اضطرّ الإيرانيون إلى وضع شبكات تضامن وإثبات نوع من الابتكار للتحايل على العقوبات الدولية المفروضة على طهران، بهدف منع إيران من متابعة برنامجها النووي. ومنذ عام 2012، تمّ تعليق التحويلات المالية بين البنوك الإيرانية ونظيراتها الأمريكية أو الأوروبية عبر النظام البنكي سويفت؛ إذ عندما تدرك البنوك الغربية الأصل الإيراني لعملائها ترفض إرسال أو استقبال المبالغ المهمّة.
وتعزّز التردّد بعد الغرامة الثقيلة الّتي فرضتها السلطات الأمريكية على بنك بي آن بي باريبا، في صيف 2014، لتنظيم التحويلات نحو الدول الخاضعة للحصار ومن بينها إيران.
وللتغلّب على هذا الوضع، يلعب الإيرانيون على شبكاتهم العائلية ودوائر معارفهم إذا ما تعلّق الأمر بإرسال مال إلى إيران أو استقباله منها. ومهناز (تمّ تغيير الأسماء بطلب من الأشخاص المعنيين) امرأة تبلغ من العمر 55 عامًا، تعيش منذ وقت طويل في فرنسا ورغبت في أواخر شهر فبراير إرسال المال الّذي حصلت عليه من بيع منزل والدها المتوفي في إيران على حساباتها الفرنسية.
وبعد أيام، تلقّت مكالمة من فتاة إيرانية، سارة، تعرفها إحدى صديقاتها وتعيش أيضًا في فرنسا وأعلمتها سارة أنها ترغب في إرسال 15 ألف يورو إلى عائلتها في إيران.
لا يجب أن تتجاوز التحويلات الـ 3000 يورو
تعرّفت الإيرانيتان على بعضهما البعض وبمجرّد بناء ثقة بينهما، اتّفقتا على المبلغ الذي سيتمّ إرساله وعلى عدد التحويلات، وما من تحويل يجب أن يتجاوز الـ 3000 يورو، ولا يجب القيام بأكثر من تحويل أسبوعيًا حتّى لا تثار شكوك البنوك. ثمّ حوّل أخو مهناز في إيران المبالغ إلى الريال -العملة الوطنية الإيرانية- على حساب عائلة سارة. وخلال هذا الوقت، قامت سارة بتحويلات عدّة على فترات غير منتظمة على مختلف حسابات مهناز في فرنسا. وتمتّ تسوية الوضع خلال 3 أسابيع.
وهذه الشبكات الشخصية نشطة أيضًا من أجل إمدادات الأدوية؛ لأنّ استيراد الأدوية المنتجة في الغرب باتت صعبة، أو ربّما مستحيلة بسبب العقوبات. وعلى الرغم من أنّ الأدوية غير مستهدفة بطريقة مباشرة من الحصار، فإنّ البنوك تفضّل تفادي التجارة مع إيران خشية من أن تعاقب من قبل الولايات المتّحدة.
رضا، مصمّم جرافيك إيران يعيش في نيويورك وتمّ الاتّصال به عدّة مرات سواء عبر أصدقائه أو من خلال الـ فيس بوك عبر أشخاص لم يلتق بهم أبدًا، وقد صرّح: “أشتري الأدوية الّتي تطلب مني وأبحث على فيس بوك على شخص لإرسالها إلى إيران وبصفة عامّة، لا يحتاج الأمر أكثر من يومين أو ثلاثة أيام“.
أمّا بالنسبة إلى الأدوية الّتي تحتاج إلى وصفة، فالخطّة أصعب؛ إذ يجب التواصل مع أطباء أو صيادلة يفضّل أن يكونوا من أصول إيرانية يرغبون في مساعدة أبناء بلدهم. وسارة إيرانية تبلغ من العمر 36 عامًا تعيش في باريس وتعاني حماتها من ارتفاع الضغط: “لقد شرحت الوضع في إيران إلى الصيدلية القريبة من مقرّ عملي وتأثّروا كثيرًا ويعطونني في كلّ مرّة ما أحتاجه دون مشاكل“.
وخارج شبكات التضامن هذه، يسمح نظام آخر مدفوع الثمن بطلب الأدوية على مواقع على الإنترنت من الخارج، ولكن يديرها إيرانيون. ولتقديم طلب على هذه المواقع يجب في البداية تقديم ملف مفصّل وإرفاقه بنسخة عن وثيقة الهوية، وتقترح هذه الشركات أيضًا إرسال مبالغ عبر نظام غير رسمي، شعبي جدًّا وجاري العمل به في إيران، الحوّالة.
شبكة عملاء الصرف
تتمثّل وسيلة الدفع هذه في تحويل المال عبر شبكة عملاء الصرف؛ إذ يكفي في إيران الاتصال بـ “الصراف“، يفضّل أن يكون أهل ثقة. وبمجرّد تحويل المال إلى حسابه، يتواصل الصرّاف مع أحد زملائه الّذين يعملون في دول أخرى، غالبًا في ماليزيا وفي الإمارات العربية المتّحدة وتركيا، ويطلب منهم القيام بتحويل على حساب المرسل إليه مقابل وعد بالدفع في وقت لاحق. ويمكن لهذا الدين أن يلغى عندما يرغب إيراني يعمل في الخارج في إرسال مال إلى عائلته.
وتعتمد هذه المكاتب سعر صرف خاص بها ممّا يسمح لها بالحصول على فوائد؛ إذ في أواخر فبراير عندما كان اليورو يباع بين 39200 و39600 ريال في طهران، أشار صرّاف عند التواصل معه بالهاتف في العاصمة الإيرانية أنّ اليورو يباع إلى حرفائه مقابل 40200 ريال. ولكن، مكاتب الصرف لا تمتلك ترخيصًا من الحكومة، وبالتالي لا يتمتّع عملاؤها بأيّ ضمان قانوني.
وإذا ما تمّ التوصل على اتّفاق على الملفّ النووي في الأسابيع المقبلة، سيعاد دمج إيران في النظام البنكي العالمي وسيتوقّف الإيرانيون أخيرًا عن اللجوء إلى الحيلة لإرسال المال أو استقباله.
لوموند – التقرير