تعود حكاية تشييد السد إلى عام 1950 عندما قرر مجلس الإعمار العراقي تأسيسه على نهر دجلة في موقع يبعد نحو أربعين كيلومترا شمالي الموصل.
ولكن التقلبات السياسية التي عاشها العراق، وكثرة الدراسات الفنية التي أجريت على الأماكن المقترحة لبناء السد أخرت إنشاءه إلى عام 1984.
والسد مهدد حاليا بالانهيار لما لحقه من اهمال منذ عام 2003، والذي ازداد وتفاقم ووصل حافة الخطر منذ ايلول 2014 اذ سيطر تنظيم داعش عليه، والذي حررته قوات البيشمركة وباسناد قوات التحالف، غير ان داعش سرق معدات السد مما ادى الى توقف عمليات حقن الشقوق وزاد الامر سوءا.
وسد الموصل هو أكبر سد عراقي ورابع أكبر سد بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يبلغ طوله 3,4 كلم، وارتفاعه 113 مترا، ويبلغ حجم كمية المياه المخزنة فيه نحو 12 مليار متر مكعب، تخصص للشرب وري الأراضي الفلاحية.
ويؤمن السد نحو 1500 ميغا واط من الطاقة الكهربائية، ولكنه وفق مصادر أميركية ، فإن معدل قدرة السد على توليد الكهرباء انخفضت حاليا لتصل إلى 750 ميغاوات تكفي لسد حاجات حوالي 675 ألف منزل.
ويعاني السد عدة مشاكل تعود جذورها إلى أخطاء في تأسيسه، إذ انه بالرغم من أن عدة شركات استشارية اكدت عدم صلاحية موقعه، فإنه بني في النهاية عليها وهي أرضية غير صالحة، مما جعله في خطر مستمر إن لم يتعهد بالمعالجة بانتظام.
فالأرض في تلك البقعة تتكون من صخور كلسية تتعرض للذوبان بفعل الضغط وتخزين المياه مما يؤدي إلى ظهور التصدعات والرشح، وتشكيل فراغات على شكل حجرات أسفل جسم السد تؤدي إلى هبوط الطبقات التي تعلوها.
وبحسب دراسة أعدتها جامعة “لولي” التكنلوجية السويدية، فان أساسات السد ضعيفة أصلا، نظرا لمكوناتها الملحية التي تتآكل جراء التقائها بالمياه، التي تسمح لها بالنفوذ، متسببة بتداعي السد والتهديد بانهياره، الذي يسرع به الإهمال والمعارك المستمرة حوله منذ عام 2003.
اوضح الخبير 28/1/2016 بهندسة الموارد المائية في جامعة لوليا السويدية نظير الأنصاري ان السد أنشئ في 1984 وعند ملئه بالماء عام 1986 بدأت المشاكل تظهر بسبب أخطاء تصميمية باستخدام النماذج في حركة المياه الجوفية ، وتم ابلاغ مجلس السدود العالمي بهذا الخطر.
والخريطة ادناه تبين المناطق المتوقع غرقها
واكد ان المخاطر من الناحية الفنية والعلمية مازالت قائمة لوجود تشققات بالسد رغم عمليات الحقن بالإسمنت، إذ تم حقن 95 الف طن اسمنت في الشقوق .
وبين الانصاري ان الحلول المتعامل بها لحماية السد منذ 1986 -2014 ومنها عمليات الحقن ، تشبه عملية ترميم الستار، مشيرا الى ان الستار نفسه بدا بالانهيار، ومازال النضح مستمرا، مما يعني ان الحقن اصبح بلا جدوى.
وقال ان مجلس الخبراء العالمي الذي عقد 34 اجتماعا بخصوص السد من سنة 1968 ولحد2016 ، اكد ان جميع الحلول المعمول بها هي حلول غير جذرية ، وهناك حلول تقنية وضعها المجلس يمكن تنفيذها اذا توفرت لها التخصيصات المالية، التي لم توفرها الحكومة بسبب انخفاض أسعار النفط والمشاكل السياسية مع وكردستان العراق، مما ينعكس سلبا على معالجة مشكلة السد .
وكشفت دراسة اجراها خبراء عراقيون عن وجود بالوعات(تشققات كبيرة) عمقها 15 مترا، وأن مياه السد تضغط على الشقوق وتسرع إذابة الصخور الكلسية، وهناك فتحات كبيرة على جانبي السد الايمن والايسر، ويوجد تشقق كبير امام السد طولها 500 متر، ودعوا إلى حقن تجاويف السد بحوالي مئتي طن سنويا من مادة الإسمنت والبنتونايت لضمان استمرار مقاومته لضغط المياه.
وجاء التحذير من انهيار السد من الجانب الأمريكي ايضا وبالأخص من الرئيس باراك اوباما من الخطر حيث وضعوا مجسات على جسم السد ونشروا تقارير كثيرة حول انهياره، معتبرينه الاخطر في تاريخ العراق الحديث .
وحذر رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني ايضا من ان انهيار سد الموصل عادا ذلك كارثة على الموصل وعلى عموم العراق.
وعرضت تركيا في فبراير/شباط 2016 على العراق المساهمة بإصلاح الأضرار في سد الموصل، حيث ذكر بيان لسفير أنقرة لدى بغداد فاروق قيماقجي أن بلاده عرضت على الحكومة العراقية تقديم المساعدة والدعم عبر الشركات التركية المتخصصة لمعالجة وضع السد، بالتنسيق مع الجهات المعنية بذلك.
واكد رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية عدنان السراج ان الحكومة العراقية لديها خطة طوارئ لمواجهة انهيار السد، متوقعا عواقب كارثية للانهيار حسبما نقل عن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
وقال ان دراسة روسية معمقة أجريت قبيل بناء السد أقرت بشكل قطعي عدم صلاحية المكان لبناء سد عملاق بالحجم المطلوب بسبب نوعية الأرض التي جرى تحليلها، وأثبتت أنها تتعرض للذوبان نتيجة الضغط العالي من المياه، غير أن شركتين فرنسية وسويسرية قدمتا دراسات للحكومة آنذاك اعتبرتا فيها المنطقة صالحة لبناء السد بعد إجراء تعديلات بسيطة على أرضيتها وعلاجها بمواد خاصة، واضعة نسبة فشل تقارب 15%، على خلاف التقرير الروسي الذي تجاوزت نسبة الفشل 93%.
واثبتت التقارير الروسية صحتها بعد أشهر قليلة من بداية الشروع في تشغيل السد بعدما حدثت تشققات وانجرافات في التربة أسفل قاعدته، مما اضطر الشركتان المنفذتان لعلاج ذلك عبر عملية الحقن الإسمنتي التي تجري تقريبا منذ عام 1986.
وقال السراج إن الحكومة واصلت عملية التحشية، لكن “احتلال داعش للسد عطّل هذه العملية، مشيرا إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية نهب معه كل المعدات الخاصة بالسد.
واضاف السراج ان سد الموصل الذي بني على تربة ذات مكونات هشة تتميز بضعف مقاومتها للماء، مهدد بالانهيار إن لم يعزز بالمواد الرئيسة التي تقوي هيكله، مؤكدا ان الحكومة العراقية وضعت خططا احترازية لمواجهة انهياره، وتقوم بعمليات الحقن والوضع مسيطر عليه ، باشراف خبراء سويديين على عمليات المعالجة.
وقال ان الحكومة تعمل على انقاذ السد بتوفير الحلول السريعة، والمبالغ المالية لتنفيذ تلك الحلول، فقد رصدت 50 مليون دولار اميركي للاجراءات الطارئة، وحصلت على قرض من صندوق النقد الدولي، وباشرت بالتعاقد مع شركات فرنسة وايطالية لذلك، ووعدت اميركا ايضا بالمساعدة، لافتا الى ان خطة الطوارئ مهيأة تنتظر مؤشرات الخطورة التي يعطيها الامريكان، وقيام لجنة الدفاع المدني/ لجنة مخاطر الفيضانات بالتأهب، لا خلاء السكان من المناطق المنخفضة باتجاه المرتفعة.
وطمأن السراج السكان، بانه تم تركيب أجهزة إنذار عالية ومتابعة دقيقة للسد، تسجل مؤشراته يوميا وتقدمها لمجلس خبراء متابع لهذا الشأن، كما أن مهندسين من الجيش الأميركي يتابعون المستجدات أولا بأول.
وأضاف السراج ان الحل العلاجي الذي اتخذ منذ تشييد السد هو التحشية بالمواد الإسمنتية، وهذا ليس حلا جذريا، لان الدراسات الحديثة تثبت وجود كبريتات بنسبة عالية ستؤثر على مقاومة السد.
ويقول سياسيون عراقيون ان الأميركيين يهولون موضوع انهيار السد للتغطية على عملية كبرى ستجري في الموصل، مؤكدين أن الواقع الفني للسد حقيقة وأن الحكومات العراقية لم توقف تعاملها مع هذه المشكلة منذ نشوئها.
واشاروا الى ان السفارة الأميركية في العراق طالبت 2016، الحكومة العراقية بتفريغ السد من المياه، مؤكدة حدوث تشققات في جدرانه.
غير أن المستشار بوزارة الموارد المائية العراقية مهدي رشيد علق على بيان السفارة الأميركية بنفي إمكانية انهيار سد الموصل، مؤكدا أنه يعمل بشكل طبيعي.
ويحجز السد خلفه أكثر من 12 مليار متر مكعب من الماء، أي أكثر من ثلث حجم المياه في بحيرة “ميد”، أكبر خزان للمياه في الولايات المتحدة، وتشير تقارير إعلامية إلى أن كميات المياه المتدفقة من السد في حال انهياره تقدر بنحو ستمئة ألف متر مكعب في الثانية، في حين أن مجرى نهر دجلة لا يتحمل تصريف أكثر من 3500 متر مكعب في الثانية.
وفي حال انهيار السد يتوقع الخبراء أن يستغرق وصول الموجة الأولى من الفيضان إلى مدينة الموصل في ساعات قليلة جدا، وأن تغرق مياه الفيضان مدن تكريت وسامراء جنوب الموصل وأرياف العاصمة بغداد مما سيهدد ملايين العراقيين، ويخلف خسائر على طول ثلاثمئة كيلومتر في اتجاه مجرى النهر، عدا الأضرار التي سيخلفها على مدى أعوام للمستقبل الاقتصادي الزراعي والصناعي والبيئي والصحي والاجتماعي للمنطقة.
كما يتوقعون تتدفق المياه بحجم 600 الف متر مكعب المياه في الثانية ، طوفان بارتفاع يتراوح بين 20-40 متراً، واغراق الجزء الاكبر من الموصل خلال ساعتين حالة حدوث انهيار، يمكن أن تكتسح كل شيء في طريقها، الناس والسيارات والذخائر التي لم تنفجر والنفايات والمواد الخطرة الأخرى، بل يمكن أن تعرض مراكز سكنية ضخمة للانهيار، كما أن البنى التحتية الأساسية ستتأثر بشكل كبير، مما يعيق الخدمات الأساسية ومنها الخدمات الكهربائية، كما ستتأثر الأراضي الزراعية بشكل واسع، مما يتطلب العمل على انقاذ معدات ومكائن المشاريع المختلفة قدر المستطاع، وستعرض مناطق وسط وجنوب العراق لدمار كبير واغراق المناطق المنخفضة منها.
ويتوقع ان يتسبب الفيضان بإغراق 5 ملايين وتشريدهم خلال يومين من الانهيار، ويقدر حجم الدمار ب 200 مليار اميركي ، بالإضافة الى تلف الاراضي الصالحة للزراعة، وتغيير في الخارطة السياسية والاقتصادية للبلد .
وأخيراً، يبقى لدى العراقيين أمل بأن يلتفت المسؤولون في الحكومة إلى المخاطر الحقيقية التي يتعرض لها هذا السد العملاق والكارثة المحتملة جراء انهياره المتوقع في أي وقت والتعامل مع هذا التهديد أولوية قصوى حتى قبل عملية تحرير نينوى من أيدي العصابات الإرهابية للدولة الإسلامية باعتباره تهديداً كبيراً للأمن الوطني لا يحتمل التأجيل أو المساومة.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
المصادر:
الجزيرة
الجزيرة سكايب
الحرة
CNN
www.annahar.com
الحزب الشيوعي العراقي