ماو تسي تونغ مؤسس جمهورية الصين الحديثة وأحد زعماء الشيوعية عالميا؛ ورغم أن ملايين الصينيين ينظرون إليه بوصفه “القائد الأكبر” صاحب “الإنجازات والأفكار العظيمة” التي أدت لاستقلال البلاد وتبوئها مكانة بين الدول العظمى، وجعلته رمزا للشيوعيين في العالم؛ فإن كثيرا من الصينيين تضرروا من سياساته “الثورية” المثيرة للجدل.
المولد والنشأة
وُلد ماو تسي تونغ يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 1893 في مدينة شاوشان بإقليم خونان وسط الصين، لأسرة فلاحية.
الدراسة والتكوين
التحق ماو بالمدرسة الابتدائية 1906، ومنها دخل مدرسة عليا عام 1911. وبعد توقف استمر أشهرا التحق عام 1918 بمدرسة للمعلمين حيث تخرج مدرسا، وحاول دخول الجامعة في بكين لكنه فشل في ذلك، فعمل في مهنة التدريس.
التوجه الفكري
تعرف ماو أثناء عمله في مكتبة الجامعة ببكين على عميد إحدى الكليات يدعى تشن تو هسيو وأمين المكتبة لاي تا تشاو اللذين أسساالحزب الشيوعي الصيني في مايو/أيار 19211، فأخذ عنهما الأفكار الشيوعية ليصبح لاحقا أحد أقطاب الشيوعية في العالم، وعُرف بأنه صاحب مدرسة في ممارسة الشيوعية عرفت بـ”الماوية”، وهي مختلفة عن تلك التي اعتمدها الحزب الشيوعي في حكمه للاتحاد السوفيتي.
الوظائف والمسؤوليات
تولى ماو مسؤوليات ووظائف عديدة قبل وبعد تأسيس الجمهورية؛ منها أنه كان رئيس اللجنة العسكرية التي تقود جيش التحرير الشعبي، ورئيس الحزب الشيوعي الصيني، ورئيس جمهورية الصين الشعبية منذ إعلانها وحتى وفاته.
التجربة السياسية
بدأت مسيرة ماو تسي تونغ السياسية عام 1920 عندما أخذ على عاتقه مهمة تعبئة الطلبة والعمال لمعارضة سيطرة اليابان على إقليم شاندونغ الصيني، وفي 1921 كان موفد إقليم هونان إلى الاجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني بشنغهاي، وفي 1923 كان له دور بارز في تحالف الشيوعيين والقوميين (الكومنتانغ) للتخلص من ملاك الأراضي الكبار وتوحيد البلاد.
وفي 1927 انفرط عقد التحالف؛ فكوّن ماو -مع مجموعة من رفاقه في الحزب الشيوعي- حكومة على الطريقة السوفياتية، وشكلوا جيشا من الفلاحين الفدائيين أصبح نواة لما عُرف لاحقا بـ”الجيش الأحمر” الذي قاتل اليابان حين غزت الصين عام 1937، كما هزم القوميين الصينيين في الحرب الأهلية عام 1949 وطردهم إلى جزيرة تايوان.
دخل ماو التاريخ من أوسع أبوابه حيث قاد ثورة الصين في أطول ملحمة صينية عُرفت باسم “المسيرة الكبرى”، إلى أن أعلن ميلاد دولة عام 1949 أسماها “جمهورية العمال والفلاحين”، لكنه مع ذلك لم يطفئ لهيب ثورته وهو الذي يؤمن بأن “السلطة تنبع من فوهة البندقية”.
وبعد تأسيسه جمهورية شيوعية؛ ألقى ماو بأكثر من مليون متطوع صيني في أتون الحرب الأهلية الكورية في بداية خمسينيات القرن العشرين، فكسب نصف كوريا (كوريا الشمالية الشيوعية) حليفا له ولكنه خسر تايوان.
وخاض ببلده الزراعي غمار ما أسماه “القفزة الكبرى إلى الأمام” (1958- 1962) التي كانت تهدف إلى تحويل الصين من دولة زراعية مستهلكة إلى دولة صناعية، لكنه أثناء ذلك هوى باقتصاد البلاد إلى الحضيض وأودى بحياة 30 مليون شخص. ثم أدخلها مجددا في أتون “الثورة الثقافية” (1966- 1976) التي كانت صراعا عقائديا مدمرا قُتِل فيه ما بين مليون ومليونيْ شخص.
وفي عام 1981 أعلن الحزب الشيوعي رسميا -في تقويمه لفترة حكم ماو وسياساته تلك- أن عمله كان 70% منه على صواب و30% على خطأ، ودعا إلى “عدم الخوض في هذا الشأن”.
ورغم ذلك؛ فقدشهدت الصين على الدوام جدلا حادا بشأن تقييم تجربة وأفكار زعيمها الراحل ماو، الذي تحْمل جميع العملات النقدية الصينية صوره، وشَيدت له السلطات أكثر من ألفيْ تمثال خلال 1967-1969، واستمر نحت تماثيله إلى ما بعد وفاته، حتى أصدرت القيادة المركزية عام 1980 تعليمات صارمة نهت فيها عن “عبادة الفرد”، في إشارة إلى تقديس ماو.
فبينما ينظر إليه التيار اليساري بوصفه “قائدا كاريزمياً فذا” تحتاج البلاد دائما لمثله لتجاوز التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، لا يرى فيه التيار الليبرالي سوى “دكتاتور حكم البلاد بالحديد والنار”، وارتكب الكثير من الأخطاء التي أدت إلى سقوط ملايين الضحايا.
وبين التيارين يؤكد معظم المواطنين العاديين أن “هالة القدسية” التي أحاطت سابقا بماو لم تعد قائمة، ويقولون إنهم باتوا يرونه على حقيقته وبوضوح أكثر، فخلال مسيرته الطويلة في الثورة والدولة أصاب وأخطأ وحقق إنجازات وتعرض لإخفاقات؛ فهو الذي جعل الشعب الصيني سيد نفسه وقاد البلاد في أصعب الظروف، لكنه أيضا اتخذ سياسات “ثورية” سببت الكثير من المآسي والكوارث والآلام.
وفي عام 2006 لاحظ المراقبون أن السلطات الصينية لم تنظم أي مراسم رسمية في العاصمة الصينية بكين بمناسبة الذكرى الثلاثين لوفاة ماو، وعزوا ذلك إلى “خوف السلطات من إثارة مشاعر الاستياء” بسبب عشرات الملايين من الضحايا الذين خلفتهم سياساته.
وفي 2013 احتفلت البلاد بمرور 120 عاما على ميلاده، وفي حين أشادت صحيفة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم بـ”دور ماو العقائدي المؤسس للنظام”؛ فإن مظاهر الاحتفال بدت باهتة وضئيلة ومتواضعة جدا مقارنة باحتفالات سابقة، وذلك بأمر من رئيس البلاد جين شين بينغ الذي طالب بأن يكون تكريم ماو “رسميا وبسيطا وعمليا”.
وأكد بينغ أن الحزب الشيوعي “سيحافظ على راية ماو تسي تونغ وأفكاره ويرفعها عالية وخفاقة إلى الأبد”. لكنه أضاف أن ماو ورفاقه من الثوريين الأوائل “لم يكونوا آلهة لا يمكن انتقادهم” بل هم بشر يخطئون ويصيبون، وإن تقييمهم بإنصاف لا بد أن يخضع إلى نظرة تحليلية علمية للتاريخ وأحداثه.
وفرضت السلطات الصينية آنذاك على بعض منظمات المجتمع المدني إلغاء العديد من الفعاليات الجماهيرية والشعبية التي كانت مقررة لإحياء هذه المناسبة دون ذكر الأسباب، الأمر الذي أثار الكثير من الاستغراب وعلامات الاستفهام بشأن الموقف الرسمي من “زعيم تحرير البلاد ومؤسس الجمهورية”.
وتزامن ذلك مع شروع حكومة الرئيس بينغ في تطبيق إصلاحات اقتصادية واسعة أقلقت المتشبثين بتراث ماو داخل الحزب الشيوعي، الذين يشعرون بأن ثلاثة عقود من الإصلاح القائم على اقتصاد السوق قد مضت بالبلاد “بعيدا جدا” عن مقصد زعيمهم التاريخي، وخلقت فوارق اجتماعية بين الأغنياء والفقراء فضلا عن تفشي الفساد، ويرون أن معظم مشاكل البلاد جاءت بسبب “الانحراف عن نهج ماو”.
وفي 17 يناير/كانون الثاني 2017 عزلت السلطات الصينية تسو تشونهي الذي يشغل منصب نائب مدير في إدارة الصحافة والإعلام والثقافة والراديو والأفلام والتلفزيون الحكومية بمدينة شيجياتشوانغ (عاصمة إقليم خبي شمالي البلاد)، إثر وصفه الزعيم ماو بـ”الشيطان” وقوله إن الفعاليات التي تقام بمناسبة ذكرى مولده تُعد “أكبر مراسم عبادة في العالم”، واعتبِرت تصريحاته تلك “انتهاكا خطيرا لقواعد الانضباط”.
المؤلفات
كتب ماو الكثير من الأبحاث والمقالات، منها: “تحليل طبقات المجتمع الصيني”، و”القضايا الإستراتيجية للحرب الثورية في الصين”، و”الديمقراطية الجديدة”، و”في سبيل حل عادل للتناقضات في صفوف الشعب”، هذا إضافة إلى “المجلدات الرسمية”، و”الكتاب الأحمر” الذي عرفه ثوار العالم بواسطته، واعتبِر “إنجيل” حركات التحرر في مختلف بقاع العالم.
الوفاة
توفي ماو تسي تونغ يوم 9 سبتمبر/أيلول 1976، ولا يزال جثمانه محنطا ومسجى داخل ضريحه بميدان تيان آن مين في قلب العاصمة الصينية. لكن مراقبين يرون أن خلف ذلك الضريح الذي يرمز إلى الهوية الشيوعية للجمهورية؛ يخبئ القادة السياسيون الوجه الرأسمالي للصين الحديثة.
الجزيرة