تعد إيران مصدر القلق العالمي الأول، وصنفها تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي عن الإرهاب في صدارة الدول الراعية للإرهاب، تليها السودان وسوريا. وتساهم إيران بشكل كبير في عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط وتهديد المصالح الأميركية واستهداف أمن حلفائها في المنطقة، من خلال قوة القدس التابعة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي وحزب الله اللبناني والجماعات التي تعمل بالوكالة عنها.
وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها لسنة 2016، في خضم تطورات عميقة يشهدها العالم، وتحدد ملامحها الرئيسية الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. ويقدّم التقرير، الصادر في 445 صفحة، قراءة للاتجاهات والأحداث في مجال الإرهاب الدولي على امتداد عام كامل، من أول يناير إلى غاية آخر ديسمبر.
ويحلل التقرير، الموجّه إلى الكونغرس، السياسات ذات الصلة ويضع تقييمات التعاون بين الحكومة الأجنبية في مجال مكافحة الإرهاب على أساس كل بلد على حدة. ويحتوي على معلومات عن الدول الراعية للإرهاب والملاذات الآمنة للجماعات الإرهابية ومتابعة للتحدي الذي يمثله الإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي، ينتهي بوضع قائمة بالمنظمات الأجنبية المصنفة إرهابية، بالإضافة إلى فصل يحدد متطلبات التشريعية والمصطلحات الرئيسية في التعامل مع قضايا الإرهاب وملفاته.
تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي عن الإرهاب يضع إيران في صدارة الدول الراعية للإرهاب تليها السودان وسوريا
الخطر مستمر
يرصد التقرير التراجع الذي حصل على مستوى القدرات المادية والعسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية، لكنه يشير في نفس الوقت إلى أن الأراضي التي تم استرجاعها، أو يجري العمل على استعادتها، من التنظيم في العراق وسوريا وليبيا أساسا، لا يلغي أنه سيبقى يشكل تهديدا عالميا، من خلال ذئابه المنفردة وخلاياه في الخارج واستمرار الصراع في الشرق الأوسط.
ويلعب الدور الرئيسي في إذكاء هذا الصراع إيران. ويرصد التقرير الأميركي أن إيران تعمل على رفد هذه الجماعات بمزيد من المقاتلين من مختلف الجنسيات كلما تناقص عدد مقاتلي الميليشيات الشيعية التي تدعمها في سوريا والعراق. ولم يتغير شيء منذ أن صنفت واشنطن طهران باعتبارها دولة راعية للإرهاب منذ سنة 1984، كما لم يتغير الأمر بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران. فمنذ توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة لم يتقلص السلوك التهديدي لإيران وعملائها.
ويشير خبراء في معهد واشنطن دراسات الشرق الأدنى إلى أنه في فبراير 2016 عندما أدلى مدير المخابرات الوطنية الأميركية في ذلك الحين جيمس كلابر، بشهادته أمام الكونغرس، قال، إن “جمهورية إيران الإسلامية تشكل تهديدا دائما للمصالح الوطنية الأميركية بسبب دعمها للجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة في المنطقة ونظام الأسد، فضلا عن تطويرها قدرات عسكرية متقدمة”. وبعد شهر، قدّم قائد القيادة المركزية الأميركية “سينتكوم” الجنرال جوزيف فوتل شهادة مفادها أن إيران أصبحت “أكثر عدوانية مع الأيام منذ الاتفاقية”.
واعتمدت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها على هذه الشهادات وغيرها في استقصاء الدور الإيراني وعلاقته بتشعب الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم. وتخلص الخارجية الأميركية إلى أن طهران تساهم في استمرارية الإرهاب الدولي عبر الحرس الثوري وفيلق القدس ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني، بالإضافة إلى ذراعها الرئيسية في المنطقة حزب الله.
ويشكّل هذا الأخير، حسب التقرير الأميركي، مصدر تهديد جدّي لاستقرار لبنان والمنطقة المحيطة، سوريا أساسا. ويشارك حزب الله منذ العام 2013 بشكل علني في الحرب في سوريا، دعما لقوات النظام إلى جانب مقاتلين إيرانيين وعراقيين وآخرين من أفغانستان وباكستان، أتت بهم إيران إلى سوريا. وتزامن صدور تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي عن الإرهاب مع بيان أصدرته المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة السفيرة نيكي هيلي عقب اجتماعها مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ يحثّ المجتمع الدولي على الضغط لنزع سلاح حزب الله وقف سلوكه المزعزع للاستقرار.
وقالت “إن تكديس حزب الله للأسلحة، يشكل حالة تتطلب اهتمام المجتمع الدولي لمنع زيادة تصعيد التوترات الإقليمية”. وأكد البيان على ضرورة “مشاركة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفل) مشاركة كاملة في التصدي للتهديد الذي يشكله حزب الله، وفقا لولاية اليونيفل”. وإلى جانب حزب الله تقوم جماعات أخرى تدعمها إيران بهذا التصعيد، من ذلك جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، بالإضافة إلى الجماعات المقاتلة في سوريا والميليشيات التابعة لإيران في العراق.
ويواصل حزب الله العمل عن كثب مع إيران في مناطق الصراع. ولعب دورا رئيسيا في دعم جهود الحكومة السورية وتوفير التدريب والدعم للجماعات الإيرانية المتحالفة في العراق وسوريا واليمن. بالإضافة إلى ذلك، واصل حزب الله تطوير قدراته الهجومية وبنيته التحتية في جميع أنحاء العالم. وسبق صدور التقرير بأيام قليلة، إعلان الإدارة الأميركية فرض عقوبات جديدة على إيران، بسبب استمرارها في برنامج الصواريخ الباليستية وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أصدر بفرض العقوبات على طهران قرر الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، وهو أمر طالبت به حتى الدول التي كانت تعارض الاتفاق. وباتت ترى أن الأنسب هو إتباع استراتيجية تقييد الاتفاق مع تشديد العقوبات. وفرضت واشنطن عقوبات على 18 فردا وجماعة إيرانية، بسبب برنامج إيران الصاروخي وأنشطة أخرى غير نووية. وقالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان إن العقوبات على إيران تأتي بسبب دعمها لميليشيات حزب الله والحوثيين وحماس وحركة الجهاد الإسلامي. وأضافت أن إيران تواصل دعمها للحوثيين في اليمن بأسلحة متطورة مما يهدد الملاحة في البحر الأحمر، مشيرة إلى أنها تدعم الميليشيات العراقية التي تجنّد الأطفال للقتال و”تجبر اللاجئين الأفغان على المشاركة في الحرب بسوريا”.
وشددت وزارة الخارجية الأميركية، في بيانها، على أن واشنطن مستمرة في مراجعة أسس السياسة الأميركية تجاه إيران، مضيفا “سنتابع سياسات إيران الشريرة في المنطقة خلال الفترة المقبلة”، كما كررت ذات التأكيد في ختام تقريريها السنوي حول الإرهاب، والذي كشف أيضا عن الموقف الأميركي من السودان وقدّم تفسيرا حول لماذا أجّلت واشنطن قرار رفع العقوبات عن الخرطوم، وإن بدت لغة التقارير أقل حدة مقارنة بتقارير السنوات الماضية بخصوص السودان ودعمها للإرهاب.
وتم اعتبار السودان دولة راعية للإرهاب في عام 1993 بسبب دعمها للجماعات الإرهابية الدولية. وفي السنوات الأخيرة سعت الخرطوم جاهدة إلى تحسين صورتها، على الرغم من استمرار وجودها في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتظهر الجهود الجدية للسودان واضحة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. وفي يونيو 2016، أشاد مسؤول أميركي كبير بالسودان بالجهود التي تبذلها الدولة لمكافحة الإرهاب.
ولم ترد أيّ تقارير عن وقوع أيّ هجمات إرهابية في السودان في عام 2016. ولم تعط المؤشرات أيّ تأكيد على أن الحكومة السودانية دعمت أو ساعدت منظمات إرهابية داخل حدودها في عام 2016. لكن، وحتى تقوم واشنطن بتخفيف العقوبات الاقتصادية، وحتى رفعها، مازال يتعيّن على السودان اتخاذ المزيد من الخطوات الإيجابية في عدد من المجالات المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومراجعة العلاقات مع الجماعات والأطراف المتسببة به.
التقرير الأميركي يرصد أن إيران تعمل على رفد هذه الجماعات بمزيد من المقاتلين من مختلف الجنسيات كلما تناقص عدد مقاتلي الميليشيات الشيعية التي تدعمها في سوريا والعراق
لا تسنوا القاعدة
أوضح التقرير أن الهجمات الإرهابية تراجعت خلال عام 2016 بنسبة 9 بالمئة بالمقارنة مع عام 2015. ووقع في عموم العالم 11 ألفا و774 هجوما إرهابيا خلال عام 2015. وتراجع إلى 11 ألفا و72 هجوما عام 2016 مقابل تراجع عدد قتلى الهجمات الإرهابية من 28 ألفا و328 إلى 25 ألفا و621 قتيلا.
لكن، هذا التراجع لا يبعث على الكثير من الأمل والطمأنينة، حيث لا يزال النشاط الإرهابي في أعلى درجاته، وبل ويتوقّع المراقبون أن يصل إلى ذروته، مع العودة المنتظرة لتنظيم القاعدة الذي كثّف من النصف الثاني من 2016 من نشاطه خصوصا في ليبيا حيث زاد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من إمداداته بالعناصر والأسلحة لمجلس شورى ثوار بنغازي وكتائب دفاع بنغازي.
ويشير خبراء في معهد واشنطن إلى أنه نظرا للتركيز الدولي الكبير على تنظيم الدولة الإسلامية سعى تنظيم القاعدة في عام 2016 إلى إعادة بناء قدراته والاستفادة من الخسائر الإقليمية المتزايدة لداعش في العراق وليبيا وسوريا. وأظهرت فروع تنظيم القاعدة في المنطقة قدرتها المستمرة على شنّ هجمات إرهابية قاتلة. فعلى سبيل المثال، هاجم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في 15 يناير فندق سبلنديد في مدينة واغادوغو في بوركينا فاسو وأخذ رهائن وقتل في النهاية ما لا يقل عن 30 شخصا وجرح نحو 56 آخرين.
وذكّرت هذه الحادثة المسؤولين بضرورة الأمن المكثف على الطيران، وهو واقعٌ تعزز في عام 2017 مع إنذارات وزارة الأمن الداخلي حول إمكانات قنابل أشد تطورا من صنع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية اختراق أمن المطارات. وحتى في الدول الأقل أهمية مثل بنغلاديش، نفّذ فرع القاعدة المعروف باسم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية عددا من الاغتيالات ضد ما يسمى بالمرتدين المسلمين والغربيين.
لكن، على الرغم من النجاحات الواضحة التي شهدها تنظيم القاعدة في عام 2016، وخاصة من ناحية الهجمات الإرهابية الإقليمية، إلّا أنه عانى أيضا من انتكاسات في أماكن مثل سوريا واليمن، حيث عانى من خيبات. ففي الیمن، فقد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في أبریل 2016، میناء المكلا بعد سیطرته علیه لمدة عام. وفي أواخر يوليو، اندمج الفرع السوري لتنظيم القاعدة، الذي كان يُعرف باسم، جبهة النصرة مع فصائل جهادية أصغر حجما لتشكيل جبهة فتح الشام، التي ادّعت أنه لم يعد لديها أي علاقات خارجية مع تنظيم القاعدة.
وفي حين اعتبر البعض من المحللين أن هذه المزاعم هي تضليل يهدف إلى إخفاء الروابط المستمرة مع تنظيم القاعدة، ظهر خلاف آخر بشأن التخفيف المتصور لأيديولوجية تنظيم القاعدة ومنهجيته عندما نتج عن عملية الدمج الثانية في يناير 2017 تشكيل هيئة تحرير الشام. وعلى وجه التحديد، أحدثت هذه الخطوة شرخا بين المسؤول الشرعي السابق لجبهة النصرة سامي العريدي والشيخ أبومحمد المقدسي، حيث تساءل الأخير عما إذا ما زال بالإمكان اعتبار التنظيم الجديد حقا جزءا من الإطار الجهادي العالمي.
وتُبيّن هذه الأمثلة كيف كانت سنة 2016 عاما اتسم بالتفاوت بالنسبة إلى تنظيم القاعدة. ومع ذلك، فتحت المصائب المتنامية لتنظيم الدولة الإسلامية فرصا مستقبلية لتنظيم القاعدة لتغيير الصراعات في أفغانستان ومالي والصومال وسوريا واليمن، مثلما هو الحال مع شبكة التهديد الإرهابية المستمرة التي تشكلها إيران ووكلائها، ما يفرض الحاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات لتضييق الخناق على هذه الشبكة بالتوازي مع منع الجماعات الإرهابية من الوصول إلى الملاذات الآمنة. وفي جميع هذه المجالات، لا يزال يتعيّن اتخاذ الكثير من الخطوات في المستقبل.