الملفان الشائكان: أزمتا المصالحة وقانون الحرس الوطني بالعراق

الملفان الشائكان: أزمتا المصالحة وقانون الحرس الوطني بالعراق

لاتزال حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تواجه مجموعة مركبة من الأزمات التي تكاد تعصف بالدولة العراقية، يأتي على رأسها تعقد الوضع الداخلي وصعوبة إقرار العديد من القوانين الخاصة بإدارة الملفات الداخلية، خاصة ملف المصالحة الوطنية، وهو ما عبر عنه العبادي خلال حضوره اجتماع وزراء التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في 3 ديسمبر 2014 في بروكسل، حيث أكد في كلمته أن العمل العسكري وحده لن يهزم “داعش”، وأنه ينبغي اتخاذ خطوات إيجابية نحو الإصلاح الحكومي والمصالحة الوطنية وإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع.

لكن الأمر لا يتوقف فقط عند حدود المصالحة الوطنية، بل امتد كذلك للجدل المثار حول “قانون الحرس الوطني، بعد أن حذفت اللجان الأمنية المعنية بإعداد مسودة القانون أكثر من 40 مادة من أصل 70 مادة بهدف عرضه على مجلس الوزراء والبرلمان بغرض إقراره وتجاوز الخلافات بشأنه.

وفي هذا الصدد يرصد هذا التقرير ويحلل أهم المعوقات والفرص أمام إقرار قانون الحرس الوطني، وكذلك أمام تحقيق المصالحة الوطنية في العراق.

أولاً: قانون الحرس الوطني.. فرص ومعوقات

صوتت حكومة حيدر العبادي في 3 فبراير الجاري على مشروع قانون المساءلة والعدالة وحظر حزب البعث، وقانون الحرس الوطني -بالأكثرية وليس الأغلبية- وإحالته إلى مجلس النواب لإقراره كخطوة مهمة لتنفيذ تعهداتها بإجراء إصلاحات سياسية وأمنية واسعة تطالب بها معظم القوى السياسية العراقية خاصة السنة.

وتستند فكرة الحرس الوطني إلى مبدأ منح السكان المحليين في المناطق السنية الخاضعة لسيطرة تنظيم “داعش” الفرصة لمحاربة التنظيم واستعادة مناطقهم وحمايتها بعد إخفاق الجيش العراقي، وتأتي هذه الخطوة بعد التعديلات التي أدخلت على مشروع القانون، والتي تركزت بصفة أساسية حول نوع أسلحة الحرس الوطني وصلاحيات المحافظين في تحريك الوحدات والمعدات.

وكانت المسودة الجديدة قد حددت حصة الحرس الوطني لكل محافظة بـ3% من حجم سكانها الكلي، وتمت التعديلات التي طرأت على مسودة مشروع قانون الحرس الوطني عبر آلية التصويت داخل اللجنة الأمنية التي تضم ممثلين عن جميع المكونات، وبحسب نسبة مقاعدها البرلمانية. وبمجرد إقراره داخل مجلس النواب إن تم تجاوز الخلافات، فسوف تخصص له أموالاً من موازنة وزارتي الدفاع والداخلية، التي تقدر بـ35% من حجم الموازنة الاتحادية العراقية.

1 ـ الفرص والإمكانيات:

يمكن الإشارة إلى أهم المواقف الداخلية والخارجية المؤيدة لفكرة تشكيل قوات الحرس الوطني، وذلك على النحو التالي:

اتحاد القوى العراقية: تعد مسألة تشكيل قوات الحرس الوطني أحد شروط كتلة اتحاد القوى العراقية (الكتلة السنية في البرلمان العراقي) للمشاركة في حكومة حيدر العبادي، حيث تم إقرارها في البرنامج الوزاري لحكومته، والذي جاء فيه ضرورة العمل على تطوير تجربة الحشد الشعبي، والعمل على جعلها ذات بعد وطني يخدم المصالحة الوطنية، على أن يتم ذلك من خلال تشكيل منظومة الحرس من أبناء كل محافظة لتكون قوة مشابهة للجيش والشرطة، وبمستوى تجهيز وتسليح محددين، بما يجعلها العمود الأساسي في إدارة الملف الأمني في المحافظات لجهة القيادة والسيطرة.

رئيس البرلمان: حيث أكد رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري أن قوات الحرس الوطني المزمع تشكيلها ستكون مرتبطة بالدولة، ولا علاقة لها بالميليشيات أو قوات الصحوات السابقة. كما أكد أن قانون الحرس الوطني يمثل “حالة تحول إيجابية” في هيكل المؤسسة الأمنية، داعياً إلى الإسراع في إكماله من الجهات التنفيذية المختصة لتقديمه إلى البرلمان ليكون إضافة نوعية في تشكيلات الجيش العراقي.

الإدارة الأمريكية: دعمت الإدارة الأمريكية فكرة تشكيل الحرس الوطني كجزء من الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة تنظيم “داعش”، وذلك من خلال الاعتماد على القوات المحلية لمساندة قوات التحالف الدولي، خصوصاً أن للمكون الشيعي قواته الأمنية بشكل أساسي، ويمتلك المكون الكردي قوات البيشمركة، وبالتالي فإن وحدات الحرس الوطني ستكون قوات سنية يستعيد من خلالها المكون السني مناطقه التي سيطر عليها مقاتلو “داعش”.

2 ـ المعوقات والتحديات:

في المقابل، يمكن الإشارة إلى مواقف الأطراف الرافضة والمتحفظة على مشروع القانون على الرغم من تعديلاته، وهي:

التحالف الوطني الشيعي: تعددت مواقف التحالف الوطني -القوى والتيارات الشيعية- حول فكرة تشكيل الحرس الوطني، حيث أيدت بعض الكتل والأحزاب المنتمية لهذا التحالف فكرة تشكيل هذه القوات، استناداً إلى ما تم الاتفاق عليه ضمن برنامج حكومة العبادي، على ألا يقتصر تشكيل القوات في المحافظات السنية، وإنما يشمل كافة المحافظات، حيث ارتأت كتلة المواطن وكتلة الأحرار أن قانون الحرس الوطني سيقنن عمل المتطوعين في الحشد الشعبي الشيعي في المحافظات الجنوبية، ولكن حدث تردد تجاه المشروع من قبل عدد من أعضاء هذا التحالف، وطرحوا فكرة أخرى بديلة، وهي إعادة تطبيق قانون الخدمة العسكرية الإلزامية.

وعلى النقيض تحفظ أعضاء كتلة دولة القانون، وبالتحديد نواب حزب الدعوة – الذي ينتمي إليه حيدر العبادي- على مشروع تشكيل قوات الحرس الوطني، كونه يتيح لضباط ومنتسبي الجيش العراقي السابق فرصة الالتحاق بصفوفه، بمعنى رغبتهم في استبعاد كل ضباط الجيش السابق من الانضمام إلى القوات الجديدة، وهو ما أكده النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود، في مطلع فبراير الجاري حين ذكر أن “ائتلافه يرفض ربط الحرس الوطني بالمحافظين”، مؤكداً أن “ارتباط أفراد الحرس الوطني بالمحافظات سيؤسس إلى تقسيم العراق وعسكرة للمحافظات”، لذلك فمن وجهة نظر ائتلاف دولة القانون أنه من الأفضل أن يرتبط أفراد الحرس الوطني وإدارته بالقائد العام للقوات المسلحة حصراً.

القوى السياسية الكردية: لم تعارض من حيث مبدأ تشكيل الحرس الوطني المناطقي، وفقاً لبرنامج حكومة العبادي، على أن تكون عملية التشكيل مبنية على أُسس مهنية لضمان نجاحها، في ظل الأزمة الأمنية التي تواجه البلاد. ولكن تمثل الاعتراض في رفضهم تشكيل قوات الحرس الوطني في كركوك والمناطق المتنازع عليها، حيث أكد نجم الدين كريم محافظ كركوك أن “إدارة المحافظة ترفض تشكيل أي قوة عسكرية من دون التنسيق معها”.

الموقف الإيراني: قامت إيران بتحذير حكومة حيدر العبادي من المضي قدماً في تشكيل الحرس الوطني، نظراً لما سيشكله من تهديد عسكري للسلطة المركزية العراقية في المستقبل، بل واعتباره أحد بوادر عملية تقسيم العراق، وإنشاء إقليم سني قوي أو دولة سنية في الشمال والغرب.

3 ـ قانون الحرس الوطني: ملاحظات عامة

تساعد الظروف الحالية في العراق على زيادة فرص التراجع أو المماطلة عن التصويت على قانون الحرس الوطني في مجلس النواب وتمريره، في ظل تباطؤ حكومة العبادي عن تسليح العشائر السنية، مما يزيد من إقصاء المكون السني، والعودة إلى الخلافات نفسها التي كانت بين حكومة المالكي السابقة والكتل السياسية السنية.

قد تؤدي الخطة الهادفة إلى إنشاء قوات الحرس الوطني إلى تعميق الانقسامات الطائفية في العراق، وتدفع بمزيد من السنة إلى الانضمام إلى تنظيم “داعش”، في ظل استغلال التنظيم حالة الاحتقان الطائفي في الوسط السني.

رفض العديد من البرلمانيين السنة الصيغة الحالية من قانون الحرس الوطني، حيث أكدوا أن جميع المؤشرات الحالية تذهب إلى أن القانون لن يخدم تطلعات المكون السني، نظراً لأن النسبة الأكبر من التشكيلات العسكرية التي ستؤسس بموجب القانون ستذهب إلى المكون الشيعي، لأن العدد الكلي لقوات الحرس الوطني سيكون 120 ألف مقاتل، سيتم توزيعهم بواقع 70 ألف مقاتل شيعي و50 ألف مقاتل سني، وسيتم توزيعهم على جميع المحافظات والمناطق التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم “داعش”، والمناطق الأخرى التي ينتظر تحريرها في الفترة المقبلة، وبالتالي فإن التعويل السني على إحداث توازن في المؤسسة الأمنية بعد تطبيق هذا القانون يبدو غير منطقي، لأن نسبتهم فيه ضئيلة قياساً إلى المكون الشيعي الذي يشكل العمود الفقري لقوات الجيش والشرطة الحاليين، فضلاً عن الأجهزة الأمنية الأخرى.

عدم وجود مخصصات مالية كافية لتشكيل الحرس الوطني، مما يسمح بتأجيل إقراره إلا إذا تم تحويل بعض مخصصات الحشد الشعبي إليه بعد إقراره بشكل نهائي، وهو ما يصعب تحقيقه في الفترة الحالية.

وجود عدد من المعوقات الإجرائية التي ستواجه إقرار وتنفيذ قانون الحرس الوطني، لعل من أهمها نسبة تمثيل المحافظات في الحرس الوطني بسبب عدم وجود إحصاء سكاني دقيق، كما أن المحافظات المختلطة بحاجة لإجراء إحصاء لكل مكون ومذهب وطائفة فيها لكي يتسنى توزيع النسب فيما بينها بشكل عادل.

ثانياً: المصالحة الوطنية العراقية.. فرص ضائعة

فيما يتعلق بالأزمة الأخرى، وهي الأشمل، ولا يمكن فصلها عن ما سبق، أي ملف المصالحة الوطنية، باعتباره الضامن لمستلزمات مواجهة “داعش” وبناء دولة مستقرة نسبياً بعيدة عن العنف، فيبدو أنه يواجه هو الآخر عثرات واضحة، فعلى الرغم من الجهود التي قام بها حيدر العبادي، ومن أهمها إلغاء لجنة المصالحة الوطنية الحالية واستبدالها بهيئة عليا للمصالحة الوطنية، ليكون أعضاؤها من الشخصيات الوطنية بعد فشل اللجنة السابقة في إيجاد مناخ حقيقي للمصالحة،  وإعلان نيكولاي ملادينوف المبعوث الخاص للأمين العام للمم المتحدة في العراق عن استعداد الأمم المتحدة للوساطة بين مختلف القوى السياسية العراقية بغية تحقيق أولى خطوات المصالحة الوطنية، وذلك في كلمة ألقاها في “المؤتمر الوطني الثالث للأديان والمذاهب في العراق” في 19 يناير 2015، والذي اعتبر انعقاده بمنزلة خطوة إيجابية في طريق الإعداد والتنسيق لعقد مؤتمر دولي للمصالحة الوطنية في العراق برعاية دولية وتحت مظلة الأمم المتحدة؛ فإنه ليس من المتوقع أن تنجح جهود المصالحة أو عقد هذا المؤتمر، وغيرها من المساعي، بسبب وجود عدد من المعوقات والتحديات، التي يمكن ذكرها في الآتي:

غياب الإرادة الحقيقية من جانب القوى السياسية العراقية، بل والاكتفاء بإجراءات روتينية، مثل إقامة المؤتمرات، وإصدار المنشورات، وعقد اللقاءات، حيث دفعت هذه الممارسات شريحة واسعة من المجتمع العراقي للنظر لملف المصالحة على أنه مماطلة سياسية لا تهدف إلى اتخاذ خطوات واقعية لحل ملف الخلاف الداخلي، بل تحول إلى ورقة للتفاوض السياسي داخلياً وخارجياً.

غياب إجراءات بناء الثقة بين مختلف الأطراف، حيث زاد من واقع هذا الأمر ما قامت به الميليشيات الشيعية المسلحة أو ما يسمى بقوات الحشد الشعبي من ممارسات طائفية في بعض المدن المحررة، والتي كان آخرها في قضاء المقدادية بمحافظة ديالي – 55 كم شمال شرق العاصمة بغداد- وكذلك في محيط محافظة نينوى شمال العراق من عمليات قتل وتهجير وتفجير للمنازل والمساجد وسرقة للممتلكات.

ما يعترض عملية المصالحة من ملفات جانبية لكل مكون، فالمكون الكردي يسعى إلى التفاوض حول رواتب قوات البيشمركة وملف النفط في الإقليم، ودفع مستحقات شركات النفط العاملة بالإقليم. ولعل الملف الأبرز والذي يمكن تسميته بالمسكوت عنه، هو ملف المناطق المحررة على أيدي الأكراد وقوات البيشمركة، حيث أكد المكون الكردي أن هذه المناطق ستنضم إلى إقليم كردستان بصرف النطر عن أي اعتبار دستوري أو تفاوضي، وهو ما يعني ترحيل أو تأجيل ملف الخلاف بين المركز في بغداد وبين أربيل إلى مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم “داعش”.

أما مطالب المكون السني الذي عانى من التهميش والإقصاء طوال فترة حكم نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، فتتمثل في تحقيق التوازن في جميع مؤسسات الدولة وضمان استقلالية القضاء، وإعادة الممتلكات التي تمت مصادرتها من الوقف السني والمواطنين، وتوسيع صلاحيات المحافظين ومجالس المحافظات، وإنجاز مشروع قانون العفو العام. ولعل من أهم المطالب السنية عملية تسليح العشائر وتدعيمها في مواجهة تنظيم داعش، وهو ما لم يتم تحقيقه حتى هذا الوقت لعدم توافر الإجماع والدعم له من مختلف القوى السياسية العراقية.

تعدد وتشابك أطراف عملية المصالحة الوطنية، حيث إنها تتضمن المصالحة الوطنية الكردية-العربية، والكردية-التركمانية، والسنية -الشيعية، والشيعية-الشيعية، وهو ما يعني أن عملية المصالحة الوطنية تعدت الحدود الداخلية، بل امتد الأمر ليأخذ بعداً إقليمياً، حيث تتشابك فيها المصالح العراقية والطائفية مع المصالح الإقليمية والدولية، مما يصعب التوصل إلى نتائج ملموسة.

الموقف الإيراني الداعم والمساند للميليشيات الشيعية المسلحة، كأحد أدوات النفوذ الإيراني في العراق، والتي تهدف إلى فرض السيطرة، وهو ما يمثل أحد أهم المعوقات أمام تحقيق المصالحة الوطنية، لأن من أهم مطالب وأسس المصالحة حل الميليشيات الشيعية المسلحة، مع نجاح هذه الميليشيات خاصة قوات بدر، وعصائب أهل الحق وحزب الله العراق ولواء أبوالفضل العباس وجيش المختار في إخلاء عدد من المناطق ذات الغالبية السنية وتهجيرهم لمصلحة خريطة ديموغرافية جديدة، وهو ما تجلى في معركة ديالى الأخيرة التي خاضتها قوات الحشد الشعبي والتي قتل فيها حوالي 10 من قوات الباسيج – التعبئة الشعبية، كما أسفرت معركة سامراء الأخيرة عن مقتل حوالي أربعة من قيادات الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يؤكد أن ما تقدمة إيران للعراق من دعم عسكري واستخباراتي ولوجستي يخدم العمق اللوجستي الإيراني في عمق العراق كمحافظة ديالي التي ترتبط بحدود مشتركة مع ايران.

إذن، يحتاج العراق إلى مصالحة حقيقية والابتعاد عن المؤتمرات والتصريحات التي لا جدوى منها، وإعطاء فرصة أخيرة لإنقاذ الدولة مما آلت إليه من فوضى واضطرابات وتمزق ووجود لقوى إرهابية ومتطرفة يمكن أن تعصف بالمجتمع العراقي، علاوة على تحول العراق إلى ساحة للتجاذبات الإقليمية، وبالتالي أصبح الاتفاق حول الشراكة ليس بالتمثيل في الحكومة الحالية فقط، وإنما في كيفية اتخاذ القرار السياسي وإقرار القوانين، سواء فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية أو قانون الحرس الوطني، والأهم ضمان تطبيق هذا بما يصب في مصلحة الدولة الوطنية العراقية وليس في صالح طائفة بعينها أو مصلحة مكون على حساب الآخر.

مروة عبد الحميد

مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة