يُعد مؤتمر القمة العربية الثامنة والعشرين الذي عقد في 29 آذار/مارس الحالي، بمنتجع البحر الميت بالمملكة الاردنية الهاشمية، هو أول مؤتمر قمة عربي يحضره حيدر العبادي منذ توليه منصب رئيس لوزراء العراق في آب/ أغسطس عام 2014م. فالمتابع للكلمة التي ألقاها في الجلسة الإفتتاحية للقمة العربية يتوصل لقناعة مفادها، أن حيدر العبادى من الممكن وصفه برجل الدولة في العراق. فعلى جانب السياسة الداخلية للعراق، أكد في كلمته على وحدة الشعب العراقي وأن الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي من الصعوبة بمكان تحقيقه لولا الاعتماد على تلك الوحدة التي ظهرت في أوج المحنة الأمنية والاقتصادية والسياسية والعسكرية التي مرّ -ولايزال- يمر بها العراق. فمن صفات رجل الدولة الصدق والصراحة مع شعبه وقادة الدول العربية في مؤتمر القمة حينما أكد أن العراق بتنوعه الديني والقومي والمذهبي والفكري دفع ثمنًا باهظًا بسبب خطابات الكراهية والتحريض الطائفي. وأن العراق شعبًا ودولة سيتعافى بعد القضاء على داعش من كل أزماته التي مر بها. كما سيواصل العراق بالاستناد إلى برنامج حيدر العبادي مسيرة الإصلاح الشاملة في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما على عن أهمية البُعد العربي في كلمة حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي فقد كانت واضحة جدا، فالعبادي بوصفه الرجل الدولة في العراق يدرك بشكل عميق أن الدول العربية والهوية العربية تشكلا العمق الاستراتيجي الذي من الصعوبة بمكان الاستغناء عنه، حيث أشار في كلمته أن العراق من الدول العربية التي ساهمت في تأسيس جامعة الدول العربية. حيث كان العراق من الدول العربية التي حضرت المؤتمر العربي الذي عقد في الاسكندرية في عام 1944م، والذي عُرف تاريخيًا ببروتوكول الإسكندرية في عام 1944م، والذي مهد لتأسيس جامعة الدول العربية في 22 آذار/مارس عام 1945م. وتظهر أهمية البعد العربي في السياسة العراقية أيضًا حينما دعا حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الدول العربية كافة إلى المشاركة في جهود إعادة البناء والاستقرار في المحافظات بعد تطهير العراق من تنظيم داعش.
وانسجامًا مع هذا الفهم فقد أكدت كلمة حيدر العبادي على تعزيز التعاون العربي البيني وإنهاء الخلافات والنزاعات الجانبية كهدف إستراتيجي، بما يعود بالنفع على جميع الدول العربية، وما أدل على ذلك أمران: أولهما، قرر مجلس الوزراء العراقي، في 28 مارس/آذار الحالي، بدء إجراءات مد خط أنابيب النفط الاستراتيجي من النجف إلى ميناء العقبة الأردني، فخط النفط يمتد من مدينة النجف وبمحاذاة الحدود السعودية وصولًا إلى العقبة؛ لنقل نحو مليون برميل من النفط، ويغطي احتياجات الأردن من النفط الخام، التي تقدر بـ 150 ألف برميل يوميًا عن طريق تغذية مصفاة الزرقاء الأردنية، مع تصدير الباقي عبر ميناء العقبة، وبالتزامن يتم تزويد الأردن بكميات من الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء. ووقع العراق والأردن في التاسع من نيسان/ أبريل عام2013، اتفاقية إطار لنقل النفط من العراق إلى الأردن عبر أنبوب بتكلفة نحو 18 مليار دولار، لكن المشروع تأخر بسبب سيطرة تنظيم داعش على أراضٍ في غرب البلاد سيمر بها الخط. ثانيهما، فعلى هامش القمة العربية التقى حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بالملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية. وذكر بيان لمكتب حيدر العبادي أنه جرى خلال اللقاء بحث تعزيز التفاهم والتعاون الثنائي في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمار والتنسيق الأمني المشترك، كما جرى التطرق لما وصفه البيان بالانتصارات التي تحققها القوات العراقية على داعش. وقد يؤسس اللقاء الذي جمع بين حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي والملك سلمان بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية على هامش القمة العربية لمرحلة جديدة في العلاقات العراقية السعودية، التي ستنعكس بشكل إيجابي على كل التفاعلات والقضايا العربية والإقليمية. كما التقى على هامش القمة بملوك ورؤساء دول عربية أخرى.
يحظى حيدر العبادي منذ مجيئه لحكم العراق بدعم دولي وفي مقدمته دعم الولايات المتحدة الأمريكية سواء في عهد الإدارة الأمريكية السابقة أو إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب الذي التقى بحيدر العبادي في البيت الأبيض في آذار/مارس الحالي، كما يحظى بدعم عربي وإقليمي، هذا الدعم من شأنه أن يشجع حيدر العبادي للقيام بدور الوسيط الإيجابي بين المملكة العربية السعودية وإيران لإنهاء حالة الصراع بينهما التي هي أشبه بحالة “الحرب بالوكالة” في سوريا واليمن تحديدًا، والعمل على تسويتها بالطرق السلمية، قبل أن تتفاقم وتصل إلى مرحلة حافة الهاوية أي المواجهة العسكرية المباشرة. لا أحد حريص على أمن واستقرار البيئة العربية والشرق أوسطية يرغب برؤية ذلك المشهد الختامي للصراع السعودي الإيراني في منطقتنا. فحيدر العبادي بما يمتلكه من خصائص رجل الدولة والحريص على ازدهار دولته والدول المنطقة قد يكون بوسعه على إفشال ذلك المشهد. لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل ستسمح له بعض الأحزاب العراقية المناوئة له والفصائل المسلحة القيام بهذا الدور الإيجابي؟ الذي في حال تحققه- أي طوي صفحة الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران- سيحسب للعراق هذا الانجاز كدولة محورية في منطقة الشرق الأوسط بوسعها حل الصراعا في المنطقة، كما سيحسب ذلك الإنجاز لحيدر العبادي ليؤكد أنه رجل دولة يعمل على إطفاء الحرائق في الشرق الأوسط؟
ومن المفيد الإشارة هنا أن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي ليس من القادة الذين يرسلون بلدهم إلى الحروب فعلى الرغم من رفض حيدر العبادي التواجد العسكري التركي في معسكر بعشيقة بمحافظة نينوى إلا أنه يفضل تسوية هذا الأمر بالطرق السلمية وليس العسكرية، كما تفيد التجربة أن حيدر العبادي استلم الحكم العراق في الوقت الذي كان تنظيم داعش يسيطر على 40% من مساحته الإجمالية، وها هو العراق اليوم قاب قوسين أو أدني من تطهير كامل ترابه من ذلك التنظبم. وفي هذا سياق يمكن للمتابع لمجريات القمة العربية أن يستوعب تلك الحفاوة التي استقبل بها حيدر العبادي في المملكة الأردنية الهاشمية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية