الحضور الطائفي في عملية تكريت يثير مخاوف من عمليات انتقامية وتشريد للسنة… وواشنطن لم تعلم بالهجوم… وعسكريوها في الأنبار لا يتعاملون مع الميليشيات

الحضور الطائفي في عملية تكريت يثير مخاوف من عمليات انتقامية وتشريد للسنة… وواشنطن لم تعلم بالهجوم… وعسكريوها في الأنبار لا يتعاملون مع الميليشيات

03x90

تحمل العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي المدعوم من ميليشيات الحشد الشعبي في مدينة تكريت كل المكونات التي تعمل على تعزيز العنف الطائفي.
فقد بدأت برمزيات عدة، الهجوم على مدينة هي مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وجاءت في ذكرى انتفاضة الجنوب على الرئيس السابق بعد حرب الخليج عام 1990، وأعلن عنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من سامراء وفيها مسجد الإمام العسكري والمقام الذي يعتقد أن الإمام المنتظر بدأ منه غيبته الكبرى.
ورغم أن إعلان العبادي بدأ بدعوة تصالحية إلا أن صرخات الانتقام التي أطلقها هادي العامري، زعيم منظمة بدر «الانتقام لسبايكر» لا تدعو للارتياح. فسبايكر هو المعسكر الذي هاجمه تنظيم الدولة الإسلامية عند دخول مدينة تكريت وقتل فيها ما يقرب من الألف جندي من قوات الحكومة.
بل قدم رئيس العبادي العملية الأخيرة من خلال الرموز الدينية، وقال إنها حظيت بدعم المرجعية الدينية.
حيث مزج بين سلطة الدولة والمرجعية كوسيلة «لتحرير محافظة صلاح الدين».
وسميت الحملة «لبيك يا رسول الله». وفوق كل هذا ذكرت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية أن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ساهم في التخطيط لها فإن دخول تكريت وإجبار جهاديي تنظيم الدولة على الخروج منها ستكون انتصارا رمزيا.
في قلب المناطق السنية
وفي هذا السياق تقول ديبورا هاينز، محررة الشؤون الدفاعية في صحيفة «التايمز» إن دخول عملية تكريت والانتصار فيها سيكون رمزيا بالنسبة للحكومة العراقية التي تحاول استعادة المناطق التي خرجت عن سيطرتها صيف العام الماضي.
وأشارت لعلاقة الرئيس العراقي صدام حسين بها وكذا علاقة نائبه عزت إبراهيم الدوري الذي ولد قريبا من المدينة ووضعته الولايات المتحدة على قائمة المطلوبين. ويعتقد أن أتباعه تحالفوا مع تنظيم الدولة الإسلامية في حملتهم للسيطرة على شمال العراق.
وفي مدينة تكريت بنى النظام السابق عددا من القصور الرئاسية، حيث احتلها الأمريكيون وساعدت حمامات السباحة وقاعات السينما للترفيه عن الجنود الأمريكيين الذين اتخذوها ثكنات لهم. ففي الفوضى التي عمت المدينة أثناء الغزو استغل سكان الفرصة ونهبوا ما فيها من ثريا وزخارف ذهبية.
وأطلق الأمريكيون على القصور الرئاسية اسم «أيرونهورس كامب» وبعد ذلك «قاعدة العمليات المتقدمة». وسلمت القوات الأمريكية المكان لقوات الأمن العراقية عام 2005 واحتلها مقاتلو الدولة عام 2014.
وتقول الصحيفة إن احتلال تكريت يعتبر خطوة مهمة على طريق تحرير الموصل إلا أن نشر ميليشسيات شيعية في قلب المناطق السنية زاد من مخاوف العنف والتطهير الطائفي. مشيرة إلى أن دخول مقاتلي تنظيم الدولة للمدينة العام الماضي ارتبط بمشاعر السخط لدى الطائفة السنية التي استبعدت واضطهدت من قبل الحكومة الطائفية في بغداد.

مذابح ودروع بشرية
وإلى هذا ذهب سايمون تيسدال في صحيفة «الغارديان» حيث أشار إلى العملية العسكرية الحالية التي أثارت مخاوف من حدوث مذابح واستخدام السكان كدروع بشرية وهو ما أدى لهروب جماعي للسكان من المدينة والبلدات المستهدفة.
ويقول تسيدال إن الحملة تحاول استثمار توقف زخم تنظيم الدولة الذي عانى من ضربات جوية مستمرة منذ شهر آب/ أغسطس 2014 ولكن التقدم لمعاقبة تنظيم الدولة يعرض السكان السنة الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرته لمخاطر، خاصة أن المنطقة التي تدور فيها المعارك شهدت معارك ومواجهات شرسة مع الأمريكيين في أثناء الاحتلال وعرفت المنطقة الممتدة ما بين بغداد والرمادي وتكريت بـ «المثلث السني».
وأشارت تقييمات معهد دراسة الحرب في واشنطن أن القادرين على الخروج من تكريت بدأوا بالهروب منها شمالا باتجاه مناطق الموصل وكركوك ولم يبق إلا الفقراء ومن لا يستطيعون السفر.
ويرى محللون غربيون أن الهجوم الذي يلقى دعما وإشرافا إيرانيا قد يؤدي إلى تعزيز سيطرة وتأثير الجمهورية الإسلامية على حكومة وقوات الأمن العراقية في وقت تقترب فيه طهران من تحقيق تقدم على الملف النووي وتوقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة والقوى الغربية.
ويشير التقرير إلى الدور الذي تلعبه ولعبته إيران بدعم الميليشيات الشيعية العراقية مثل منظمة بدر العسكرية التي كانت فرعا للمجلس الآعلى للثورة الإسلامية في العراق المتحالف مع إيران.
واتهمت الميليشيات الشيعية بارتكابة مذابح ضد المدنيين السنة في الفترة التي تبعت انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011. ففي مذبحة وحشية قامت جماعات مسلحة بقتل 72 سنيا في بلدة البراونة بمحافظة ديالى.
ويشير تسيدال إلى أن قوات الحشد الشعبي التي تقود العملية (30.000 عنصر) صارت تقود المعارك ضد تنظيم الدولة حيث قام نوري المالكي المتهم من الولايات المتحدة بتعزيز الانقسام الطائفي بالعراق بدمج الميليشيات في داخل القوات الأمنية عام 2013 وهو توجه استمر في ظل حكومة العبادي والتي تعهدت بتحقيق المصالحة الوطنية.
ولكن المحللين يرون أن العبادي وإن عبر عن آمال في تحقيق الإجماع السياسي إلا أن جهوده تعرقلت خاصة أن الميليشيات الشيعية تقاد وتدعم من إيران.

من الصعب التفريق
وكتب إيلي ليك المعلق في «بلومبيرغ» «من الصعب الحديث أين ينتهي الجيش العراقي وأين يبدأ الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية». وتحدث هادي العامري لليك أن الولايات المتحدة عرضت تقديم الدعم الجوي لقواته، وهو عرض مثير للجدل لو كان صحيحا. كما وأكد العامري أنه يحظى بدعم إيراني مهم.
وهذا واضح من حضور سليماني نفسه في محافظة صلاح الدين كي يقود ويشرف على العمليات. وحضور سليماني ليس غريبا فالقادة الأمريكيين يعرفون بالدور الذي يقوم به ودعمه للميليشيات العراقية منذ عام 2008.
وأخبر العامري ليك أنه عادة ما يلتقي سليماني في بغداد «يقوم بتقديم المشورة لنا، ويعطينا المعلومات ونحن نحترمه بشكل كبير».
وأضاف العامري «لا بلد لديه خبرة في التعامل مع الإرهابيين مثل إيران». كما وقدم حزب الله اللبناني دعما لمنظمة بدر خاصة خبرات الحزب في مواجهة إسرائيل وجماعات المعارضة السورية.
ويقول المحلل الأمريكي كينيث بولاك إن «قوات الأمن والجيش العراقية هي في معظمها شيعية» ـ وأضاف أن كل الإنجازات العسكرية الأخيرة تمت بدعم إيراني» ورغم أن الحكومة العراقية لا تريد الاعتراف بهذا الواقع إلا أن الميليشيات الشيعية تمثل عصب الهجمات المضادة على تنظيم الدولة الإسلامية. وكتب بولاك قائلا « في مثل هذه الظروف فعمليات عسكرية مضادة في قلب المناطق السنية – الأنبار ونينوى وصلاح الدين- قد تكون كارثية. ويشعر السكان السنة بالخوف من التقارير التي تتحدث عن قيام القوات الشيعية بعمليات تطهير عرقي وحشية… وسيتعامل السكان السنة مع القوات العراقية وحتى الكردية كقوات احتلال شيعية وليس كمحررين».
وأشار تيسدال إلى مخاوف العبادي خاصة بعد دعوة العامري سكان تكريت إلى الخروج من المدينة حتى يتم الانتقام لسبايكر. ويرى الكاتب أن تحذيرات العبادي ودعوته للعناية بالمدنيين قد لا يكون لها ثقل مع وصول الحرب إلى المثلث السني.

أعلام وصرخات
وفي هذه المرة فالمعركة واضحة فالصرخات المتصاعدة من سيارات المقاتلين هي «النصر للحشد الشعبي» وليس الجيش العراقي، فيما غطت أعلام الميليشيات على العلم الوطني العراقي.
وكما وصف مراسل صحيفة «فايننشال تايمز» فكل هذا ينبئ عن مشاكل طائفية. ويقول بورزو داراغي إن الانتصارات التي حققتها الميليشيات الشيعية تلوثت بالممارسات الطائفية وانتهاكات حقوق إنسان ضد السنة.
ويعتقد الكاتب أن إنشاء الحشد الشعبي فتح المجال أمام دخول الميليشيات التي فرضت تأثيرا على القوات الأمنية وعقيدة الجيش العراقي. فقد اعتمد المستشارون الإيرانيون على نفس الاستراتيجية التي نفذوها في سوريا دعما لنظام بشار الأسد وهي نشر ميليشيات في كل أنحاء العراق.
ونقلت الصحيفة عن أيمن التميمي الباحث العرفي في جامعة «أي دي سي» في هرتسيليا بإسرائيل «المشكلة هي أننا أمام قوة شيعية طائفية»، مضيفا «هناك قدر كبير من التداخل بين الميليشيات والقوات النظامية».
ويقول مركز دراسات الحرب في واشنطن إن «الميليشيات الشيعية المشاركة في العملية متحمسة جدا لتوجيه ضربة قوية لمنطقة ذات رمزية عالية».
ويتوقع التميمي أنه لو تمكنت الميليشيات الشيعية فستدخل مدينة خالية من السكان وستقوم عناصرها الغاضبة بنفس الممارسات التخويفية لمنع السكان من العودة إليها، كما فعلت في جرف الصخر جنوب بغداد «وسيكون نصرا فارغا إن كان الهدف هو عودة السكان لبيوتهم وإعادة الحياة الطبيعية».

أين أمريكا؟
وفي هذا السياق ترى صحيفة «وول ستريت جورنال» إن العملية في تكريت تقدم ضوءا عن الدور الذي تمارسه إيران في العراق، وتمارس طهران دورا وتأثيرا على قوات الأمن العراقية بعد فشل هذه في احتواء تنظيم الدولة الإسلامية.
ورغم إرسال الولايات المتحدة مستشارين لمساعدة الجيش العراقي إلا ان كلا من الأمريكيين والإيرانيين لا يتعاونون مع بعضهم البعض حسب مسؤولين أمريكيين. ويقولون إنهم لا يقدمون دعما عندما تشارك الميليشيات الشيعية في العمليات العسكرية.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة دائما ما حذرت إيران عدم مفاقمة المخاطر الطائفية عندما تقوم بدعم الميليشيات.
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية العقيد ستيف وارين قد أكد أن أمريكا لا تقدم غطاء جويا لعملية تكريت، حيث قال إن الحكومة العراقية لم تطلب الدعم، مشيرا إلى طبيعة الوجود الأمريكي في العراق وأنه بناء على طلب الحكومة هناك.
ويقول مسـؤولون إن أحد أسـباب عدم مشاركة الولايات المتحـدة نابع من حصول العراق على دعم إيراني. وتضـيف الصـحيفة أن المسـؤولين الأمريكيين يراقبون الدعم الإيراني لعملية تكريت ويخشون من إمكانية تتسبب المدفعية الإيرانية بقتل المدنيين. ونقل عن مسؤول أمريكي قوله «في درجة معينة يمكنهم القيام بعمليات بدون تأجيج المشاعر الطائفية وتشريد تنظيم الدولة وهو ما سيكون مفيدا». وترى أن العملية في تكريت ونجاحها سيحدد زمن الهجوم على الموصل، ويتوقع قيام الحكومة العراقية بدعم من الطيران والمستشـارين الأمريكيـين القيـام بـعملية في الموصل في وقتـ لاحق من هـذا العـام. وكانت تسريبات من البنتـاغون قد تحدثت عن عملية مرتقبة في شهر نيسان/ إبريل أو أيار/ مايو بقوة قوامها 25.000 جندي لكنها أجلت العملية لوقت لاحق حتى يتم تأهيل الجيش العراقي.
ولاحظت الصحيفة في العملية الحالية أن تأكيدات العبادي حول دور أبناء تكريت وتبديد مخاوف السنة من العامل الطائفي فيها ومشاركة قوة رمزية من أبناء العشائر لا تزيد عن 1.000 مقاتل لم تكن كافية لإخفاء بعد الانتقام الذي يحمله المقاتلون الشيعة. ويرى مسؤول أمريكي أن عملية تكريت تقدم صورة عن حجم الدعم الإيراني للعراقيين، وهو تطور عن الدعم الذي قدمته طهران للمقاتلين الشيعة في تشرين الأول/ أكتوبر في جرف الصخر.

تقاسم مسؤوليات
ويقول مسؤولون إن هناك انقسام بين المناطق التي يقدم فيها الإيرانيون الدعم وتلك التي يقدم الأمريكيون فيها الدعم.
ففي منطقة الأنبار والمناطق القـريبة من الأكـراد يقود الأمريكيون الجهود من أجـل تطـوير خطة لاستعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة. فيما تلعب إيران دورا في المناطق التي تعتمد فيها الحكومة العراقية على الميليشيات الشيعية بشكل كبير،خاصة في ديإلى وتكريت.
ويقول مسؤول أمريكي «الطبيعة الجغرافية في هذه المناطق تناسب الإيرانيين». ويعترف الأمريكيون بأن القوة الإيرانية أقل من تلك التي وفرتها قوات التحالف الدولي بخلاف أن الإيرانيين يشاركون في العمليات العسكرية أما المستشارون الأمريكيون فيبقون في القواعد العسكرية.
ويؤكد الأمريكيون والإيرانيون أن لا تنسيق بينهما ولكنهما اتخذا الخطوات بعدم التدخل في العمليات التي يقوم بها كل طرف منهما.
وترى مجلة «فورين بوليسي» ان حقيقة شن الهجوم على تكريت بدون مشاركة أمريكية يؤشر لتراجع التأثير الأمريكي. ونقلت عن مسؤولين في البنتاغون والقيادة المركزية قالوا إنهم فوجئوا بالهجوم وتوقيته في وقت كانت تحضر فيه إيران مع الحكومة العراقية للهجوم. ويرى جيمس كلابر مدير الأمن القومي الأمريكي في حديث امام مجلس العلاقات الخارجية أن «لإيران مصلحة كبيرة بنتائج النزاع في العراق».
وتوقع مواصلة إيران التأثير على الميليشيات الشيعية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ولكن كلابر اعترف بأن إيران لا تسيطر بشكل كامل على الميليشيات العراقية التي تحمل مواقف وطنية و «حملت مشاعر سخط حول الوجود الأمريكي في العراق». وأضاف «طالما تعامل الإيرانيون مع ما نفعله بالتساوق مع أهدافهم وهو محو تنظيم الدولة الإسلامية، وما دمنا في تواز مع ما يفعلون فإنهم سيقومون بجهد للتحكم بالميليشيات.
ومع ذلك فالعملية «والمزيج» الذي يقود عملية تكريت ومعظمه من الميليشيات «يثير قلق الأمريكيين»حسب مسؤول، مضيفا إنه لا يعرف إن كانت الحكومة في بغداد قد خططت للعملية بشكل جيد قبل شنها لكنه أشار إلى مناقشات حول نية الحكومة العراقية استعادة تكريت من تنظيم الدولة.

إعداد إبراهيم درويش

القدس العربي