولي الفقيه ولفت انتباه المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية إلى ما يتعرض إليه الشعب الإيراني من قمع شريطة عدم التعدي على القانون الدولي كما تفعل إيران.
* التركيز على كشف تورط النظام الايراني في الإرهاب الطائفي بالمنطقة والعمل على تجريم ميليشياتها المنتشرة في سوريا والعراق دوليا.
ويدعم محللون سياسيون وأمنيون هذا التوجه موضحين أن “هناك حاليا صراع فصائل نضالية، والحرس الثوري الايراني في كردستان إيرن والأحواز وبلوشستان، ومساعدة هؤلاء الفصائل في جميع الجوانب تؤثر على مسار المشروع الإيراني في الخارج”.
ويرون أن هناك صراعا إيرانيا سعوديا (واجهة للدول العربية) يتطور يوما بعد يوم، مشيرا إلى أن الدول العربية تعتمد على نظريات اللبرالية في سياستها الخارجية، بعكس النظام الإيراني الذي يتبنى سياسة خارجية قائمة على التدخل في شؤون دول المنطقة من خلال طوائف مذهبية وعرقية من أجل تأمين الأمن الداخلي الإيراني. وإفشال المشروع الإيراني في المنطقة يتم من خلال محاربته بنفس أسلحته، وذلك بمساعدة الشعوب المضطهدة في الداخل ماديا وعسكريا وسياسيا، وهي الحجة التي بنى عليها النظام الإيراني مبدأ تصدير الثورة.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية