في 13 كانون الثاني/يناير، أعلنت إدارة أوباما أن الرئيس الأمريكي وقّع أمراً تنفيذياً جديداً لإلغاء الكثير من القيود المفروضة على التجارة والمعاملات المالية والاستثمار مع السودان، التي كانت تخضع لحظر أمريكي شامل منذ أواخر التسعينات. ينبغي على بلدان «مجلس التعاون الخليجي» الترحيب بهذه الخطوة، حيث كان السودان يسعى إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية [مع هذه الدول] في السنوات الأخيرة.
وفي إعلانها عن التغييرات، أقرّت الإدارة الأمريكية الخطوات الإيجابية التي اتّخذتها الحكومة السودانية، بما فيها “وقف الهجمات العسكرية في دارفور والمنطقتين، وجهودها التعاونية لحل الصراع الدائر في جنوب السودان ووقف أي نشاط لتقويض الاستقرار هناك، وتحسين إمكانية الحصول على المساعدات الإنسانية من خلال الحد من عرقلة الحكومة وتيسير أنظمة الحكم، وتعزيز التعاون الثنائي في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، بما في ذلك جهود التصدي لـ «جيش الرب للمقاومة»”. وفي الوقت نفسه، يتطلب الأمر التنفيذي شهادةً عن التعاون السوداني المستمر في هذه المناطق بعد مرور ستة أشهر، الأمر الذي يساهم في الحفاظ على النفوذ الأمريكي إذا اتّخذ سلوك البلاد منحىً سلبياً.
غير أن الإعلان لم يذكر التحولات الإيجابية في سياسة السودان الإقليمية الأوسع خلال العام الماضي. فبعد عقود من انحياز السودان إلى إيران، ومن بين ذلك تشكيله نقطة عبور لنقل الأسلحة إلى حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي الفلسطيني» في غزة، كان السودان من أوائل البلدان التي انضمت إلى الرياض في قطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في أوائل عام 2016، بعد قيام السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، وما أعقب ذلك من نهب سفارة المملكة في طهران. كما انضم السودان إلى “تحالف محاربة الإرهاب” الذي تقوده السعودية عندما تم الإعلان عنه في أواخر عام 2015، وكان ناشطاً في التحالف الخليجي في محاربة الثوار المدعومين من إيران في اليمن، إذ يقال أنّه أرسل 850 جندياً. وتماشياً مع التحالفات المتغيرة في المنطقة في الآونة الأخيرة، أعلن وزير الخارجية السوداني في كانون الثاني/يناير 2016 أن حكومته ستنظر في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ونقلت صحيفة “هاآرتس” في أيلول/سبتمبر أنّ المسؤولين الإسرائيليين طرحوا مع واشنطن احتمال اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات في أعقاب انفصال السودان عن إيران.
وبالإضافة إلى ذلك، وبينما سيبقى السودان على “لائحة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب”، أشادت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً بحذر بالجهود التي تبذلها الخرطوم لمكافحة الإرهاب، مشيرةً إلى تحسّن التعاون ضد تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة». وفي “التقارير القطرية حول الإرهاب” لعام 2015، قدّرت الوزارة أن “استخدام السودان من قبل جماعات إرهابية فلسطينية قد تراجع على ما يبدو” – وهو تغيير مرحب به بالنسبة للسنوات السابقة، عندما كان بإمكان أعضاء حركة «حماس» جمع الأموال والسفر والعيش في السودان. وبالمثل، أشارت الوزارة إلى أنّ آخر شحنة معروفة من الأسلحة الإيرانية من السودان إلى غزة كانت تنقلها سفينة “كلوز سي” التي اعترضتها إسرائيل في آذار/مارس 2014.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي يدفع السودان إلى إحداث هذه التغييرات؟ لقد خضع الاقتصاد السوداني لضغطٍ ملحوظ في السنوات الأخيرة. فقد خسرت البلاد 75 في المائة من عائداتها النفطية – التي هي مصدر حيوي للعملة الصعبة – عندما انفصلت عنها جنوب السودان في عام 2011. وفي الآونة الأخيرة، ازدادت صعوبة المعاملات المالية مع السودان بشكل متزايد، وخاصةً بعد أن دفعت مجموعة “بي إن بي باريبا” غرامةً بقيمة 8.9 مليار دولار في عام 2014 لانتهاكها العقوبات الأمريكية على السودان. وفي أعقاب ذلك، فضلت العديد من المصارف “عدم المخاطرة” في القطاع المالي السوداني، باغلاقها قنوات التحويلات من السودانيين الذين يعملون في الخليج، ورفعها تكاليف المدفوعات المسموح بها كالواردات الطبية وغيرها من الواردات الإنسانية.
وفي عام 2015، أودعت المملكة العربية السعودية مليار دولار في “بنك السودان المركزي” للمساعدة في دعم الاحتياطات، بصورة لا تختلف عن الإيداعات في “البنك المركزي المصري” في السنوات الأخيرة. غير أن الحركة الحالية تعيق المزيد من الاستثمار السعودي هناك، الذي قدرت الصحافة السودانية قيمته بـ 11 مليار دولار. فعلى سبيل المثال، في اجتماعٍ عقده “مجلس الأعمال السعودي- السوداني المشترك” في كانون الأول/ديسمبر، شكا المستثمرون السعوديون من التحديات في استرداد الأرباح والحصول على العملة الصعبة.
ومن خلال طلب شهادة التعاون السوداني المستمر، أعطت التدابير التي اتخذت في الثالث عشر من كانون الثاني/يناير الإدارة الأمريكية القادمة قدراً كبيراً من النفوذ لتحقيق تقدم إضافي في تغيير السلوك السوداني. وسيكون للجهات الفاعلة الإقليمية – بما فيها المملكة العربية السعودية، وربما حتى إسرائيل – دوراً هاماً في إثبات المنافع الملموسة لهذه التغييرات.
كاثرين باور
معهد واشنطن